تتجه سياسة تركيا الراهنة إلى اكتساب دور قيادي للمنطقة العربية مع الحفاظ على علاقات الصداقة والتعاون مع إسرائيل. أما قيادة المنطقة سياسياً فإنها تكسبها ثقلاً يسمح لها بدخول الاتحاد الأوروبي من مركز قوة، وهو الهدف التركي الاستراتيجي الذي لا يتغير بتغير العهود. وأما الصداقة مع إسرائيل فهي شرط لعلاقة قوية مع أميركا.
إسرائيل لم تعجبها هذه الإستراتيجية التركية المزدوجة، فقررت إفشالها، فمن يريد صداقة إسرائيل لا يجوز أن يكسب شعبية على ظهرها، وأن يؤيد الفلسطينيين، ويغازل إيران، وينافس إسرائيل على وكالة الغرب في الشرق الأوسط. ومن هنا توالت الرسائل الإسرائيلية لتركيا، ابتداء من إهانة سفيرها في تل أبيب وانتهاء بمهاجمة سفينة تحمل العلم التركي في المياه الدولية وقتل ركابها الأتراك مما يعتبر عملاً حربياً استفزازياً ما زال دون رد.
الناطق التركي كان صادقاً مع نفسه ومع شعبه وشعوب المنطقة عندما أكد أن تركيا لن تلجأ لعمل عسكري ضد إسرائيل، وأن خطتها هي إدانة إسرائيل وحشد الرأي العام والحلفاء ضد سلوكها العدواني، بدءاً بالأمم المتحدة، وانتهاء بحلف الأطلسي، مروراً بإصدار بيانات قوية موجهة أساساً للشارع العربي.
الموقف التركي لا يختلف جذرياً عن مواقف الأنظمة العربية، شجب وإدانة، وتحريض ما يسمى المجتمع الدولي ضد إسرائيل، وتحميله مسؤولية وقفها عند حدها.
مواقف تركيا السياسية والدبلوماسية والإعلامية التي لا تختلف في الأساس عن المواقف العربية الرسمية، يوظفها المعلقون العرب لجلد الذات، مع أن ما يجمع الجانبين هو نبذ الخيار العسكري، والاكتفاء بالنشاطات الإعلامية، والتوجه للآخرين لكي يقوموا بالمهمة. وفي جميع الحالات فالجائزة هي زعامة وقيادة العالم العربي والسيطرة على إمكانياته.
مشكلة صناع الرأي العام العرب أنهم يتحلون بثقافة الانتحار الذاتي، فهم يطالبون السلطة الفلسطينية برفض المفاوضات غير المباشرة وكأن المفاوضات مطلب إسرائيلي، مع إن إفشالها هو ما تريده إسرائيل، ويطالبون بإلغاء المعاهدة وكأنها هي الحائل دون زحف الجيوش العربية لتحرير فلسطين، مع أن الإلغاء يشكل هدية لإسرائيل.
تستحق تركيا كل الشكر والتقدير على مواقفها الجديـدة، ولكن علينا أن نرحمها من المبالغة في التوقعات، فهي لا تستطيع ولا تريد أن تكون عربية أكثر من العرب.
جريدة الراى
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق