Facebook

هل يجوز الانحياز للحاكم إذا ثبت أن مصلحة البلاد تتطلب تنحيته؟




بقلم ـ موسى راغب



الرئيس السوري بشار الاسد

بداية، لا خلاف على أن الشعب السوري عاش أكثر من أربعة عقود (وتحديداً منذ عام )1963 في حالة طوارئ، لم يذق خلالها طعم الحرية التي توفرها النظم الديمقراطية، وذلك امتثالاً لشعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة". كما لا مناص من الاعتراف بالخطأ الفادح الذي ارتكبه الرئيس الراحل حافظ الأسد بحق أهل حماة، حين استخدم العنف المفرط في القضاء على تظاهراتهم الاحتجاجية ضد حكمه، والذي بدا أن الكثيرين يحملون بشار هذا الإرث الثقيل الذي تركه له والده الراحل.

(1)
من الطبيعي أن يطالب  الشباب السوري بالإصلاح

كان من الطبيعي- في ظل هذا التيار الثوري الجارف الذي تعيشه المنطقة العربية- أن يبادر الشباب السوري إلى المطالبة بإلغاء النظام "البوليسي" القائم، والذي لم يورث سوى الخوف والفساد وكبت الحريات والبطالة وعدم الشعور بالانتماء والأمان على المستقبل.

ويبدو ان الرئيس بشار الأسد قد استشعر- منذ اعتلائه سدة الحكم- ضرورة تغيير تلك الأوضاع السيئة التي لازمت حياة السوريين طيلة تلك الفترة . فقد صرح أكثر من مرة، بأنه عازم على إزالة كل ما يعترض برامج التنمية من عقبات، سواء على صعيد السياسة الداخلية والخارجية أو الصعيد الاقتصادي.

لكن يبدو أن الحرس القديم الذي كان وما زال بعض رموزه يمسك بزمام الأمور في البلاد، إضافة لمحاولة أمريكا ودول أوروبا عزل سوريا وفرض عقوبات عليها طالما لم تتخل عن انتمائها لمحور المقاومة .. قد حال دون قيام بشار بتنفيذ الإجراءات الإصلاحية التي وعد بها الشعب السوري، وبالسرعة التي تكفل رفع المعاناة عنه. وهذا ما أظهره أمام شعبه وكأنه عاجز أو غير راغب في الوفاء بوعوده، وبخاصة ما يتصل نها بإلغاء حالة الطوارئ التي يستحيل معها تحقيق الإصلاحات التي وعد بها بشقيها التشريعي والعملاني.

صحيحاً أن الرئيس بشار قد حقق جزءاً من الإصلاحات التي لا مجال لذكرها الآن، لكن الصحيح أيضاً أن تلك الإصلاحات، لم تغط حتى الحد الأدني من احتياجات الشعب السوري .

والسؤال الذي يتبع التسليم بهذه المقولة هو : هل من العدل الصواب أن نحكم على بشار الأسد، بأنه على شاكلة الحكام الذين نهبوا الأموال ونشروا الفساد وأعملو القتل في العباد والخراب في البلاد، ولفظتهم شعوبهم؟ .. برغم أن وجود حالة الطوارئ تمكنه من ارتكاب مثل تلك الجرائم بسهولة ودون مساءلة قانونية على الأقل.

(2)
ليس من العدل أن لا يحتسب لبشار الأسد مواقفه الوطنية

كلنا يدرك أن الرئيس بشار، رفض كل محاولات الدول الغربية (وبخاصة من أمريكا التي تنظر لقضايا المنطقة العربية بعين إسرائيلية) .. نقول: رفض كل الضغوط التي مورست عليه لتغيير مواقفه من القضايا القومية بعامة، والقضية الفلسطينية بصفة خاصة.

وهذا ما دفع الغرب لفرض عزلة دولية على سوريا دامت نحو ثماني سنوات .. هي الفترة التي قضاها الرئيس الأمريكي بوش في الحكم. ولم ينته هذا العزل (نسبياً) إلا عندما رحل المذكور الذي تزعم عملية العزل هذه، وعندما أيقنت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة "باراك اوباما" وكذلك الدول الأوروبية، أن من المستحيل حل أيٍ من قضايا المنطقة، دون موافقة سوريا بل ومشاركتها الفاعلة في حلها .

السبب في ذلك أن الرئيس بشار الأسد، حافظ على الثوابت القومية للأمة العربية، واحتضن فصائل المقاومة الفلسطينية التي رفضت الانصياع للأجندة الصهيوأمريكية بشأن حل القضية الفلسطينية، ووقف أمام أطماع إسرائيل في فرض سياستها الاستعمارية الاستيطانية على سوريا ولبنان والمنطقة.

من أجل ذلك، كانت سوريا الراعية الرئيس لتحالف قوى المقاومة في المنطقة،  والذي يضم  كلاً من "إيران وحزب الله وحركة حماس إضافة لسوريا"، مقابل ما يسمى بدول الاعتدال العربية، هذا فضلاً عن أن سوريا هي القوة العربية الوحيدة التي ما زالت "في حالة" حرب مع إسرائيل .

وحين ننظر إلى مواقف الرئيس بشار الأسد، الذي تعرض نظامه لمحاولات  الاحتواء وحتى الإسقاط من قبل الإدارة الأمريكية السابقة والدول الغربية .. نتيقن أن من الغبن التعامل معه على النحو الذي تصوره وسائل الإعلام الصهيونية والغربية، وبخاصة إعلام إسرائيل وإذاعة وتلفزيون الـ  بي بي سي البريطانية.

لكن هذا لا يعني مطالبة الشعب السوري بالسكوت على ما يعانية من كبتٍ للحريات وتعسفٍ للأحكام والإجراءات التي تُتخذ بحقه، بسبب قانون الطوارئ الذي ما زال السوريون يرزحون تحته. فالأصلاحات التي حققها نظام بشار الأسد خلال العشر سنوات الماضية، لم تكن كافيه بالقدر الذي يمنع مطالبة السوريين برفع القيود المفروضة على حرية التعبير، والقضاء على الفساد، وإلغاء قانون الطوارئ الذي ظل جاثما على صدورهم منذ عام 1963، بدعوى أن "لا صوت يعلو على صوت المعركة" كما ذكرنا.

فما يتمناه المواطن السوري، أن يرى النظام وهو يعمل بعزم وقوة على تحقيق مطالبة التي تعزز- بدون شك- قدرات الشعب على العطاء، وتعينه في بناء الدولة على أسس ديمقراطية سليمة، من شأنها أن تقضي على المشكلات التي طالما عاني المجتمع السوري منها لعقود طويلة.



احتجاجات ومظاهرات فى درعا

ليس من شك أن من حق الشعوب التي ترزح تحت نير الظلم والاستبداد أن تطالب بإسقاط حكامها، حين تتيقن من رفضهم الاستجابة لطموحاتها في تحرير الأوطان والإنسان من هذه الأثافي، وحين لا ترى سببا مقنعاً لتعطيل عملية الأصلاح. فعندئذٍ يحق لها أن تُظهِر لأرباب النظام والعالم، أن صبرها على الظلم والفساد وكبت الحريات، ليس نتاج استكانتها أو خوفها من بطش الحكام، وإنما تقديراً منها لظروف داخلية أو خارجية استثنائية، كما هو حال سوريا التي عاشت وما زالت تعيش حالة حرب مع إسرائيل.

لذلك .. فلا غرابة أن يواجه النظام السوري ذات المصير الذي واجهته الأنظمة العربية التي اجتاحتها الثورات الشعبية، ما لم يعمل (بدأب وإخلاص) على تلبية مطالب الشعب الملحة، وبخاصة "إلغاء حالة الطوارئ، والسماح بحرية التعبير، وإقرار حقوق الإنسان، والقضاء على البطالة، والعمل على رفع مستوى المعيشة، فضلاً عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإحلال الديمقراطية محل النظام البوليسي، الذي يعتمد الخيار الأمني في التعامل مع مشاكل المجتمع".

قد يبدو أن نظام بشار أدرك هذا الأمر (ولو متأخراً)، حين أعلنت المسشارة الإعلامية بثينة شعبان، أن الحكومة السورية اتخذت قراراً بإلغاء قانون الطوارئ، كما قررت زيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة بهدف تحسين مستوى معيشتهم. كما أشارت بأن الحكومة قررت اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التوقيف العشوائي للمواطنين، إضافة لتأمين حرية الإعلام، وحرية التعبير، وإقرار حقوق الإنسان .. الأمر الذي يمكن أن ينتهي بإحلال الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية التي تتيح إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة (إذا ما صدقت النوايا).

ويبدو أن النظام السوري جاد هذه المرة في تطبيق الإصلاحات التي أشارت إليها المستشارة الإعلامية، حيث أكدها نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الذي صرح بأن ثمة قرارات هامة بشأن إجراء إصلاحات تفي بمتطلبات الشعب السوري قد اتخذت، وأن الرئيس بشار الأسد سيقوم بنفسه بإعلانها على الشعب السوري.

(3)
دور وسائل الإعلام  المعادية في تأجيج التظاهرات

إذ نقر بأن عدم قيام النظام السوري بالإصلاحات على النحو الذي وعد به الرئيس بشار الأسد، كان كفيلاً بقيام التظاهرات الاحتجاجية، غير أن ما حدث في بلدة درعا- التي بدأت تلك الموجة من التظاهرات- يثير العديد من التساؤلات حول استخدام العنف المفرط الذي شهدته المواجهات بين قوى الأمن والمتظاهرين، وحول العدد الكبير من الضحايا الذي تجاوز خمسين قتيلاً إضافة لعشرات الجرحى. كما يثير الكثير من التساؤلات حول المتسبب الحقيقي في وقوع عدد كبير من هؤلاء الضحايا في "حوادث حصرية".

ما سبق يقودنا إلى التساؤل عن الدور الذي يمكن ان تكون وسائل الإعلام المعادية قد لعبته في تأجيج التظاهرات، وبخاصة الصحافة الإسرائيلية والإذاعات والفضائيات الغربية كإذاعة وتلفزيون البي بي سي (باعتبار سوريا إحدى دول محور المقاومة في المنطقة)، هذا فضلا عما قام به فريق 14 آذار اللبناني (بحسب الاتهامات السورية) من أعمال عدائية زادت من عدد الضحايا الذين قضوا نتيجة جرائم القنص التي شهدتها مدينة اللاذقية.

فمن يطلع على مضمون الرسائل الإعلامية التي تبثها، يتيقن من أن هدفها إسقاط النظام السوري لسببين: الأول، أن سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي ما زالت في حالة حرب مع إسرائيل، والثاني أنها عضو في محور المقاومة الذي يقف بصلابة ضد المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.

فإسرائيل التي تعتقد بأن الغرب فشل في احتواء النظام السوري برئاسة بشار الأسد، إضافة لتحالفه الوثيق مع إيران عدوها اللدود، واحتضانها لفصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني، وتبنيها للنهج المقاوم في التعامل مع إسرائيل .. كل ذلك لا بد وأن يدفعها لفعل كل شيء من شأنه إسقاط نظام بشار. وعليه فإن أي نظام بديل يحكم سوريا، هو أفضل- في نظر الإسرائيليين- من النظام السوري الحالي.

وهذا يجعل احتمال تدخل عملاء إسرائيل في إشعال جذوة المظاهرات ضد بشار، والتي بدأت في بلدة درعا .. أمراً وارداً، إن لم يكن مؤكداً. فهذه البلدة تقع على الحدود الجنوبية لسوريا، وتتقاطع مع الحدود الأردنية ومع التواجد العسكري الإسرائيلي في تلك المنطقة الحدودية، ما يجعل تسلل عملاء إسرائيليين للبلدة أمراً سهلاً.



احتجاجات ومظاهرات فى درعا

غير أن ذلك لا ينفي إقدام شرطة النظام السوري على استخدام العنف ضد المتظاهرين، ما أوقع العشرات من الضحايا الذين قضوا نحبهم، إضافة لأعداد كبيرة من الجرحى- بحسب وكالات الأنباء. وهذا ما كان ينبغي أن (يقع) تحت أي ظرف من الظروف.

ومع التأييد الكامل لحق الشعب السوري في رفض الظلم والكبت والفساد الذي يعاني منه، غير أن مواقف الرئيس بشار الأسد من القضايا القومية للأمة، ينبغي أن تظل محل تقدير واحترام. فليس من العدل أن ننسى موقفه من الغزو الأمريكي للعراق، حين أعلن وقوفه مع الشعب العراقي ورفضه للغزو، ما أدى لاتخاذ الإدارة الأمريكية لإجراءات عقابية ضد سوريا. زد على ذلك دعمه لحزب الله الذي مرغ أنوف الجنود الصهاينة في التراب، وكذلك احتضانه لفصائل المقاومة التي تتبنى النهج المقاوم وترفض أسلوب التفاوض العبثي الذي تنتهجه السلطة الفلسطينية.

غير أن هذه الاعتبارات لا تبرر القبول باستخدام النظام السوري للخيار الأمني على حساب الخيارات السلمية الأخرى القائمة على انتهاج أسلوب الحوار والتفاوض لحل القضايا.
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق