Facebook

ملف شامل عن الثورة السورية


بقلم ـ موسى راغب






يدخل النظام السوري في هذه اللحظة منعطفاً غاية في الخطورة ، ذلك أن التظاهرات الاحتجاجية التي عمت العديد من المدن السورية التي راح ضحيتها المئات من الشهداء والمصابين .. وضعت البلاد على شفا فوضى قد تنتهي بحرب أهلية ، يكون الشعب السوري فيها الخاسر الأكبر ، وبخاصة أن النظام يبدو أنه قد اتخذ قراراً باستخدام الخيار الأمني لقمع المظاهرات مهما كلفه الأمر . وما لم يتم التوفيق بين المتظاهرين الذين يطالبون بإصلاحات مشروعة اعترف بها الرئيس السوري نفسه ، وبين تمسك النظام السوري بالحكم .. فإن سوريا ستظل تعيش على صفيح ساخن ، حتى لو استطاع النظام أن يقمع المظاهرات بالقوة .

فرياح التغيير في المنطقة العربية التي كانت معاملة النظام الرسمي العربي السيئة بحق المواطنين إحدى أسبابها الرئيسة ، لن تسمح لهذا النظام أن يستمر . ولن يشفع للنظام السوري أن يكون استثناء من هذا المصير ، بدعوى أنه عضو في محور المقاومة ، ومتمسك بالثوابت القومية للأمة العربية ، مالم يقم- هو وشركاؤه- بتفعيل هذه الشعارات وترجمتها لأفعال على الأرض . 

(1)
أحسب أن سوريا ستظل دوما قلب العروبة النابض

كنت دوما أحلم بأن ما يسمى بمحور المقاومة في المنطقة الذي يضم كلا من سوريا وإيران وحزب الله اللبناني وحركة حماس ، هو الذي سينجح في إزالة الكيان العبري من على أرض فلسطين ، أو- على الأقل- دفع سكانه الصهاينة إلى التفكير جديا في الرحيل إلى المواطن الأصلية التي أتوا منها . وبذلك يصبح هذا الكيان طارداً وليس جاذبا ، كما ساد الحال خلال عقود الانحطاط التي مر بها النظام الرسمي العربي الفاسد ولا يزال .

وحين اعتلى الرئيس بشار الأسد سدة الحكم في سوريا ، وأعلن عن برامج إصلاحية من شأنها أن تحدث نقلة نوعية تمكن سوريا من التحول لدولة قوية يحسب حسابها إقليميا ودولياً ، وحين أعلن التزامه بالثوابت القومية للأمة العربية ودعمه لقوى المقاومة في الوطن العربي .. استبشرنا خيراً ، وبخاصة أن الكثير من مواقفه حيال القضايا القومية كانت تعبر عن هذه المشاعر .

لكن الأحداث التي جرت خلال الشهر الماضي في سوريا ، أغرقت الكثيرين من هؤلاء .. في بحر من الإحباط . فقد تصاعدت حدة المظاهرات التي تطالب بإسقاط النظام إلى درجة تنذر بوقوع حرب أهلية ، يكون الخاسر الأكبر فيها الشعب السوري أولاً ، والأمة العربية التي تعقد آمالاً كبار على تمسك الرئيس بشار بالمقاومة ثانياً .

 لقد كان هؤلاء المستبشرين يأملون من الرئيس السوري ، أن يكون متفهما لدواعي الانتفاضة التي قام بها شعبه ، فيسارع إلى تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها ، والتي وعد- هو نفسه- بتحقيقها حين تولى رئاسة سوريا . غير أن ردة الفعل لدى رجالات نظامه ، لم تكن على مستوى الأحداث التي جرت وتجري في المنطقة ، ظناً منهم أن السوريين لن يقوموا بما قام به أشقاؤهم في تونس ومصر ، بسبب ما يصفونه بالخصوصية التي يتدثر بها الشعب السوري ، والتي تمنع وقوع ما وقع في مصر وتونس .. في سوريا .

فأغلب الظن أن هذا الموقف نابع من اقتناع رجالات النظام ، بأن المؤسسات الأمنية قادرة على قمع التظاهرات بالقوة إذا ما اشتد إوارها . وهذا ما بدأوا بترجمته بشدة منذ الخامس والعشرين من إبريل الجاري 2011 ، حين اقتحم الجيش بدباباته ومدرعاته مدينة درعا التي بدأت فيها التظاهرات منذ ما يزيد عن الشهر وحتى الآن .وحجتهم التي ساقوها لتبرير هذا الفعل المشين ، هي القضاء على شبكات تخريبية استطاعت أن تخترق الأمن السوري وترهب المواطنين وتحرض الشعب ضد النظام .

 وكان لا بد لهذا الظن أن يتحول إلى يقين ، حين تواردت أنباء عن أن قوات من الجيش بدأت تستعد لاجتياح مدن أخرى مثل ضاحية دوما قرب دمشق ، وبانياس واللاذقية وحمص ومدن أخري ، ما يشير إلى أن النظام السوري قد اتخذ قراره بقمع التظاهرات بالقوة مهما كلف الأمر . وهذا ما لم يعد مقبولاً في هذه الفترة من تاريخ المنطقة العربية التي تجتاحها رياح التغيير ، مُحَطِّمَة أمامها رموز النظام العربي الرسمي الخرب .






نعم .. قد يستطيع النظام السوري- باستخدامه العنف المفرط في التعامل مع المتظاهرين- أن يقمع المظاهرات .. لكن هذا لن يستمر طويلاً . كما ستخلق هذه الممارسات لدى الغالبية في سوريا غضباً لن تستطيع دبابات ومدرعات النظام أن توقفه إلى الأبد ، فضلاً عن شبهة الطائفية التي ستلتصق بالنظام ، واعتبارها المحرك لكل الممارسات القمعية التي يستخدمها النظام بحق المتظاهرين ، مهما حاول رجالاته وعلى رأسهم الرئيس بشار أن ينفونها .

(2)
اتهام ممارسات النظام ضد المتظاهرين بالطائفية

 ليس من شك أن النظام في سوريا يحاول أن يدفع عن نفسه هذه الشبهة (الطائفية) ، ويدفع كذلك اتهامه باستخدام الدبابات والمدرعات ضد المتظاهرين ، وإنما ضد المتآمرين على أمن سوريا واستقلالها .. وذلك بدفوع ثلاثة :

الأول- الادعاء- تارةً- بأن تشكيلات مسلحة ترعاها جهات خارجية معادية لسوريا ، هي التي اخترقت الأمن السوري ، وقامت بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ، وأعملت التخريب في الممتلكات العامة والخاصة ، وأشاعت الخوف والإرهاب بين المواطنين ، بهدف نشر الفوضى .. وصولاً لإسقاط النظام . والادعاء- تارة أخرى- بوجود عصيان مسلح يرعاه السلفيون .. يقوم بإطلاق الرصاص على المتظاهرين ويشيع الخوف والإرهاب في الشارع السوري ، وهدفه (أيضاً) .. إسقاط النظام .

غير أن الأخذ بهذا الدفع يرتبط عضويا بمدى صدق النظام في ادعائه بأن رجال التشكيلات الإرهابية والعصيان المسلح .. هم المسئولون عن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ، وليس رجال قوى الأمن والجيش الذين كانت مهمتهم الرد على هؤلاء المجرمين. ويدللون على ذلك بأن العديد من هؤلاء ، وقعوا صرعى رصاص المخربين والإرهابيين والمتآمرين على أمن سوريا واستقرارها .

الثاني- تخويف الشعب السوري من أن ثمة فراغاً سياسياً وأمنياً سوف ينشأ نتيجة إسقاط النظام الحالي ، وأن البلاد ستغرق في بحر من الفوضى ما يؤدي- في النهاية- لوقوع صدامات بين العديد من طوائف الشعب ، قد تتطور لحرب أهلية طاحنة يكون الخاسر الأكبر فيها الشعب السوري ، والثوابت القومية للأمة العربية ، كما يصبح مستقبل سوريا في مهب الريح لا يستطيع أحد أن يتنبأ إلى أي مصير ينتهي .

نعم .. صحيح أن ممارسات العنف ضد المتظاهرين قد تؤدي إلى صدامات بينهم وبين قوى النظام ، يمكن أن تتحول- إذا ما تصاعدت حدتها- إلى حرب أهلية .. وصحيح أن سوريا ستكون الخاسر الأكبر إذا ما قامت هذه الحرب . غير أن ما هو صحيح (أيضاً) أن تاريخ الشعب السوري يرفض القول بأن الفراغ السياسي والفوضى سيكونان سيد الموقف إذا ما سقط النظام ، فسوريا كانت دوما قلب العروبة النابض ، والحامية لثوابت الأمة العربية وقضاياها .

الثالث- تحذير الشعب السوري والشعوب العربية من أن الدور الذي تقوم به سوريا في المحيط العربي والإقليمي ، سوف تذروه رياح الفوضى التي ستعم البلاد نتيجة إسقاط النظام . وهنا نذكر النظام بأن هذه الدعاوى ، لا يمكن لأي مطلع لتاريخ سوريا أن يصدقها ويأخذ بها .

صحيح أن أعداء سوريا كثر بسبب المواقف القومية التي اتخذها النظام في التعامل مع إسرائيل وأمريكا ودول أوربا . وصحيح (أيضاً) أن هذا العداء لا بد وأن يدفع أصحابه للعمل على إثارة الفتن والقلاقل والإرهاب في سوريا .. وصولا لإسقاط النظام . غير أن ما تناقلته وكالات الأنباء ، وما عرضته الفضائيات من مشاهد عنف ارتكبتها قوى الأمن والجيش بحق المتظاهرين .. يظهر بوضوح أن النظام قرر استخدام الخيار الأمني كوسيلة غالبة لقمع المظاهرات وإعادة الهدوء للشارع السوري ، كما قرر أن لغة التفاهم والحوار ليست واردة- في هذه المرحلة على الأقل- في خططه لتهدئة الوضع المتفجر .

(3)
لم لا يُقٌدِم محور المقاومة على تفعيل شعاراته






وهنا نتساءل : لماذا يتخذ النظام السوري هذا الموقف التعسفي من مطالب المتظاهرين التي اعترف الرئيس بشار نفسه بمشروعيتها ؟. إذا كانت حجته أن حالة الحرب القائمة مع إسرائيل لا تحتمل (الآن) قيام مظاهرات من هذا القبيل ، فعليه أن يثبت صدق دعواه .. بأن يدعو حلفاءه في محور المقاومة- وهم حزب الله وحركة حماس وإيران- لاتخاذ خطوة نحو ترجمة الشعارات التي طالما رفعوها في كل مناسبة ، وهي تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ؟.

الرئيس الإيراني نجاد أعلن أكثر من مرة أن الكيان العبري يجب أن يزول ، وأن على الصهاينة في هذا الكيان أن يعودوا للبلدان التي أتوا منها . وأمين عام حزب الله سيد حسن نصر الله الذي شبه إسرائيل ببيت العنكبوت .. أعلن مراراً بأن هدف حزب الله ، ليس تحرير الأرض اللبنانية المحتلة فقط ، وإنما إزالة هذا الكيان من على أرض فلسطين حتى يعود أهلها الأصليون إليها . أما أحد ثوابت حركة حماس الفلسطينية الرئيسة ، فهي عدم الاعتراف بإسرائيل ، وتحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر .

 وما دام الأمر كذلك ، فلم لا يتخذ أطراف هذا المحور (الآن) خطوة عملية نحو ترجمة شعاراته إلى واقع على الأرض ، وبخاصة أن القيام بمثل هذا العمل يمكن- حتى في نظر إسرائيل ذاتها- أن ينقذ نظام بشار الأسد من مخاطر السقوط ، فضلاً عن أنه يثبت مصداقية الشعارات التي يرفعونها .

ليس من شك أن الإقدام على خطوة كهذه ، تتطلب من قادة أطراف محور المقاومة أن يكونوا قد خططوا مسبقاً ليكونوا وشعوبهم على استعداد لدفع الثمن . فإذا جاء رد هؤلاء القادة سلباً على هكذا اقتراح ، بدعوى أن الأوضاع الراهنة في بلدانهم لا تسمح (الآن) بالاشتباك مع العدو الإسرائيلي على نطاق واسع (وهي الحجة التي طالما ترددت على مر العقود وليس السنوات) .. فالرد هو أن ترجمة شعار المقاومة- كما نفهم- يستوجب من أصحابه القيام (على الأقل) بأفعال على الأرض من شأنها إشاعة القلق وعدم الشعور بالأمن والأمان في الكيان العبري ، وبذلك يبدأ هذا الكيان في التحول من مجتمع "جاذب" كما الحال الآن إلى مجتمع "طارد" . فإذا ما تحقق هذا الهدف .. يستطيع محور المقاومة أن يتبعه بخطوات أخرى ضمن خطة معدة سلفاً .

ومهما يكن من أمر ، فإن ما ننبه له ، هو أن إصرار النظام السوري على استخدام العنف المفرط  في قمع المظاهرات ، وإيقاع المزيد من الشهداء والمصابين بين المتظاهرين .. لا بد وأن ينتهي إلى تأكيد "النزعة الطائفية" التي تحرك النظام في مجابهة التظاهرات السلمية . وهذا يضع الطائفة العلوية في سوريا في موقف لا تحسد عليه ، الأمر الذي يفهم الرئيس بشار ورجاله تبعاته وتوابعه جيداً .

وكما ذكرنا في مقالات سابقة .. أن الأمر يتطلب من الرئيس السوري أن يعمل بجد وبسرعة على تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها المتظاهرون ، وتلك التي وعد هو نفسه بها حين تولى رئاسة سوريا . وغير ذلك يعني دخول سوريا في جو من القتامة السياسية والاجتماعية لن تنجلي إلا بسقوط النظام . وهذا أمر وارد .. طالما ظل النظام على عناده في استخدام الخيار الأمني في التعامل مع المتظاهرين ، وطالما لم يقم بإصلاحات حقيقية تصب في مصلحة جميع أبناء سوريا ، وكل طوائفها وأطيافها السياسية والمذهبية والعرقية والعقائدية دون استثناء .
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق