Facebook

خسارة أخرى للعرب

ربما سيكون رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اليوم في لحظة صدق نادرة وهو يردد العبارات البروتوكولية المعهودة معربا عن سعادته بزيارة مصر.ذلك أن أي شخص في مكانه لا يمكن إلا أن يكون في منتهى السعادة لأن زيارته اليوم إلى القاهرة تشكل بالنسبة إليه مغنما سياسيا كبيرا وانتصارا هاما لطروحاته بشأن السلام الاقتصادي الذي ملخصه شعار "الخبز مقابل السلام" بديلا لشعار "الأرض مقابل السلام" الذي رضي به العرب على علاّته ثم انقلب عليه مقترحوه أنفسهم.استقبال القاهرة اليوم لرئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد بنيامين نتنياهو لا يمكن أن يكون إلا هدية عربية ثمينة للرجل الذي صعد إلى الحكم مجددا على أساس برنامج يتنكر لكل الحقوق الفلسطينية والعربية وينقض كل ما تم التوصل إليه إلى حد الآن من اتفاقات هزيلة، في مقابل الدفع بعامل يهودية الدولة بشكل غير مسبوق ورسم واقع جديد على الأرض أبرز سماته الاستيلاء على القدس كاملة عبر استكمال الطوق الاستيطاني من حولها وهو البرنامج الذي بدأت حكومة نتياهو فعلا في تنفيذه.وبالإضافة إلى ذلك يزيد الظرف الزمني للزيارة من قيمتها بالنسبة للجانب الإسرائيلي ومن فداحة ضررها للطرف العربي. فهذه الزيارة التي قد تتحول لاحقا إلى جولة عربية إذا صحت الأنباء عن اعتزام عمّان استقبال نتياهو.. هذه الزيارة تسبق بأيام زيارة أخرى أهم يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي في النصف الثاني من الشهر الجاري إلى واشنطن. وقد خيم عليها منذ إعلانها شبح المخاوف الإسرائيلية من أن يتشدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في التمسك بحل الدولتين، على الأقل إذا أُخذ في الاعتبار منطوق الخطاب السياسي للإدارة الأمريكية الجديدة.أما بعد "جولة" رئيس الوزراء الإسرائيل العربية فالرسالة التي ستسبقه إلى البيت الأبيض ستكون بمنتهى الوضوح وملخصها أن العرب يقبلون التواصل مع نتياهو ويستقبلونه في عواصمهم كما هو ودون الحاجة حتى إلى رتوش وتعديلات على أفكاره المتشددة، فلماذا بعد ذلك يرضى طرفا "السلام" ولا يرضى راعيه الأمريكي.لقد كان حد أدنى من الممانعة العربية بوجه نتنياهو وحكومته التي تضم رموزا للتطرف لم يراع أحدهم حتى البروتوكول السياسي حين تهجّم على دولة عربية ورئيسها، أجدى في هذا الظرف بالذات الذي تخيلنا فيه للحظة بوادر صرامة غربية وأمريكية بوجه إسرائيل بقيادة حزب الليكود وموقفها من السلام.وبغض النظر عن مدى تلك الصرامة وجديتها فقد كان أجدر بالعرب محاولة استثمارها وتكريسها بتوجيه رسائل سياسية عربية واضحة تقول إنهم سيرفضون التعامل مع حكومة تطرف إسرائيلية على الأقل إلى حين تثبت عزمها على الحد من غلوائها.لكن الرسالة التي تصدر اليوم من القاهرة -بكل أسف- ومن عمّان من بعدها معاكسة تماما لهذا المطلب البسيط وتوضح بلا لبس قبول العرب بالتعامل مع أي حكومة إسرائيلية مهما كانت طبيعة تركيبتها وأفكار أعضائها وطريقة تعاطيهم مع الحقوق العربية. ومن شأن ذلك أن يثبط عزائم الأقلية القليلة بين ساسة الغرب الذين ما زالوا ينظرون إلى الصراع العربي الإسرائيلي بحد أدنى من العدالة ولا ينحازون بلا قيد أو شرط -وعلى غرار أغلبية زملائهم- إلى الطرف الإسرائيلي.والحقيقة أن ما جعل مثل تلك الأصوات الغربية تغدو أقلية هو بعض السياسات العربية ذاتها تجاه العدو الإسرائيلي وانسياقها إلى التطبيع معه دون قيد أو شرط وفي كل الظروف والحالات.إن إسرائيل سواء في عهد رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، أو الحالي بنيامين نتياهو آتت من الجرائم تجاه الفلسطينيين، وأبدت من التشدد ما يتيح حتى للموقّعين معها على "اتفاقيات سلام" أن يوقفوا مسار التطبيع معها، أو على الأقل أن يتوقفوا عن مزيد دعمه.ونجزم بأن أحدا -حتى من أعتى أنصار الدولة العبرية- لا يستطيع أن يدين مثل ذلك الموقف العربي لأن نتائج الجرائم ماتزال ماثلة في غزة، وخرائط تهويد القدس لا تحتاج إلى بيان، وتصريحات ليبرمان الوقحة والنارية تشهد على طبيعة المشاركين في حكم إسرائيل.. أما شبكات التجسس الإسرائيلية التي تتساقط تباعا في لبنان فتعطي صورة في منتهى الوضوح عن "الجار الصالح" الذي يراد للعرب أن يسالموه ويدمجوه في منطقتهم ويتبادلوا معه "المنافع" الاقتصادية.في ضوء كل هذا كنا نود أن نرى القاهرة وهي تدير ظهرها لنتنياهو ولو على سبيل المساومة وتحسين شروط التفاوض، كي لا يتمادى في مخططاته، وكي لا يغريه التساهل العربي باقتراف حماقة أخرى بحق الفلسطينيين أو أي قطر عربي، لكن الذي حصل هو العكس، وعلى قدره ستكون النتائج مزيدا من ضعف الموقف العربي، وضياع المزيد من الحقوق.كذلك يحف بـ"جولة" نتنياهو العربية حديث آخر لا يقل إثارة للفزع، ويتمثل في إمكانية إدخال "تعديلات" على مبادرة السلام العربية لتغدو مقبولة من طرف إسرائيل. ونحن نعلم أن الأخيرة لن تقبل بتلك المبادرة إلا إذا مست بما تبقى من الثوابت ومن بينها عروبة القدس وحق عودة اللاجئين.ويوجد ما هو أخطر في "جولة" نتنياهو العربية، ويتمثل فيما سرّبته الصحف العبرية بشأن السعي إلى تشكيل تحالف يضم إسرائيل ودولا عربية بوجه "التهديدات الإيرانية".ولسنا بوارد تحديد مدى جدية تلك التهديدات من عدمها، ولكنا لا نتردد، حين تجب المقارنة، في تصنيف التهديدات الإسرائيلية على رأس المخاطر التي تحيق بالعرب ويتوجب التصدي لها قبل أية تهديدات أخرى، ومن ثم فإن الانصراف إلى مقارعة إيران في اللحظة الراهنة هو خروج واضح عن لب الموضوع لصالح أجندات تخدم أولا أطرافا غير عربية.إن بعض العرب وهم يفتحون أبواب عواصمهم لاستقبال المسؤولين الإسرائيليين مهما كانت مواقفهم من الحقوق العربية، ومها كانت جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، لا يبرهنون على حسن نواياهم بشأن السلام بقدر ما يبرهنون لأعدائهم على ضعفهم وانعدام ممانعتهم، الأمر الذي يفتح شهية هؤلاء الأعداء للمزيد من العدوان عليهم، وهو الأمر الذي فهمته إسرائيل ودأبت على تجسيده واقعا وبقيادة مختلف ساستها يمينيين ويساريين دون فرق.
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق