Facebook

عالم الكتب : مفأجاة جديدة فى كتاب شيراك العرب







«شيراك العرب» عنوان يدفع إلى الذهن مباشرة «عنوان» آخر هو «لورنس العرب». و«الإيحاء» بمثل هذا التداعي مقصود بوضوح من قبل المؤلفين اللذين يناقشان ما يسمّى ب«سياسة فرنسا العربية» ويعتبران أن «زمن تقييم محصلة» هذه السياسة في ظل الرئيس الفرنسي الحالي جاك شيراك قد جاء.






ويشيران بداية إلى أن الكثير من الفرنسيين يرون في شيراك ذلك الرجل الذي قال «لا» للحرب الأخيرة في العراق، وحيث لا يزال العالم كله يتذكر كلمة وزير خارجيته آنذاك، ورئيس وزرائه حاليا دومينيك دوفيلبان، في الأمم المتحدة التي أكّد فيها على الحل الدبلوماسي للأزمة وليس قرع طبول الحرب كما أرادت أميركا و«فعلت». كذلك يبدو شيراك لمعظم الرأي العام الفرنسي أنه رجل الحوار واليد الممدودة وصديق العرب إجمالا. «لكن الواقع هو أقل بساطة من ذلك»، كما يؤكد مؤلفا هذا الكتاب.





الصورة التي يتم رسمها للرئيس الفرنسي جاك شيراك في صفحات هذا الكتاب هو أنه رجل لا يحب الغرب ومأخوذ بالشرق«، وذلك منذ أن أدّى خدمته الإلزامية العسكرية في الجزائر وحتى المواقف التي اتخذها حيال لبنان. وحيث كان خلال مسيرته هذه كلها «ممزقا» بين متطلبات «التعقل الإستراتيجي» و«الشجاعة الظاهرية في الواجهة» و«الطيف الاستعماري».






ومن خلال التعرض للسياسة التي تبنّاها الرئيس جاك شيراك حيال العالم العربي وقضاياه وأزماته يناقش المؤلفان السياسة الخارجية الفرنسية، ويخوضان من أجل ذلك في قضايا دقيقة مثل صفقات الأسلحة، والعلاقات الشخصية والوسطاء، ويحاولان في هذا الإطار الإجابة على العديد من الأسئلة الحساسة مثل:






هل باع شيراك التكنولوجيا النووية لصدام حسين عن وعي وسابق تصميم؟ هل سعى لتأخير إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين في لبنان؟ لماذا أظهر في فترة ما محاباة كبيرة لأنظمة ليست شهيرة بديمقراطيتها مثل الملك المغربي الراحل الحسن الثاني؟ هل اتخذ مواقف مع ياسر عرفات ضد إسرائيل؟ وكيف يمكن تفسير دعمه الثابت والمستمر لأسرة رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري؟






ويشير المؤلفان إلى أن العديد من المواقف التي اتخذتها فرنسا في ظل رئاسة جاك شيراك، خاصة فيما يتعلق بمسيرة السلام في الشرق الأوسط وتأكيده على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، جعلته «محبوبا من قبل رؤساء الدول العرب وشعوبهم». كما دلّت عملية استطلاع للرأي جرت عام 2004 في ستة بلدان عربية لحساب جامعة «ماريلاند» وأظهرت أن الرئيس الفرنسي هو القائد السياسي الدولي الأكثر «شعبية».






وبالمساواة مع «الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقبل ياسر عرفات وصدام حسين ومعمر القذافي وبشار الأسد». ويذكر المؤلفان في هذا الإطار أن شيراك قد قال ذات يوم للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مازحا: «ربما كان عليّ أن أرشح نفسي هنا - في سوريا- لخوض الانتخابات».





ويؤكد المؤلفان أن جاك شيراك قد قدّم «أفضل ما عنده» من أجل «تجاوز حاجز الحذر» مع العالم العربي وذلك على قاعدة قناعته ب«عدم وجود تراتبية بين الحضارات» وأعطى الكثير من وقته من أجل ذلك. «لقد كان دائما على استعداد للاستجابة عندما يتعلق الأمر بالشؤون العربية، مستعد للسفر واستقبال المبعوثين ولتقديم يد العون لقريب ملك أو لابن عم رئيس».






كما نقرأ في إحدى جمل هذا الكتاب. وكان موقفه خاصة في معارضته للحرب ضد العراق عام 2003 قد جعل منه «الحليف» الذي يمكن للعرب أن يعتمدوا عليه بدلا من «أميركا» التي لا تأبه كثيرا بالمصالح العربية. لكن المؤلفين يؤكدان أن «المجال الذي خلقه» شيراك ظل «فارغا»، وتصريحات الصداقة لم تتبعها الأفعال، ولم يعالج «الدكتور شيراك» أي مرض من الأمراض التي يعاني منها العالم العربي، ذلك أنه «امتلك قدرة التصرف ثم لم يفعل شيئا».






تتوزع مواد هذا الكتاب بين أربعة أقسام رئيسية يخص الأول منها «بواكير سياسة فرنسا العربية» خلال الفترة الواقعة بين عام 1932 وعام 1976. ويعود المؤلفان في هذا القسم إلى ما يسميانه ب«ذكريات الجزائر» حيث أمضى فترة من الزمن و«أحبّ الشرق» و«بغض الغرب».






ويتم التعرض في هذا القسم أيضا إلى اللقاءات الأولى ثم الصداقة التي قامت بين الرئيس جاك شيراك عندما كان رئيسا للوزراء في فرنسا والرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي كان آنذاك نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة في العراق. وكان صدّام قد جلب من العراق أثناء زيارته الرسمية لفرنسا في شهر سبتمبر من تلك السنة طائرة محمّلة بأسماك «المسقوف» المستخرجة من نهر الدجلة والمشوية حسب الأصول البغدادية الشهيرة، وذلك لتناولها مع المسؤولين الفرنسيين الكبار أثناء وجبة عشاء فاخرة.






ما يؤكده مؤلفا هذا الكتاب هو أن جاك شيراك قد حرص طيلة مسيرته اللاحقة أن يقلل من أهمية مظاهر الحفاوة البالغة التي أحاطت بتلك الزيارة الشهيرة. بل حرص على أن يردد بعد ذلك أنه قد تصرّف بناء على تعليمات الرئيس الفرنسي آنذاك فاليري جيسكار ديستان.




كما ألقى على الذي أعقبوه في رئاسة الحكومات الفرنسية اللاحقة مسؤولية «العقود الكبيرة» التي بُديء بنقاشها أثناء تلك الزيارة، بما في ذلك الاتفاق الخاص بالتعاون النووي. ويشير المؤلفان بهذا الصدد إلى الإجابة التي قدمها الرئيس شيراك بعد أكثر من ربع قرن عندما سأله صحافي أميركي عن «صداقته» مع صدام حسين، إذ قال:






«لقد رأيت صدام حسين مرّتين عندما كان نائبا للرئيس العراقي ما بين عام 1974 و1976، ولم أره بعد ذلك» ثم أضاف: «كان للجميع، لجميع بلدان العالم، علاقات جيدة آنذاك مع صدام حسين». ويكرس المؤلفان في هذا السياق عدة صفحات لقضية «مفاعل تموز» النووي.






القسم الثاني من الكتاب يحمل عنوان «منظومة شيراك 1976-1990» حيث يتحدث المؤلفان عن «زمن الحقائب»، أي المساعدات المالية التي تلقاها شيراك وحزبه «التجمع من أجل الجمهورية» الديغولي، من العالم العربي وخاصة من العراق.






كذلك تحظى قضية احتجاز الرهائن الفرنسيين في لبنان حيث يتعرض المؤلفان لما يعتبرانه «الصفقة» التي تمّت بين الحكومة الفرنسية والجمهورية الإسلامية الإيرانية للوصول إلى حل تلك القضية وحيث كان الرئيس ميتران قد «التزم بإصدار عفو عن أنيس النقاش - المتهم بمحاولة اغتيال رئيس وزراء إيران الأسبق شاهبور بختيار في فرنسا- مقابل إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين الأربعة في لبنان». كما يتم التعرض للدور الذي لعبه «شارل باسكوا»، رئيس الداخلية الفرنسي الأسبق، وصديق شيراك، في التوصل إلى إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين.






وفي فصل يحمل عنوان «شيراك وإسرائيل واليهود» ينقل المؤلف عن «بيير لولوش» النائب اليهودي والمستشار الدبلوماسي لجاك شيراك خلال سنوات 1989-1990 عندما كان شيراك رئيسا لبلدية باريس، قوله: «إنه ليس مناهضا للسامية، بل على العكس إنه قد يُبدي بالأحرى مودّة حيال اليهود في مجالسه الخاصة».






كما ينقلان حكما مشابها ل«تيو كلاين»، رئيس المجلس التمثيلي اليهودي في فرنسا خلال فترة من الزمن. وتتم الإشارة في هذا السياق إلى اهتمامه بأصوات ال«000 200» يهودي الموجودين - حسب التقديرات- في العاصمة باريس. ولكن بالمقابل حرص شيراك على أن يحتفظ ب«استراتيجية الحبل السري» مع منظمة التحرير الفلسطينية.






ويغطي القسم الثالث من الكتاب فترة 1990-2003، أي الفترة الرئاسية الأولى لجاك شيراك. ويرى المؤلفان أن الرئيس الفرنسي أراد أن يعيد إحياء «السياسة العربية للجنرال ديغول»، صاحب الجملة الشهيرة يوم 27 نوفمبر 1967 التي قال فيها تعليقا على حرب 1967 ما نصّه: «اليهود، شعب من النخبة معتّد بنفسه ومحب للسيطرة». وهذه الكلمات بقيت عالقة بأذهان اليهود رغم أن الجنرال كان «معجبا» جدا بغولدا مائير ولم يكن مناهضا لإسرائيل.






ويفتح المؤلفان قوسين في هذا السياق للخطاب الذي ألقاه الرئيس جاك شيراك في القاهرة خلال شهر أبريل 1996 والذي أراد له أن يكون بمثابة فتح «صفحة جديدة» في العلاقات الفرنسية-العربية. كذلك يفتحان قوسين للحديث عن «الصديق رفيق»، كما جاء في عنوان أحد الفصول، والمقصود هو «رفيق الحريري» رئيس وزراء لبنان الراحل الذي يصف شيراك علاقته به بأنهما كانا مثل «أخوين».






وينقلان بهذا الصدد عن «جان برنار ريمون» وزير خارجية فرنسا الأسبق أن شيراك، رئيس الحكومة آنذاك، قد قال له ذات يوم: «أعرف شخصا رائعا، فلا تشغل نفسك بتحليلاتك عن الشرق الأوسط، إذ ما عليك سوى أن تقرأ هذه الورقة واتبع ما فيها من نصائح». ولقد كانت تلك «الورقة» هي «مذكرة لرفيق الحريري حول لبنان والشرق الأوسط» وكان ذلك عام 1987.






لكن «الرياح قلبت اتجاهها خلال فترة 2003-2007» وهذا ما يشرحه المؤلفان في القسم الرابع والأخير من هذا الكتاب، كي ينتهيا إلى سؤال يشير إلى نتيجة ما توصلا إليه... يقول السؤال: هل هي نهاية فترة حكم، ونهاية سياسة؟


أقر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بأنه اتهم الرئيس بشار الأسد شخصياً بإعطاء الأمر باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري دون أن يكون لديه أي دليل.



وكتب شيراك في الجزء الثاني من مذكراته: «إن مسؤولية الرئيس بشار الأسد في موت رفيق الحريري لم تكن موضع شك في نظري، رغم أنني لم أكن أملك الدليل القاطع وفي اليوم التالي للاغتيال طلبت من جان مارك دولاسبلير (سفير فرنسا في الأمم المتحدة آنذاك) أن يقوم بكل ما يمكن من أجل إنشاء لجنة تحقيق دولية بأسرع وقت لكشف الجناة ومن أعطى الأوامر بالاغتيال»، وتابع: «كما قلت للرئيس (جورج) بوش في 25 شباط 2005، إن قناعتي أن هذا العمل لا يمكن أن يتم من دون أجهزة منظمة وذات خبرة» في إشارة إلى دمشق.




وأكد الرئيس الفرنسي السابق أنه أرسل مستشاره موريس غوردو مونتاين إلى دمشق في تشرين الثاني 2003 بعد حرب العراق لـ«نصح» الرئيس الأسد باسم فرنسا وألمانيا وروسيا بـ«اتخاذ مبادرة دبلوماسية


تسمح لسورية بأن تؤكد نفسها كدولة راغبة في العمل من أجل السلام والاستقرار»، وأضاف شيراك: «المبادرة التي كان الحديث عنها تخص لبنان بطبيعة الحال». وكتب الرئيس الفرنسي السابق: «لكن الرئيس بشار اكتفى بأن سأل مبعوثي إن كان ما يطرحه رسالة من الأميركيين»؟

ورأى شيراك أن الرئيس الأسد «لم يدرك أن من مصلحته التفاهم مع فرنسا ليخرج من عزلته ويتجنب الإقصاء من قبل أولئك الذين صنفوا بلده في محور الشر». وكانت كتب سابقة وخاصة «أسرار الرؤساء» أشارت إلى هذه الزيارة التي كانت بداية تدهور العلاقات بين باريس ودمشق بعد أن وقفت العاصمتان ضد حرب العراق.


وروى شيراك كيف بدأ بعد هذه الحادثة يعمل مع رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري منذ بداية عام 2004، على إعداد قرار من مجلس الأمن يطالب بسحب القوات السورية من لبنان، وقال: «لم يكن هناك خيار آخر، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بتعاون مع الولايات المتحدة». وقاد التقارب الأميركي الفرنسي فيما بعد إلى صدور القرار 1559 عام 2004.


واعتبر شيراك أن الرئيس الأسد أبقى على ضغوط تهدد لبنان رغم تدخل الأمم المتحدة وصدور القرار الأممي، معترفاً أنه عمل مع واشنطن وكونداليزا رايس مباشرة لفرض عقوبات مالية على سورية للضغط عليها من أجل لبنان.

ونوه شيراك بأن وزيرة الخارجية الأميركية أبدت موافقتها التامة على العقوبات التي اقترحها لكن «مأساة غير متوقعة غيرت مجرى التاريخ في الرابع عشر من شباط»، باغتيال الحريري.




Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق