"يهود يكرهون أنفسهم / محاكم التفتيش الصهيونية بين معاداة السامية ولا سامية الأنا" هو عنوان الكتاب الجديد للكدتور محمد أحمد النابلسي الصادر عن دار الفكر بيروت / دمشق في 300 صفحة من الحجم الصغير.
يستعرض الكتاب قائمة اليهود المتهمين بالعداء لإسرائيل من مقوم تشومسكي إلى حنة أراندت مروراً بمدريس جاكوبي والحاخام هيرتش دنورمان فنكلشتاين. هذا وتمثل حالة مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد أطرف هذه الحالات. فقد بقي اليهود يفاخرون بيهودية فرويد لغاية قيام حركة المؤرخين الإسرائيليين الجدد. هذه الحركة التي وجدت نفسها رجعية أمام جرأة النقد الفرويدي لفكرة الدولة اليهودية حيث يصرح فرويد بأن إدعاء العودة إلى أرض الميعاد هو حيلة لجأ إليها يهود موسى كي يخففوا من حدة المشاعر التي يواجهها المستعمر من قبل السكان الأصليين.
ويتطرق الكتاب إلى حركة المؤرخين الجدد فيخصّها بثلاثة فصول يشرح فيها خلفية الحركة ويعرض لأعالها ولمواقف المثقفين العرب منها. ويخلص المؤلف لاعتبار هذه الحركة مجرد محاولة لإنقاذ الصهيونية من تطرفها وتمهيداً لمرحلة علمنة الانتماء اليهودي الذي ينقذ إسرائيل من خطر نفاذ الخزان اليهودي عن هجرة ستمائة وخمسون ألف روسي إلى إسرائيل. وهم يدعون اليهودية دون أن يكونوا يهوداً.
محاكم التفتيش الإسرائيلية
موضوع الخلافات الإسرائيلية الداخلية هو موضوع يعاد طرحه في الأزمات الإسرائيلية المفصلية، لكن التجربة تثبت مرونة الإسرائيليين وقدرتهم على تجاوز هذه الخلافات عند شعورهم بالخطر. وهذا ما يفسر التفافهم حول شارون وطروحاته المتخلفة. واختفاء فرسان السلام والمؤرخون الجدد ودعاة الحقوق الإسرائيليين. الذين أخلوا الساحة السياسية للمتطرفين. وتركوا من يسموا بالمعتدلين العرب بدون ورقة التوت. والمراجعة الأمة لهذه الخلافات تتسمها إلى صعد مختلفة باختلاف محاور التقسيم وهي التالية :
1- بلدان المنشأ (اشكيناز/سفارديم ومتفرعاتهم)
و2- التدين (علمانيين / متدينين)
و3- وفق زمن الهجرة (صبار/موجات الهجرة المتلاحقة/المهاجرون الجدد)
و4- العقائدية السياسية (صهاينة/ومجددين/ومعادين للصهيونية).
كتاب "يهود يكرهون أنفسهم" للدكتور محمد أحمد النابلسي يناقش تحديداً فئة اليهود الذين يردن مستقبل إسرائيل مرتبطاً بتخليها عن الصهيونية التقليدية. وهم يظهرون معاين لإسرائيل التي لا تزال وحتى إشعار آخر صهيونية.
من بين اليهود كارهي أنفسهم يختار النابلسي الأسما التالية : نعوم تشومسكي وحنة آرندت والحاخام هيرتش وموريس جاكوبي ونورمان فنكلشتاين وإسرائيل شاحاك وسيغموند فرويد.
هؤلاء يشكلون طليعة التجديد في الرؤية الصهيونية المتآكلة. ولبل فرويد كان الأسبق للاعتقاد بفشل المشروع الصهيوني، حيث يبين المؤلف أن فرويد كان ملتزماً بيهوديته اجتماعياً وملحداً دينياً وغير معتقد بالصهيونية، حتى أن مجموعته من المحللين اليهود لم تكن تضم، المتعلقة منها بحق اليهود في أرض كنعان تحديداً، نجد أن معارضة للصهيونية كانت معارضة مبدئية. فهو يري أن يهود موسى لم يكن لهم حق في أرض كنعان وإنما هم ادعوا هذا الحق !؟.
هذا الكلام يشكل سبباً كافياً لإلصاق تهمة "معاداة السامية" بقائله فما بالك أنه صادر عن يهودي من المشاهير؟!.
أما تشومسكي فيخصه الكتاب بفصل خاص نظراً لمعاصرته وجرأة طروحاته. فيعمد المؤلف إلى تقديم عروض مختصرة لقائمة من أهم كتب تشومسكي مثل : "قراصنة وأباطرة" و"مثلث الشؤوم" و"النظم العالمية قديمها وحديثها" و"إعاقة الديمقراطية"، وهذا الكتاب الأخير يتضمن جملة فضائح للسياسة الأميركية. ربما لم يعد هناك فسحة لذكرها بعد هيجان النور الأميركي الراهن.
ويتوقف الكتاب عند "الهولوكوست" فيورد عروضاً مختصرة لكتاب يهود يعترفون بأنه كان كذبة وضخمة وتجارة مفضوحة بآدمية المعتقلين السابقين، م اليهود في سجون هتلر. ويؤكد فنكلشتاين بأن والديه كانوا سجناء هتلر. لكن كل أصحابهم ادعوا أنهم كانوا كذلك عندما تحول الهولوكوست إلى تجارة رائجة. ولا داعي للتذكير بما فعله اليهود بروجيه عارودي وبغيره من المشككين بالهولوكوست. فما بالنا أمام تشكيك هؤلاء اليهود بالمحرقة ؟!.
فصل طريف وهام هو فصل "التحليل النفسي للنكتة اليهودية"، حيث يورد المؤلف دراسات تحليلية لفرويد وتيودور رايك للنكات اليهودية التي ينطوي تحليلها على عدوانية متطورة تجاه الأغيار، كما على مشاعر اضطهاد متأصلة في الذات اليهودية.
ويخصص المؤلف الفصل السابع من كتابه لصراعات الفقه الإسرائيلي. حيث نقطة الخلاف الإسرائيلية الكثر جدية وخطورة. وهي تتعلق بالانتماء الإسرائيلي وتعريف اليهودية الإسرائيلية، ومتابعة اختلافات الانتماء تضعنا أمام شيزوفرانيا إسرائيلية حقيقية لكن يبدو أن اليهود قد أفادوا من تاريخهم الشتاتي كي يكتسبوا المرونة الكافية لعدم تفجير هذه الخلافات.
أما الفصول الثلاثة الأخيرة من الكتاب فهي مخصصة لمناقشة حركة المؤرخين الإسرائيليين الجدد. هذه الحركة التي استأثرت باهتمام واسع في أوساط المثقفين العرب. الذين توزعوا بين متفائلين من الشعب الفلسطيني خاصة ومن الجيران العرب عموماً. وهذا التفاؤل مرتبط بآمال السلام. هذا الارتباط الذي دفع بفئة مقابلة من المثقفين العرب ممن يؤكدون على عجز إسرائيل التام عن تحقيق أي مشروع سلمي. وذلك بسبب الخوف من فقدان العدو. الذي يوازي نهاية إسرائيل بتفجير تناقضاتها. وإن كان من الملفت أن هؤلاء لا ينخرطون في مشاريع السلام المعجلة بنهاية إسرائيل.
الفئة الثالثة، وهي الأوسع بين مثقفينا، ترى ضرورة الاطلاع على رأي الآخر واتجاهات تحوله. ولكن دون أن يكون لذلك أي تأثير على الضوابط الموضوعية للعلاقة مع هذا الآخر. إذ أن حيلة دبلوماسية الأبواب الخلفية لم تعد ذات جدوى بعد عقود من الصرع العربي الإسرائيلي.
لكن ما هو موقف المؤلف من هذه الحركة ؟. إنه يرى أنها تنقب في الوثائق المعلنة (بعد 30 سنة) من قبل المخابرات الإسرائيلية. وهي تعيد صياغة هذه الوثائق لتحاول تسويقها وكأنها ىراء أو مواقف شخصية، وبالتالي فإن المؤرخ الجديد هو مجرد نصاب، برأي المؤلف، يحاول بيع حقائق في تراجع معظم المؤرخين الجدد عن طروحاتهم بعد صعود التصرف الشاروني.
من هذه المنطلقات فإن المؤلف يغمز من قناة الفئات الداعية للانفتاح العربي على هؤلاء المؤرخين، وهو يحذر تحديداً من مغلوطة وملغومة مخابراتياً بخصوص الجانب العربي. كما أنه يحذر بشدة من الاستجابة للدعوة إلى التدوين المشترك (عربي – إسرائيلي) للتاريخ. إذ أن ما يقدمه الإسرائيليون في هذا المجال لا يتخطى المعلن. في حين يطلبون من المؤرخين العرب تقديم معلومات عربية غير معلنة. بل وغير مرشحة للإعلان على مدى المنظور. وتلقى هذه المعارضة تبريرها أيضاً في تراجع المؤرخين الجدد حتى عن هذه الدعوة.
في المقابل لا يهمل النابلسي عرض كتابات هؤلاء المؤرخين والتركيز على النواحي الإيجابية فيها. بل على النواحي التي أثارت المتطرفين بصهيونيتهم. ومنها الاعتراف أن الإرهاب الصهيوني هو الذي هجر الفلسطينيين وليس دعوة العرب لهم للانسحاب. كذلك اعترافهم بالاستعداد العسكري الإسرائيلي المتفوق والمدعوم من يهود الخارج وامتداداتهم السياسية. وذلك في مواجهة جيوش عربية غير مستعدة لهذه المواجهة. وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على تحويل الأزمة إلى حرب طاحنة أسمتها حرب الاستقلال.
الكتاب صادر عن دار الفكر بيروت / دمشق في 300 صفحة من الحجم الصغير. وهو يلقي الضوء على معطيات غير معروفة عربياً عن إشكاليات العلاقة بين الفئات اليهودية المختلفة. مع ملاحظة أن تهمة "يهودي كره لنفس" لا تصل إلى حدود التفكير. فهو يبقى يهودياً وإن كره نفسه، ويتمنى المؤلف أن نصل إلى التخلي عم تهمة تكفير العرب وإبدالها بتهمة كره بعضهم لأنفسهم.
الذات اليهودية وتناقضاتهابين معاداة السامية ولا سامية الأنا
تشير دراسات الانتروبولوجيا الثقافية (الشخصية الاممية و/أو القومية) الى اشتراك الشعوب السامية (العرب واليهود عموماً) بجملة سمات تميز شخصياتهم الثقافية وتدمغ ثقافتهم بطابعها. ولعل أهم هذه الصفات صفتان رئيستان هما : 1 ـ البكائية 2 ـ عقدة المؤامرة.
ولقد لعب الدين الاسلامي دوراً مقرراً في الحد من هاتين السمتين وانعكاساتهما على الشخصية العربية. ولقد وصل هذا الدور الى تحريم الاسلام لقائمة من المناسبات البكائية وتصنيف بعضها في خانة “غير المستحبة”. كما لعب الاسلام دوراً في الحد من أثر عقدة المؤامرة. لكن هذه الأخيرة عاودت الظهور بقوة اكبر عبر الممارسة الفعلية لأدوار المؤامرة. حيث يمكن الربط بين معاودة انفجار هذه العقدة وبين بداية اضمحلال الدور السياسي للعرب مع بداية الحروب الصليبية. وكان من الطبيعي أن تتصاحب هذه المعاودة مع احياء ذكريات تجارب المؤامرة السابقة. الامر الذي ادى الى تراكم هذه التجارب وترسيخ هذه العقدة (المؤامرة) التي لا تزال لغاية اليوم مهيمنة على الشخصية العربية.
في المقابل نجد ان اليهودية ترسخ البكائية وتجسدها لدى اليهود في “حائط المبكى” ذلك الرمز الديني المقدس لدى اليهود المرسخ لبكائيتهم. التي تنعكس على الشخصية اليهودية بالحاجة العصابية ـ القهرية لايجاد بكائيات فرعية(1) . ومع طغيان السمة النفعية على هذه الشخصية فانها تختار وتفضل اعتماد البكائيات القابلة للتوظيف والاستثمار. من هذه الزاوية نستطيع ان نفهم تلك النشوة اليهودية باستحضار ذكرى الهولوكوست وتضخيمها واستعادة تفاصيلها بصورة نمطية ـ تكرارية (Stereotype) تصل الى حدود الهيستيريا (2). اذ يستحيل على اي باحث معاصر ان يتمكـن مـن احصاء البكائيات اليهودية في هذا المجال. فهنالك ملايين منها. موزعة ما بين ذكريات شخصية ومرويات (على لسان اشخاص عايشوا الهولوكوست) وافلام سينمائية ومقالات صحفية وقصص وروايات وخواطر ودراسات نفسية واجتماعية وسياسية … الخ. حتى يمكن القول بأن اليهود تمكنوا من تغطية هذه البكائية عبر جميع فروع المعرفة ووسائل الاتصال المتاحة.
والشخصية اليهودية لا تكتفي بالرمز الديني (حائط المبكى) او التاريخي (اسطورة الماسادا والهولوكوست وغيرها). بل هي تبحث عن بكائيات اكثر فرعية. فهي تحتاج الى بكائية خاصة بكل حارة يهودية والى بكائية خاصة بكل عائلة يهودية، حيث لا شك بأن تعدد البكائيات هو من الامور المرغوبة لدى اليهود. وهذا الميل للبكائيات يقودنا الى مناقشة متعددة محاور البحث نختصرها بطرح الاسئلة: هل كان هذا الميل البكائي دافعاً لليهود، عبر تاريخهم، كي يلعبوا دور الضحية؟. وهل لهذه المذابح تاريخ ام انها روايات مختلقة تتحول لاساطير مع مرور الوقت؟.
في المقابل تطرح قائمة اخرى من الاسئلة منها: ماذا لو حدث وان تكررت المذابح اليهودية، وفق ما يتوقعه اليهود، الا يجدر لهذا التكرار ان يستوفقنا للتساؤل عن سببه او أسبابه؟. وهل يمكن علمياً التسليم بأن تكراراً مملاً على هذه الصورة يمكنه أن يعود الى مبدأ الصدفة؟. خصوصاً وأن علماء النفس المعاصرين بدأوا يطرحون بجرأة وبقناعة دور الضحية نفسها باجتذاب الاعتداء. فتكرار تعرض امرأة ما للاغتصاب لا بد له من أن يطرح السؤال عن اعتمادها سلوكاً اغوائياً يغري المغتصبين ويجتذبهم. واعتمادها لهذا السلوك لا بد له أن يكون على علاقة بكسب ما تحققه من خلال هذا السلوك. وعليه فانه من الطبيعي ان يلجأ دارسو الضحايا لتقسيمهم الى فئتين. الأولى فئة الضحايا الحقيقين. وهم الذين يتعرضون للاعتداء بالصدفة والثانية فئة الضحايا الوهميين. وهم الذين يستفزون المعتدي (يصورة شعورية أو لا شعورية) مما يجعلهم عرضة لتكرار الاعتداء. ولسنا في وارد الدخول في التفاصيل، لذلك نكتفي بالتذكير بأن للعدوان، وبالتالي للضحية، أشكال ومناسبات يصعب حصرها. وكذلك نذكر بأن العدوان يمكنه أن يصيب أشخاص وجماعات وفئات وأحياناً شعوباً بكاملها.
بهذا نصل الى السؤال الأخير حول البكائيات اليهودية وهو: اليست هذه البكائيات (مع وضعيات الشعب الضحية المرافقة لها) وحدها كافية لتفسير “عقدة الاضطهاد” التي لازمت الشخصية اليهودية منذ ظهورها وحتى اليوم؟ وبالتالي اليست كافية لتفسير ولادة مصطح “معاداة السامية”.
يعتبر الطب النفسي أن الانتقام هو ردة الفعل الطبيعية أمام الاضطهاد. ورغبة الانتقام تستمد موضوعيتها من مستوى حقيقة التعرض للاضطهاد. والطب النفسي يضع هذه الحقيقة دائماً في موضع الشك. وذلك لارتباطها بمرض نفسي معروف لدرجة الشيوع وهو مرض الهذاء. الذي يبدأ من ردة فعل مرضية امام اضطهاد حقيقي ويمر بميول لتفسير الامور بصورة هذائية مخففة (هي عبارة عن شكوك غير مبررة) وصولاً الى حالة ذهانية تسمى بهذاء العظمة أو جنون البارانويا.
مهما يكن فان الشعور بالاضطهاد هو شعور غير مستحب. وهو يدفع صاحبه باتجاه عدوانية الرغبة بالانتقام. مما يحول صاحبه الى اعتماد سلوك تعويضي يطغى على شخصيته ويؤثر على توازنها. عن طريق توليده لحذر(شك) مرضي من الآخر. بما يؤدي الى كراهية الآخر. وبما أن الوعي لا يتقبل بسهولة تعميم هذه الكراهية من الظالم (موضوع سيء) الى الآخر (المواضيع كلها) فانه يلجأ الى حيلة يسميها التحليل النفسي بالتكوين العكسي (Reaction-(formation قوامها اتخاذ موقف ظاهري يذهب في الاتجاه المعاكس للرغبة المكبوتة (كراهية الآخر في هذه الحالة) الذي يشكل ردة فعل ضدها. وبذلك يخفي اليهودي كراهيته للآخر تحت ستار إظهار رغبته في التعاون معه ودعمه للآخر من أجل تحقيق رغباته. وهذا السلوك الظاهر معتمد من قبل الجماعات اليهودية منذ ظهورها ولغاية الآن. حتى تحول هذا السلوك الى قناع يستعمله اليهود بنجاح فائق. لدرجة قدرتهم على اقناع قطاعات واسعة من الرأي العام بأن هذا القناع حقيقي. وبذلك فهم نجحوا في تورية وتغطية كراهيتهم للآخر. حيث الآخر بالنسبة لهم هوغير اليهودي (الغوييم بالعبرية). وتتساوى في ذلك جميع الأعراق. دون تفريق بينها أو بين الأفراد الا لجهة مدى وحجم فائدتهم لليهود. ولقد استغرب المحلل النفسي اليهودي سيغموند فرويد هذه العنجهية فتساءل عن هذه الجرأة(4). وهذا التساؤل يردنا الى القناع الذي يخفي حقيقة الملامح اليهودية تحت ستار من الخنوع والذل.
مما تقدم نلاحظ أن شعور اليهود بالاضطهاد يلازم تاريخهم المروي ويطبع أساطيرهم. وهذا الشعور يسهل على اليهودي الشعور بكراهية الآخر. لأن الآخر يضطهده ويضطهد شعبه. واليهودي ليس بحاجة على مصداقية المرويات والروايات اليهودية لأنه يؤمن بها. وهكذا فان اللاسامية أو معاداة السامية أو كره اليهود هي مصطلحات مختلفة لشعور لازم اليهود عبر تاريخهم. الا أن هذا المصطلح لم يطرح للتداول السياسي الا في نهاية القرن التاسع عشر. وتحديداً في العام 1881 وفي شهر نيسان (ابريل) من ذلك العام. ففي ذلك التاريخ اصدر وزير الداخلية الروسي انمانتيف مجموعة من القوانين هدفت الى ابعاد اليهود والألمان عن وسط روسيا. وتجميعهم في 25 ولاية تقع في غرب روسيا. وقد ادى هذا التهجير القسري الى اضطرار اليهود للعيش في ظروف قاسية في أماكن سكنهم الجديدة. وعندها ظهر مصطلح “اللاسامية” وكأنه ردة فعل على هذه القرارات التي الحقت الظلم باليهود الروس.
الا أن المتابع لا بد له من الربط بين بدايات النشاط الصهيوني وبين ظهور هذا المصطلح مدعوماً بدلالات سياسية ـ اجتماعية محددة. حتى يمكن اعتبار “اللاسامية” منطلقاً للمصطلحات الدعائية الصهيونية الهادفة الى اختراع أساطير حديثة يتلاءم نسيجها مع الأساطير اليهودية القديمة. والهدف من الاصرار على هذا التشابه هو تحويل أي عقاب يتلقاه اليهود لدى انحسار القناع عن تجمع من تجمعاتهم الى وقفة نكوصية (يرى المحللون أن التعرض لرضة جديدة يؤدي الى اعادة احياء ذكريات الرضات القديمة) تعيد احياء الأساطير اليهودية(5).
كما أن حاجة الصهيونية للأساطير الجديدة لم تكن تقتصر على استخدامها كوقفات نكوصية. بل كان لهذه الأساطير دور وظيفي فائق الأهمية بالنسبة للصهيونية. التي طرحت نفسها كحركة علمانية وبالتالي ملحدة. فالديانة اليهودية هي ديانة تشريعية تتدخل في ادق تفاصيل الحياة اليومية للمؤمن بها. وهذا ما يجعل العلمانية خروجاً بيناً على تعاليم الدين وبالتالي الحاداً ناجزاً. وعليه فان الأساطير الحديثة هي الوسيلة لإعادة وصل ما ينقطع بين الصهيونية وبين اليهود الارثوذكس.
وها هو مصطلح “اللاسامية” طليعة الأساطير الصهيونية. فالعداء للسامية لا يميز بين يهودي متدين وعلماني وملحد. وبالتالي فانه يعيد اللحمة بين اليهود في مواجهة هذه الاسطورة ذات الخطر غير ممكن التجنب. وكانت الصهيونية قد مهدت لاساطيرها الجديدة بارساء نواة أول مستعمرة صهيونية في فلسطين. حيث اقنعت الملياردير اليهودي موسى دي مونتي فيوري بشراء ضيعة قرب يافا في العام 1855 وتخصيص ارضها لليهود المتدينين أو الضطهدين. وهذا ما أتاح لليهود الروس المهجرين عام 1881 امكانية الهجرة الى فلسطين. حيث هاجر قسم منهم ليؤسس مستعمرة رأس صهيون “رشون لو زيون”.
الا أن استثمار الصهيونية لمصطلح “اللاسامية” لم يصل الى ذروته الا في الحرب العالمية الثانية. حين قدم الزعيم النازي هتلر فرصة الاستثمار ذهبية لهذا المصطلح. اذ بدأت الصهيونية بدعوة يهود العالم للهجرة الى فلسطين على انها الملاذ الوحيد لهم في العالم. وقد استجاب اليهود الاوروبيون لهذه الدعوة تحت ضغط شائعات تحول “اللاسامية” من النبذ الاجتماعي والإحتقار الى المذابح الجماعية. وهي شائعات روجتها الصهيونية وضخمتها. بل أن هنالك وثائق تتراكم وتكتشف تباعاً لتؤكد وجود تواطؤ بين هتلر وبين الصهيونية باتجاه اجبار اليهود الألمان خصوصاً والاوروبيون عموماً للهجرة الى فلسطين. وبانتظار انتظام هذه الوثائق في معطى تاريخي متكامل نكتفي بالقول بأن هتلر قدم للصهيونية مجموعة من الهدايا النادرة التي جعلت قيام اسرائيل ممكناً. فهو قدم لها:
أـ فرصة تحويل مصطلح “اللاسامية” من مجرد شكوى هيستيرية يهودية الى مصطلح عالمي الدلالة. والى سلاح تشهره الصهيونية في وجه معارضيها. حيث اكتسب المصطلح، بفضل هتلر، دلالة اضافية هي “الفاشية”. بمعنى أن تهمة “اللاسامية” اصبحت مطابقة لتهمة “النازية والفاشية”. والتهمة الأخيرة لا تجد من يجرؤ على تحمل تبعاتها بعد انهيار الرايخ الهتلري. ولعل الأزمة النمسوية المترتبة على انتخاب هايدر خير دليل على جبروت هذا المصطلح الصهيوني. إذ ادى الصاق تهمة اللاسامية بـ”هايدر” الى اختراق الاتحاد الأوروبي لمبادئه لغاية التدخل في الشؤون الداخلية لأحد اعضائه والى مقاطعته للنمسا. مما اجبر هايدر على الاستقالة(6). وهذا يعني أن سطوة هذا المصطلح الصهيوني باتت سطوة دولية وأن نفوذه يفوق نفوذ الامم المتحدة نفسها. فهل بمقدور الامم المتحدة أن تتدخل في الشؤون الداخلية لأحد اعضائها واجباررئيسها المنتخب ديمقراطياً على الاستقالة؟.
ب ـ فرصة استغلال “الهولوكوست” كنموذج يرسخ عقدة الاضطهاد لدى اليهود ويتبح لهم استغلال مشاعر الذنب لدى الامم الاخرى(7).
ج ـ فرصة تجميع اعداد كبيرة من اليهود في فلسطين التي مهدت لقيام اسرائيل. واتثمارها للعطف على اليهود وتحولها الى ممثلة ليهود العالم((بمن فيهم معادي الصهيونية في حينه)) وراعية لحقوقهم.
د ـ ابراز دور اليهود في الحرب العالمية الثانية وتهويل هذا الدور حتى بدا اليهود المشرذمين وكأنهم احدى القوى الفاعلة في تلك الحرب والمقررة لنتائجها!. ويتدعم هذا الايحاء من خلال مشاركة يهود فلسطين في القتال الى جانب الجيش البريطاني. وهو يتأكد من خلال قدرة العصابات الصهيونية على ازعاج هذا الشريك بعد زوال تهديد العدو المشترك!.
هذا ويتفق المؤرخون المعاصرون، الناجون من الضغوط الاسرائيلية، على وجوب اعادة استقراء المرويات التوراتية وتحري مقدار دقتها.
ويذهب بعضهم الى نفي مصداقيتها نفياً تاماً. ويتفق الجميع على وجود قطيعة تاريخية تمتد من العام 70 ميلادية(تدمير الهيكل على يد الرومان) لغاية نهايات القرن التاسع عشر(تاريخ بدء المستوطنات). وهذه القطيعة، مثلها مثل اية قطيعة تاريخية، تستتبع وجود قراءات سردية ـ تاريخية متضاربة وغير دقيقة لاعتمادها على روايات غير ثابتة ومثيرة للجدل. وبفعل الزمن تحول بعض هذه الروايات الى اساطير معتمدة. الأمر الذي يعيق عملية اخضاعها لمنطق الحكم التاريخي.
لذلك لا يبقى لنا سوى الاعتماد على الوقائع التاريخية الثابتة في تاريخ المجتمعات التي تعاملت مع اليهود. وفي هذه الوقائع نقرأ:
أ ـ قام المجمع المسكوني الأول المنعقد عام 325م. باصدار قراره بتكفير اليهود واعتبارهم هراطقة لأنهم قتلوا المسيح. واذ كان من الطبيعي ان يؤدي هذا التكفير الى نشوء ردة فعل مسيحية تجاه اليهود فعلينا الا نهمل واقعة كون اليهود يكفرون المسيحية (والاسلام). وبالتالي فانهم سباقون في التكفير وفي ردود الفعل العدوانية المصاحبة له.
ب ـ بعد قرنين على هذا التكفير المسيحي ظهر الاسلام ليبدأ التدوين في العام 40 هجرية. وهذا التدوين يبين وجود قبائل عربية تدين بالديانة اليهودية. حيث تشير الوقائع الى قبول الاسلام لليهود بمواطنية كاملة بمقاييس ذلك الزمان. مع الاعتراف بهم كأهل كتاب (أي مؤمنين بالله) بالرغم من عدم مبادلتهم لهذا الاعتراف. واذا ما تابعنا مدونات التراث العربي ـ الاسلامي (وهي مدونات لا يرقى اليها الشك) لوجدنا ان هذه الحضارة كانت ملاذاً لليهود الهاربين من الاضطهاد (ردود فعل انتقامية على عدوانيتتهم) الاوروبي. فاذا ما وصلنا الى فترة نهاية القرن التاسع عشر وبعدها وجدنا اليهود العرب يتمتعون بأوضاع يحسدهم عليها معاصريهم من يهود العالم. اذ لم تقتصر حريتهم على النواحي الانسانية والدينية. بل تخطت ذلك الى حرية اقامة التجمعات والمؤسسات ومدارس اليانس وتأسيس الاحزاب(اسس اليهود اول حزب شيوعي عربي هو الحزب الشيوعي المصري). بل انهم ملكوا حرية العمل من أجل الصهيونية والدعوة لها وحشد المؤيدين لها. ليس فقط بين اليهود بل حتى بين العرب. اذ نظر بعض الزعماء العرب في تلك الفترة بعين العطف لفكرة اقامة دولة عربية ـ يهودية في فلسطين(8).
ولسنا في وارد العودة للتراث من اجل اعطاء الامثلة على التسامح الذي نعم به اليهود وبروز شخصيات مؤثرة من بينهم. لذلك تكتفي بالقول بأن الوقائع التاريخية تضحد أي ادعاء يهودي بالتعرض لإضطهاد عربي.
ج ـ تشير المعطيات التاريخية الثابتة الى بداية تسرب اليهود الروس الى اوروبا خلال القرنين التاسع والعاشر. كما تشير المعطيات نفسها الى ان الملوك الاوروبيين قد غضوا النظر في حينه عن تسرب هؤلاء الهراطقة رغبة بزيادة عدد رعاياهم. واستمر هذا التسرب لغاية اندلاع الحروب الصليبية قرب نهاية القرن الحادي عشر. حين ادى الطابع الديني لهذه الحروب الىاتباع قواعد التفرقة في معاملة اليهود واعادة احياء ذكرى كونهم “قتلة المسيح”. وهذا ما دفعهم للنزوح باتجاه الدول الاسلامية كونها متسامحة معهم. ومما لا شك فيه ان قيام حركة الاصلاح الديني البروتستانتي، في القرن السادس عشر، قد لعب دوراً ايجابياً بالنسبة لليهود الاوروبيين. لكنه لم يضع النهاية لاضطهادهم. حيث جاءت محاكم التفتيش في الدول الكاثوليكية وكأنها ردة فعل على الاختراق اليهودي لاجواء ذلك الاصلاح. لكن القراءة المتأنية لتاريخ الاضطهاد اليهودي تبين لنا ان كراهية اليهود (اللاسامية) تستند الى معطيات اجتماعية اكثر منها دينية. كما تبين لنا ان اليهود لا يظهروا عدوانيتهم سافرة إلا عندما يتحالفون مع الاقوياء ويضمنون حمايتهم. وهذا ما يفسر لنا تكرار ارتباط المذابح اليهودية مع سقوط حلفائهم الاقوياء أو تحولهم من القوة الى الضعف. فعندها يفقد اليهود حمايتهم ويدفعون ثمن عدوانيتهم المتراكمة تحت حماية الاقوياء الزائلين.
ولسنا بحاجة لاعطاء الامثلة على هذا الارتباط قدر حاجتنا للتأكيد بأن اليهود عبر تاريخهم لم يكونوا قوة مستقلة بل كانوا دائماً قوة تابعة للاقوياء واداة لهم. فاذا ما دققنا النظر في تاريخ التحالفات اليهودية لوجدنا ان مبدأ هذه التحالفات هو:”التحالف مع القوي لضكان حمايته ومن ثم خيانته للتخفيف من ردود الفعل لدى زوال قوته”. وهذه الملاحظة قد لا تتوافق مع طروحات التهديد او المؤامرة اليهودية العالمية(9). بل انها تذهب في الاتجاه المعاكس مؤكدة ان اليهود يختارون دائماً المرتبة الثانية. وهو اختيار يتلاءم مع وضعهم كأقلية يمكن ابتلاعها ان هي طمحت لاحتلال الصفوف أو المراتب الاولى.
ولعل اولى موجات الاضطهاد المنظم ضد اليهود هي الثورة التي وصفت بالكبرى ضد يهود روسيا. والتي بدأت كتمرد لمجموعة من الضباط القوقاز بزعامة خميلنسكي ضد اليهود بصفتهم وكلاء الاقطاع البولندي الذي طاولته هذه الثورة التي قامت عام 1648. ويذكر المؤرخون قبلها سلسلة من الفتن المتلاحقة التي حصلت خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر في كل من روسيا واوروبا الوسطى. ويرد المؤرخون اسباب هذه الفتن الى سلوك استغلالي يهودي تعقبه الفتنة كردة فعل طبيعية. وهذا ما يؤكده المؤرخ الاسرائيلي اسرائيل شاحاك اذ يقول:”... ان الامتيازات التي كان يحصل عليها اليهود، عن طريق رشوة النخبة الحاكمة في الممالك والدول، أثار نقمة السكان عليهم. ولم يكن ذلك لمجرد كونهم يهود بل لسيطرتهم على سوق المال وابتزازهم لصغار الفلاحين عن طريق الرهن والربا.
وهكذا نجد ان الغيتو (حارة اليهود) تمكن من الاستمرار بالرغم من استجلابه لكراهية العامة. ذلك لانه كان يقوم بدور وظيفي هام وضروري لدعم صعود الرأسمالية في الغرب. وهذا الدور هو دور المرابي ـ التاجر الذي يلعب لعبة السوق والمصالح بعيداً عن التقيد بالمباديء. وكان اليهود الفئة الوحيدة المرشحة للعب هذا الدور وذلك بسبب احتقارهم للأغيار وبالتالي عدم التزامهم بأية مباديء تجاههم. وعدم الالتزام هذا هو الذي راكم كراهية اليهود لدى العامة.
يقدر عدد اليهود في العالم بحوالي 13 مليون يهودي. ويختلف هذا العدد بعدة ملايين صعوداً أو هبوطاً تبعاً لمجموعة عوامل أهمها:
أ ـ تعريف اليهودي : حيث تعرض هذا التعريف لخمسة عشر تعديلاً منذ قيام اسرائيل وحتى الآن. حيث يسود الشعور بضرورة تعديل التعريف المعتمد حالياً. بل ويجري عملياً تجاوز هذا التعريف في حالة اليهود الروس اذ ان 65% من المليون مهاجر روسي لا يستجيبون لهذا التعريف.
ب ـ اليهود النائمون: توجد مجموعات متفرقة من اليهود ممن اضطروا لاعلان خروجهم عن اليهودية الى اديان اخرى. وذلك لاسباب مختلفة. الا ان وضع هذه المجموعات يحوطه الغموض. حيث تتراوح التخمينات حولها ما بين استمرارها في ممارسة الشعائر اليهودية بصورة سرية وبين تحولها الى طوائف وسيطة ليست باليهودية ولا بالاديان التي تدعيها. وذلك بحيث تبقى وضعية هذه الطوائف غير محددة.
والأمر نفسه يصح على الاشخاص حيث تسجل حالات متفرقة من العودة الىالديانة اليهودية.
ج ـ المتحدرون من امهات يهوديات: وهم من غير اليهود الذين يستجيبون للتعريف المعتمد راهناً لليهودي. وهو التحدر من أم يهودية. وهؤلاء الاشخاص موزعون حول العالم وينتمون الىمختلف الديانات. ولكن اليهودية واسرائيل مستعدة لقبولهم لمجرد اثبات يهودية امهاتهم. لكن كابوس الذوبان اليهودي لا يزال يقض مضاجع الاسرائيليين والصهاينة. فمهما بالغنا في عدد اليهود في العالم اليوم فاننا نجد انه لا يتجاوز الـ 20 مليوناً في اقصى الاحتمالات. هذا في مقابل احصائيات تشير الى ان نسبة الزيجات اليهودية المختلطة تبلغ حدود الـ 60% وتشير هذه الاحصاءات الىالذوبان الكلي ليهود اوروبا الشرقية خلال عقود قادمة. وهذا ما يؤكده الدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعته التي تشير الى ذوبان ملايين اليهود في البلدان الغربية(10). وهذا الذوبان يعتبر نتيجة طبيعيةللعيش في الحضارة الغربية التي تعتبر “مذوبة”. حيث تشير المتابعات التاريخية للمجموعات المهاجرة، الى هذه الحضارة، لذوبانها الكلي في هذه الحضارة.
وبعيداً عن هواجس الذوبان اليهودي فان المجموعات اليهودية المعاصرة تتعايش في ما بينها ولكنها تبقى عاجزة عن تجاوز خلافاتها. مما يجعل الحديث عن الدين اليهودي نوعاً من العبث. ففي الواقع هنالك عشرات الاديان اليهودية. وتتعمق هذه الخلافات لتصل الى حدود التفكك كون الخلافات تتخطى النواحي الفقهية والفهم الديني الى اختلافات عرقية ولغوية.الا اننا سنكتفي في ما يلي بعرض العوامل الرئيسية للتفكك اليهودي وهي:
أ ـ التناقض بين سكان اسرائيل ويهود الشتات.
ب ـ الخلافات بين الاشكيناز والسفارديم.
ج ـ المهاجرون الجدد (يهود مشكوك في يهوديتهم).
هـ ـ الاختلاف بحسب بلدان المنشأ.
أ ـ يهود اسرائيل ويهود الشتات
هنالك خمسة ملايين يهودي يعيشون في اسرائيل ضمن حالة حرب ورفض من قبل محيطهم. وهو رفض يعكس عجزهم عن الحصول على الاعتراف. فالاعتراف لا يأتي بالقوة وعن طريق التهديد بأسلحة الدمار الشامل. واذا كان هؤلاء اليهود يستندون الى الدعم الاميركي في طموحهم لنيل الاعتراف السياسي فانهم يدركون بأن هذا الدعم غير كاف لحصولهم على الاعتراف الانساني. خصوصاً وانهم مصرون على عدم الاعتراف بالأغيار عموماً وبمحيطهم العربي خصوصاً. ومن السذاجة بمكان تصور اعتراف هؤلاء اليهود ببعضهم البعض فهم ينغلقون في احياء خاصة بكل مجموعة منهم داخل دولة اسرائيل. حتى بدت هذه الدولة وكأنها تجمع للحارات اليهودية. التي نقلت مكان اقامتها من بلد المنشأ الى فلسطين. الا ان ما يجمع هؤلاء ويفرقهم عن بقية يهود العالم هو ميلهم لتغليب المصلحة اليهودية (تتمثل بالنسبة لهم في مصلحة اسرائيل) على مصلحة اليهودي. وهذا الميل هو عنصر التفريق الرئيسي بين ساكني اسرائيل وبقية يهود العالم. فالآخرون يغلبون مصلحة اليهودي وهو تغليب يزيد احتمالات ذوبانهم في المجتمعات التي يعيشون فيها عبر الزيجات المختلطة وعبرلعبة المصالحالشخصية. واللعبة الاخيرة هي التي تجعل من الحضارة البراغماتية (النفعية) حضارة مذوبة.
ب ـ بين الاشكيناز والسفارديم
تبلغ نسبة الاشكيناز بين يهود العالم حدود الـ 90% وهم يمارسون الشريعة ويعتمدون فقهاً مخالفا لفهم السفارديم للدين اليهودي. من هنا التشكيك في يهوديتهم. خصوصاً وأن المعلومات تتراكم حول تحدر الاشكيناز من قبائل الخزر المتهودة وهذا يعني ان هناك شكوكاً بيهودية 90% من يهود العالم بالرغم من اصرار الصهيونية على اعتبار الخزر واحدة من القبائل العشر التائهة.
ج ـ ادعياء اليهودية
ان حاجة اسرائيل الى مهاجرين جدد جعلتها تقبل تدريجياً هجرة جماعات مشكوك بيهوديتها أو حتى تواجه رفضاً قاطعاً ليهوديتها من قبل بعض الحاخامات. الا أن اصرار اسرائيل على المحافظة على اسطورة يهودي واحد مقابل 40 عربياً جعلها تتساهل في استيراد يهود الفالاشا (الذين لا يزالون بعيدين عن اعتراف بعض الجماعات اليهودية المتشددة) ومن ثم فهي استقدمت مليون مهاجر روسي تحوم الشكوك في يهودية 65% منهم. حتى تحول هؤلاء الى عنصر ضغط لتغيير تعريف اليهودي المعتمد حالياً في اسرائيل.
د ـ المتدينون في مواجهة العلمانيين
كان من الطبيعي ان تكون الغلبة والسيطرة في اسرائيل من نصيب العلمانيين. فالحركة الصهيونية المؤسسة للدولة هي حركة علمانية. الا ان هذه السيطرة لم تنجح في الحؤول دون صعود الاصوليات الدينية اليهودية. وهذا الصعود يهدد كيان الدولة لانه كيان علماني. ويمكن التأكيد على استحالة استمرار العلمانيين بالعيش في اسرائيل في ما لو تصاعدت قوة الاصوليين اكثر مما هي عليه الآن. حيث لا تزال الصهيونية قادرة على استيعاب حزب متطرف مثل حزب شاس.
هـ ـ تناقضات بلدان المنشأ
في المألوف التاريخي نجد ان الديانات تتعرض للاضافات والتعديلات عند دخولها الى بلدان او حضارات مخالفة للحضارة التي ظهرت فيها. لكننا نجد اقلاباً لهذه القاعدة في حالة اسرائيل. حيث نلاحظ ان يهودها يحملون معهم الاضافات والتعديلات من البلدان التي اتوا منها. وهذا يتضمن نقلهم لادق تفاصيل الحياة اليومية والتصرفات الإجتماعية في تلك البلدان. بما في ذلك النظم الرمزية(مثل اللغة) لتلك البلدان.
وهذا ما يجعل من المجتمع الاسرائيلي مجتمع جزر ثقافية وحضارية متنافرة. ومن هنا اطلاقنا على اسرائيل تسمية “اتحاد الحارات اليهودية” .
ومجموعة هذه التناقضات التفككية (Dissocative) تحتم السؤال عن المادة اللاصقة لهذا الموزاييك البشري المتناقض؟. فهذه التناقضات كافية لاندلاع حرب أهلية بين سكان الحارات اليهودية في اسرائيل!
لكن الواقع يشير الى لحمة متينة للموزاييك الاسرائيلي. ولعل أبرز ملامح هذه القوة تتمثل في المرونة التي تتعاطى فيها اسرائيل مع المتغيرات الاقليمية والدولية. بحيث نلاحظ ان طروحات الهوية (الانتماء) تختلف وتتنافس لتعود فتعترف بصدارة الطرح الأكثر انسجاماً ونفعية المصلحة اليهودية(اي لاسرائيل).
فأصحاب الطرح الكنعاني والعبري يتراجعون عندما يجدون ان اسرائيل بحاجة الى يهود الشتات ودعمهم. ويتقدمون عندما يقصر هؤلاء تجاه اسرائيل فيغلبون مصالحهم على المصلحة اليهودية. وهذه المرونة تشير الى نجاح اسرائيل في نسخ قدرة الولايات المتحدة على صهر تناقضات سكانها. اعتماداً على مبدأ الرفاه الاميركي. وعليه تصبح امكانية اندلاع حرب اهلية في اسرائيل موازية لامكانية اندلاعها في الولايات المتحدة. وبذلك تحول الرفاه الاسرائيلي الى عنصر جذب لمهاجرين يدعون اليهودية (الروس خصوصاً). بل ان هذا الرفاه جذب اعداداً كبيرة من الشبان العرب للعمل في اسرائيل بالرغم من خلفيات العداء المتبادل.
وتصل هذه المرونة الاسرائيلية الى قمتها مع قدرة المجتمع الاسرائيلي على قبول طرح رابين للشرق اوسطية وهو طرح سابق للصهيونية وليس تابعاً لها. فهذا الطرح هو قناع جديد للطرح العبري الذي بتناه يهود السابرا (الصبار) باقامة دولة بدون عداء مع جيرانها. وبمعنى آخر فان طروحات رابين شكلت تراجعاً عن الصهيونية وهذا ما أدى الى اغتياله(11). لكن استراتيجية رابين تواصلت بعد انقطاع (فترة حكم نتنياهو) وجاء باراك بيوسي ساريد وزيراً للتعليم ليقر كتابات المؤرخون الجدد في التعليم الاسرائيلي وهي كتابات كان رابين قد اوحى بتأليفها قبل خمس سنوات من تولي باراك للسلطة. وعبر هذه الكتابات تتجلى لنا خطوات التراجع عن الصهيونية عبر ضحد اساطيرها. وبذلك تكون حركة المؤرخين الجدد حركة سياسية مدعومة من حزب العمل وليست حركة مثقفين متفرقين ومنعزلين ومتجزئين. كما ان هذه الحركة تسجل عودة الى ما قبل الصهيونية وليست حركة ما بعد الصهيونية(12)...الخ من الملاحظات التي يجب تدوينها قبل تحديد مواقفنا من هذه الحركة.
ومهما يكن فان الصهيونية نجحت في ادخال مصطلح معاداة السامية أو “اللاسامية” واحسنت استغلاله وتوظيفه لخدمة مشروعها ، كما نجحت الصهيونية في اقامة حائط مبكى جديد ومعاصر ومساير للعصر مجسداً بمصطلح “اللاسامية”. وحائط المبكى الجديد هو “الهولوكوست” الذي احسنت الصهيونية صناعته والاتجار به.
الا ان المبالغات الصهيونية والتوحد الكلي بالولايات المتحدة استجلبت انتقادات ومعارضات متفاوتة الدرجات من قبل بعض القطاعات والشخصيات اليهودية. فما كان من الصهيونية الا ان اشتقت من مصطلح “اللاسامية” مصطلحاً فرعياً توليدياً هو مصطلح “لا سامية الأنا” بمعنى “اليهودي الذي يكره نفسه”. وهو مصطلح راحت الصهيونية تطلقه في وجه اي يهودي يجرؤ على معارضتها او حتى انتقادها. مع توظيف قدرتها على التحكم في الاوساط اليهودية ـ الشتاتية لمحاربة معارضيها الذين يكرهون انفسهم. وبهذا يمكننا اعتبار تهمة “لاسامية الأنا” نوعاً من التكفير على الطريقة العلمانية.
ولقد انشأت الصهيونية رابطة خاصة لاصدار تهم اللاسامية والصاقها بكل من يتجرأ على الصهيونية. وهذه الرابطة تسمى بـ: “رابطة مكافحة التشهير اليهودية”. وهي شأنها شأن كل المنظمات اليهودية لا تقف عند حدود هدفها المعلن أو اختصاصها بل تتعداهما الى كافة الميادين (نظراً لكون الديانة اليهودية شاملة لكافة مناحي الحياة اليومية لليهودي). وغني عن القول بأن هذه الرابطة تتمتع بنفوذ مخيف في الولايات المتحدة خصوصاً.
ولكن هل يمكننا اعتبار “لا سامية الانا” اختراعاً صهيونياً؟
أو اعتبارها فعلاً انعكاسياً معارضاً للممارسات الصهيونية؟
ان التعمق في التراث اليهودي المعروف يبين لنا ان كره اليهود لانفسهم كما لليهود الآخرين انما هو جزء من هذا التراث. فهذه الكراهية تتبدى في “النكتة اليهودية” وهي غالباً منتحلة ومنقولة. لكن انتقاءها يؤيد اتجاه كراهية الذات لدى اليهود. وهذه الكراهية شانها شأن كافة أنواع الكره اليهودي للذات تبطن عدوانية نحو الأغيار ولذة الشعور اليهودي بالاضطهاد. ومن المفارقات الظريفة في تعريف “لا سامية الأنا” ان الالحاد لا يعتبر دليلاً على كراهية الذات اليهودية لأن الدليل عليها هو الخروج على المصالح اليهودية وليس على الديانة اليهودية وهنا قمة التفكك”!
د. محمد احمد النابلسي في كتابه الجديد «يهود يكرهون انفسهم» محاكم التفتيش الصهيونية بين معاداة السامية ولا سامية الأنا
الكفاح العربي في 25/11/2002 انس الأموي
في كتابه الجديد الصادر عن دار الفكر بدمشق تحت عنوان «يهود يكرهون انفسهم يرى الدكتور محمد احمد النابلسي ان شعور اليهود بالاضطهاد يلازم تاريخهم المروي ويطبع اساطيرهم, فهذا الشعور يسهل على اليهودي الشعور بكراهية الآخر لأن الآخر يضطهده ويضطهد شعبه وهو ليس بحاجة الى صدقية المرويات والروايات اليهودية لأنه يؤمن بها, لذلك فإن اللاسامية او معاداة السامية او كره اليهود وهي مصطلحات مختلفة لشعور لازم اليهود عبر تاريخهم. الا ان هذا المصطلح لم يعرض للتداول السياسي إلا في نهاية القرن التاسع عشر وتحديداً في العام 1881 وفي شهر نيسان€ابريل من ذلك العام. ففي ذلك التاريخ أصدر وزير الداخلية الروسي اخانتيف مجموعة من القوانين هدفت الى إبعاد اليهود والالمان عن وسط روسيا, وتجميعهم في 25 ولاية تقع في غرب روسيا, وقد ادى هذا التهجير القسري الى اضطرار اليهود الى العيش في ظروف قاسية في اماكن سكنهم الجديدة, وعندها ظهر مصطلح €اللاسامية€ وكأنه ردة فعل على هذه القرارات التي الحقت الظلم باليهود الروس. ويشير الباحث اللبناني المعروف الى ان المتابع لا بد له من الربط بين بدايات النشاط الصهيوني وبين ظهور هذا المصطلح مدعوما بدلالات سياسية ـ اجتماعية محددة, حتى يمكن اعتبار €اللاسامية€ منطلقاً للمصطلحات الدعائية الصهيونية الهادفة الى اختراع اساطير حديثة يتلاءم نسيجها مع الاساطير اليهودية القديمة. والهدف من الاصرار على هذا التشابه هو تحويل اي عقاب يتلقاه اليهود لدى انحسار القناع عن تجمع من تجمعاتهم الى وقفة نكوصية, حيث يرى المحللون ان التعرض لرضة جديدة يؤدي الى إعادة إحياء ذكريات الرضات القديمة. كما ان حاجة الصهيونية للاساطير الجديدة لم تكن تقتصر على استخدامها كوصية, بل كان لهذه الاساطير دور وظيفي فائق الأهمية بالنسبة الى الصهيونية, التي عرضت نفسها حركة علمانية. ومن ثم ملحدة, فالديانة اليهودية هي ديانة تشريعية تتدخل في ادق التفاصيل للمؤمن بها, وهذا ما يجعل العلمانية خروجاً بينيا على تعاليم الدين ومن ثم إلحاداً ناجزاً. وعليه فإن الاساطير الحديثة هي الوسيلة لإعادة وصل ما ينقطع بين الصهيوية وبين اليهود الارثوذكس. ولهذا السبب مهدت الصهيونية لأساطيرها الجديدة بإرساء نواة اول مستعمرة صهيونية في فلسطين, حيث اقنعت الملياردير اليهودي «موسى دي مونتي فيوري» بشراء ضيعة قرب يافا في العام 1855 وتخصيص ارضها لليهود المتدينين او المضطهدين, وهذاما أتاح لليهود الروس المهجرين عام 1881 إمكانية الهجرة الى فلسطين, حيث هاجر قسم منهم ليؤسس مستعمرة رأس صهيون «رشون لوزيون». وفي هذا الاطار يؤكد الدكتور النابلسي وبجرأة ان استثمار الصهيونية لمصطلح €اللاسامية€ لم يصل الى ذروته إلا في الحرب العالمية الثانية, حين قدم الزعيم النازي هتلر فرصة الاستثمار الذهبية لهذا المصطلح, إذ بدأت الصهيونية بدعوة يهود العالم للهجرة الى فلسطين على انها الملاذ الوحيد لهم في العالم, وقد استجاب اليهود الاوروبيون لهذه الدعوة تحت ضغط شائعات تحول €اللاسامية€ من النبذ الاجتماعي والاحتقار الى المذابح الجماعية, وهي شائعات روجتها الصهيونية وضخمتها, بل ان هنالك وثائق تتراكم وتكتشف تباعاً لتؤكد وجود تواطؤ بين هتلر وبين الصهيونية باتجاه اجبار اليهود الالمان خصوصا, والاوروبيين عموما للهجرة الى فلسطين. كما ان الصهيونية نجحت في إدخال مصطلح معاداة السامية او €اللاسامية€ واحسنت استغلاله وتوظيفه لخدمة مشروعها, كما نجحت الصهيونية في اقامة حائط مبكى جديد معاصر ومساير للعصر مجسداً بمصطلح €اللاسامية€, حيث المبكى الوحيد هو €الهولوكوست€ الذي أحسنت الصهيونية صناعته والاتجار به, إلا ان المبالغات الصهيونية والتوحد الكلي بالولايات المتحدة استجلت انتقادات ومعارضات متفاوتة الدرجات من قبل بعض القطاعات والشخصيات اليهودية, فما كان من الصهيونية الا ان اشتقت من مصطلح €اللاسامية€ مصطلحا فرعيا توليديا هو مصطلح €لاسامية الأنا€ بمعنى «اليهودي الذي يكره نفسه» وهو مصطلح راحت الصهيونية تطلقه في وجه اي يهودي يجرؤ على معارضتها او حتى انتقادها, مع توظيف قدرتها على التحكم في الاوساط اليهودية الشتاتية لمحاربة معارضيها الذين يكرهون انفسهم حيث يمكن اعتبار تهمة €لا سامية الأنا€ نوعاً من التكفير على الطريقة العلمانية. بالاضافة الى التعمق في التراث اليهودي المعروف يبين لنا ان كره اليهود انفسهم كما لليهود الآخرين, انما هو جزء من هذا التراث, فهذه الكراهية تتبدى في «النكتة اليهودية» وهي غالبا منتحلة ومنقولة, لكن انتقاءها يؤيد اتجاه كراهية الذات لدى اليهود, وهذه الكراهية شأنها شأن كافة انواع الكره اليهودي للذات تبطن عدوانية نحو الاغيار ولذة الشعور اليهودي بالاضطهاد. كما تحول مسألة €الهولوكوست€ الى عملية ابتزاز دولي وتاريخي منظم حتى تحول مناقشة هذه المسألة الى واحدة من المحرمات €التابوات€, حيث تعرض العديد من المفكرين والاساتذة الجامعيين للاضطهاد بسبب الهولوكوست, ومنهم روجيه غارودي وغيره من الباحثين الذين تطرقوا الى الموضوع فنالتهم ممارسات الارهاب الفكري بدءا بالطرد من الوظيفة, ووصولا الى الاعتداء الجسدي والتهديد مرورا بتحطيم واجهات المكتبات التي تبيع كتب هؤلاء, ومع ذلك فإن عددا لا لا بأس به من الكتّاب اليهود تجرأ على اتخاذ مواقف ناقدة لهذا السلوك للايحاءات والمبالغات اليهودية في هذه القضية. يهود معادون لاسرائيل وفي هذا المجال يصف الدكتور محمد احمد النابلسي في كتابه الجديد اليهود المعادون للكيان الصهيوني بأربع فئات, الاولى اليهود المتشددون من الطوائف التي ترى ان قيام اسرائيل مخالف لتعاليم التورارة, بل انه حرب ضد الرب ومثال على هذه الفئة الحاخام موشيه هيرش زعيم طائفة €نيطوري كارتا€ والذي يرى ان اسرائيل وسيلة لتدمير اليهود, والثانية اليهود المعادون مبدئيا للصهيونية سواء لأسباب دينية او ايديولوجية او سياسية ومثال على هذه الفئة الفيلسوفة اليهودية ضه أراندت والتي حازت لقب «عدوة اليهود» منذ العام 1961. اما الفئة الثالثة فهي اليهود المشككون بليبيرية اسرائيل وديمقراطيتها واكتشافهم لعنصريتها, وهؤلاء من الليبراليين الراديكاليين ومنهم نعوم شومسكي واسرائيل شاحاك وموريس جاكوبي الذي يعلن ان اسرائيل دولة عربية حيث يبلغ هذا المفكر العجوز الخامسة والثمانين من عمره وهو اسباني الاصل يعيش في فرنسا بعد ان ضاقت به امكانية العيش في اسرائيل التي سجنته عدة مرات بسبب آرائه, مما جعله يردد ان للديمقراطية اسنانا حادة. وهو يخاف من اسنانها على اولاده واحفاده المستمرين في العيش داخل اسرائيل. كما انه لديه كتاب من 650 صفحة لا يجد له ناشراً يحمل عنوان «اسرائيل ارض حرب وفلسطين ارض سلام». في حين ان اليهود المنشقين على الصهيونية يشكلون الفئة الرابعة ومنهم الصحفي اليهودي مايوليفن الذي يخجل من صهيونيته ويخشى تهمة لا سامية الأنا حيث قال: «اشعر بالخجل لأن هذه الدولة التي كنت القى التشجيع لكي احبها ابتكرت عمليا فكرة الهجمات €الدفاعية€ الوقائية, وسمحت لنفسها بغزو لبنان عام 1982 مسببة معاناة لا حدود لها, وكوارث داخل ذلك المجتمع الهش». اشعر بالخجل لأن دولة ولدت جزئيا خلال الهولوكوست €محرقة اليهود€ تستمر في قتل مدنيين ابرياء بالقنابل والمتفجرات وقد دينت مرات عديدة في منظمة العفو الدولية لقيامها بتعذيب سجناء واساءة معاملتهم والكثير من هؤلاء مجرد رهائن سجنوا من دون محاكمة. كذلك فرويد اليهودي الذي كره نفسه قبل وفاته والذي كان ملحداً, لكنه كان شديد التعصب ليهوديته, والحاده لم يكن سوى نوع من انواع التمرد النرجسي الناشئ عن صورة جميلة متخيلة للأهل. تناقضها صورة بشعة واقعية, فيحصل التمرد لرد الاهل الى صورتهم الجميلة, اما عن مظاهر التعصب اليهودي عند فرويد فنجده في ابوية €بطريركية€ التحليل, وفي تأسيس فرويد له على غرار الحركات السرية, واقتصار اوائل الاعضاء على اليهود, ورغبة فرويد الفائقة بتولية يونغ الآري خليفة له حتى لا يتعرض التحليل للاضطهاد الآري وتعلقه بالتاريخ اليهودي والمصري حيث كان يملأ عيادته بالعاديات المصرية الأثرية, وموقفه من موسى ومحاولته ترميم صورته الموجودة في التوراة. بالاضافة الى مظاهر التربية اليهودية المنعكسة على فكره وكتاباته ونظريته, وهي مظاهر عمل «جاك لاكان» على تحويرها ليجعل من التحليل نظرية قابلة للاعتماد في المجتمع الفرنسي الكاثوليكي. المؤرخون الاسرائيليون الجدد ويخصص الدكتور محمد احمد النابلسي في كتابه «يهود يكرهون انفسهم», الفصول الثلاثة الاخيرة للحديث عن حركة المؤرخين الاسرائيليين الجدد, مقدما نماذج من كتاباتهم ولمحة عن المواقف العربية من حركات الانفتاح اليهودية, حيث يشير الباحث الى تجنب التاريخ الاسرائيلي الرسمي مجرد الاشارة الى الخسائر اللاحقة بالفلسطينيين نتيجة حرب 1948, وبذلك فهو قد تجنب ذكر الدمار والخراب اللاصق بالمدن والقرى الفلسطينية, والحديث عن طرد السكان من قراهم ومنازلهم وتدميرها بعد ذلك, وبهذا حافظت الرؤية الرسمية الاسرائيلية على منطوق تاريخي موحد, قوامه ان الصهيونية قد حققت معجزة إقامة دولة اسرائيل, حيث صفة المعجزة هي النتيجة المفروضة للطريقة الرسمية في سرد احداث حرب 1948, وذلك بدءا بتسميتها بحرب الاستقلال في ايحاء الى انه استقلال لدولة اليهود عن التاج البريطاني, فحتى اليوم لا تتعدى حركة المؤرخين الجدد عن كونها مجموعة من الباحثين الجامعيين الذين يجرون بحوثا للتحقق من بعض الملابسات والتفاصيل المتعلقة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي منذ تأسيس اسرائيل حتى اليوم. ولهذا السبب فقد عوملت هذه الحركة على انها مجرد تيار من التيارات العلمانية لغاية قرار وزير التعليم يوسي ساريد إدخال افكار هؤلاء المؤرخين الى المدارس وتدريسها للتلاميذ, فهذا القرار هو الذي اعطى التيار طابع الحركة مبيناً تأثيرها وتمتعها بالتأييد السياسي, حيث يجيء هذا القرار على يد الحكومة الباراكية المستعدة لتقديم تنازلات من النوع الرابيني €نسبة الى رابين€, مما جعل معارضة اليمين المتدين لهذه الحركة معارضة ذات طابع حاد. ومع ان اعمال هؤلاء المؤرخين تبدو وكأنها تناصر العرب ورواياتهم الا ان الدكتور النابلسي يحذر من الوقوع في هذا المطب مشيرا الى ان المؤرخين الجدد يؤكدون على وجود تواطؤ عربي رسمي للحؤول دون قيام دولة فلسطينية كنتيجة طبيعية لقرار التقسيم, مما يعني استجابة الزعماء العرب في حينه لرؤية «بن غوريون» الخاصة للمصالح الاسرائيلية. ويركز «بيني موريس بشكل خاص على تفاهم الملك عبد الله مع اسرائيل, ولكن التشكيك لا يقف عند ملك الاردنبل يتعداه الى سائر الزعماء في حينه. كما يشكو المؤرخون الجدد من ضبابية المحفوظات العربية المتعلقة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي وعدم امكانية الوصول الى وثائقه بصورة مباشرة, وضرورة الالتفاف للحصول على هذه المعلومات عبر الوثائق المخابراتية الاجنبية, كذلك يعتبر المؤرخون الاسرائيليون الجدد بأن عملهم لا يكتمل بدون قيام حركة مؤرخين عرب جدد, بما يوحي ان الخلاف العربي ـ الاسرائيلي متركز على إيضاح بعض النقاط التي تدين الصهيونية بما يسمح بعدها بالانتقال الى مرحلة تفاهم ما بعد الصهيونية. كما انه وامام الدعم العالمي لاسرائيل اضطر الزعماء العرب الى خوض حرب تعبئة نفسية بهدف الحفاظ على المعنويات, وايضا وقاية الجمهور من اخطار الحرب النفسية الاسرائيلية التي سخرت وسائل الاعلام العالمي وبذلك طغت هذه التعبئة على الرؤية الرسمية العربية لتاريخ الصراع, بحيث يؤدي سرد الحقائق الى دحض هذه الرواية. ويستعرض الدكتور محمد احمد النابلسي اعمال بعض هؤلاء المؤرخين الجدد حيث يسقط ناخمان بن يهودا اسطورة €الماسادا€, ويرى بيني موريس في شهادته الاسرائيلية بأن العرب ضحايا الحق, ويؤكد المؤرخ سيمحا فلابان نية مبيتة لتهجير الفلسطينيين, اما آفي شليم في كتابه €الجدار الحديدي ـ اسرائيل والعالم العربي€ فيعارض العرض التقليدي لتاريخ الدولة العبرية.كذلك كتابات توم سيغيف وإيلان بابي وزئيف ستيرنهل ويهودا بن ناخمان وايلي نافيه وغيرهم.. وحول المثقفين العرب والانفتاح الاسرائيلي يؤكد الباحث اللبناني انه من الصعوبة بمكان تقديم عرض شامل لمواقف المثقفين العرب من مختلف التيارات والحركات الانفتاحية الاسرائيلية وخصوصا بعد تفرع محاولات الانفتاح الاسرائيلية المضخمة بحيث امتدت الى الصعيد الشخصي والى اصطياد المثقفين العرب في الندوات والمؤتمرات وعبر الملحقيات والمراكز الثقافية الاسرائيلية, هذا عدا عن محاولات التأسيس لحركات خليطة تضم عرباً واسرائيليين بشروط اسرائيلية... ويتابع د. محمد احمد النابلسي مشيرا الى انه على الرغم من كثافة هذه المحاولات الاختراقية, فإن من واجبنا تجنب التعميم وتحويل كل علاقة عربية ـ اسرائيلية الى هاجس وسواسي, فواقعنا المخزي يجبرنا على مواجهة حقائق صعبة من نوع قيام العمال الفلسطينيين بالمشاركة في بناء المستوطنات اليهودية التي تبتلع ارضهم, وذلك تحت وطأة الحاجة الى الرغيف. كذلك الشبان العرب من مختلف الجنسيات الذين يعملون في اسرائيل هربا من فقرهم.. وهذا ما يدفعنا للاعجاب بالعلاقة المميزة التي تربط مثلا بين ادوارد سعيد وبين اسرائيل شاحاك لما فيها من اصرار متبادل على المساواة الكلية. لهذا فإن موقف التجاهل العربي لحركة المؤرخين الجدد ولغيرها من الحركات الصهيونية التجميلية هو موقف متعمد وموضوعي, الا انه لا يمنع من محاولات القراءة الموضوعية لهذه الحركات و ايجاد والأسس الموضوعية للتعامل معها وذلك من خلال مناقشة الاصداء الاعلامية والفكرية للحركة خارج اسرائيل والمحاولات الآمنة لايصال نتاج هذه الحركة الى الرأي العام العربي وتوعية الرأي العام العربي فيما يتعلق بالابعاد السياسية الحقيقية لهذه الحركة... في حين يحيل الدكتور النابلسي القارئ العربي للاطلاع على كتابات السياسي الاميركي بول فندلي الذي خسر مقعده في الكونغرس نتيجة لحملته ضد اللوبي الصهيوني والذي دحض كافة الاكاذيب الصهيونية.... الكتاب: يهود يكرهون انفسهم تأليف: الدكتور محمد احمد النابلسي الناشر: دار الفكر بدمشق ـ دار الفكر المعاصر بيروت سنة النشر: تشرين الاول€اكتوبر 2002 عدد الصفحات: 288 صفحة من القطع المتوسط
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق