Facebook

فرويد يحلل الشخصية اليهودية في كتابه " موسى والتوحيد "

افتتح فرويد الدراسات حول الشخصية الجمعية في كتابه المعنون " الطوطم والمحرم " الذي استند فيه الى الانثروبولوجي فريزر. الا أن تطرقه لتحليل الشخصية اليهودية تأخر لغاية (1914) عندما نشر مقالته " موسى و مايكل انجلو " التي نشرها دون توقيع. ثم نشر بعدها الجزئين الأول والثاني من كتابه " موسى والتوحيد " عام 1937 أما القسم الثالث والأخير فنشره عام 1939. حيث قدّم في هذا الكتاب تحليلات عميقة للشخصية اليهودية. وإن كان بعضهم يرد دافع تأليفه لهذا الكتاب الى محاولته التوحد بشخصية موسى.
اللافت في هذا الكتاب هو اصرار فرويد على انتزاع موسى من اليهود في الوقت الذي يتعرضون فيه لملاحقة النازي؟. وهم قد أعطوا جملة اجابات لا يمكن اعتبار احداها مقنعاً!. فاذا ما نظرنا الى هذا الانتزاع على ضوء المعارف السيكاترية الراهنة لوجدنا أن هذا النكران هو مظهر تفككي (Dissociativ). فاذا ما راعينا رغبة التوحد بموسى لدى فرويد امكننا الاستنتاج بأن فرويد كان يعاني في هذه الفترة من هذا التفكك . وهذا تحديداً ما يجعله أقدر على تبيان عيوب الشخصية اليهودية المرفوصة من قبله. وهو رفض يمكن رده الى الجرح النرجسي الذي اصابه لاضطراره ، بسبب يهوديته ، للهرب من فيينا الى لندن.
ونؤجل عرض آراء فرويد في الشخصية اليهودية الى فقرة لاحقة لنذكر أن بعض اتباعه من المحللين حذوا حذوه لجهة توظيف التحليل في الدراسات الانثروبولوجية. ومن هؤلاء نذكر يونغ الذي عني بدراسة الأساطير ونشر كتاب " الاله اليهودي " وابراهام وريخلن وروهايم. ونسجل لهذا الاخير ملاحظة قيمة اذ يقول(3):"… ينبغي أن يكون للطابع القومي كينونة ثابتة عبر الاجيال. ترتكز على تكرار نفس الموقف الطفولي".
توخيا للاختصار سنحاول ايجاز التحليل الفرويدي للشخصية اليهودية، من خلال كتابه "موسى والتوحيد" بنقاط محددة نختصرها كما يلي:
أ ـ يرى فرويد ان الرواية اليهودية لقصة موسى لا تنسجم ومنطق الامور. فالاصح هو ان يكون الفرعون قد حلم ان ابن ابنته سيكون خطراً عليه لذلك امر بالقائه في النيل فوجده اليهود وتعهدوا تربيته. وليس العكس كما تقول الرواية اليهودية. بذلك يكون فرويد من اوائل المشككين بالروايات التوراتية. وهو يدعم آراءه ببحوث مؤرخين جدد (لاحظ ان هذا المصطلح ليس جديداً كما يدعي المؤرخون الاسرائيليون الجدد) من أمثال ج.ه.بريستد وماير وغيرهم.
ب ـ الرواية السابقة تؤكد مصرية موسى ولاعبرانيته. ويقول فرويد بـأن ذلك يجب الا يكـون مدعـاة للاستغـراب. فـنابليون مثلاً لم يكن فرنسياً!. الا أن نفي فرويد ليهودية موسى يعني نفي اسطورة الشعب المختار ليهوديته.
ج ـ يتهم فرويد اليهود بقتل موسى ـ المصري ـ لأن العبرانيين لم يستطيعوا الارتقاء الى مستوى الروحانية التي يتضمنها دين موسى. وهو يدعم هذا الرأي بالاستشهاد بكتابات المؤرخ اليهودي أ.سيلن.
ح ـ ان فرويد لا يشكك فقط بالتراث اليهودي بل هو يشكك أيضاً بالتوراة نفسها اذ يقول:"… ان النص التوراتي الذي بين أيدينا يحتوي على معلومات تاريخية مفيدة بل لا تقدر بثمن. لكن هذه المعطيات تم تحريفها بفعل مؤثرات مغرضة قوية. كما تم تجميلها شعرياً ". وبهذا يؤسس فرويد لمعارضة قراءة التاريخ انطلاقاً من المرويات التوراتية. وهو يدعم رأيه هذا بتباعد الفترات الزمنية لتدوين اجزاء التوراة الذي لم يكتمل الا بعد ظهور موسى بتسعة قرون!.
تعتمد نظرية الاستقراء التاريخي، لدى تطبيقها في مجال المستقبليات. على مبدأ الراهنية، الذي يقتضي أخذ متغيرات الراهن في الحسبان للوصول إلى توقع أكثر دقة حول الطريقة أو النمط الذي سيتكرر الحدث عبره. ولعل أبرز المتغيرات الراهنة هي أن اليهود لم يعودوا أقليات تحتجز نفسها في حارة اليهود (الغيتو) بحيث تتوزع مصالحها بحسب أجواء وظروف المجتمعات التي تقع فيها الحارة. فقد تجمعت هذه الأقليات في دولة دعيت " إسرائيل". وبالتالي فإن الراهن مختلف عن الماضي في نواح عديدة، أهمها أن يهود إسرائيل باتوا يملكون قوة عملية لمواجهة عقدة المذبحة. فتطور هذه العقدة وأمراضيتها الخطرة جعلتا اليهود لا يكتفون بملكية القوة، والمبالغة في أدواتها، بل تخطوا ذلك إلى سلوك عدواني قهري يجعلهم عاجزين عن الشعور بالأمان ما لم يؤكدوا قدرتهم على الاعتداء على الآخر.
من هنا كانت القيادة الإسرائيلية مجبرة على ارتكاب أخطاء استراتيجية عديدة تحت ضغط الجمهور المذعور الذي لا تمكن
طمأنته الا عبر إثبات القدرة الإسرائيلية على العدوان. حتى بات بالإمكان الحديث عن تطور عقدة المذابح إلى جنون الاضطهاد. ونتوقف هنا للاستشهاد بأقوال مؤسس التحليل النفسي (وهو فرويد اليهودي) الداعمة لتشخيص جنون الاضطهاد والمؤكدة بأن هذا الجنون، مع ما يصاحبه من هذاء العظمة المرضي، موجود في صلب الشخصية اليهودية. بما يجعل من المذابح اليهودية والاعتداءات الإسرائيلية نتيجة لهذا الجنون وليس سبباً له. إذ يقول فرويد في كتابه "موسى والتوحيـد" والنص الحرفـي ما يلي:
… أنه لما يبعث على دهشة اكبر أيضاً أن نرى الإله اليهودي (يختار) لنفسه على حين بغتة شعباً من الشعوب ليجعله "شعبه المختار" ويعلن أنه إلهه، وهذه واقعة غريبة في تاريخ الأديان الإنسانية… (ص 61).
… لقد كانت الشروط السياسية تتنافى مع تحول الإله القومي (اليهودي) إلى إله كوني (لكل البشر)، فمن أين تأتي لهذا الشعب
الصغير البائس والعاجز صلف الإدعاء بأنه الابن الحبيب للرب؟… ص (92).
… لقد كان لنسبة دين يهوه الجديد إلى الآباء الأوائل هدف انتحال هؤلاء الآباء الذين عاشوا في كنعان وارتبطت ذكراهم ببعض الأمكنة في البلاد. ولعلهم كانوا أبطالاً كنعانيين أو آلهة محليين انتحلهم اليهود المهاجرون ليدمجوهم بتاريخهم القديم، بما يعادل أشهار ارتباط اليهود بالأرض (زوراً) واتقاء للكراهية التي تلاحق المستعمرين. وبفضل هذه المناورة البارعة (أي الاحتيال التاريخي) ساد الادعاء القائل بأن كل ما فعله يهوه هو أنه أعاد إلى اليهود ما كان ذات يوم ملكاً لأسلافهم!… ص(63).
وهكذا فإننا إذ نقبل ربط جنون الاضطهاد (البارانويا) اليهودي بالمذابح اليهودية فإننا نقدم تنازلاً لا يقبل به فرويد اليهودي، ومع ذلك نقبل هذا الربط حتى نتجنب ثقل الراهن الذي يجعل تهمة "معاداة اليهود" جاهزة لكل من يحاول رد الحوار مع اليهود إلى العقلانية (5). وبطبيعة الحال فإننا لا نخشى هذه التهمة إلا أننا نريد تجنب الجدل الجاهز الذي يحيد بأية مناقشـة
من هذا النوع عن العقلانية. مهما يكن فإن تكرار دورة التاريخ اليهودي راهناُ لا بد لها من أن تأخذ في حسبانها أن اليهودي لم يعد يقيم علاقته مع الآخر انطلاقاً من الغيتو ومن موقع الانتماء لأقلية. (وهو يفرض عليه التنازلات ويجعله أقل تهوراً وأكثر تحسباً للمستقبل. وهي أمور تجعله أقل عدوانية ظاهرية وبالتـالي فإنها تجعله أكثر ميلاً لاعتماد السلوك الاحتيالي). فاليهودي المعاصر يتعامل مع الآخر انطلاقاً من انتمائه لدولة تحظى باعتراف المجتمع الدولي. وهذه الدولة جاهزة لاحتضانه متى يشاء لمجرد كونه يهودياً. بل أن هذه الدولة جاهزة لحمايته، حتى ولو لم يكن حاملاُ لجنسيتها، في حال تعرض للملاحقة القانونية في أي بلد من بلدان العالم. حتى لو كان هذا البلد هو الولايات المتحدة نفسها. وهكذا فإن تحول اليهودي إلى اسرائيلي (سواء حمل الهوية الإسرائيلية أم لا) جعله يطلق العنان لعدوانيته المكبوتة وأصبح أقل ميلاً لاعتماد السلوك الاحتيالي واستعاض عنه بالسلوك العدواني سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي. وهذه الجرعة الإضافية من العدوانية تجعل اليهودي عازفاً ومتمنعاً عن التنازل أمام الأغيار (الغوييم) لدرجة معاملتهم بصورة طبيعية (أي كأنداد). وهذا يعني أن ما اصطلح على تسميته بالتطبيع هو مجرد شائعة كاذبة لا سند لها سوى أحابيل الاحتيال الإسرائيلي.
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق