ولعل ما يضاعف من القلق في هذا الصدد هو أن بوادر محاولات الالتفاف على ثورة 25 يناير المجيدة بدأت تلوح في الأفق عبر مسارعة مؤيدي النظام السابق في وسائل الإعلام الحكومية والحزب الوطني لتغيير جلدهم والتملق للثورة من خلال الزعم أنهم كانوا ضحايا القهر الذي مارسه هذا النظام ، بالإضافة إلى تزايد نغمة نشر التقارير الصحفية التي تحاول إظهار الرئيس السابق حسني مبارك وكأنه كان مغيبا عن الوعي في الفترة الأخيرة فيما فسره البعض بأنه محاولة جديدة لابتزاز مشاعر المصريين وإذكاء الانقسام بينهم ما بين مؤيد ومعارض للنظام القديم .
وهناك أمر خطير يسترعي الانتباه وهو أن مؤسسات الفساد مازالت على حالها ولم يتم تفكيكها كلية ولذا فإن التركيز على مطالب فئوية وحتى إن كانت مشروعة تماما قد يعرقل بشكل غير مقصود مهمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للانتقال بالبلاد سريعا نحو الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية بل ويعطي فرصة ذهبية أيضا لرموز النظام القديم للعودة أكثر قوة في ثوب جديد خاصة وأنهم مازالوا يمتلكون ثروات هائلة قد يتم استغلالها لتحقيق مكاسب خلال الانتخابات المقبلة في غفلة من الجميع.
وأمام ما سبق، فإنه هناك حاجة ملحة الآن وقبل فوات الأوان للتركيز مجددا على روح ثورة 25 يناير فيما يتعلق بنكران الذات من أجل مصلحة الوطن ككل وعندما يتم تنفيذ مطالب الثورة كافة فإنه ستختفي تلقائيا المظالم التي تعرضت لها كافة فئات المجتمع المصري طيلة السنوات الثلاثين الماضية .
ويبدو أن نقطة البداية في هذا الصدد والتي تسير جنبا إلى جنب مع مسيرة الإصلاحلات والتغيير التي بدأها المجلس العسكري هي الإسراع بتفكيك مؤسسات الفساد واستعادة أموال الشعب المنهوبة للنهوض بالاقتصاد المصري مجددا وتلبية كافة الاحتياجات الاجتماعية حتى قبل انتهاء الفترة الانتقالية .
ورغم أنه مازالت هناك مشاورات لبحث كيفية تحقيق ما سبق ، إلا أن بعض الشخصيات الوطنية المشهود لها بالنزاهة دعت لضرائب تصاعدية لاستعادة الأموال المنهوبة بالتوازي مع رفع الدعاوى أمام القضاء ضد الفاسدين في كافة مؤسسات الدولة .
أما بالنسبة لقلق البعض تجاه البيان الخامس الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم الاثنين الموافق 14 فبراير ودعا خلاله المواطنين إلى وضع حد للتظاهر والاعتصام وتهيئة المناخ المناسب لإدارة شئون البلاد في هذه المرحلة إلى حين تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة ، فإن هناك من يطالب بإعطاء المجلس العسكري الفرصة وعدم التسرع في إصدار الأحكام خاصة وأن البيان أكد بوضوح حرصه على نجاح الثورة بالقول :" الاحتجاجات تؤثر سلبيا على توفير متطلبات الحياة وتؤدي أيضا إلى إرباك عجلة الإنتاج وتعطيل مصالح المواطنين وتؤثر سلبا على الاقتصاد وتهيئ المناخ لعناصر غير مسئولة وأعمال غير مشروعة".
وفي هذا الصدد ، يرى مصطفى شوقي عضو ائتلاف ثورة 25 يناير أنه يجب إعطاء فرصة للجيش لإدارة البلاد ، لكنه أشار إلى أن استمرار حكومة أحمد شفيق يؤجج مشاعر الناس التي ترفضها لوجود رموز النظام القديم فيها ، مطالبا في تصريحات أدلى بها لقناة "الجزيرة" في 14 فبراير القوات المسلحة بالإسراع في إعادة تشكيل الحكومة في غضون عشرة أيام بما يتناسب مع تطورات الوضع الجديد لتكون حكومة تكنوقراط تترأسها شخصية وطنية مستقلة تدير المرحلة الانتقالية كي يطمئن المصريون على ثورتهم.
برقيات أبو الغيط
ويبدو أن المجلس العسكري غير بعيد عن التجاوب مع مطلب شوقي السابق فهو كلف حكومة أحمد شفيق بالاستمرار في تصريف الأعمال ولم يتحدث من قريب أو بعيد حول أنها ستستمر خلال المرحلة الانتقالية ويبدو أن الفضيحة الجديدة التي تكشفت حول وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ستسرع أيضا من الاستجابة لمطلب ثورة 25 يناير فيما يتعلق بتشكيل حكومة تكنوقراط . أحمد أبو الغيط
وكانت صحيفة "الشروق" المصرية كشفت يوم الاثنين الموافق 14 فبراير عن برقيات بعث بها مكتب وزير الخارجية أحمد أبو الغيط للسفارات المصرية بالخارج وحرض خلالها على شباب ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك عبر الادعاء بأنهم يتلقون تمويلا أجنبيا.
ونشرت الصحيفة في هذا الصدد تفاصيل برقية صدرت عن مكتب وزير الخارجية برقم 177 بتاريخ 3 فبراير تحمل توقيع المتحدث باسمه حسام زكي إلى البعثات الدبلوماسية في الخارج تطلب "إبلاغ وزارات خارجية الدول الأجنبية بأن اتصالات الوزارة مع الأجهزة الأمنية تشير إلى القبض على عناصر أجنبية ضمن المتظاهرين حينذاك.
وتضمنت البرقية أيضا ادعاءات بأن لدى الوزارة معلومات مؤكدة عن مبالغ مالية بالعملات الأجنبية تدفع للمعتصمين في ميدان التحرير للإبقاء عليهم في أماكنهم.
وفي البرقية ، يطلب أبو الغيط صراحة من السفارات إبلاغ الدول الأجنبية أن الاشتباكات حتى يوم 3 فبراير أدت إلى انزواء أطراف الاعتصام إلى أقلية تستخدم العنف من خلال العبوات الحارقة.
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد جاء في برقية أخرى أرسلها مكتب أبو الغيط في 3 فبراير أيضا "يرجى من كل سفراء مصر بالخارج موافاتنا بشكل فوري بأية معلومات بشأن ما يتناوله الدبلوماسيون في أحاديثهم الخاصة بشأن الوضع السياسي المصري الداخلي" ، وهو الأمر الذي علقت "الشروق" عليه بالقول :" إن هذا الأمر يراد منه تحول سفراء مصر ودبلوماسييها في الخارج إلى مجموعة من المخبرين يتلصصون على بعضهم البعض ".
ورغم أن ما سبق ليس مستغربا في ظل توالي التقارير حول الأساليب التي اتبعها النظام السابق لقمع الثورة ، إلا أنه يؤكد مجددا أن الثورة وإن كانت حققت أهم أهدافها إلا أن الأصعب مازال بانتظارها ولذا لا بديل عن الحذر واليقظة والتعاون مع المجلس العسكري للقضاء شيئا فشيئا على رموز النظام السابق وإجهاض أية ثورة مضادة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق