Facebook

مجانين حكموا امريكا




كان سيغموند فرويد هو الباديء بمحاولة التحليل النفسي للرؤساء الاميركيين . فقد قام فرويد بإعداد دراسة حول شخصية الرئيس الأميركي وودرو ولسون. مستندا" في ذلك الى معطيات قدمها له أحد المقربين من ولسون وهو السفير بوليت. ونشر النص بعد وفاة فرويد لذلك فهو غير متداول كغيره من النصوص الفرويدية.

مهما يكن فإن قراءة النص توحي بوجود أوجه شبه عديدة بين ولسون وبيت الرئيس الأميركي ووكر بوش. وبالنظر الى حراجة اللحظة السياسية العالمية الراهنة فقد رأينا ضرورة ترجمة هذا النص الى العربية. مع تذييله بهوامش توضح وجوه الشبه المشار لها أعلاه.
لكن علم النفس السياسي المعاصر يتخطى التحليل النفسي الى تطبيق نظريات نفسية أخرى في الميدان السياسي. ومنها النظرية السلوكية حيث بعض التاس يعتقدون أن البشر يقسمون إلى فئتين: منغلق ومنفتح. وبعضهم يعتقد بوجود نسبية في الإنفتاح والإنغلاق. أما البقية ،وأنا منهم، فهم لايعتقدون بإمكانية تقسيم البشر وتوزيعهم على فئات. وهذا الموقف يقوده أساسا" أتباع التحليل النفسي الذين يصرون على رأي فرويد القائل بأن الموضوعية الحقة هي الإهتمام بالذاتية. لكن ذلك لم يمنع فرويد من تمييز فئات نفسية خاصة. ولم يمنع أتباعه من تحديد أنماط تحليلية قد تكون مخالفة للأنماط السلوكية لكنها في الخلاصة تصنيف مفترض للشخصيات. والسلوكيون لا يقدمون مثل هذا التصنيف لأنهم يحصرون إهتمامهم بسلوك الشخص وتصرفاته وليس بدوافعه الكامنة وشخصيته عامة. لذلك فإن الأنماط السلوكية هي عبارة عن قوالب سلوكية يكونها الشخص وفق خبرته ويتصرف من خلالها. فالنمط السلوكي إذا" هو عبارة عن قالب سلوكي يمكن لأشخاص ذوي شخصيات مختلفة أن يشتركوا في إعتماده. ولعل أكثر الأنماط السلوكية شيوعا" هما النمطان أ وب. حيث يعتبر أصحاب النمط (أ) من الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة تجلب لهم الإرهاق وبالتالي فهم الأكثر عرضة للذبحة القلبية وللأمراض الجسدية الناجمة عن الإرهاق عموما".
تعريف النمط السلوكي
النمط السلوكي هو عبارة عن علاقة بين الفعل والإنفعال. التي نلاحظها ، في حالة النمط أ مثلا"، لدى الأشخاص يخوضون صراعا" دائما" بهدف الحصول ، وبأقل وقت ممكن، على عدد معين من الأهداف والأشياء. ويختلف هذا النمط عن حالات القلق العادية من حيث تحديده لأهدافه وإصراره عليها. و ذلك على عكس القلق الذي يتراجع ليطلب النصح إذا ما أحس أن ذمام الأمور بدأ يفلت من يده.
هذا بالنسبة للأنماط الطبية – النفسية ( السيكوسوماتية) أما بالنسبة للأنماط السياسية فهي مختلفة لجهة إعتمادها معايير مختلفة. كما لجهة إنحسارها في فئة محدودة جدا" هي فئة السياسيين. ويهمنا في هذا السياق تحديدا" فئة الرؤساء الأميركيين وأنماطهم السلوكية.
1. الأنماط السلوكية للرؤساء الأميركيين
إن النمط المميز لهيكلية جهاز القيم الأميركي، يجعل من قضية الأخلاق قضية جاذبة للرأي العام، وخصوصا" في فترة الإنتخابات. التي تشهد التركيز على الحياة الخاصة للمرشحين، وعلى العلاقة بين هفوات المرشحين وبين أدائهم الرئاسي في حال فوزهم.
قضية الأخلاق هذه كانت مدخل الجمهور الأميركي لاستكشاف شخصية الرئيس كلينتون، بدءا" بعلاقته مع زوجته الصعبة المزاج ( لدرجة الاضطراب أحيانا")، مرورا" بعلاقاته النسائية التي تكللت بفضيحة التحرش الجنسي، والدعوى التي أقامتها باولا جونز على كلينتون، وأيضا" مرورا" بـ "وايت ووتر"، وانتحار أحد المستشارين وما أشيع عن علاقة بينه وبين زوجة كلينتون، وصولا" إلى الديون التي تثقل كاهل الرئيس... الخ من الهفوات التي أتاحت للجمهور الأميركي تكوين فكرة عن الملامح الرئيسية لشخصية كلينتون. لكن التركيز على هذه الهنات لا يعني أنها غير مسبوقة، فقد كان لغاري هارت مغامراته العاطفية مع العارضة دونا رايس، كما اتسم سلوك بات روبرتسون بالعبث الشبابي. ولم يكن جون كينيدي بعيدا" لا عن المغامرات العاطفية، ولا عن اضطراب تفاهمه الزوجي... الخ. من القضايا التي كان قد أثارها عالم النفس( في جامعة كاليفورنيا)، كيث سيمونتون مؤلف كتاب "لماذا ينجح الرؤساء"، وفيه يقول: " إن الكثير من القضايا الأخلاقية المثارة لا تملك الأهمية في موضوع اختيار الرئيس وانتخابه". وبمعنى آخر فإن أداء الرئيس في غرفة النوم لا علاقة له بأخلاقه. ويذكر سيمنتون أن لغالبية الرؤساء الأميركيين مغامراتهم العاطفية خارج فراش الزوجية، دون أي فارق بين الناجحين وبين غير الفاعلين منهم.
أما عالم الشخصيات روبرت هوغان، فيعارض ذلك إذ يقول: " إن الشخصية هي مجموعة متكاملة من السمات مثل الذكاء والمرونة ودرجة الحياء والكبت عند الشخص...الخ وهذه السمات هي التي تحدد سلوك الشخص سواء كان رئيس عمال في ورشة، أو كان في البيت الأبيض رئيسا".
ويدعم هذا الرأي عالم السياسة "جيمس دافيد باربر". مؤلف كتاب: "الأخلاق الرئاسية – التنبؤ بمستوى الأداء في البيت الأبيض"، إذ يقول: أن من يدرس أحوال الرئاسة في القرن العشرين، سيصل للإستنتاج القائل، بأن لأخلاق الرئيس أهمية وتأثير أكيد في مجريات الأمور. بل أن أخلاق المرشح أصدق إنباء عن شخصيته وأدائه من كل الوعود والاقتراحات الانتخابية التي يطرحها أثناء حملته. ويعطي باربر مثالا" على ذلك " ليندون جونسون"، فيقول بأن قصة جونسون مع حرب فيتنام هي أكثر الأمثلة إثارة للرعب في العصر الحديث. فقد كان يدعي بأنه مرن ومحب للسلام، ولكنه لم يلبث أن تحوّل إلى التصلّب في سياسته العسكرية الفاشلة، وذلك بسبب سلوكه القهري المتصلّب. ويتابع باربر بأن دوايت د.ايزنهاور يمثّل نموذجا" للشخصية السلبية ( ينسحب من المواجهة لأسباب أخلاقية تاركا" حل المشاكل للآخرين ) ومن هنا فشله في محاربة المكارثية، والمشكلات التي انبثقت في أيامه كانحلال الحياة في المدن ومظاهر الشغب العرقي. وهنا علينا أن نلاحظ تكرار هذه الملامح في عهد ووكر بوش منذ الاشهر الأولى لولايته. حيث الشغب العرقي المندلع في سينسيناتي في 1/4/2001 وحيث التورط في قصف افغانستان وصعوبة الانسحاب منها. إضافة للرغبة القهرية لدى بوش بتوجيه ضربة أخرى للعراق.
2- التصنيف النفسي – السياسي للرؤساء الأميركيين
يطرح باربر تصنيف الرؤساء الأميركيين، وفق خطين قاعديين: 1- خط الفاعل و 2- خط المنفعل ( أي القدر من الطاقة الشخصية الذي يبذله المرء في عمله في مقابل العاطفة الايجابية – السلبية أو موقفه من نتائج عمله ومدى تقبله لهذه النتائج). وعلى هذا الأساس يحدد باربر أنماطا" أربعة لشخصية الرئيس الاميركي وهذه الانماط هي:

أ – النمط الفاعل – الإيجابي
هذا النمط من الرؤساء يستثمر قدرا" كبيرا" من الطاقة الشخصية في عمله، وهو يستمتع بذلك. وتكون لدى مثل هذا الرئيس أهداف تحكم توجهاته. كما تكون لديه مرونة. لكنه قد يواجه مشكلات في التعامل مع المواقف العاطفية وغير العقلانية في السياسة. ومن الرؤساء المنتمين الى هذا النمط: روزفلت، وترومان وكينيدي.
ب- النمط الفاعل – السلبي
يملك صاحب هذا النمط طاقة شخصية عالية، لكنها موجّهة في كفاح قهري لا متعة فيه، وليس له سوى مردود عاطفي محدود. ويواجه أصحاب هذا النمط صعوبة في كبت وضبط مشاعرهم العدائية. من أهم أمثلة هذا النمط الرؤساء ولسون وجونسون ونيكسون.
ج – النمط المنفعل – الإيجابي
يمتاز هذا النمط بأنه مساير ومتعاون أكثر منه صاحب شخصية وحيوية قوية. مع مسحة تفاؤل مهيمنة على سلوكه. وهذا النمط يفاوض بشكل جيد، ولكنه يحيط نفسه بأصدقائه القدامى الذين يجلبون له العار. ومن أمثلة هذا النمط هوارد تافت وريغان، " الذي يقول عنه سيمونتون: "ها نحن نجد ريغان يوقع صفقة أسلحة مهمة وفي الوقت نفسه تنفجر حوله الفضائح في كل مكان". كما ينتمي الى هذا النمط الرئيس كلينتون.
د – النمط المنفعل – السلبي
يدخل أصحاب هذا النمط الى ميدان السياسة إنطلاقا" من حسّ الواجب والخدمة وليس لتحقيق المتعة. وهم لا يجنون من الرئاسة سوى القليل من القناعة والرضى. وهم يميلون لتجنّب الصراعات، والانسحاب منها معتمدين على بيانات مبادئ غامضة كما فعل كوليدج وايزنهاور.
على ان هذا التصنيف يجب ألا يدفعنا إلى تجاوز العوامل الفردية، التي تميز الفرد عن الآخرين، بحيث لا يمكن إدراج شخصيته بصورة حصرية في واحد من هذه الأنماط لوحده، بل هو مزيج يهيمن عليه أحد هذه الأنماط.
3- التحديات التي تواجه الرؤساء الأميركيين
يرى عالم السياسة "بروس بوكانان" من جامعة تكساس، أن الرؤساء الأميركيين يواجهون أربعة تحديات أساسية تعترض مدة إقامتهم في البيت الأبيض هي:
1- المجد المفرط : هو التحدي الأول حيث يكثر المادحون والمتزلفون، بحيث تتحول معارضته إلى مفاجأة يستجيب لها البعض بالغضب ( يزداد الغضب مع ازدياد القناعة بأقوال المادحين).
2- إجهاد القرارت : ان التحدي الثاني، الذي يواجه الرئيس، هو العراقيل والحواجز المؤدية للإحباطات وكيفية تعامل الرئيس معها. فهل هو يعرف متى يحارب ومتى ينسحب؟ وهل هو قادر على تحمّل الفشل وهضمه؟.
3- التوفيق بين أجنحة ادارته: وهو التحدي الثالث في مواجهة الرئيس. و هو أسلوب الإدارة التي غالبا" ما تواجه الرئيس بمطالب متناقضة، حيث يجب أن يملك الرئيس القدرة على التوفيق بين هذه القدرة المتناقضات. هذا التوفيق الذي فشل فيه جيمي كارتر لتدخّله الزائد لدرجة التورط. كما فشل فيه ريغان بسبب تراجعه وعدم تدخله بالمستوى المطلوب.
4- الإغراءات الضخمة : وهي التحدي الرابع للرئيس. ويعطي بوكانان على هذا التحدي مثال جونسون الذي رغب في تحقيق برامجه الإجتماعية (مشروع المجتمع الكبير) وبأن ينتصر في فييتنام في آن معا". لكن الكونغرس لم يكن مستعدا" لتمويل الاثنين معا". كما أن ريغان كان مستميتا" لتحرير الرهائن الأميركيين ولم يكن مستعدا" لاجراء أية مقايضة مع الزعماء الإيرانيين. وفي كلتا الحالتين فإن فشل الرئيسين في تحقيق إغراء الحصول على هدفين في آن واحد قد دفعهما إلى الكذب.
هذا ولا يهمل بوكانان، الاشارة إلى جملة عوامل تؤثر في أسلوب مواجهة الرئيس لهذه التحديات، فيذكر العوامل التالية:
1- مجموعات المصالح.
2- الحزب المسيطر على الكونغرس والمحكمة العليا.
3- الدعم الشعبي .
4- أجواء التوقع (تذكيها الصحافة)...الخ.
و في حالة الرئيس جورج ووكر بوش يلاحظ أن هذه العوامل إتخذت طابع الحدة. بحيث أصبحت موازية للعوامل الرئيسية في أهميتها وفي تأثيرها على قرارات الرئيس.
4- النمط السلوكي لجورج ووكر بوش
بعد هذا الشرح المختصر والمبسط للتصنيف السلوكي للرؤساء الأميركيين علينا أن نقوم بتحديد النمط السلوكي للرئيس جورج ووكر بوش. فإلى أي من هذه الأنماط السلوكية الأربعة ينتمي. فتحديد نمط بوش من شأنه مساعدتنا على تبين العلائم السلوكية المسيطرة على تصرفاته الرئاسية وعلى خياراته. أيضا" يسمح لنا هذا التحديد بعقد المقارنة بينه وبين الرؤساء السابقين من ذات نمطه السلوكي. بحيث يساعدنا ذلك على التنبوء المستقبلي بإتجاهات الرئيس وخياراته. وهنا لابد من التذكير بأن القانون الأميركي ( ومعه السياسة) يعتمد مبدأ السابقة. وعليه فإن الرئيس الأميركي يفتش عن السوابق في تاريخ أسلافه للإستناد إليها في قراراته الصعبة. ومن الطبيعي أن يميل الرئيس إلى السوابق والحلول المنسجمة مع نمطه السلوكي. وعليه فإنه يختار من بين السوابق سوابق الرؤساء المشاركين له في نمطه السلوكي. ومن هذا المنطلق رأينا بوش الإبن يتجه نحو التوحد بريغان متجنبا" التوحد بوالده. ولهذا التجنب سبب ظاهر هو محاولة الإستقلال عن ظل أبيه. وسبب آخر خفي هو إختلاف النمط السلوكي بين الأب ( فاعل - ايجابي) والإبن. لكن إختيار الإبن التوحد بالرئيس ريغان لم يكن موفقا" كون النمط السلوكي لريغان مناقضا" لنمط ووكر بوش فإعجاب بوش بريغان وحده لا يكفي للوصول به إلى أداء مماثل لأداء ريغان كما سنرى. إذ ينتمي ريغان الى النمط المنفعل الإيجابي. ومراجعة سلوك ووكر بوش تؤكد بعده التام عن هذا النمط. وتكفي هنا مراجعة الملامح المشتركة بينه وبين جونسون (اشرنا اليها اعلاه) لنتبين انتماء ووكر بوش الى النمط الفاعل-السلبي. ويتدعم انتماءه لهذا النمط بمقارنتنا لسلوكه مع سلوك نيكسون وولسون.
ولهذا النمط من الرؤساء الأميركيين سماتهم السلوكية المشتركة التالية:
1. سهولة التأثر بمستشاريهم ومقربيهم وأعضاء ادارتهم. مع سهولة شبيهة في الإنقلاب على هؤلاء.
2. نقص في المعلومات الضرورية لاتخاذ القرارات. سواء بسبب نقص ثقافي أو بسبب حجب المعلومات عنهم بحجة عدم أهميتها. بحيث يبدو كلا" منهم مخدوعا" في أحد المواقف المفصلية في ولايته.
3. الاندفاع غير المدروس في إتجاهات استراتيجية خاطئة. وهو احتمال يزداد مع انحياز هذا النمط للفريق المتطرف في ادارته.
4. عدم إستساغة الجمهور الأميركي لهذا النمط من الرؤساء وتخليه عنهم في ورطاتهم.
5. الرغبة المفرطة في التمتع بالمجد والجبروت الرئاسي.
6. عدم القدرة على تحمل الإحباطات ومواجهة المواقف الصعبة. مما يدفعهم للإرتماء أكثر فأكثر في أحضان فريقهم ومستشاريهم. مع إتباعهم للسلوك الهروبي.
7. الوقوع بسهولة ضحية الاغراءات الضخمة. ومحاولة الجمع بين الأهداف المتناقضة. دون ملكية المرونة الكافية لوضع جدول اولويات يتيح لهم التركيز على الأهداف الأهم والتخلي عن الأقل أهمية. وهي سمة مشتركة بين الرؤساء السلبيين ( فاعلين أو منفعلين).




مجانين حكموا أميركا والعالم
البراغماتية الأميركية كانت دائماً السباقة للانتفاع من فاعلية العلوم الإنسانية والسيكولوجية خصوصاً، وكانت السياسة ميداناً من أهم ميادين الانتفاع من المعلومات السيكولوجية بما فيها من ملاحظات وتحليلات وتوقعات. ويهمنا في هذه العجالة التركيز على موضوع انتخابات الرئاسة الأميركية والمواقف الاختصاصية منها. حيث تتفق هذه المواقف على وجاهة القضية الأخلاقية. فالرئيس الأميركي هو حامي الدستور الذي يعتبره الأميركيون بمنزلة التوراة الجديدة. وعلى حاميه أن يكون أخلاقياً إلى أبعد الحدود. لكن مبادئ الحرية الشخصية توزع هذه المواقف المتطابقة إلى فروع ثلاثة هي:
أ‌- الاتجاه الذي يمثله كيث سيمنتون مؤلف كتاب "لماذا ينجح الرؤساء الأميركيون؟". وهو اتجاه يؤكد عدم وجود علاقة بين كفاية الرئيس وبين أدائه في السرير. وهو يدعم رأيه بسرد قائمة طويلة من الرؤساء السابقين المتورطين بعلاقات خارج إطار الزوجية.
ب‌- الاتجاه الذي يمثله جيمس دافيد باربر-مؤلف كتاب "الأخلاق الرئاسية-التنبؤ بالأداء في البيت الأبيض". وهو يصر على الربط بين أخلاق الرئيس وبين أدائه. بل إنه يرى أن الأخلاق أهم من الشخصية نفسها. لذلك يشدد هذا الاتجاه على دراسة سلوك الرئيس.
ج‌- الاتجاه الذي يمثله روبرت هورغان وهو عالم شخصيات ومن هنا إصراره على أن سمات الشخصية (الذكاء والمرونة ودرجة الحياء والكبت… إلخ) هي التي تحدد سلوك الرئيس وتتحكم في أدائه.
لكن السيكولوجيا السياسية لا تهدف أساساً إلى دراسة أخلاق أو سلوك المرشحين بقدر ما هي تسعى لمنع أشخاص مضطربين نفسياً من تولي مناصب حساسة. ومن هنا إخضاع المرشحين لهذه المناصب للاختبارات النفسية والمقابلات الفردية.
وإذا كانت فضيحة مونيكا قد طرحت الجانب الجنسي للقضية الأخلاقية فإن المعلومات عن إدمان الكحول والمخدرات، في أثناء الحملة الحالية من قبل المرشحين، قد طرح جانباً إضافياً هو جانب التوازن النفسي لدى الرؤساء والمرشحين. وهكذا بات بالإمكان الحديث عن فئتين منهم:
1- الرؤساء الخائنون و 2- الرؤساء المضطربون.
1- الرؤساء الخائنون
أُجريت مراجعات عديدة أدت لوضع قوائم بالرؤساء الأميركيين الخائنين لزوجاتهم. وتضم هذه القائمة الرؤساء: هاري غرانت (خصوصاً علاقته بالعارضة دونارايس) وبات روبرتسون (لمغامراته العبثية الشبابية) وجون كيندي (خصوصاً علاقته لمارلين مونرو) وليندون جونسون (المتصابي) وأخيراً بيل كلينتون وقائمة الحريم التابعة له.
2- الرؤساء المضطربون
نظراً للانفتاح الذي يبديه الأميركيون تجاه السيكولوجيا وفاعليتها فقد تأخر طرح موضوع "الرئيس الأميركي المضطرب" حتى فترة متأخرة، ولقد لاحت البوادر الأولى لهذا الموضوع مع ترشيح جون كينيدي للرئاسة. فقد كانت أخته ماري تعاني اضطراباً نفسياً لم يلبث أن تحول إلى إعاقة عقلية بعد خضوعها لمحاولة علاج عن طريق جراحة دماغية. مما أدى إلى بقائها نزيلة مصح عقلي حتى نهاية حياتها. ثم عاد الموضوع للظهور بعد الإفراج عن مراسلات خاصة بالرئيس أبراهام لنكولن تبيّن معاناته الكآبة واضطراب المزاج (تبدو واضحة على هيئة وجهه) وتوحي بممارسته للشذوذ الجنسي. وبما أن هذا الرئيس كان محرر العبيد، ويتمتع بمكانة مرموقة بين الرؤساء الأميركيين، فقد كان لأخبار اضطرابه أثر الصدمة على قطاع من الأميركيين. أما الرئيس ريغان فقد كانت إصابته بالخرف (الزهايمير) مناسبة لتذكر الأميركيين باعتماده وزوجته على توجيهات العرافين وآراءهم. ومع هذه الذكرى التساؤل عن بداية المرض، وعما إذا كانت متداخلة مع سنوات حكمه للبلاد؟
لكن الانفجار الحقيقي للموضوع والهلع من فوز رئيس مضطرب نفسياً حدث خلال الحملة الأخيرة، حيث كبار المتسابقين لدخول البيت الأبيض تحيط بهم شكوك الإصابة بالاضطراب النفسي. ونختصر هذه الشكوك، قبل التطرق لعرضها، على النحو الآتي:
1- جورج بوش الابن: تعرض لاكتئاب رد فعلي أيام الأزمة التي أصابت شركته النفطية أواخر الثمانينيات. وهي فترة بدا خلالها عليه إدمان الخمر وتعاطي الكوكايين.
2- الـ غور: يعرف الجمهور الأميركي أنه تعاطى الماريجوانا مع زوجته لمدة عشر سنين متتالية. ويقال أنهما أقلعا عن هذه العادة.
3- جورج ماكين: تعرض لمعاناة الأسر في أحد أقسى السجون الفيتنامية لمدة خمس سنوات. ويشكك بعضهم في كونه قد تخطى هذه الأزمة.
4- بيل برادلي: وهو يعاني سلس الكلام (كثرة وتدفق الحديث) بما يجعل عارفيه يصفونه بالممل.
وبعد هذه التعريفات ننتقل إلىة التفصيلات ونبدأ بـ :
جورج بوش الابن
لقد أصيب هذا المرشح/ الرئيس لاحقا" بالاكتئاب بسبب ظروفه المادية- التجارية. وتصاحب اضطرابه المزاجي مع إقباله على معاقرة الخمر وتعاطي الكوكايين. ومن الوجهة الطب-نفسية تعتبر هذه الحالة أزمة عابرة بحيث يمكننا أن نصدق بأن بوش قد تخطاها. خصوصاً بعد الأرباح التي جناها من ارتفاع أسعار النفط بسبب توقف تدفق نفط الخليج مطلع التسعينيات وعقب تفجر حرب الخليج ثانية. في المقابل فإن نقطة الضعف الحقيقة في شخصية بوش تكمن في عجزه عن تخطي ظل أبيه وتأثيره وفشله في تخطي سطوة هذا الأب وبناء هوية مستقلة عن هذا الأب.
وهذه المعطيات تدفعنا لتصنيف بوش الابن في خانة النمط السلوكي المعروف بالفاعل-السلبي (الأب مصنف في خانة الفاعل-الإيجابي) وسمات هذا النمط هي الآتية: إنه يملك طاقة شخصية عالية. إلاّ أنها موجهة فيك فاح قهري لا متعة فيه. وليس له سوى مردود عاطفي محدود-كما يواجه صاحب هذا النمط صعوبة في كبت مشاعره وضبط عدوانيته. ومن أمثلة هذا النمط نذكر الرؤساء ويلسون وجونسون ونيكسون.


آل غور ولهذا المرشح نقاط تساؤل عديدة تتعلق بلياقته النفسية. وهي تتعلق بالنواحي الآتية:
أ‌- الشك في قدرته على تأسيس شخصيته الخاصة وبقاؤه أسيراً لصورة أبيه السياسية وخصوصاً في ملامحها المؤيدة لإسرائيل.
ب‌- آثار الصدمة المترتبة عن تعرض ابنه لحادثة نجا خلالها من الموت بأعجوبة. مما أدى بزوجته إلى وضعية اكتئابية وخضوعها للعلاج. من دون أن تظهر علائم أكيدة مماثلة لدى آل غور نفسه.
ج‌- شخصيته التجنبية، بحيث يبدو قريباً ومحباً في دائرة ضيقة من الأشخاص المقربين في حين يبدو متصنعاً ومتعالياً في الأوضاع التي يحاول أن يظهر فيها ودوداً. أما في الدوائر الأوسع فهو يبدو تجنبياً وبعيداً عن كسب المودة، وكنا قد تعرضنا لشخصية آل غور في مقالة "الإسرائيليون يدعمون آل غورن-راجع "الكفاح العربي" بتاريخ 30/3/2000 ونشرنا فيها تحليل شخصيته وانتماءه إلى نمط "المنفعل السلبي" وسماته هي الآتية: إنه يدخل إلى السياسة انطلاقاً من حس الواجب (أو بدفع أشخاص مؤثرين فيه) وليس لتحقيق المتعة. وهو لا يجني من الرئاسة سوى القليل من القناعة والرضى. ما أنه يميل لتجنب الصراعات والانسحاب منها. وبعض أصحاب هذا النمط يلجأون للموقف غير الحاسمة ولإعلانات مبادئ غامضة على غرار ما فعله كوليدج وايزنهادر. والاثنان ينتميان إلى هذا النمط.
والآن بعد أن حصرت المنافسة بين بوش وآل غور فقد يبدو من غير المفيد متابعة تحليل منافسيهما جورج ماكين وبيل برادلي، لكننا نتابع هذا التحليل محاولين تبين علاقة شائعات اضطرابهما النفسي بفشلهما في متابعة المعركة الرئاسية حتى النهاية. لذلك نتابع:
بيل برادلي
هو لاعب كرة سلة سابق ولديه العديد من تصرفات النجم الرياضي الذي يفترض حيازته إعجاب الذين يتصلون به. ومن هنا إصابته بسلسل الكلام ( Logorhea) والثرثرة التي تجلب الملل لسامعيه لدرجة التأفف العلني الذي تمت إذاعته خلال الحملة الانتخابية. وهذا يعكس انخفاضاً في قدرة برادلي على الاستبصار الذاتي. وهذا، بلغة الاختصاص، عيب في التصرف يحتاج للإرشاد النفسي. وهو ظاهرة نفسية تعوق قدرة الشخص على الاتصال بالآخرين.
جون ماكين
وهو الأكثر إثارة للجدل بسبب معاناته لعصاب الأسر في فيتنام على مدى خمسة أعوام في سجن أسوأ السجون الفيتنامية المعروفة بقسوتها وهو سجن "هيلتون-هانوي". وهو الذي أثار بل فجر مسألة ضرورة قياس مستوى اللياقة النفسية للمرشحين الرئاسيين. فقد تم نشر تقرير عن حالته النفسية يقع في 1500 صفحة. ويلخص التقرير أن جون ماكين الذي يحتل موقع نائب رئيس ولاية أريزونا حالياً والبالغ من العمر 63 عاماً تعرض للأسر لمدة خمس سنوات ونصف السنة وأطلق سراحه في العام 1973. وكان من الطبيعي أن تتباين المواقف من هذا التقرير. إذ مال بعضهم إلى تفسير مشكلاته الحياتية الاعتيادية على ضوء كونه سجيناً سابقاً في حين رأى الطرف المعارض أن قدرة ماكين على الانتظام في الحياة العامة وتحقيقه النجاح فيها دليلاً- على تخطيه لعصاب الأسر، ودارت بين الطرفين مساجلات اختصاصية عديدة من أهمها:
أ‌- تقرير من معهد نافال للطب النفسي يقول:000المريض حاد الذكاء، شديد الطموح، منافس عنيد ويمكن الاعتماد عليه وهو غير متورط في مغامرات عاطفية. وهو قد تجاوز عقدة الخوف (تكونت في أثناء أسره) عن طريق انغماسه بالسياسة ونجاحه فيها. وذلك رغم العلاجات الخاطئة وسوء المعاملة المعنوية التي تعرض لهما في سجنه الفيتنامي000".
ب‌- الدكتور أوكونيل يخلص إلى القول بأن قدرة ماكين الجسدية على المرونة لافتة للنظر. وهو قد استفاد من تجاربه وتغير بشكل إيجابي وتعلم الكثير عن نفسه وعن الآخرين. لذلك فهو قادر على ضبط أعصابه ولا تستثيره الأمور الصغيرة. كما يقرر هذا الطبيب النفسي أن ماكين فخور بأبيه القائد العسكري الشهير لكنه تمكن من بناء هويته الخاصة.
ج‌- الجهات المعارضة النافية لتوازن ماكين تأخذ عليه العلائم الآتية:
1- نغمية هستيرية في صوته إبان حملته الانتخابية الأخيرة في ولاية أريزونا والتي تمكن ملاحظتها في أشرطة فيديو مسجلة تلك الحملة. وهذه النغمية مع الحركات الهستيرية المرافقة لها (والتي عادت وتبدت في أثناء الحملة الرئاسية) ممكنة الربط بمعاناة الأسر لدى ماكين.
2- يصرون على بقائه أسيراً تابعاً لصورة والده وعدم قدرته على بناء هوية مستقلة لذاته. وبعضهم يصل إلى الكلام عن عقدة أوديبية يستدل علها من فشل زواجه الأول.
3- تفصيلات فشل زواجه الأول.
أمام هذه الآراء المتناقضة كان لا بد للجمهور الأميركي أن يتساءل عن مدى التوازن النفسي والعقلي الذي يتمتع به هذا المرشح وعن مدى لياقته النفسية ومستواها. وعندما أجبر ماكين على كشف ملفاته الطبية فإنه أجبر على الانسحاب من المنافسة. لأن هذا الكشف حوله من بطل في حرب فيتنام إلى رجل مشكوك بقواه العقلية.
ولا يسعنا أن نشك للحظة واحدة بأن قوى الضغط الأميركية هي المسؤولة عن إثارة هذه القضية واستبعاد ماكين من هذه الحملة. وبهذه المناسبة نجد من الضروري التذكير بما هو معروف ومنشور من علائم الاضطراب النفسي.
3- الرؤساء الأميركيون السابقون.
نذكر في ما يأتي بعضاً من المعلومات المنشورة حول بعض الرؤساء الأميركيين السابقين ونبدأ بـ :
1- أبراهام لنكولن: كان يعاني الاكتئاب والسواداوية وكان يحاول علاجهما بطرق مختلفة. وهنالك روايات حول ممارسته للشذوذ الجنسي.
2- جون كوينسي آدامز: كان يعاني حالة اكتئاب مزمن- دوري وكان يعالجها بتناول جذور الشاي والكينين (منشطات كانت تستخدم في حينه قبل ظهور الأدوية مضادة الاكتئاب).
3- تيودر روزفلت: لديه ملف طب- نفسي غير معلن. لكن بوادر وأسباب اضطرابه معروفة من قبل المهتمين- نشرت النيويورك تايمز ملفاً خاصاً بهذا الموضوع- فقد كان روزفلت يعاني مشكلات زوجية معقدة ومعروفة كما كان يسلك سبلاً غير أخلاقية لتحقيق أغراضه ومنها تجديد فترته الرئاسية، وبعضهم يشبه كلينتون بروزفلت مع فارق أن الأول وجد تعويضاً في مغامراته النسائية.
4- ريتشارد نيكسون: باختصار فإن حاجة نيكسون العصابية لسلوك مسالك الخطر وتحدي الفشل هي التي ولدت له فضيحة "ووترغيت" حيث تفجر اكتئابه وتبدى بتناوله الكحوليات بصورة مبالغة. هذا ويمكننا التشديد على وجود ملف نفسي لنيكسون من خلال مقاطع في كتابه "الأزمات الست" حيث يروي أسلوب مواجهته للأزمات بلهجة لا يمكنها إلاّ أن تكون مستعارة من أحد المعالجين النفسيين. ولقد ثبت في العام 1968 أن نيكسون قام بزيارة الطبيب النفسي "أرنولد هتشنيكير" لكنه أكد أنها للاطمئنان. لكن بصمات هتشنيكير تبدو واضحة في مذكرات نيكسون.




5- جيرالد فورد: الذي خلف نيكسون لغاية انتخاب خلفه جونسون تعالج بدوره لدى هتشينيكر الذي أعلن بنفسه عن ذلك فاضحاً بذلك سر المهنة (بدوافع سياسية طابعاً). في حين دافع فورد عن نفسه مؤكداً بأن الزيارة كانت لبحث موضوعات ومشكلات اجتماعية وليست نفسية.
ومن الجدير بالذكر بأن أحد المنافسين الأقوياء للرئيس جورج ماكجفرن ويدعى "توماس ايجلتون" قد أجبر على الانسحاب من المنافسة والاستقالة عندما أعلن أنه خضع للعلاج بالصدمات الكهربائية. مع العلم بأن استخدام هذه الصدمات كان شائعاً وواسع الانتشار في حينه بسبب عدم وجود الأدوية النفسية وبسبب انعدام القيود على المعالجات التي تحدث تغييرات في الدماغ ومنها الجراحة التي حرمت في ما بعد.
بعد هذا الاستعراض السريع لقائمة من الملفات المرضية-النفسية، والذي لا ندعي بإحاطتها لكل الحالات، بقي لنا أن نتساءل عن مقدار تأثير زمن العولمة الذي يجعل الرئيس الأميركي في وضعية الرجل الذي ينظر إلى أكواريوم (حوض أسماك) تسبح فيه أسماك ملونة (هم كل الرؤساء الآخرين). وذلك على حد قول معلق محطة سي.بي.أس الأميركية!.
وما هو موقف الأميركيين من هذه المعلومات بعد أن شجعوا فكرة إصدار كتب وأفلام متمحورة حول فكرة "مجانين حكموا العالم" مع تصدير هتلر في مقدمة هؤلاء المجانين؟ وفي رأينا الشخصي أن ديموقراطية الولايات المتحدة في الخارج هي غيرها في الداخل وديموقراطية الداخل يمكنها أن تنتج قريباً كتاباً بعنوان "مجانين حكموا أميركا والعالم"! فهل يصح التوقع؟
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق