Facebook

مجرمو الحرب الأميركيون

يحق لعدد كبير من الدول وضع لائحة كما تفعل أميركا بأسماء الأميركيين ممنوع عليهم دخول بلدانهم لارتكابهم جرائم حرب، و جرائم ضد الإنسانية ومثل هذه اللائحة بإمكانها أن تضم بيل كلينتون رئيس بسبب قصف يوغوسلافيا 78 يوما و78 ليلة وقتل مئات المدنيين والتسبب بأكبر كارثة بيئية في التاريخ وأيضا بسبب استمرار العقوبات وقصف الشعب العراقي بالصواريخ، وبسبب القصف القاتل والمدمر في الصومال والبوسنة والسودان وأفغانستان .
· جورج بوش: رئيس بسبب مقتل مئات آلاف المدنيين العراقيين الأبرياء من ضمنهم آلاف الأطفال ولقصف باناما لأسباب لا يمكن أن تصمد دقيقة واحدة أمام أي محكمة عدل.
· الجنرال ويلسي: ويلسي كلارك القائد الأعلى لقوات الأطلسي في أوروبا لإشرافه على قصف يوغوسلافيا بنزوع شبه سادي: أريد الحصول على أكبر قدر من العنف الآن.
· الجنرال كولن باول: لدوره الأساسي في الهجوم على باناما وعلى العراق فالأول مرة يتم قصف مباني مفاعيل نووية ومنشآت لإنتاج مواد كيماوية وبيولوجية وتسجيل سابقة في هذا المجال على الرغم من تصويت الأمم المتحدة على قرار يحرم ضرب المنشآت النووية في الشرق الأوسط ويوم قصفت المباني صاح باول فرحا، أن المفاعلين ق اختفيا أ،هما في الأرض لقد انتهيا.
· الجنرال شورزكوف: القائد العام للقوات الأميركية المركزية لدوره في المذبحة التي ارتكبت ضد العراق، وللاستمرار في المذبحة على مدى يومين بعد إعلان وقف إطلاق النار ولإطلاقه النار على العراقيين الذين سلموا أنفسهم.
· رونالد ريغان: رئيس للسنوات الثماني الحافلة بالقتل والدمار والتعذيب ولخنق الأمل الذي ولدته سياسته في السلفادور وغواتيمالا وغرينادا، لقصف لبنان وليبيا وإيران لقد نسي كل هذا ولكن على العالم ألا ينسى.
هنري كيسنجر: الذي جمع بين جائزة نوبل للسلام وواقع مجرم حرب، لدوره الماكيافيللي اللا أخلاقي إبان التدخل في أنغولا وتشيلي وتيمور الشرقية والعراق وفيتنام وكمبوديا والتي جرت ويلات وبشاعات وبؤسا لشعوب هذه البلدان.

تذكر المستقبل
باول وولفويتز
برغم مرور عشر سنوات على سقوط جدار برلين ما زلنا لا نجد أفضل من تعبير عصر ما بعد الحرب الباردة لهذه المرحلة التي نعيشها صحيح أن العديدين حاولوا تأدية دور جورج كينان ، في تعريف الاستراتيجية الأميركية في هذه المرحلة ، لكن أحدا" منهم لم ينجح حتى الآن. علاوة على ذلك، ونظرا إلى عدد السياسيين والمعلقين الذين عمدوا إلى مراجعة مواقفهم الخاصة في المرحلة ما بين العامين 1946- 1991 فلن يطول الوقت قبل أن يظهر من ينافس سلطة نظرية كينان عن استراتيجية الاحتواء إذ يظهر أننا أصبحنا اليوم جميعا، في أمان ما بعد الحدث محاربين باردين.
في خطابه حول السياسة الخارجية، أعلن المرشح الرئاسي بيل برادلي أنه لخمسين عاما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط جدار برلين في العام 1989 وكنا واثقين من شيء واحد كنا قادرين على تحديد موقعنا في السياسية الخارجية وذهب السناتور السابق من نيوجرسي إلى حد الأسف لكون تحدي اليوم أصعب مما كان عليه فيما يتعلق بالشؤون الخارجية، أصبحت الأمور أكثر غموضا أصبح العالم أكثر تعقيدا ولم يعد كما كان في السابق منقسما بين الخير والشر وبين الأصدقاء الواضحين والأعداء البينين لم تعد الخيارات تامة كما كانت والخيارات التامة هي لأسهل هذا الحنين إلى خيارات مرحلة الحرب الباردة المفترضة الأسهل لا يقتصر على برادلي فالرئيس بيل كلينتون ، يرد صدى هذا النواح على الصفاء الضائع وخيارات الماضي القريب الواضحة.
من المذهل سماع توصيفات مماثلة لمرحلة الحرب الباردة لأن الولايات المتحدة في الحقيقة كانت آنذاك تشهد أعمق الانقسام حول السياسة الخارجية وإذا كان الانقسام الأكثر مرارة في تلك المرحلة يتعلق بحرب فيتنام لكنه كان يطال أمورا كثيرة مثل انتشارالجيش الأميركي في أوروبا وكوريا ومبادرة الدفاع الاستراتيجي ومع انتشار الأسلحة وأميركا الوسطى والأسلحة النووية وميزانية وزارة الدافع لكل سنة تقريبا.
الأمر الصاعق في كل ذلك أن توصيف هذا الصراع الطويل على أنه محدد المعالم وبسيط يصدر عن قادة حزب جورج ماكغوفرن في السبعينات والثمانينات استسلم الحزب الديموقراطي لحزب هاري ترومان وأصبح الحزب الذي دعم تعديل مانسفيلد لسحب القوات الأميركية من أوروبا والذي عارض عن سابق إصرار أنظمة سلاح عديدة كان تطبيقها حاسما في المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والذي نادى بوقف التجارب النووية في وقت كانت إدارة ريغان تحاول إقناع حلف شمال الأطلسي بالبدء في نشر الأسلحة النووية المتوسطة المدى، بعيدا عن الاعتقاد أن الحرب الباردة كانت صراعا واضحا بين الخير والشر، هاجم قادة الحزب الديموقراطي الرئيس ريغان متهمينه بترويج إيديولوجية حربية عندما أعلن الاتحاد السوفياتي إمبراطورية الشر.
بعد ذلك وقع انقسام نادر في حدته اختلفت أراء قادة البلاد في العالم 1991 بشأن سحب قوات صدام حسين من الكويت وعكس تصويت الكونغرس هذا الانقسام فلم يحظ الرئيس بوش الأب سوى بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب والشيوخ لاستخدام القوة مع أن السناتور برادلي اكتشف أخيرا أن العراق العام 1991 شكل نموذجا لتلك المراحل التي كانت فيها المصلحة الوطنية واضحة إلا انه انضم في حينه إلى الأغلبية التي صوتت ضد الرئيس. أما بالنسبة إلى الحاكم كلينتون فلم تكن المسألة أوضح، ففي بيان تميز بالارتباك قال اعتقد أنني كنت لأنضم إلى ألأغلبية لو كانت عملية التصويت مغلقة لكنني أوافق آراء الأقلية كان يمكن أن يشكل هذا التناسي مادة للتسلية لولا أن ما ننساه يتعلق مباشرة بمستقبلنا القريب.
من أفكار العام 1992 تسربت مذكرة لإستراتيجية دفاعية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أعدها مكتبي في وزارة الدفاع، إلى الإعلام وأثارت جدلا واسعا واقترحت المذكرة أن يطغي على استراتيجية الولايات المتحدة الدفاعية العمل على منع أي قوة عدوانية من الإمساك بمنطقة تسمح مواردها إذا ما تمت السيطرة عليها، أن تتحول إلى قوة عالمية، وحددت تلك المناطق في أوروبا الغربية وآسيا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق وجنوب غرب آسيا.
في ذلك الوقت نشرت صحيفة نيويورك تايمز ، الجزء المسرب من المذكرة ، وكتبت افتتاحية هاجمت فيها الوثيقة بعنف كما فعل أعضاء بارزون في الكونغرس وقال السناتور أدوارد كينيدي أنه يبدوان خطط البنتاغون تسعى أولا إلى إيجاد طرق جديدة لتبرير مستوى من الإنفاق العسكري يوازي مستواه في الحرب الباردة وعلق السناتور روبرت بيرد أننا نحب أن نبقى قوة عظمى في العالم ونريد ذلك بقوة لدرجة أننا مستعدون للمخاطرة بسلامة اقتصادنا الأولية ومستوى حياة شعبنا أما السناتور جوزف بايدن فسخر من الاستراتيجية المقترحة قائلا أنها نظرية للسلام الأميركي ولن تنفع بعد سبع سنوات فقط بدت تلك الآراء نفسها منسجمة مع فكرة السلام الأميركي بدعم الجميع ودعا إلى التدخل العسكري الأميركي في أمكنة مثل هايتي ورواندا وتيمور الشرقية، وهي أماكن لم تذكر حتى في مذكرتي للعام 1992 علاوة على ذلك بدأ هؤلاء مرتاحون إلى قدرة الولايات المتحدة على تحقيق على ذلك وبالإضافة إلى الإبقاء على التزامنا مع حلفائنا الأوروبيين والآسيويين بميزانية دفاعية منخفضة وبدون المخاطرة بسلامة اقتصادنا.
يجب أن تعمل استراتيجية الولايات المتحدة الدفاعية عل منع أية قوة عدوانية من الإمساك بمنطقة تسمح مواردها إذا ما تمت السيطرة عليها، أن تتحول إلى قوة عالمية سواء في أوروبا الغربية أو آسيا.
واليوم تصدر الانتقادات لفكرة السلام الأميركي من اليمين الانعزالي خصوصا من باتريك بوكانان الذي يشكو من أن الاحتواء كاستراتيجية دفاعية فتح الطريق أمام استراتيجية هجومية طامحة لإقامة وحماية نظام جديد. ويمكن القول أن هذا التوافق الجديد بعيدا عن نظرية بوكانان يعكس اعترافا بأنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل عبء السماح بتكون قوة عدوانية تسيطر عل أوروبا أو آسيا أو الخليج، وأن الطريق الأكثر أمانا والأقل كلفة. على المدى البعيد، لمنع هذا الأمر هو طريق الحفاظ على التحالفات التي عقدتها الولايات المتحدة والتي كانت ناجحة بكلمات أخرى ولاستذكار اللورد أسماي دبلوماسية هذا الطريق هو طريق المحافظة على التزام الولايات المتحدة وطمأنة الحلفاء وردع الأعداء.
لكن في الواقع ليس هذا التوافق اليوم ألا توافقا سهلا ومهذبا يعكس إهمالا للتفكير في احتمال وقوع حرب عالمية أخرى، والاتفاق على طريقة الوقاية منها. مع ذلك هناك درجة مميزة من الاتفاق على عدد من المسائل في السياسة الخارجية فلا أحد يسعى اليوم كما كان الحال في أواخر الثمانينات إلى سحب القوات الأميركية من كوريا ولا أحد يحاجج بضرورة الانسحاب من أوروبا وقصفات القوات الأميركية بقيادة الرئيس كلينتون العراق منذ أشهر من دون أن يبدي أحد اعتراضا ومن دون حتى أن يذكر الموضوع إلا شزرا وسائل إعلامنا،ويطال هذا التوافق نظام الصواريخ المضادة للصواريخ إذ يؤد الجميع وجوب التحرك في هذا المجال من دون أن يصل الاتفاق إلى إقرار إجراءات محددة بعد يذكر أن الإدارة الأميركية أقرت هذا المشروع قبل شهر وبدأت التجارب لتطبيقه.
وهذا التوافق هو بصورة جزئية نتاج مناخ عالمي معتدل في الظاهر إلا إننا سمعنا من يقول أن المشكلة المهمة في الحقيقة هي الاقتصاد أو البيئة أو كما أعلن الرئيس أخيرا مرض نقص المناعة المكتسب الإيدز في أفريقيا ، أن الخطأ في هذه الادعاءات لا يكمن في أن مشكلة الإيدز في أفريقيا ليست مهمة بل في أن تتورط بالاستنتاج أن الأمن التقليدي لم يعد يستحق الاهتمام أو القلق بشأنه.
قد نكون قد شهدنا فعليا آخر النابليونات وآخر الكابرزات وآخر الهتلرات وآخر الستالينات، لكن في عالم يبدو فيه التفوق الأميركي طاغ جدا يصعب التكهن بمصادر الأخطار الكبرى وإذا تأملنا مليا في القرن الماضي لوجدنا دلائل كثيرة على أن عقدا من الزمن يمكن أن يحمل تحولات هائلة في الأوضاع العالمية، مثل التغيرات التي حصلت ما بين العامين 1905 و1915 أو بين العامين 1929 و1939 أو بين العامين 1981 و 1991 .
وإذا كان ذلك صحيحا في العقود الماضية فكم يصح اليوم مع تسارع إيقاع التغيير إلى ذلك وحتى لو كانت احتمالات وقوع اعتداء آخر على السلام العالمي قليلة غير أن ما نخاطر به عظيم جدا لندعه رهن اللامبالاة أو التساهل في تحمل الولايات المتحدة مسؤولياتها بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم.
الحروب في أماكن بعيدة جدا في النهاية نحن نراهن على مستقبل غير أكيد وستكون المهمة أصعب بكثير إذا لم نعرف كيف نفهم الماضي شكلت تجربة ميونيخ درسا تحذيريا للنصف الثاني من القرن الماضي، وهي إن كانت قد استنفدت لكنها لا يجب أن تنسى في القرن الحالي.
في خطاب وجهة عبر الإذاعة إلى الشعب البريطاني قبل ذهابه إلى ميونخ في العالم 1938 دافع رئيس الوزراء البريطاني نيغيل شامبرلين عن سياسة التهدئة بكلمات قوية كم هو مرعب وهائل وصعب التصديق أن نحفر ونجرب أقنعة الغاز هنا بسبب نزاع في أرض بعيدة جدا بين شعوب لا نعرف شيئا عنها أنا رجل سلام في أعماق نفسي لكن لو كنت مقتنعا بأن دولة ما قررت السيطرة على العالم عبر فرض قوتها لأحسست أنه من الواجب مقاومتها لكن الحرب شيء مخيف ويجب أن نكون واضحين قبل أن ندخلها إننا في صدد الدفاع عن أِشياء عظيمة مستحقة وأن نداء المخاطرة بكل شيء من أجل ذلك وبعد وضع كل التبعات في الحسبان لا يقاوم .
تبين في ما بعد أن الأشياء العظيمة هي تلك التي كانت علينا في خطر أن فشل شامبرلين في مساعدة التشيك البعيدين جدا عني بعد فترة قصيرة أن تواجه بريطانيا حربا أفظع جرت عليها خسائر أكبر بكثير.
نتيجة لذلك ترسخ هذا الدرس في وعي الديموقراطية الغربية ووعي قادتها وساهم في تصميم الرئيس ترومان على مقاومة الخطر الشيوعي في أماكن بعيدة جدا مثل كوريا وإيران وتركيا واليونان وبرلين وفي مقاومة الرئيس كينيدي للضغط السوفياتي في برلين وكوبا لكن دعونا نتذكر أن رئيس الوزراء البريطاني أنطوني أيدن والفرنسي غي مولي اتخذا في العام 1956 انطلاقا من درس ميونيخ نفسه القرار المشؤوم بمنع عبد الناصر بالقوة من تأميم قناة السويس وبعد السنوات قليلة وبنتائج أسوأ من نتائج ذلك القرار الرئيسان كينيدي وجونسون أن فيتنام تشكل حالة اعتداء تجب مقاومتها.
مع نهاية الحرب الباردة واجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها مرة أخرى سلسلة من الحروب في أراض بعيدة جدا و ردود الكثيرون مشورة شامبرلين بأن لا علاقة لنا للتدخل في نزعات بين شعوب لا تفهمها إذا كانت علاقة لنا للتدخل في نزاعات بين شعوب لا نفهمها إذا كانت هذه الحجج ذات وقع مشابه لتلك التي أدلى بها شامبرلين فهذا لا يعني أنها خاطئة اليوم ، كما أن الحجج القائلة بالتدخل في نزاعات عرقية أو في حروب أهلية لا تعني بالضرورة تكرار تجربة فيتنام أن التاريخ لا يعاملنا ما علينا أن نفعله لكنه يوفر لنا الاحتمالات.
تخيلوا مثلا لو نجحت بريطانيا وحلفاؤها على عكس ما حصل في الواقع في التصدي لهتلر في راين في العام 1936 أو في ميونيخ في العالم 1938 لو حصل ذلك لكان تم احتواء ألمانيا وكان يمكن في تلك الحالة أن تسمع خطابات عن الحرب الباردة مع ألمانيا نتيجة الشك والعدائية الغربية تجاه بلد كان يسعى في ظل شروط غريبة غير مبررة فرضت عليه، إلى إيجاد مكان له تحت الشمس.
أو لنأخذ مثلا أقرب في التاريخ لم نكن نعلم ما كان حصل لو لم يتم التصدي لاحتلال صدام الكويت هل كان ليسيطر على حكومات دول الخليج العربي ويبني بواسطة مواردها ترسانة أسلحة تقليدية نووية تحضير لحرب أوسع مع إيران أو مع إسرائيل، لو صدق هذا التوقع يكون ما حققه الرئيس بوش الأب أكثر بكثير من مجرد تحرير الكويت لكن هذا الإنجاز لن يكون واضحا بقدر وضوح فشل شامبرلين.
حتى تلك الخطوات التي يمكن أن تبدو خاطئة في وقت معين يمكن إنقاذها في لحظات ومفاصل تاريخية فالفشل في منع صدام حسين من غزو الكويت العام 1990 بدأ خطأ في حينه ولا زال ينظر إليه كذلك في أغلبية المناقشات حول هذه الأزمة لكن تخيلوا مثلا: لم تكن لنعلم ما يمكن أن يحصل لو منع صدام حسين في هذه النقطة أي قبل الغزو كانت الأزمة نفسها ستواجه العالم بعد سنوات لك بالأسلحة النووية ، عندما تكون نتائج التحركات غير مؤكدة إلى هذه الدرجة أي عاقل يمكن أن يتحدى الحكمة الشهيرة ليوغي بيزا من الخطأ محاولة التنبؤ خصوصا بالمستقبل.

دروس الحرب الباردة
إن الإصرار على تناسي الانقسامات العميقة والمناقشات الحادة حول السياسات في مرحلة الحرب الباردة يقترب في بعض الحالات إلى حد إنكار وجود دروس لتعلمها من ذلك الصراع الطويل ووضعه وراء ظهورنا من جهة أخرى يبدو البعض مقتنعا بأن كل الجهود يجب أن تصب في خانة الإبقاء على سياسات ذلك العصر لكونها نجحت في حينه.
في مواجهة هذه النصيحة يجدر بنا تذكر نصيحة اللورد ساليزبوري أن الخطأ الأكثر شيوعا في السياسة أن يبقى المرء ملتصقا بجثث السياسات الميتة، والصحيح على ما اعتقد أنه حتى لو وجب تغيير السياسات وفق تغيير الظروف إلا أن هناك دروسا يجب أن نتعلمها من الحرب الباردة، وهذه بعضها.
المسائل الديموقراطية
عندما رفض الكونغرس في بداية عهد الرئيس ريغان اقتراح الإدارة تعيين مساعد لوزير الخارجية لشؤون حقوق الإنسان رأى البعض في ذلك فرصة لإطاحة مكتب حقوق الإنسان في وزارة الخارجية لحسن الحظ والفضل في ذلك يعود إلى تدخل الصديق الشخصي لريغان وزير الخارجية في حينه وليام كلارك مكتب حقوق الإنسان وأصبح تعزيز الديموقراطية واحدا من أبرز توجهات إدارة ريغان في الشؤون السياسة الخارجية. قد شكك البعض في حجم مساهمة هذا الأمر في انتصار الديموقراطية في الحرب الباردة وقد يتعجب منتقدو ريغان الكثيرون من إن إدارته شهدت ودعمت تقدما كبيرا في الديموقراطية في بلدان وقفت إلى جانبنا في الحرب الباردة ليس في أميركا اللاتينية فحسب بل في أماكن مدهشة في آسيا مثل كوريا الجنوبية وتايوان والفليبين.
أن الواقعية السياسية التي تستبعد حقوق الإنسان كواحدة من الأدوات الهامة في التعامل مع الشؤون الخارجية ليست واقعية وقد أضرت بعض السياسات في شؤون حقوق الإنسان ومن دون شك بسياسة الولايات المتحدة ككل، لكنها كانت مضرة بوضع حقوق الإنسان بحد ذاتها أيضا المثال، على ذلك نظرية إن إضعاف نظام الشاه كان سيجر التقدم على الشعب الإيراني أو الاعتقاد بأن ضرب قدرة كوريا الجنوبية على حماية نفسها من الشمال كان ضروريا لتعزيز حقوق الإنسان فيها.واللافت كم لعب تعزيز الديموقراطية دورا في دعم المصالح الأميركية.
إن التغيير الديموقراطي لا يضعف أعداءنا فحسب إنما يساعد أصدقاءنا أيضا. اتضح هذا الأمر لي عندما شاركت في رسم سياسة الولايات المتحدة تجاه الفليبين في أواسط الثمانينات في نهايات عهد نظام ماركوس فبينما كانت واشنطن تضغط على ماركوس طرح علينا كما فعل آيات الله بالنسبة إلى نظام الشاه في إيران. والوقع أن ماركوس نفسه كان يمهد الطريق لانتصار تمرد شيوعي استثنائي في فساده وكان هناك بديل ديموقراطي حقيقي في الفليبين صحيح أن التغيير السياسي عرض القواعد الأميركية في الفليبين للخطر لكنه بدا لنا أن الأهم أن يكون لنا حليف قوي من دون قواعد أميركية على أن يكون حليفا ضعيفا يستضيف تلك القواعد.
لقد اثبت التاريخ صحة هذا الحكم.
في السياق نفسه لم يكن التحول الديموقراطي في كوريا الجنوبية مفيدا للشعب الكوري وحدة إذ قوى العلاقات الكورية الأميركية وإذ تأمل المرء المشاكل الهائلة التي تعاني منها أندونيسيا اليوم لتمنى لو بدأ التحول إلى نظام تمثيلا فيها قبل عشر سنوات.
إن تعزيز الديموقراطية يتطلب اهتماما بظروف وحدود فعالية التأثير الأميركي لا نستطيع الدخول في مشروع تعزيز الديموقراطية أو بناء الأمم بفعل إرادة بسيطة من دون النظر إلى ما هو ممكن وإلى وضعية الولايات المتحدة علينا أن نتبع آلية تفاعلية غير مباشرة وليس آلية فرض، بهذا المعنى وتعطي تجربة ألمانيا واليابان في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية أمثلة مضللة في الحاضر، إنما أمكن فعله في أثر انتصار كامل واحتلال مطول في مجتمعات متقدمة اقتصاديا لكن فاقدة الثقة في مؤسساتها لا ينطبق على حالات أخرى في ظروف مختلفة.
من أحد دروس الحرب الباردة أن بعض الأنظمة كان أكثر انفتاحا للتغير من غيرها، وأن هناك فعليا فرقا بين الأنظمة الفاشية والأنظمة الكلية الأخرى، فالاتحاد السوفياتي بذاته لم يكن جاهزا للتغير إلى أن بات واضحا أنه سيخسر الحرب الباردة أما حليفتنا كوريا الجنوبية فكان وضعها مختلفا، حتى لو كانت هنالك انتقادات شديدة للنظام شأن دوهوان في الثمانينات وقد وجهت انتقادات من مجموعات حقوق الإنسان إلى ريغان لتصميمه على أن يكون شأن أو زائر أجنبي لكان هذا التصميم.
قد نكون قد شهدنا فعليا آخر النابلوينات وآخر القياصرة وآخر الهتلرات وآخر الستالينات لكن في عالم يبدو فيه التفوق الأميركي طاغيا جدا يصعب التكهن بمصادر الأخطار الكبرى.
أدى إلى إلغاء عقوبة الإعدام عن كيم داي جونغ والإفراج عنه وانتقدت زيارة ريغان إلى كوريا الجنوبية بعد سنتين لكنها ضمنت تعهدا بشأن احترام الدستور الكوري والتنحي عن منصبه في نهاية عهده.
بالعودة إلى ماركوس من المهم التذكير أنه الوحيد الذي قبل النصيحة بالتنحي عن السلطة عندما رأى موقعه يهتز مع ذلك علينا تذكر درس آخر من نجاحاتنا في تعزيز الديموقراطية أثناء الحرب الباردة وهو أن تلك الجهود تتطلب دعما محليا لتكون فعالة فحظوظ نجاحها من دون دعم في كوريا الجنوبية اليوم مثلا قليلة جدا وهذا هو الفرق بين دفع باب مقفل ودفع إحدى كفتي الميزان .
في حالات أخرى مثل أفغانستان كان حليفنا الأقوى الناس المقهورون أنفسهم لكن علينا الوفاء بالوعود التي نقطعها لهم، فشل كيندي في الوفاء بوعوده للكوبيين في خليج الخنازير كمثل هجر كلينتون للمعارضة العراقية في العام 1996 فشلا أخلاقيا كلف أميركا الكثير من قوتها وصدقيتها حتى عندما تكون الوعود غامضة أو ضمنية كما كانت الحال مع إيزنهاور عندما شجع الهنغاريين العام 1956 أو مع بوش عندما شجع العراقيين العام 1991 علينا أن نتذكر أن سمعتنا تتوقف على ما يعتقد الناس أننا وعدناهم به ليس على نياتنا يجب أن يدفعنا ذلك إلى الحذر في قطع الوعود الوفاء بها من دون أن يتحول الحذر إلى حجة لحجب المساعدة عمن يحتاج إليها مثل المعارضة العراقية اليوم.
أعمال الردع
من المذهل إننا بعد الحرب الباردة وبعد أحداث القرن العشرين ما زلنا نسمع أصداء الأسئلة مثل لماذا الموت من أجل برلين أو لماذا الموت من أجل دانزيغ؟
إن الهدف من توسيع الضمانات الأمنية كما تم توسيعها أخيرا اتجاه الأعضاء الجدد في الحلف شمال الأطلسي لا يهدف إلى خوض الحروب عن الآخرين بل لتجنب هذه الحروب تحديدا .
ومن المذهل كم كان الوضوح الأميركي فعالا خلال الحرب الباردة وكم تسبب الغموض بالمشاكل ليس ذلك للقول أن الحسم يكفي دائما لضمان الأمن، لكن علينا أن لا نتوهم أن رفض توسيع الضمانات سيمكننا من اجتناب الحرب، فشامبرلين لم يضحي في ميونيخ بتشيكوسلوفاكيا فحسب بل مضى إلى حرب كان يسعى إلى تجنبها وعندما أعتبر أكيسون أن كوريا كانت خارج قطرنا الدفاعي لم يدع كوريا الشمالية إلى الهجوم فحسب بل عجز عن إبعاد الولايات المتحدة عن الحرب عندما وقعت.
هنا يمكن الفرق بين الديموقراطية التي تحاول إيجاد حلول براغماتية لمشاكل ملموسة عبر الانعزال وبين قادة جشعين لا يرحمون يرون في كل جهد في هذا الاتجاه دليلا على الضعف ويهدفون حقيقة إلى تغيير موازين القوى من أساسها لاحظ هنري كيسنجر اكتشاف رئيس وزراء البريطاني هارلود ماكميلان التنازلات البراغماتية لحل أزمة برلين كانت بالنسبة إلى خروتشوف إثباتا جديدا على ميل ميزان القوى لصالح الاتحاد السوفياتي و تنبؤ بأشياء أفضل كما كانت الأميركية التالية ولم يتم إيقاف خروتشوف عن اختيار الغرب في برلين إلا بعد محاولته الأخيرة للمراهنة على زرع الصواريخ في كوبا.
الموهبة الأمريكية في التحالف.
ربما كان من أهم الدروس الحرب الباردة في السجل اللافت للتحالفات الناجحة التي عقدتها الولايات المتحدة في هذا السجل دروس عن أهمية القيادة وموقعاتها التي لا تعتمد على الإملاء والتموضع والطلب بل على إثبات الاستعداد لحماية الأصدقاء والاعتناء بهم ومعاقبة الأعداء والتبيان لمن يرفض دعمنا إنه سيحيى نادما على ذلك السجل أيضا دروس عن الفارق بين التحالفات المبينة على الهدف المشترك وبين التحالفات بين دول تبحث عن قاسم مشترك وعن طرق سهلة للخروج من المأزق وفيه أيضا دروس عن أن عدو صديقنا ليس دائما عدونا، سواء تعلق الأمر بمصر وإسرائيل أو إسرائيل والسعودية أو باليونان وتركيا أو بروسيا وأوكرانيا أو بالصين وتايوان أثبتت الولايات المتحدة قدرتها على التقدم على الجهتين معا.
أهمية المبدأ
هناك أكثر بكثير من تجربة الحرب الباردة وهي النزاعات التي تغذي سباق التسلح وليس العكس، والأفضل أن نسلح الآخرين ليقاتلوا من أجل بلادهم على أن نرسل إليهم جنودا يقاتلون عنهم، في المقابل نرتكب خطأ استراتيجيا وأخلاقيا إذا رفضنا تسليح أصدقائنا سواء في البوسنة أو كمبوديا أو في أي مكان آخر، وعندما نستخدم القوة يجب أن نستخدمها بقرار واضح لأن الخداع أو توجيه الرسائل عبر القوة العسكرية لا ينجح من دون حساب دقيق لما يمكن أن يتبعه.
الدرس المهم الآخر، في هذا السياق أن للمبادئ في العلاقات الدولية كما في النشاطات الإنسانية الآخرى موقعا مهما وهذه نقطة أخلاقية بقدر ما هي عملية لأن للمبدأ دورا في السياسة وخصوصا في السياسة الديموقراطية علما أن هذا الدور لا يمكن أن يكون مطلقا لأنه يطبق في حالات محددة تتطلب حكما على الوقائع وعلى محاذير كل طرف قدر تشرشل حتى في حالة ميونيخ أن أي حالة من هذا النوع لا يمكن الحكم عليها بمعزل عن ظروفها ويمكن أن تكون الوقائع في حينها غير معروفة ومحكومة بتقديرات تعتمد أساسا على التكهن المصبوغ بمشاعر وأهداف رواتها، هؤلاء المستعدون للقتال عند أي تحد قوة أجنبية ليسوا دائما على حق، من جهة أخرى هؤلاء النازعون إلى دفن رؤوسهم بحثا عن المستويات السليمة بصبر وإيمان ليسوا دائما على خطأ. على العكس يمكن أن يكونوا محقين في أغلب الحالات ليس على المستوى الأخلاقي فحسب بل والعملي أيضا إلا أن هناك يتابع تشرشل دليلا مساعدا للأمة لتحفظ كلمتها وتتصرف انسجاما مع واجباتها حيال حلفائها بموجب المعاهدات أن دستورا شرفيا مبالغا فيه يقود إلى مآثر عقيمة غير عالقة لا يمكن الدفاع عنه مهما بدأ رائعا ولكن في ميونيخ حلت اللحظة التي يحدد فيها الشرف طريق الواجب، والتي يتعزز فيها هذا الطريق بالحكم الصحيح على الوقائع.
ومع كوننا بعيدين كل البعد عن الكمال، فإن الوسيلة الوحيدة المتوافرة للتنبؤ بما يكمن لنا هو التطلع إلى الوراء والتفكير في ما حصل الأمل أن دائرة الإبداع الإنساني وليس قرن التراجيديا كما الذي سبقه لكن فرصتنا لتحقيق ذلك ستكبر بالتأكيد لو تذكرنا كيف وصلنا إلى ما نحن عليه بدل دفن انقساماتنا القديمة في حنين دافئ وغائم.
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق