James C Moore : When morality disappears from the battle field, the war is lost
بقلم جايمس. سي. مور
الاندبندنت 16 مايو 2004
في متحف تورلينا الإيطالي يوجد تمثال نصفي ليوليوس قيصر. الذي إعتبره مريدوه القاهر الأكبر وكأنه الماشيح. وتمثاله وكأنه الأيقونة. وجه المحارب يبدو رحيماً متوجاً بإكليل الغار. حيث جبهة المخلص تكاد لاترى تحت ذلك التاج الكبير. لكن قيصر قاتل فقط من أجل المجد وتوسيع الأمبراطورية. لذلك فإن تمثاله هذا جاء عملاً فنياً وليس تأريخياً. فجيوش قيصر ، وأمبراطوريته عموماً، لم يهرقوا الدماء من أجل قضية عادلة. فالجندي يجب أن يقاتل من أجل قضية أعظم من مجد الحاكم.
إن مفهوم الأمبراطورية لا يزال متعثر التوجه كما كان أيام تحكم قانون المبراطورية الرومانية بأنحاء المعمورة. وصحيح أن بريطانيا والولايات المتحدة قد نجحتا في تبرير وعقلنة تواجدهما العسكري في أراض غريبة معتمدتين في ذلك على بنى فكرية. وبنانا الفكرية هي من نوع قدرتنا على إستخراج المواد الولية والكنوز من أراضي تلك الدول وفي المقابل فإننا نعطيها ديانتنا ونساهم في تمدينها وتحضيرها ومساعدتها على تخطي تخلفها.
لقد كنا مخطئين في هذا التفكير. وهو الدرس الذي كان على بريطانيا العظمى أن تتلقنه في أفريقيا. وكان على الولايات المتحدة أن تتلقن درساً مشابهاً في فيتنام. والدرس هو ببساطة أن الشعوب المستعمرة لا تريد الإحتلال ولا تقبله. إنهم يريدون طردنا وهم يموتون أكثر منا لأن جزماتنا هي الأقوى على أرضهم. لقد أدرك قيصر أن حفاظ قواته على الأرض وعلى السلطة يزداد صعوبة كلما كانت الأرض أكثر بعداً عن روما.
قد يكون تحدي الجغرافيا أقل وطأة على الجندي المعاصر لكن المعلومات الآتية من أرض المعركة تعطي ذات الدروس الجغرافية الطابع. وهو عكس ما يتحدث عنه الرئيسان بوش وبلير. اللذان يبدوان يكرران الأخطاء الأكثر سذاجة في التاريخ الكولونيالي من خلال إستغلالهما للعراق.
لقد حاول كل من بوش وبلير إقناع العالم بأن إحتلال العراق جاء كخطوة أولى على طريق الحرب على الإرهاب. فكانت شعارات القضاء على القاعدة والتخلص من نظام صدام حسين وغرف تعذيبه. وكانت تلك هي المبررات الاخلاقية للدفع بقواتنا العسكرية الى العراق. وذلك بناء على مثل هذه الذرائع المستهلكة القديمة.
ولو دعيت الأشياء بأسمائها وقيلت الحقيقة للجنود ساعة الرحيل لإختلفت الأمور. فجنودنا يعلمون اليوم أنهم يسقطون قتلى في العراق ويتعرضون لتهديد حياتهم لأسباب مخالفة تماماً للأسباب التي أعلنها رؤساءهم قبل الحرب. لقد بدأت الحرب على العراق بكذبة تضخمت بشكل حلزوني في إتجاه أكثر بعداً عن الأخلاقية من البداية وتراكمات اللاأخلاق اللاحقة لها.
إن قنابلنا ورصاصاتنا في العراق عاجزة عن التمييز بين البريء والعدو. وفي محاولتنا تحديد مثل هذا التفريق لجأنا الى أساليب وتكتيكات أكثر بعداً عن الأخلاق.
كلما إزداد عدد المساجين الموتى في سجن أبو غريب فقدت اميركا وبريطانيا ما تبقى من رصيدها الأخلاقي. لقد قتلنا تاريخنا الذي يصفنا بالمحررين المرسلين من الرب لإنقاذ المقموعين.
في لقائه مع مسؤولين فلسطينيين قال بوش أمامهم: ” إن الله أمرني بإحتلال العراق “. وعلى العالم الإسلامي اليوم أن يسأل ما إذا كان إله بوش وبلير هو الذي أمرهما بتعذيب المعتقلين في سجن أبو غريب وقتلهم؟. وإذا لم يكن كذلك فكيف يمكن تفسير ما جرى للمسلمين. وهم غير متآلفين مع إله بوش وبلير المسيحي. فهم يؤمنون بالله إله القاعدة وهم رأوا ما سجلته عدسات التصوير في أبو غريب. وهو ما أكد لهم أن المحررين الإفتراضيين لديهم ذات ميول النظام القمعي. بحيث لم يتغير شيء على العراقيين سوى أنه باتت للسجون هناك ادارة جديدة!.
وبغض النظر عما اذا كان الارهاب قد استدرج الاميركيين والبريطانيين الى العراق فإن الإيمان يدفع بالمجاهدين لقتال هذه القوات ويستقطبهم من كل البلدان الاسلامية في انحاء المعمورة نحو العراق. وكل مقاتل من القاعدة يؤمن بوجود إله الى جانبه. تماماً كما أقنع بوش وبلير جنودهما بقيامهم بواجب إلهي. وإنه لمدعاة إرباك وإستغراب أن تستمع لتوصيفات رئيس الوزراء البريطاني الهادئة للسلام العراقي بثقة ملفتة تتناقض مع ما نراه من توجه العراق القريب نحو الفوضى الشاملة. من جهته فإن الرئيس الأميركي لا يقبل ،إلا نادراً ، أن يبقى مستيقظاً بعد الساعة العاشرة مساءً. وهو قال لي في مناسبات متكررة ” نم جيداً في الليل “. ولا أعلم ما إذا كان هذين الرجلين المؤمنين قد أوليا ثقة أكبر من اللازم لربهما أم لآمريهما!؟.
منذ عهد قيصر لغاية إحتلال العراق فإن الأوامر تعكس ذهنية الآمر. والعطل الأخلاقي ( الأميركي – البريطاني ) المصاحب لسوء معاملة سجناء أبو غريب مرتبط بالصراع ما بين أهداف المحاربين وبين مبادئهم الدينية.
من الممكن أن يمتلء بوش وبلير بروحانيتهما الدينية. تماماً مثلما يمتليء بها ” ملا ” مسلم. إلا أن قواتهما العسكرية تحتاج الى معايير محددة للإختيار بين الخير والشر. فهي لا تكتفي بإيمان الرئيس ورئيس الوزراء. إذ أن إيمانهما لا يعدو كونه مسألة شخصية. فعندما قال المسيح بأنه لا يحب القتل فهو لم يضف الى هذه العبارة أية بنود توصيفية تجعلها صحيحة لفترة طويلة لتسمح بالانقلاب عليها لأهداف سياسية معينة.
إن غياب الأخلاقيات هي غرغرينا ( الآكلة ) حرب العراق. وهي تتبدى عبر تأكيدات سياسية وحشية. وذلك لا يتبسط في التعذيب ففي حين يموت الجنود والمارينز والعراقيون في الفلوجة يصرح بوش بأن : ” القسم الأكبر من مدينة الفوجة قد عاد الى طبيعته “.
لقد سقطت أخلاقيتنا في أبو غريب. وهذا السقوط لم يمنع وصف بوش لوزير الدفاع رامسفيلد بأنه ” رجل رائع “!. وهو أيضاً لم يمنع بلير عن الإستمرار في العراق كتفاً الى كتف مع بوش. فقطع دابر الأخلاق في ابو غريب عومل على أنه مجرد ممارسة فردية منعزلة عن التهاوي الأخلاقي الذي وقعنا فيه وهو الشكل الأكثر مخادعة ل اللاأخلاقية.
هكذا أصبح رمز خيانة المسيح تحويراً لأسطورة القيصر. فبروتوس ،مثله مثل يوضاس، قد أدار ظهره للديكتاتور الذي إدعى حب روما لوقت طويل وعمل على تحسينها. لكن بوش ليس قيصراً بحال من الأحوال. أما بلير فهو لا يستطيع تفادي معطيات ذهنه النير حول موضوع العراق. والمسألة تتلخص بأن إيمانه قد خانه وعليه نهاية أن يعود الى ذهنه ليضع بلاده في مرتبة أعلى من حلفه مع بوش. وهنا تقل أهمية سمعة بلير السياسية في مقابل مصلحة بلاده. وفي الخلاصة فإن إيمان بلير لم يكفه.
إن اللبنات الأولى للحقيقة تكون سهلة وسريعة الظهور في كل حرب. ولكن المعركة ممكنة الكسب إذا كانت الأخلاق آخر الهموم. ويبقى الأمل بأن يعود الخير والإرادة الطيبة للصدارة وللتحكم بالأمور.
في العراق ليس أسهل من معرفة من هو صاحب القضية الأكثر عدالة. وهنالك دواعي قليلة تجعلنا نعتقد بأن تحالف دولتينا ناجحاً. فحين تختفي الأخلاق من ميدان المعركة تصبح الحرب خاسرة…
جايمس مور هو مؤلف كتاب : ” حرب بوش لإعادة إنتخابه – العراق والبيت الأبيض والشعب “. وهو مشارك في كتاب: ” الخديعة التي جعلت بوش رئيساً “.
الحرب النفسية في إسرائيل رؤية جديدة
تأليف رون شليفر / االمركز العربي للدراسات المستقبلية ، نقد وتعليق الدكتور محمد احمد النابلسي
تمهـــيد
طالما إعتمدت إسرائيل على تفوقها المعلوماتي وملكيتها لمصادر متعاونة من أجل تكريس تفوقها الإعلامي والمخابراتي على الدول العربية مجتمعة. وتدعم هذا الإعتماد مع تطور وسائل الإتصال والرصد وتقنياتها. حتى وصل الأمر الى حدود السخرية بالإمكانيات المعلوماتية العربية ومصادرها. وهي سخرية كرسها إلتزام إسرائيل عملية ضرب المفاعل النووي العراقي لصالح الولايات المتحدة. وهي عملية أدخلت المخابرات الإسرائيلية في شراكة إستراتيجية مع نظيرتها الأميركية.
لكن مجيء الرئيس ريغان ومعه جناح الأثرياء الصقور جعل مراجعة هذه الشراكة ضرورية. هذه المراجعة التي هيأت أجواء الإنتفاضة الأولى. التي إنطلقت كصورة من صور الإحتجاج المدني المطابق للمواصفات الأميركية. وبما أن إسرائيل تعلن إلتزامها بهذه المواصفات فهي أحرجت أشد الإحراج في تعاملها مع تلك الإنتفاضة. وتمخضت المراجعة الأميركية عن إتفاق أوسلو. الذي ولد ميتاً لكونه إجباراً لإسرائيل ومرفوضاً عربياً بسبب إستجابته لإستراتيجية الإحتيال بتفكيك المسارات العربية. وها هي إسرائيل اليوم تعتبر أن الضغوط الأميركية هي التي اوصلتها الى حالتها الراهنة الحرجة.
خلال هذه الفترة إضطرت إسرائيل للإعتراف بالمقاومة الإسلامية اللبنانية عبر تفاهم نيسان. ثم إضطرت للإنسحاب من لبنان ولخوض مفاوضات عسيرة مع حزب الله من أجل الأسرى والطيار رون آراد. ومن يعرف الشخصية الإسرائيلية يدرك مدى رعب الجمهور الإسرائيلي أمام العجز عن العدوان. إذ يستمد هذا الجمهور أمنه من شعوره بالقدرة على العدوان.
إن قدرة حزب الله والمقاومة الفلسطينية على إثارة هذا الرعب هي محور الحرب النفسية ضد إسرائيل. ونجاح المقاومات العربية في إثارة هذا الرعب هو نجاح حربها النفسية التي خصها الباحث الإسرائيلي رون شليفر بالدراسة التي بين أيدينا. في محاولة منه لتفسير وتبرير نجاح هذه الحرب النفسية ضد إسرائيل. حيث تتجدد هذه الحرب مع كل تصريح للمقاومة بملكيتها لقدرة الردع أمام العدوان الإسرائيلي.
هذا ويعمد المؤلف للإستناد الى الكتب الأميركية في ميدان الحرب النفسية. وذلك في محاولة لتجنب التطرق الى المباديء الإسرائيلية للحرب النفسية ضد العرب. لذلك رأينا أن هذا التعليق لا يكتمل بدون إعطاء هذه الفكرة المختصرة عن المنطلقات الإسرائيلية للحرب النفسية.
الحرب النفسية الإسرائيلية ضد العرب
… اليهودي هو إنسان أحدب ونحيف، ذو نظرة غريبة، ضعيف ومتمارض، عيناه عصبيتان، له ضفائر سوداء وذقن، شاحب وتتبدى عليه بسرعة علائم الشيخوخة والتجاعيد والرعشة، يرتدي ملابس أوروبية باهتة وبالية. وعلى رأسه قبعة أو طاقية.
أما من حيث الشخصية فهو منغلق وغريب في كل مكان. يستولي عليه الخوف والشك، يبتعد عن مخالطة الناس، ثقيل الحركة ويفتقر إلى اليقظة والنشاط. ليس لديه تقدير لذاته، منحط، صامت، خجول، مرتبك، روتيني يعجز عن الاستمتاع بالمباهج.
وهذه الصورة ليست من صنع معادين للسامية. بل هي نتيجة دراسة نفسية قام بها الباحثان الإسرائيليان تامارين وبن تسافي في العام 1969 وهدفت إلى تبين صورة اليهودي الشتاتي في عيون يهود السابرا. وبامكاننا التأكيد على أن هذه الصورة كانت أكثر قتامة قبل حرب 1967 وأنها بالتأكيد أشد ظلامية في عيون غير اليهود. لذا كان من الطبيعي أن تتركز الحرب النفسية للحركة الصهيونية على ترميم هذه الصورة. وبمتابعة الجهود الصهيونية في هذا المجال نجد أنها اعتمدت على الشخصيات اليهودية أو ذات الأصول اليهودية. ولو كانوا يتنكرون ليهوديتهم. وهدفت هذه الجهود إلى:
1 ـ تخليص اليهودي من أسر الأساطير اليهودية عن طريق اعتماد العلمانية وتخليق أساطير جديدة مستوحاة من التراث اليهودي.
2 ـ تجنب الصدام مع التراث الأوروبي المعادي للسامية. وانتهاز فرصة عداء النازي لها لتفجير محدود لهذا الصدام. ومن هنا التركيز على الهولوكوست.
3 ـ التآمر على أعداء الفكر الصهيوني وتشويه صورتهم. وهؤلاء الاعداء هم:
أ – العرب بصفتهم أعداء دائمين ومشتركين وتاريخيين.
ب – اليهود الذين يربطون قيامة إسرائيل بظهور الماشيح.
ج – اليهود المعادون مبدئياً للصهيونية.
د – الأيديولوجيون المعادون للصهيونية.
أما عن السبل التي سلكتها الصهيونية لتحقيق هذه الأهداف فيمكن تلخيصها على النحو التالي:
1 ـ تأمين التمويل من أثرياء اليهود وتسخير نفوذهم لمصلحة الحركة.
2 ـ استغلال الإنتشار اليهودي في العالم وتشجيعه لاعتناق الصهيونية عن طريق إقامة المؤسسات الصهيونية في بلدان الانتشار.
3 ـ تعميم الذعر من الهولوكوست على يهود العالم لدفعهم إلى اعتناق الصهيونية.
4 ـ استغلال الظروف الدولية لتشجيع الهجـرة إلى فلسطين.
وهذا الإستغلال إتخذ أشكالاً مختلفة منها:
أ – الاتفاق مع النازية لتهجير اليهود تحت طائلة التهديد بالإبادة.
ب – الضغط على الدول الشيوعية للسماح بهجرة يهودها إلى فلسطين.
ج – عقد صفقات تهجير جماعية وصولاً إلى دفع بدل عن كـل مهاجر.
بهذا نأمل أن نكون قد اختصرنا أهداف الحرب النفسية – الصهيونية والسبل المستخدمة لتنفيذها.
لننتقل بعد ذلك إلى المحاور الرئيسية لهذه الحرب وهي:
1 ـ الشائعات بديلة للأساطير.
ولقد فضحها غارودي في كتابه “الأساطير المؤسس لدولة إسرائيل” (2) حيث نقترح إبدال مصطلح “الأساطيـر” بمصطلح
“الشائعات”. فالأسطورة هي قناعة تاريخية لا يحتاج المؤمن بها لإثباتها. أما الشائعة فهي طرح راهن (أو حديث العهد) يمكن التحري للتحقق من صحته. ومن أبرز الشائعات التي قامت عليها الحرب النفسية – نذكر:
أ – الهولوكوست: ونحن بغنى عن ترداد الشكوك حول المبالغات الصهيونية بشأنه. وحسبنا التذكير بالإستغلال السيكولوحي له. إذ تعرض صوره في معارض سنوية حتى اليوم. ويستغل في تفجير مشاعر الذنب تجاه اليهود. كما يستغل في إحياء مشاعر الذعر والهلع عند يهود العالم. بما يرسخ إسرائيل كملاذ آمن لهم ويجبرهم على دعمها. ولعل من أبرز أسباب رواج هذه الشائعة الغاطسة التي تظهر وتختفي ثم تعاود الظهور فتستقبل بالقبول والتصديق. وعلى هذا النوع من الشائعات تركزت الحرب النفسية – الصهيونية. التي يمكن اختصارها بإعادة إحياء الأساطير على شكل شائعات غاطسة.(3)
ب – معادلة بن غوريون: أطلق بن غوريون هذ المعادلة عقب نكبة 1948 عندما كان عدد سكان إسرائيل 700.000 وعدد السكان العرب 28 مليون. فرأى أن الصهيونية انتصرت بنسبة يهودي واحد إلى أربعين عربياً. وهذ المعادلة تتناغم مع أسطورة “الشعب المختار” وتفوق اليهود على الأغيار. بل إننا نلاحظ أن الشخصية اليهودية القائمة على الأساطير قد حولت هذه المعادلة إلى أسطورة. لذلك راحت إسرائيل تبذل جهوداً مستميتة لتأمين هجرة يهودية (روسيا،الفالاشا وغيرهم) من أجل الحفاظ على هذه المعادلة. وهم يرون في اختلالها خطراً على استمرارية إسرائيل(4).
ج – شائعة ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض “: وهي شائعة تلامس أسطورة ” أرض الميعاد “. لكن الوقائع التاريخية تبين أن اليهود كانوا يملكون نسبة 3,5% من الأرض عند صدور وعد بلفور عام 1917 و 6,5% منها عند صدور قرار التقسيم عام 1947 ثم أصبحوا يملكون 93% من الأرض في العام 1983. وتفـاوت هذه النسب يبين كذب هذه الشائعـة كما يبين
حجم الاحتيال الإسرائيلي في مصادرة الأراضي. ولقد نشـر “إسرائيل شاحاك” قائمة بأسماء 385 قرية فلسطينية أُزيلت بالجرافات من اصل 485 قرية كانت مسجلة في العام 1948 . وهذا يقدم الدليل القاطع على ممارسات إسرائيل للتطهير العرقي في محاولة لتحويل هذه الشائعة إلى واقع.(5)
د – شائعة ” إسرائيل دولة عظمى “: ولقد عاد اليهود الذين اقاموا مستعمرة “بتاح تكفا ” ومعهم الهجرات اللاحقة لغاية العام 1947 بناء على وعد صهيوني بإقامة دولة يهودية بالتوافق مع الدول العربية المحيطة بها وبدون حروب. بل تضمن الوعد احتمال انضمام هذه الدولة إلى فيديرالية عربية. وذلك بحيث تستبدل أسطورة ” إسرائيل الكبرى ” بشائعة ” إسرائيل العظمى ” التي تستغل دول الجوار وتتحول بذلك إلى دولة صناعية عظمى.(6)
ويتبدى تراجع الصهيونية عن هذه الشائعة عبر عصاباتها الإرهابية التي افتتحت إرهاب الحرب العالمية الثانية وما بعدها. وبالرغم من إقامة الدولة اليهودية على حكم زعماء العصابات والإرهاب فإن الصهيونية لم تتخلى يوماً عن هذه الشائعة.
وهنا أتوقف للإشارة إلى أن الدعم العسكري المطلق الذي تلقـاه إسرائيل يبرر تفوقها العسكري. لكن هذا التفوق لم يمكنها من تحقيق هذه الشائعة وحسب الشعوب العربية أنها تصدت لهذا الحلم الإسرائيلي. الذي نراه اليوم وهو يعاود الظهور تحت مسميات ” الشرق أوسطية ” و” تطبيع ما بعد السلام ” وغيرها من المسميات
2 – تلميع صورة اليهودي.
وهي المهمة الأصعب التي واجهت الصهيونية. فقد ترسخت عورات هذه الصورة عبر قرون وأصبحت جزءاً من التراث الإنساني. وقد بلغت هذه الصورة حداً من السوء جعل اليهود انفسهم يرفضونها وينفرون منها. وحسبنا هنا التذكير بما يقولـه
مؤلف موسوعة اليهودية الدكتور عبد الوهاب المسيري. إذ يؤكد بأن الحضارة الغربية قد ذوبت اليهود فلم تبقي منهم سوى أعداد ضئيلة وهم كانوا مرشحين لأن يحصوا عشرات الملايين لولا تذويبهم في الحضارة الغربية. وبهذا يلتقي المسيري مع علماء المستقبليات الذين يؤكدون على كون الحضارة الغربية حضارة مذوبة.
مهما يكن فإن المهمة كانت عسيرة وتطلبت جهوداً غير اعتيادية. وهي تضمنت الخطوات التالية:
أ – إبراز الشخصيات اليهودية: انطلقت الصهيونية من منطلقات علمانية بما يعني أنها رافضة للصورة اليهودية التقليدية. وهذا الرفض ينسحب على الشخصيات اليهودية المعاصرة لنشوء الصهيونية. بل ربما أمكن القول بأن هذا الرفض المشترك هو الذي أعطى للصهيونية إمكانيات الانطلاق والتحرك.
وهكذا كانت الصهيونية في حل من اعتماد التصنيف الديني لليهود. فراحت تباهي وتبرز الشخصيات اليهودية حتى ولو كانت ملحدة ورافضة للدين اليهودي. فتمكنت عبر علمانيتها وعبر هذه الشخصيات من إظهار اليهودي بمظهر ” العبقري المتفوق ” . هذا النجاح كان أبرز انتصارات الحرب النفسية – الصهيونية. وهو أحد اخطر الشائعات الصهيونية. فهؤلاء العباقرة كانوا أبناء الحضارات التي عاشوا فيها والظروف الحضارية المتوافرة لهم. حتى أن غالبيتهم كانت رافضة لانتمائها اليهودي. وحسبنا هنا التذكير بما أورده فرويد (اليهودي) في كتابه المعنون بـ”موسى والتوحيد” ومنه نقتطف: كانت الشروط الأساسية (أيام موسى) تتنافى مع تحول الإله اليهودي (وهو قومي محض) إلى إله كوني. فمن أين تأتى لهذا الشعب الصغير البائس والعاجز صلف الادعاء بأنه الابن الحبيب للرب…”.
“… إنه لمما يبعث على الدهشة أن يختار الإله لنفسه على حين بغتة شعباً من الشعوب ليجعل منه شعبه المختار،… إن هذه الواقعة يتيمة في تاريخ الإنسانية فقد يحدث أن يختار شعب من الشعوب إلهاً جديداً، ولكن لم يحدث قط أن اختار إله من الآلهة شعباً جديداً!
ب – التشبه بالمعتدي: وهذا التشبه هو أحد آليات الدفاع النفسي. حيث يحاول المخطوف التقرب من خاطفه والتشبه به بهدف الدفاع عن نفسه وجلب الإطمئنان لها. وهذا تحديداً ما فعلته الصهيونية منذ قيامها. حيث تشبهت بالمعتدي باعتناقها القيم العلمانية التي تتناقض مع الشخصية اليهودية وتلغيها. وعـن طريق هذا التشبه تمكنت الصهيونية من طرح مفهوم “صورة اليهودي الجديد “. وقد لاقى هذا الطرح نجاحاً فكان السبب في تشجيع الصهيونية على متابعة سلسلة من التشبيهات بالمعتدي، ومنها نذكر:
1 – التشبه بالمعتدي البراغماتي: كان الأميركيون منذ مطلع هذاالقرن شديدو الحذر من الخطر اليهودي. حيث قادتهم براغماتيتهم إلى تفضيل عدم قبول اليهود على قبولهم وتذويبهم في ما بعد (كما فعل الأوروبين). لكن الصهيونية تشبهت بهذا العدو البراغماتي لدرجة إقامة دولة بدون تاريخ على غرار دولته ( أي الولايات المتحدة). بـل إن التشبه الصهيوني بالولايات المتحدة قـد بلغ حدود اعتبار إسرائيل الولاية الحادية والخمسين. بما يستتبعه ذلك من إعتبار أية إدانة لإسرائيل إدانة للولايات المتحدة نفسها. فاللاجئون الفلسطينيون يقابلهم الهنود الحمر. وملكية الأسلحة النووية تقابلها قنابل هيروشيما وناغازاكي. ونابالم بحر البقر يقابله نابالم فيتنام وقس عليه.
ج – الكيبوتزات: كانت هذه المستعمرات الزراعية الأداة الرئيسية لتسويق صورة لامعة لإسرائيل ولليهودي الجديد، حيث طرحت هذه الكيبوتزات رمزاً عالمياً لتجمعات إنسانية متحضرة. فكانت إسرائيل تستضيف فيها عشرات الآلاف من الشبان من مختلف أنحاء العالم وتترك لسكان هذه المستعمرات مهمة إقناع هؤلاء بصورة “اليهودي الجديد”. بل إن الصهيونية استعادت عن طريق هذه المستعمرات آلاف الشبان مـن ذوي الأصول اليهودية.
3 – الحرب النفسية ضد العرب.
هنا نتساءل: ” كيف تحول الجبان الذليل إلى معتد شرس؟”. إحدى الإجابات على هذا السؤال تقدمها لنا السيكولوجيا وهي الآلية الدفاعية، المذكورة أعلاه، المسماة بالتشبه بالمعتدى. والوقائع التاريخية تثبت لنا استعداد الصهيونية لمناقشة مسألة إقامة وطنها القومي في مكان آخر غير فلسطين. وفي هذا ما يثبت أن عداء الصهيونية للشعوب العربية هو عداء انتقائي واختياري. حيث انطلق هذا العداء من استعداء الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ضد العرب. وذلك بناء على إغراءات متعددة أهمها:
أ – تحول اليهود إلى إرهابيين وممارستهم للإرهاب على شعوب أوروبية. وبالتالي فإنه من الأفضل تقنين إرهابهم وتحويله نحوالعرب.
ب – الخلاص من حثالات الغيتو المترسبة في دول متحضرة منذ قرون والعاجزة عن التكامل في مجتمعات تلك الدول.
ج – تقديم تعويض مادي لمذابح النازي التي أثارت رعب اليهود في شتى أنحاء العالم. حيث كان للحرب النفسية دورها في إذاعة هذا الرعب.
د – الفوائد المادية على مختلف الصعد. حيث إقامة دولة تتطلب مستلزمات يقدمها أثرياء اليهود (في مقدمتها السلاح) وحيث توفير التعويضات وأيضاً الرشاوى التي دفعها الصهاينة والمتجاهلة حتى الآن.
على هذه الأسس تم اختيار الشعوب العربية لتكون كبش الفداء. وتمكنت الصهيونية من جر الجميع إلى التواطؤ وقبول هذا الاختيار. بعد أن أصبحت تهمة ” معاداة اليهود ” بمنزلة الفضيحة الأخلاقية الخاضعة لمحاكم نورمبرغ. وذلك دون تمييز بين عداء مبرر يأتي كردة على فعل عدوان وبين عداء غير مبرر.
وهكذا بدأت الحرب النفسية ضد العرب باختيارهم بديلاً للنازي والتالي أعداءً لجميع الدول المنتصرة”.
وبعد اطمئنان الصهيونية لإقامة دولتها بدأت الحرب النفسية ضد العرب. وهي حرب غير مرشحة للانتهاء حتى في حال حصول السلام المستحيل. وتضمنت هذه الحرب الخطوط العريضة التالية:
أ – تشويه صورة الانسان العربي.
ب – تعزيز تمثيل إسرائيل للحضارة الغربية بما من شأنه تحويل أي عداء عربي تجاهها إلى عداء لهذه الحضارة.
ج – الحرب النفسية المباشرة.
4ـ تشويه صورة العربي
ويعتمد هذا التشويه على أسس سيكولوجية محكمة تقـوم على العناصر التالية:
أ – التصور الغربي للإنسان العربي: وهي صورة بشعة رسمها الغرب من رؤية المستعمر. وبالتالي فإنها صورة تغلب عليها الدوافع العدوانية. وهي تتلخص كالآتي: إن العربي هو إنسان منزو ومندفع وراء شهواته. وهو نزق لا يقيم وزناً إلا لعنجهية عظامية (بارانويا) وهو لا يحترم أية مثل (بما فيها مثل مجتمعه) إلا بمقدار تدعيمها لعظاميته. وهو متخلف وجاهل وعاجز عن استيعاب مبادئ المساواة لدرجة عجزه عن فهم مبدأ الطبقة الوسطى. وهو إما فقير معدم أو ثري فاحش الثراء وهو انفعالي يمكن أن يصل إلى حدود التطرف الهوسي. ( لا بد من الإشارة إلى أننا مدينون للاستشراق بهذه الصفات).
ومن الطبيعي أن تستغل الصهيونية هذه الصورة وأن توظف إمكانياتها الإعلامية (السينما خصوصاً) لترسيخ قباحتها.
ب – التضليل الإعلامي: وقد مارسته الصهيونية لحدود الاستنفاد. وأخطر صوره:
1 – اليهودية هي قومية (بدليل أن إسرائيل وطن قومي لليهود) أما العروبة فهي ديانة (بدليل أن 80% من الأميركيين يعتقدون أن إيران وباكستان هي دول عربية).
2 – إن إسرائيـل تملك تاريخـاً وأنهـا أسبق من العرب في
ملكيتها للأرض. (ولكن ماذا عن المخطوطات التاريخية التي تخفيها إسرائيل وتمنع المؤرخين من مجرد الاطلاع عليها؟).
3 – إن إسرائيل تحمي مصالح الغرب في المنطقة وهي بمنزلة الخادمة لمصالحه (ولكن ماذا عن الفقر الزاحف إلى دولنا النفطية؟).
ج – الإرهاب العربي: يقاس نجاح إسرائيل في تسويق صورة العربي كإنسان عدواني إرهابي عبر وقائع عديدة منها أن الإعلام الأميركي ومعه الرأي العام الأميركي وجها التهمة ‘لى العرب فور وقوع اتفجار أوكلاهوما (الذي كان من صنع الميليشيات الأميركية البيضاء).
والخطير أن تهمة الإرهاب العربي تكرست بأبحاث أكاديمية تعتبر أن أصل الإرهاب يعود إلى جماعة ” الحشاشين ” العربي. وبأن هذه الجماعة هي التي اخترعت الإرهاب.
5 – الحرب النفسية المباشرة.
وهي عموماً حرب شائعات لكن صورتها الأكثر بشاعة هي تلك التي تمارسها الصهيونية ضد اليهود العرب إلى الحركات الدينية المتطرفة. ورغبتهم في الانتقام من أصولهم العربية ومن العرب عموماً.(7)
أما عن الشائعات الصهيونية فحدث بلا حرج. ومنها نذكر:
أ – معادلة بن غوريون: التي تدفع بالعربي للإحساس بضآلته وبعجزه أمام اليهودي – الصهيوني. وهذا مجرد شائعة لأن الصهيونية تسلمت الأرض على طبق من فضة بسبب الموافقة الدولية وليس بسبب انتصارها المدعوم خارجياً أيضاً.
ب – شائعة اللجوء: أطلقت إسرائيل شائعة لا تزال تتداولها لغاية اليوم. قوام هذه الشائعة أن الفلسطينيين لم يهربوا من الإبادة في مذابح على غرار كفر قاسم ودير ياسين. بل إنهم تركوا أرضهم بناءً على أوامر الجيوش العربية التي كانت تنوي إبادة اليهود بعد خروج العرب.
ج – شائعات الخيانة: وهي شائعات جاهزة ضد أي زعيم أو مسؤول عربي يحرج إسرائيل. أما المتعاملين معها فإنهم يحظون بلقب ” المتحضر الليبيرالي “.
د – شائعة التضامن اليهودي: وشقها الآخر شائعة التشرذم العربي. فالتضامن بين سكان إسرائيل يستند فقط إلى وجود العدو العربي وإلى تغذية الصهيونية للرغبة اليهودية بالعدوان كسبيل وحيد للشعور بالأمان. ودون ذلك فإن يهود إسرائيل ليسوا سوى خليط من الأعراق والثقافات التي لا يجمعها جامع. وهم متشرذمون شرذمة الشتات الذي أتوا منه.
أما عن التشرذم العربي فهو حاصل لو تم قياسه باللحظة السياسية-الاقتصادية الراهنة. لكن هذه ليست سوى لحظة. فالشعوب العربية باقية في أرضها ومتمسكة بها بدخل فردي لا يتجاوز الـ10% من مثيله في إسرائيل. لكن الفارق بين الاثنيـن هو الفارق بين الأسطورة وبين التاريخ.
الحرب النفسية في إسرائيل
بعد هذه التوطئة ننتقل الى مناقشة دراسة الباحث الإسرائيلي رون شليفر. وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار أيلان وباحث في معهد بيغن السادات للدراسات. وهو يتساءل في هذه الدراسة ، كيف أمكن للمنظمات الفلسطينية وحزب الله أن يحققا إنجازات عسكرية وسياسية ملحوظة ، رغم ضعفهم العددي والعتادي : فهجمات حزب الله أدت إلى خروج إسرائيل من لبنان ، والانتفاضة الأولى أدت إلى إقامة دولة الأمر الواقع للفلسطينيين ، بينما لا نعرف ماذا قد تسفر عنه الانتفاضة الثانية من نتائج .
ويفترض الباحث أن كل هذه الإنجازات العربية كانت مرتبطة بصورة مباشرة بحرب المعلومات أو ما يسمى بالحرب النفسية. ومن هنا إهتمام شليفر بالتقديم لدراسته بفصل حول المنطلقات المفاهيمية للحرب النفسية. وذلك في محاولة منه لتقديم بعض الرؤى المستقبلية لدعم الموقف الإسرائيلي على صعيد الحرب النفسية.
ولقد وزع المؤلف دراسته على فصول أربعة هي التالية:
الفصل الأول : ماهية الحرب النفسية
يتخطى المؤلف إشكالية عدم إتفاق الباحثين على تعريف دقيق وشامل للحرب النفسية فيختصرها على انها عمليات تستخدم فيها وسائل إقناع غير عنيفة لتحقيق أهداف الحرب العسكرية. مع التأكيد على أن الحرب النفسية لا تحسم الحروب العسكرية وإنما هي مجرد أداة إضافية لتحقيق أهداف الحرب.
إن مصطلح دعاية taamolaهو أساس المفاهيم بسبب إعطائه معلومات من أجل تحقيق أهداف سياسية ، ولهذا المفهوم دلالات سلبية ، ولذلك يتم التقليل من استخدامه .
وفي إسرائيل يستخدمون المصطلح hasbara ويستخدمون مصطلح الحرب النفسية لوصف العمليات الدعائية التي تهدف إلى تحقيق الغايات المطلوبة في المجال العسكري في زمن الحرب .
وفي محاولة تهرب واضحة من تقديم أمثلة ورؤى إسرائيلية بلجأ شليفر الى الكتب والمراحع والأمثلة الأميركية على ممارسات الحرب النفسية وتطبيقاتها. ومن الطبيعي ان يكون هذا العرض متضمناً للمغالطات الأميركية المعهودة في هذه المجالات. ومن هذه المغالطات نذكر التالية:
1- يقول شليفر أن الرسائل الأميركية قد خففت من حب العراقيين لبلدهم واحيت خوفهم على مصير عائلاتهم ( ص 3 ). الأمر الذي أدى الى تحطيم روحهم المعنوية. وهي مزاعم تدحضها إستمرارية المقاومة العراقية وتصاعدها.
2- يتجاهل المؤلف واقعة إنتماء الرسائل الأميركية المشار لها أعلاه الى الشائعات الغاطسة. التي تعاود الظهور في مناسبات معينة مثل الحرب. وبالعودة الى كتابنا الحرب النفسية في العراق يجد القاريء أن معظم هذه الرسائل قد سبق إستخدامها في حرب العراق الأولى.
3- يتبنى الباحث مصطلحاً أميركياً خادعاً هو ” القنابل التمثيلية ” ( ص 3 و4 ). وهي لم تكن تمثيلية بحال من الأحوال. إذ أن صوت هذه القنبلة كان يشمل كل السكان ويصيبهم بحالة تخدير حواسي ( Anesthesie Affecthve ) كما يسميها العالم مينكوفيسكي. وروي المتعرضون لهذه الأصوات أنهم كانوا يصابون بشلل الحواس لمدة تتراوح بين 10 و20 دقيقة. وعليه فإن هذه القنابل هي قنابل إرهاب تكتيكي وليست بالتمثيلية.
4- يبرر شليفر توزيع الإسنخبارات الأميركية على أجنحة على أنه نتيجة التصادمات السياسية الأميركية ( ص 4 و5 ). وفي التبرير إيحاء بإنقسام المخابرات الإسرائيلية لأسباب شبيهة. في حين أن المعروف في تقسيم الأجهزة المخابراتية هو تخصيص كل جهاز منها بتصنيع المعلومة بما يتناسب والشريحة المستهدفة بهذه المعلومة. حيث يتبدى تناقض تصنيع المعلومات بين الأجهزة بصور كاريكاتورية بمناسبات عديدة. وتكفي هنا العودة الى إشارات نعوم تشومسكي لهذه التناقضات في كتاباته العديدة.
5- يتوقف الباحث عند مرحلة ” التعزيز والتقوية ” ( ص 7 ). ويعطي عليها مثالاً الفشل الإسرائيلي في إقامة وتطوير العلاقات مع المدنيين والأحزاب في الجنوب اللبناني… وبذلك فهو يتجاهل إستحالة تطوير مثل هذه العلاقات بسبب طبيعة النزاع وديمومته. وربما هو أراد هنا الإشارة الى نجاح اسرائيل في تحقيق إختراقات أمنية عبر متعاونين فلسطينين. وهو هنا أيضاً يتجاهل أن إستشهادي واحد يهزأ من كل هذه الإختراقات ويحولها الى الشلل مهما بلغ مستواها من الأذى.
6- يتجاهل الباحث السؤال الذي يطرح نفسه حول نجاح الأميركين في تحقيق مرحلة التعزيز والتقوية في العراق بعد إحتلاله؟.
أما من الناحية النظرية فيرى المؤلف أن الحرب النفسية ترتكز الى ثلاثة عناصر هي:
1- الجمهور المستهدف بالرسائل المخابراتية.
2- الرسائل المخابراتية.
3- وسائل إيصال الرسائل المخابراتية.
وهو يقسم الجمهور المستهدف إلى ثلاثة فئات هي:
1- الداخل
2- العدو
3- الجمهور الحيادي.
هذا ويقسم الجمهور المستهدف بدوره الى ثلاث فئات هي:
1- الجمهور الداخلي ( الداخل): ويعتبر الهدف الأكثر أهمية. فعندما تريد دولة ما تجنيد كل طاقاتها للحرب فهي ملزمة بإقناع مواطنيها للقبول بأن يكونوا ضحايا محتملين لهذه الحرب.
2- جمهور العدو: وهذا القطاع يتقسم إلى: عسكريين ومدنيين ، والهدف هو إقناع العدو بأن لا أمل له في النصر ، وانه كلما انتهت الحرب بسرعة كلما كان ذلك أفضل له .
3- الجمهور المحايد ، وهم الناس الذين لا توجد لديهم علاقة مباشرة بالمعارك ، وذلك بهدف الحصول على تأييدهم .
أما بالنسبة للرسائل المخابراتية فهناك مجموعة من الرسائل التي تصاغ لتنقل إلى الجمهور المستهدف وهي تتغير بتغير الفئة المستهدفة:
1- رسائل لجمهور الداخل ، وهي رسائل تلبس العدو لباسا شيطانياً.
2- رسائل لجمهور العدو ، تظهر عدم وجود أمل في كسب الحرب.
3- رسائل لعموم المتلقين ، تتضمن إيراد أدلة عن العدالة والأخلاق في الميدان.
في النهاية فإن الهدف الرئيس للحرب النفسية هو زعزعة الوضع النفسي في أوساط جنود العدو ، ودفعهم إلى التفكير بشكل عام وطرح أفكار وجودية بشكل خاص .
وفي النهاية فإن إختيار وسائل وقنوات إيصال الرسائل هو عنصر شديد الأهمية. إذ يجب تحديد قناة الإتصال الأسهل لكل من الفئات المستهدفة. حيث يتم التواصل مع الجمهور المحلي بسهولة نسبية بواسطة وسائل الإعلام. لكن الصعوبات تكمن في إختيار القنوات المناسبة لإيصال الرسائل للعدو وللراي العام العالمي.
الفصل الثاني : تطبيق مبادئ الحرب النفسية من قبل الفلسطينيين وحزب الله
في هذا الفصل الثاني بدأ البحث بمقاربة الناحية الثقافية – الحضارية. فيذكر خطأ الرسائل المصرية الموجهة للإسرائيلين عام 1948 والخطأ يكمن في استعمال هذه الرسائل لآيات قرآنية بدل المقاطع التوراتية ( ص 12 ). وهي ملاحظة متكررة حتى الملل علنا نتعلم صياغة رسائلنا بدون هذا النوع من الأخطاء. كما لا بد من التذكير بتفوق إسرائيل في صياغة مثل هذه الرسائل إستناداً الى الإسرائيليات المزروعة في تراثنا على الرغم من المراجعات المتكررة لها.
هذا ويعتبر شليفر أن مجرد إنفتاح العرب المحدود على الإعلام العالمي هو نصر لهم في حربهم النفسية ( ص 14 ). وكأن الإعلام العالمي إحتكار إسرائيلي ممنوع التجاوز!؟. بل وكأن صورة العربي الكريه ( الإسرائيلية الإخرج) يجب ان تبقى مفروضة على العالم. بما يذكرنا بالمرحوم ادوار سعيد وقائمة من المثقفين العرب الداعين الى ضرورة مخاطبة الجمهور الحيادي والراي العام العالمي لإطلاعه على الحقائق. ولخلق قنوات تواصل معه.
في الصفحة 15 يقول الباحث: … حسب الفلسطينين فإن إسرائيل قامت بحرب نفسية لإشعال النزاع داخل المجتمع الفلسطيني… وفي هذا السياق تبدو الفكرة وكأنها واحدة من تخرصات نظرية مؤامرة ساذجة. في حين تشير الوثائق والوقائع الى سعي إسرائيلي حثيث لإشعال حرب أهلية فلسطينية. وذلك منذ قرارها الإنسحاب من غزة في اوسلو ولغاية إغتيالها للقادة الفلسطينيين وتجويع الششعب الفلسطيني بحصاره. ومن المحاولات الإسرائيلية لإشعال نزاع داخلي فلسطيني نذكر:
1- دراسة تحليلية لشخصية ياسر عرفات ( نشرها مركز باحث بالعربية) هدفت الى الإيحاء بضرورة الخلاص من عرفات والحد من تأثيره بفرض تعيين رئيس وزراء يقاسمه الصلاحيات. بحيث يتم إصطناع إنشطار في رأس السلطة تمهيداً للتخلص الإسرائيلي من الوعود المعطاة أيام كلينتون.
2- الإعلانات الإسرائيلية المتكررة عن وجود عشرات آلاف المتعاونين من الفلسطينيين. وهي تدخل في إطار الحرب النفسية عبر ما يسمى بشائعات الخيانة والإختراق. وهذا لا يعني إنكارنا لوجود المتعاونين وإنما يعني التاكيد على إستغلال إسرائيل لهذه الواقعة وتوظيفها لها.
3- التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية لغاية إجبار السلطة على إقامة تنسيق أمني مع الإستخبارات الإسرائيلية.
4- الإصرار الإسرائيلي على إستبعاد فصائل فلسطينية واسعة التمثيل الشعبي. وذلك لغاية تصنيفها إرهابية.
5- العمل على إثارة النعرات الطائفية بمختلف المناسبات والسبل المتاحة.
6- سياسة الإغتيالات الإسرائيلية. التي تمثل إرهاب الدولة أفضل تمثيل.
هذا ويرى الباحث أن الفلسطينيين أدركوا في مرحلة مبكرة للصراع أن الخيار العسكري لحرب العصابات لن يعطي الثمار المرجوة. ولذلك وظفوا الكثير من الجهد في مجال الإقناع ( الدعاية ). وكان العمل المبذول يستهدف فئات الجمهور الثلاثة في آن معا ( الفلسطيني والإسرائيلي والعالمي ).
لقد كانت الرسالة الأساسية للإنتفاضة تتلخص في أن الاحتلال الإسرائيلي غير عادل وغير أخلاقي ، وهذا أمر شاذ يجب أن ينتهي ، وكان الهدف هو أن يتم الإثبات للمسيطر أن الأرباح التي يجنيها من بقائه على الأرض أقل بكثير من الكلفة ، ومن أجل ذلك عرضت آلاف الحوادث التي تؤكد هذا المبدأ. وهنا ذكر الباحث نقطة من أهم نقاط التفوق الفلسطيني في مجال الحرب النفسية. وهي نقطة القهر الذي يجعل الفلسطينين يتقبلون عرض صور الجرحى والقتلى والمشوهين وغيرهم من الضحايا. وهي صور لا يتحملها الجمهور الإسرائيلي في صفوفه لأنها تولد لديه مخاوف هيستيرية يصعب على الأجهزة الأمنية السيطرة عليها.
بالإنتقال الى حزب الله يرى الباحث أنه قد نجح في فرض نموذجه على دولة عظمى عسكرياً. وكان الجمهور المستهدف الأول بدعاية حزب الله هم السكان المحليون في جنوب لبنان. حيث أرسلت لهم رسائل تؤكد على خيانتهم للوطن إن هم تعاونوا مغ المحتل. أما الجمهور الثاني فكان العدو الذي يضم الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي. وقد تم دمج العمل النفسي مع العمل العسكري. حيث استطاع حزب الله تحديد نقطة الضعف لجيش جنوب لبنان واستخدمها في حرب العصابات. وقد جند حزب الله عملاء له داخل جيش جنوب لبنان. وهؤلاء أعطوا الإحساس بأن كل شئ مكشوف أمام حزب الله مما ساهم في انهيار الروح المعنوية لجيش لبنان الجنوبي .
لقد أعطى الإلمام بالثقافة الإسرائيلية ثماره من خلال الاستفادة في تشكيل الرسائل ، فقضية الأسرى وخاصة قضية رون أراد ،وكذلك المفقودون، شكلت سوطاً لإسرائيل. فموضوع افتداء الأسرى لا يزال محفوراً بشكل عميق في الثقافة اليهودية ، وقد أجاد حزب الله إستغلال هذا العامل الثقافي بحسب المؤلف.
كما يتطرق المؤلف الى حرب الانترنت بين اسرائيل وحزب الله ليرى أن مواقع الانترنت التابعة للحزب تمكنت من إيصال رسائل مخيفة للجمهور الإسرائيلي. مما دفع بالسياسيين الى طلب وقف هذه الحرب.
لكن المتابع لحقيقة ما حدث يجد أن التفوق التقني – المعلوماتي الإسرائيلي قد نمكن من تدمير مواقع الحزب. في المقابل وجه الحزب رسالة الى العرب والمسلمين في انحاء العالم من المتخصصين والمهتمين بالانترنت. فكانت النتيجة تاسيس نواة معلوماتية ضخمة يمكنها التحول الى تج
Now I am going to do my breakfast, after having my breakfast coming again
ردحذفto read further news.
Stop by my website: Server Listen Port Cccam