Facebook

بيان للأمة عن الأحداث

بيان للأمة عن الأحداث

ومعه خطاب مفتوح للرئيس الأمريكي بوش


بقلم :الشيخ سفر الحوالي



الحمد لله الذي استأثر بالخلق والتدبير ، وأيأس الناس أن يكون لهم من ذلك صغير أو كبير، والصلاة والسلام على رسوله البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

فهذه كلمات دعاني إلى إخراجها إبراء الذمة ، وإلحاح الأمة ، وجسامة الأحداث ، التي لا زلنا في أولها ونسأل الله أن يجعل عاقبتها خيراً . وقد كتبتها رجاء أن ينفع الله بها ، وأدعوه جل شأنه أن يغني المسلمين عنها بما هو خير منها ، وهي حقائق وتنبيهات وتساؤلات تشير إلى ما ورائها مما لا يسعف الوقت لتفصيله، أو لم يتمكن الفكر حتى الآن من تصوره وتحليله ، وما كنت أريد إلا أن تكون دراسة متكاملة ، ولكن الاستعجال الذي ابتليت به الأمة - وشباب الدعوة خاصة - جعلني أبادر بإخراجها مختصرة في فقرات ، لعلها تغنيني عن تكرار الحديث يومياً مرات وكرات ، مع مجموعات من هؤلاء ، وإن اقتضى الأمر تفصيل شيء منها أو إعادة النظر فيه فستأتي في وقته بإذن الله .

وقد حاولت اقتفاء منهج القرآن في تجاوز تفصيلات الحدث إلى التنبيه إلى العبر والتذكير بالواجب .

(1) وأول الحقائق الواجب معرفتها والتذكير بها : أنه لا يقع في هذا الكون حادث صغير ولا كبير ، مما يفرح لـه الناس أو يحزنون أو يتفرقون فيه ، إلا بقدر سابق سطره القلم في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة – وعرش الرحمن على الماء – مطابقاً لعلم العليم الحكيم ، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، فلا تهمس شفة ولا تنـزل قطرة ولا تستقر أو تتحرك ذرة ، إلا بمقتضى ذلك - عَلِمَ من علم وجهل من جهل ، ورضي من رضي وغضب من غضب - ومن هنا أخرس العارفون ألسنتهم عن السؤال والاعتراض ، وأخبتت قلوبهم لأحكام القضاء، وهان عليهم الصبر على البلاء والشكر على السراء . وزادوا على الإيمان بأنه تعالى { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون }بأن فوضوا الأمر إليه وسألوه المغفرة والرحمة { إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين } [ الأعراف : 155 ] .

(2) وثانيها وهو للأول تبع أنه لا يخرج عن سنة الله الكونية أمة ولا حال ، مهما تقادمت الدهور أو تأخرت العصور ، مهما طغى من طغى أو أوتي من العلو في الأرض والعتو عن أمر الله ، فما الحضارات المتعاقبة إلا قرون أو قرى تجري عليها السنة التي لا تبديل فيها ولا تحويل ، وما أمريكا إلا قرية من القرى التي أسرفت على نفسها بالمعاصي ، كما فعلت عاد وثمود وقرون بين ذلك كثير ، فأحلّ الله عليهم سخطه ، وأنـزل عذابه فما أهون الخلق على الله إذا عصوه وتعرضوا لانتقامه {فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا } وترك الله مساكنهم داثرة وآبارهم معطلة وقصورهم مشيدة ، وخاطبهم حين ولوا مدبرين { لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم } ولكن هيهات ! فقد جعلها الله أنقاضاً وركاماً لتكون حسرة عليهم في الدنيا قبل الآخرة والعجب كل العجب من حلم الله على هذه الأمة الطاغية ، التي جمعت بين جبروت عاد ، وعدوان ثمود ، واستكبار فرعون ، وخبائث قوم لوط ، وتطفيف أهل مدين ، وضمت إلى ذلك مكر اليهود ، وحرصهم على حياة ، وتلاعبهم بالألفاظ ، وتـزكيتهم لأنفسهم على كل أحد سواهم ، فماذا ينتظر الناس لهذه الأمة إلا أن تحل بها سنة الذين خلوا من قبل ، وأن تتابع عليها أيام الله ، ولا غرابة أن يقول قسيسها الكبير ((هذه هي البداية فقط))!!

أما أنا فأقول إن لم يدمرها الله كلَّها فلحكمة عظيمة يعلمها ، وهي أنه سيخرج منها من يعبده ولا يشرك به شيئاً وما ذلك على الله بعزيز .

على أن الانتقام الرباني ليس لـه حدود ولا لصوره نهاية { وما يعلم جنود ربك إلا هو } :

مثال : هاجم الأمريكيون الأوائل الهنود الحمر في بلادهم ، وشنوا عليهم حرب إبادة تعد وصمة عار في تاريخ أمريكا إلى الأبد ، والآن يَقْتُلُ الهنودُ من الأمريكيين سنوياً 300.000 إنسان ‍!! كيف ؟ يقول ول ديورانت في كتابه "قصة الحضارة" :

( لقد تعلم المستعمرون الأوربيون من الهنود البدائيين شرب هذه الشجرة الخبيثة ((الدخان)) فاستطاعوا بذلك الانتقام من عدوهم بما عجزت عنه سهامهم انتقاماً دائماً ) . دع عنك "الإيدز" والقلق النفسي والكساد وفساد ذات البين ‍‍!!

(3) أن هذه الأمة الإسلامية أمة " مصطفاة " " مرحومة " " منصورة " مهما نـزل بها من المصائب وحل بها من الضعف والهوان .

أما الاصطفاء فقد أورثها الله تعالى الكتاب والحكمة ، وجعلها شهيدة على الناس ، وحسبك أن يكون ظالمها من جملة المصطفين مع أنه مأخوذ بظلمه محاسب على تفريطه { ثم أو رثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } فكل خير لدى أية أمة من الأمم ففي المسلمين أكثر منه ، وكل شر في هذه الأمة ففي غيرها أكثر منه ، وحضارتها هي حضارة العدل والرحمة والتسامح ، وصدق من قال من فلاسفة الغرب (( ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين )) !! أما الحضارة الندّ " الغربية " فلم ترق إلى شيء من هذه القيم إلا بعد قرون من الصراع، ومئات الملايين من القتلى والمشردين ، ولا يزالون يتقاتلون إلى اليوم في إيرلندا وأوربا الشرقية !! وقد أهلكوا في توسعهم الاستعماري خلال ثلاثة قرون ما قدره بعض مفكريهم بمائة مليون إنسان ، وبعضهم أو صله إلى 300 مليون إنسان!!

وأما أنها "مرحومة " فلأن الله جعل عقوبتها في الدنيا وذلك بتسليط الأعداء عليها وإلباسِها شيعاً كُلاً منها يذيق الآخر بأسه ، وابتلائها بالفقر والتقهقر الحضاري . كل ذلك ليطهرها ، أو يخفف حسابها يوم القيامة ، ويرفع درجات طائفة منها إلى منازل لم يكن لتبلغها بأعمالها ، وقد جاء في الحديث (( إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأيديها )) وفي حديث آخر (( عقوبة هذه الأمة بالسيف )) قال في تكملة الأول (( فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من المسلمين رجلاً من المشركين فقال هذا فداؤك من النار )) .

وأما أنها " منصورة " فقد جاء تمثيلها في كتاب أهل الكتاب بالجبل الذي إن وقع على شيء سحقه ( كما وقع الفاتحون الأولون على مملكتي كسرى وقيصر ) . ومن وقع على الجبل ترضرض ( كما حدث للصليبين والتتار والمستعمرين الأوربيين) وقد أخبر الصادق المصدوق أنه لا تـزال طائفة منها منصورة لا يضرها من خالفها ولا من خذلها يجاهدون على الحق حتى يأتي أمر الله .

والمقصود أن أمة جمع الله لها هذه الخصال لا يجوز لها أن تيأس بحال من الأحوال، ولا يَظُنُّ أنها ماتت وقضي أمرها إلا من كان من الظانين بالله ظن السوء ، أو الغافلين عن سنة الله فيها ، فيحسبون أنها كسنته في غيرها ،مع أن تاريخها سجال بين الكَرَّة والفَرَّة ، والنهوض والسقوط، والاختلاف والائتلاف ، لكنَّ المَعْلَم الثابت في كل الأحوال هو حسن العاقبة وخير المآل ، فما كان لشرقي ولا لغربي إذ هاجمها الصليبيون أن يظن أنها ستقلب الميدان إلى عمق أوربا أو إذ اجتاحها التتار أن يتصور أنها ستفتح بهم روسيا وتغزو بهم شمال أوربا !!

(4) أن كل ما أصاب هذه الأمة من ضعف أو ذل أو هزيمة أو فقر ، فبذنوبها ومن عند أنفسها ، مع أن الله لطيف بها فلا يسلط عليها من يستأصلها ، ولا يكون بلاؤها كله عذاباً ، بل منها الشهيد المصطفى ، ومنها المقتول المكَفَّر عنه بالقتل ، ومنها المصاب المخفَّف عنه العقوبة في الآخرة ، أما إذا اعتصمت بحبل الله وأنابت إليه وتركت الذنوب فلها النصر والعزة والتمكين في كل ميدان ، وما أعداؤها الكتابيون أو المشركون وحكامها الجائرون ومنافقوها الماكرون إلا بعض ذنوبها ثم الله يسلط عليهم جميعاً بذنوبهم من يسومهم سوء العذاب من داخل الأمة أو من خارجها ، ومن هنا كان أولى خطوات التغيير التوبة والضراعة ، وقد خرج أهل العراق على الحجاج ليقاتلوه فقال الحسن البصري رحمه الله : يا أهل العراق إن الحجاج عذاب الله سلطه عليكم بذنوبكم فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ولكن توبوا إليه يرفع عذابه عنكم فإنه يقول {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } فإذا تابت الشعوب - ومن توبتها أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتوالي في الله وتعادي في الله - رفع الله جور الحكام عنها . وإذا تاب الحكام وأقاموا كتاب الله رفع الله عنهم إذلال قوى الكفر لهم وقومة الشعوب عليهم، وتسليط بعضهم على بعض . وإذا تاب المسلمون المقيمون في بلاد الغرب من المعاصي – وأعظمها نسيان الولاء والبراء والذوبان في مجتمع الكفر والفسق – رفع الله عنهم البلاء العنصري ، كما أن كل من سافر أو أقام لغير حاجة عارضة ، أو ضرورة قاهرة ، عاصٍ حتى يتوب بأن يعود ويفارق دار الكفر ، إلا من كان قصده الدعوة ومراده الهجرة .

(5) وتأسيساً على ما سبق فإن المخرج من الفتنة والخلوص من الأزمة ، إنما يكون بالعودة إلى أول الطريق، وتصحيح أول منـزل ، كما فعل الغزالي رحمه الله حين ضرب في التيه كل سبيل ، وأخيراً عاد للكتاب والسنة ومات وصحيح البخاري على صدره وكان يردد :

تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل وعدت إلى تصحيح أول منـزل

وجماع ذلك العودة إلى كتاب الله الحكيم الذي فيه نبأ ما قبلنا ، وخبر ما بعدنا ، وتفصيل سنن الله فينا ، وفي غيرنا وبيان حقيقة عدونا ، بالإقبال عليه بالتدبر والفهم والاستنباط والعمل فكم من آية فيه كأنما أنـزلت علينا اليوم ، وبخصوص ما نحن فيه ، ولكن أكثر المسلمين يمرون عليها وهم عنها غافلون ، وهل فصل الله فيه الحديث عن أهل الكتاب في أطول السور إلا بعلم وحكمة وليكون هدى وذكرى ورحمة للمؤمنين ؟

فلو أن المجاهدين التـزموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على التمام – ومن ذلك التشاور مع من يهمه الأمر ، وترك الافتئات على سائر الأمة – لتحقق لهم من النكاية في العدو وقوة الشوكة ما ينفع ولا يضر ، ولما كان لأحد أن يعترض عليهم إلا منافق معلوم النفاق.

ولو أن المفتين والكتاب والخطباء والمذيعين وزنوا هذا الحادث والمعاملة معه بميزان القرآن ، لخرجوا بأفضل النتائج وحققوا أعظم المصالح ، وتجنبوا المفاسد الكثيرة ، ومنها الفوضى والتضارب في الآراء ، مع أن العامة كانوا على قلب رجل واحد عند وقوع الحادث ، وما شذ من شذ منهم إلا بعد اختلاف أهل العلم والرأي .

ولو أن المصلحين والمربين والدعاة أجمعين التـزموا ذلك لما تحولوا إلى ((ظاهرة صوتية !)) ولفزعوا إلى وضع الخطط والبرامج لتلافي الفرقة ، واستدرك التفريط في جوانب عظيمة من الدين ، باسم الحكمة أو مصلحة الدعوة أو ما كان عليه المشايخ المتبوعون ‍‍‍‍!!

ولو أن المقيمين في بلاد الغرب التـزموا ذلك لكان أعظم فتح للإسلام في تلك المجتمعات المظلمة الضالة .

(6) إن نصرة الكفار على المسلمين - بأي نوع من أنواع النصرة أو المعاونة ولو كانت بالكلام المجرد - هي كفر بواح ، ونفاق صراح ، وفاعلها مرتكب لناقض من نواقض الإسلام – كما نص عليه أئمة الدعوة وغيرهم – غير مؤمن بعقيدة الولاء والبراء. فعلى الذين وعدوا بهذا من المعارضين الأفغان أو غيرهم أن يبادروا بالتوبة ويكفروا عن هذا العمل الشنيع بنصرة إخوانهم المسلمين ولو بالدعاء والمقال.

إننا إذ نذكّر بهذا الأمر العظيم لنناشد إخواننا المجاهدين القدماء لاسيما الشيخ عبد رب الرسول سياف، والشيخ برهان الدين رباني أن ينأوا بأنفسهم عن هذا ، وأن يبادروا برفع الصوت عالياً بالبراءة منه ، ونذكّرهم بالله ثم بما كنا ننصحهم به أيام الجهاد ويؤكدون لنا أنه لن يكون أبداً ، وهاهو ذا قد كان وأسوأ مما توقعنا . وهاهو ذا الشيطان يريد أن يحبط جهادهم للروس بولائهم للأمريكان ! وليعتبروا بما قال المعتمد بن عباد حين قال : ((لئن أرعى الجمال لابن تاشفين أحب إلي من أن أرعى الخنازير للفونسو)) [الفنسو أمير النصارى الإسبان] وليعتبروا بما حرى لمن حالف هتلر ورضي بأن يكون رئيساً لبلاده في ظل الحكم النازي فصار ملعوناً عند شعبه إلى الأبد، كما حدث للجنرال "بيتان" الفرنسي . وليعتبروا بما فعلت أمريكا مع الأكراد فهي شاهد حي.

كما نناشد حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان أن تبادر بمبادرة صلح بينها وبين تحالف المعارضة بإصدار عفو عام وتلبية بعض المطالب وفتح باب الحوار والتفاهم وإعطاء القادة المسلمين منهم فرصة لمناصب في الحكومة وما أشبه ذلك مما يحسم مادة الفرقة أو يقللها.

ثم نتوجه بالمناشدة إلى الكتاب والمذيعين والخطباء - في هذه البلاد وكل البلاد - أن يتقوا الله فيما يقولون،فربما أعانوا على قتل مسلم بكلمة أو بشطر كلمة ، فأوبقت دنياهم وآخرتهم وأحبطت أعمالهم عند الله ، فإن ((الرجل يقول الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً)) كما أخبر الصادق المصدوق .

فكيف والمراد الآن إبادة شعب مسلم ، والثأر منه للهزائم المتتالية التي نـزلت بالصليبيين على يديه، منذ أكثر من قرن ونصف حتى إخراج الروس منه ؟ كيف يتحدث العالم كله عن حملة شعواء، أولها في بلاد الأفغان وآخرها في أمريكا ووسطها في لجج البحار ، وغرضها سحق شعب جائع منكوب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وسيتبعونه بغيره حتماً - ثم يتحدث من يتحدث في الصحف أو فوق المنابر من أهل الإسلام عن تأييد الحملة على الإرهاب ، ووصف المجاهدين بأنهم إرهابيون ، وينـزلقون في منـزلق المصطلحات الخدّاعة فيقولون إن الله حرم الإرهاب ، أو أن دين الإسلام بريء من الإرهاب ،مع أن إرهاب أعداء الله في كتاب الله مطلوب { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } ، والنصر بالرعب من خصائص هذا النبي الكريم وأمته صلى الله عليه وعليهم وسلم . والله تعالى يقول { لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله } أما أحزاب الكفر فكلٌّ منها يفسر الإرهاب كما يريد، لكنهم مجمعون على أن المجاهد المسلم في فلسطين ، أو لبنان ، أو الشيشان ، أو كشمير ، أو الفلبين ، أو إريتريا إرهابي !! بل كل مسلم دخل لهم مطاراً هو عرضة لهذه الوصمة.

وليعلم كل من أدان أو جرَّم أن لازم ذلك إجازة الانتقام ! وهو ما لا تريد أمريكا من الشعوب أكثر منه ، ثم هي بعد ذلك ستنفرد بكيفية الانتقام ، وتحديد من يشمله ، وإلى أي مدى يبلغ بلا حسيب ولا رقيب ، ولنا معها تجربة مريرة قائمة ففي حربها مع العراق أخذت التفويض من مجلس الأمن بالقتال ، وأخذت التفويض من بعض علماء المسلمين بصد العدوان ، والآن أين وصلت أمريكا ؟ لقد تجاوزت كل حد ولم تنته بعد ، وأصبحت ثلاث دول في مجلس الأمن وكل الدول العربية والإسلامية تطالب برفع الحصار لكنها لم تفعل ، ولن تَقِفَ أو تَكُفَّ حتى تستنـزف كل قطرة نفط في الخليج والعراق ، وتقضي - إن استطاعت - على كل نسمة مؤمنة في المنطقة . فالله الله من التحديث بحديث المحاربين (( العُرَنِيِّين )) بين يدي الحجاج بل من هو أعظم شراً منه بما لا يقاس .

(7) إن من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة : أن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة ، مع كل من حمل الرايةَ لنصرة الدين وصد عدوان الكافرين براً كان أو فاجراً ، ومن الهزيمة النفسية أن ترتفع الأصوات من هنا وهناك في تحريف مفهوم الجهاد أو تضييقه ، وحصره في مراحل تاريخية ماضية، أو بشروط قد لا تتحقق إلى يوم القيامة . بل إن بعضهم يتبرأ منه ويبرئ الإسلام منه – عياذاً بالله -.

إن الحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه ، والفرق جلي لمن تدبّر بين عملٍ جهادي يُحدِثُ شيئاً من النكاية في العدو بغرض الانتقام والردع ، وبين الجهاد ذي الراية العامة الذي يأتي في موضعه الصحيح من البناء الإصلاحي والتربوي المؤَسَّس لإعادة الأمة إلى سابق عزها وإقامة دين الله في واقع الحياة متكاملاً ، بقدر الجهد البشري والوسائل المتاحة . لقد التـزم حذيفة رضي الله عنه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـه والسهم في يده وصدر زعيم الكفر مكشوف أمامه في أصعب المواقف على المسلمين . ومن قبله فعل الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة . حين عرضوا عليه أن يميلوا على المشركين بالسيف فأبى ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما بايع من معه تحت الشجرة لم يتخلف إلا المنافق المستخفي ولما استنفرهم لحرب الروم في غزوة تبوك لم يتخلف عدا المنافقين إلا الثلاثة الذين تاب الله عليهم.


فعلى المصلحين والمربين أن يدركوا الأهمية العظمى لدراسة السيرة النبوية ، واستنتاج المراحل الدعوية منها ، بفقهٍ يفرّق بين الأحكام المنسوخة والأحوال المرحلية ، ويعرف موضع الجهاد وأحكامه من كل مرحلة . وعليهم أن يتذكروا دائماً أن النفسية الإسلامية في العصور الأخيرة هي انفعالية غير متـزنة ، فهي تفضل أن تخوض معركة الآن أو تدفع كل ما تملك في لحظة انفعال - وإن كان قليل الجدوى - على أن تسلُك في برنامج أو خطة لنفع الدين نفعاً عاماً بعد سنة ، بجهد رتيب دائم أو نفقة مستمرة !!

(8) أن على الدعاة المخلصين وأتباع منهج الأنبياء الصادقين أن يجتهدوا في حوط دين الله من جميع جوانبه ، كما جاء في السيرة النبوية في قصة وفد بني شيبان الذين ضمنوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحفظوا الإسلام من جهة العرب ، واعتذروا عن حفظه من جهة الفرس فقال (( إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه )) ولم يبايعهم ، وقيّض الله لـه الأنصار - رضي الله عنهم - الذين بايعوه على مبدأ (( الدم الدم والهدم الهدم )) فالمسلمون أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم. ومن قام منهم بجانب من الدين علماً أو دعوة أو جهاداً وجبت محبته ونصرته، على أن يحرصوا جميعاً أن تتكامل الجهود وتتوازى الأعمال ، أما إذا طعن أهل العلم في أهل الجهاد ، أو تنكر أهل الجهاد لأهل العلم ، وما أشبه ذلك ، فقد ذهبت ريح المؤمنين وتناثر صفهم ووقعوا في سبيل المغضوب عليهم أو الضالين ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

(( السبيلان الفاسدتان : سبيل من انتسب إلى الدين ولم يُكمِّله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال ، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ولم يقصد بذلك إقامة الدين – هما سبيل المغضوب عليهم والضالين، الأولى للضالين النصارى والثانية للمغضوب عليهم اليهود– .

وإنما الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين.. إلى أن يقول : إن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر كما ذكر الله تعالى [ يعني قوله تعالى{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنـزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنـزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله لقوي عزيز}25 : سورة الحديد ] فعلى كل أحد الاجتهاد في اتفاق القرآن والحديد لله تعالى )) 28 / 395 مجموع الفتاوى .

وصدق رحمه الله، فحين وقعت طائفة في سبيل المغضوب عليهم وأصبحت جيوش المسلمين للاستعراض وحماية الأنظمة أو مهاجمة الجيران الإخوان ، وحين وقعت طائفة أخرى من الأمة في سبيل الضالين فأهملت الجهاد وغفلت عن الإعداد ، جاءتنا العقوبات من كل مكان ، ومنها أن يدنس العدو مقدساتنا ، وينتهك حرماتنا ، وتتكالب قواه علينا في كل ميدان ،ثم لا يتصدى للجهاد ويرتدي اسمه ووصفه إلا مجموعات متناثرة لا راية لهم ولا منهج ولا تربية. فإن أحسنوا فمن عند الله وإن أساءوا فبتفريطنا وتقصيرنا مع تفريطهم وتقصيرهم .

(9) أنه بعد أن انقسمت الأمة دويلات ، وهوت راية الخلافة الجامعة لهم، أصبحت كل طائفة سواءً كانت دولة أو جماعة تمثل نفسها وتستقل بذمتها وبموقفها حباً أو بغضاً، حرباً أو سلماً، عهداً أو نبذاً، فدويلة - كالبحرين مثلاً - لها سياسة تخالف مصر أو السعودية، وربما كان عدوها صديقاً لهؤلاء أو العكس، وقد تُعَاهِدُ أمريكا أو غيرَها وقد تُنَابِذُها دون أن يكون لغيرها علاقة بذلك ، وكذلك الجماعات فكل جماعة حاربها عدو وحاربته ونبذت إليه على سواء فلا عهد بينها وبينه وإن لم يكن الحال كذلك بينه وبين سائر دول المسلمين وجماعاتهم، وهي وحدها تتحمل مسؤولية عهدها أو حربها وربحها أو خسارتها . وقد لا يجب على غيرها من المسلمين نصرتها لكن لا يجوز لهم قطعاً نصرة الكافر عليها !!

وحادثة أبي بصير سابقة يمكن للفقهاء أن يستنبطوا منها وأن يفرعوا على ذلك ما شاء الله أن يستنبطوا ويفرعوا . وموجز قصة أبي بصير أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد قريشاً يوم الحديبية على أن يرد إليهم من أسلم منهم وقدم إليه ؛ وتكملة القصة من الصحيح :

((فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا : العهد الذي جعلت لنا ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة ، فنـزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداًَ ، فاستله الآخر فقال : أجل والله إنه لجيد ، لقد جربتُ به ثم جربت به ثم جربت به . فقال أبو بصير : أرني انظر إليه، فأمكنه منه ، فضربه حتى برد ، وفر الآخر حتى أتى المدينة ، فدخل المسجد يعدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه : لقد رأى هذا ذعراً ، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قُتل والله صاحبي وإني لمقتول . فجاء أبو بصير فقال : يا نبي الله ، قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ، ثم أنجاني الله منهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويل أمه مسعر حرب لو كان لـه أحد ، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ؛ فخرج حتى أتى سيف البحر. قال وينقلب منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير ، فجعل لا يخرج رجل من قريش قد أسلم إلا لحق بابي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها . فقتلوهم وأخذوا أموالهم...)) ونستنتج من هذا :-

1) أن المقتول من المشركين كان رسولاً والرسل لا تقتل كما هو ثابت معلوم – ومع ذلك لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بصير قتله ولا أمر فيه بقود ولا دية وصدّق أبا بصير في قوله في الرواية الأخرى ((يارسول الله ليس بيني وبينهم عهد ولا عقد)) فكان ذلك إقراراً لـه منه على ما فعل ، وأن له ذمة مستقلة عن ذمة المسلمين ، وإذا أهدر دم الرسول فغيره أولى .(الفتح 5/412) .

2) أن النبي صلى الله عليه وسلم حرض المسلمين على اللحاق بأبي بصير بقوله ((ويل أمه مسعر حرب لو كان لـه أحد )) وفي الرواية الأخرى ((لو كان لـه رجال)) فزاد على إقراره تحريض غيره للحاق به .

يقول ابن القيم رحمه الله في (( الفوائد الفقهية لصلح الحديبية )) :

(( ومنها : أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم ، وسواءً دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم . وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد كما أفتى به شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه نصارى ملطية وسبيهم مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين )) زاد المعاد 3 / 309 .

وهذا صريح في استقلال كل دولة أو جماعة بذمتها وعهودها، والغرب نفسه يؤمن بهذه الحقيقة، وهي من القواعد المعروفة في القانون الدولي، وإلا لكان البابا في روما مسؤولاً عن إرهاب الكاثوليك في إيرلندا ،ولكانت ألمانيا مسؤولة عن النازيين الجدد ولكانت اليابان مسؤولة عن الجيش الأحمر. وفي خصوص الحدث يعلم الأمريكان أن الذي عاداهم وعادوه، ونبذ إليهم ونبذوا إليه هو ((تنظبم القاعدة)) أو بالأصح ((جبهة جهاد الصليبيين )) بأعيانهم وخصوصهم، وأن بقية المسلمين لا يأخذون هذا الحكم ولا يدخلون فيه . فحين تحذر أمريكا رعاياها منهم - لا من كل المسلمين - فإنها تعمل بمقتضى العداوة والمنابذة القائمة ، وحين اعترف كلنتون بأنه أمر بقتل هؤلاء عن علم وعمد في الهجوم الصاروخي السابق فإن معنى ذلك أن من حق الطرف الآخر أن يفعل المثل. وقد تضرر الملايين في السودان وأفغانستان بسبب قلة الدواء وفرض الحصار غير من مات أثناء الهجوم، وعلى هذا فلا عهود ولا مواثيق بين الطرفين. فقد سقط إذن الحاجز الشرعي عن الانتقام ولم يبق من حكم شرعي يُرَاعَى في هذه الحالة إلا حكم المعاقبة بالمثل وترك التجاوز في الاعتداء فهنا يقال :-

هل فعل هؤلاء بأمريكا – إذا ثبت – تَجَاوَزَ ما صنعت أمريكا بالمسلمين في كل مكان؟

ندع الإجابة للقراء ونقول : إن قول الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } قد لا يلزم منه تساوي العدد في القتلى أو المال فهذا أمر لا ينضبط في كل حال وإنما المقصود مقابلة الفعل بالفعل : القتل بالقتل ، والأسر بالأسر ، والتخريب بالتخريب .

أما أنه لا يجوز لهذه الفئة ولا لأي فئة أن تجلب على الأمة عداوة لا قِبَلَ لها بها وتجرها إلى معركة غير متكافئة لم تستعد لها الأمة ولم تتوقعها، فهذا ما نرفع به الصوت ولا نخافت. لكن إذا أبت تلك الفئة إلا الاستبداد بالرأي وفعلت ما عنّ لها بلا مشورة ولا مراعاة مصلحة، فإننا حينئذٍ سنكون نحن الأبرياء ونحن الضحايا لانتقام العدو الغاشم، وهذا ما سيقع للأفغان وغيرهم فهم الأبرياء وليس من سقط من العدو!!

وليس الحل أن نقف مع العدو عليها فهذا حرام في كل حال، ولكنه في التحاور معها في قضايا المصالح والمفاسد، وبيان أخطائها ولو أدى ذلك إلى هجرها والتنفير منها.

وعلى كل حال فذلك شأن داخلي بين المسلمين ولا يجوز إحالته إلى دوائر الكفر التي تتربص بالمسلمين كلهم الدوائر، وتوسيعه ليصبح حملة عالمية يكون بعض المسلمين مستخدمين فيها على بعض.

(10) أن المسلم إذا اجتهد في نصرة الدين والانتقام لإخوانه المسلمين من الكفار الظالمين، وإحداث النكاية فيهم فأخطأ فهو مأجور على نيته وإن كان مخطئاً في عمله وليس هو كالمحارب العادي الذي غرضه نهب المال ، وهتك العرض ، وقطع السبيل ، وأهم من ذلك – بالنسبة للمسلمين – أن حقوقه من الأخوة الإيمانية لا تسقط ومن ذلك قولـه صلى الله عليه وسلم : (( المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه )) وخذلانه ترك نصرته، وإسلامه التخلي عنه ليفعل به العدو ما يشاء .

وهذا المسلم – على تقدير خطئه في الانتقام من العدو أو اعتباره من ليس بعدو عدواً – ليس بأكثر ذنباً من أصحاب الكبائر كالزنا والسرقة وعقوق الوالدين، ومعلوم مذهب أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر فهم يصلون عليهم ويستغفرون لهم ولا يُشَهِّرون بهم ولا يُشَمِّتون أهل الكفر بإخوانهم بذكر عيوبهم وذنوبهم ، وما دامت صفة الإسلام لهم ثابتة فهم كما قال صلى الله عليه وسلم : ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) ومن استحل غيبتهم والوقوع في أعراضهم مسايرة لأعداء الله ومجاراة للمنافقين والمفسدين في الأرض فهو أشد إثماً ممن فعل ذلك لحظ نفسه وهواه. أما تكفيرهم – صريحاً أو إيماءً – فهو من كبائر الذنوب ويخشى على صاحبه أن يعود ذلك عليه نسأل الله العافية، وهو مما قد يدفعهم لتكفير المجتمع بل العلماء والانتقام من كل مخالف وعواقب ذلك لا تخفى على عاقل .

(11) قد تكون هناك قرائن تدل على ضلوع بعض الشباب المنتمين إلى هذا البلد فيما حدث، ولكن لا قرينة ولا شبهة في أن الخطة وتداعيات الحدث أكبر مما تتصوره عقول هؤلاء الفتية الأحداث الذين لم يغادر كثير منهم البلاد إلا منذ أشهر ، ومن هنا فإن الخطب الرنانة والمقالات والتحقيقات الواسعة في بلادنا عن الحادث التي توحي بأن التهم حقيقية، وأن التبعات مقصودة، وتصوِّر هؤلاء الفتية وكأنهم شياطين مردوا على الشر لا غاية لهم إلا تدمير السلام العالمي والبطش بالأبرياء ... هي مجافاة لمنطق العدل ومنطق الدفاع عن البلد وأبنائه، وإساءة بالغة لمشاعر أهلهم وقبائلهم، وهي منافية بوضوح لتصريحات المسؤولين التي لم تزد على وصف هؤلاء بأنهم ضحايا تغرير، فهكذا كان تصريح وزير الداخلية - وهو أكثر الناس متابعة لهؤلاء وأعرفهم بدوافعهم - وقد تحدث الإعلام في الغرب عن سذاجة هؤلاء مقابل دهاء شبكة الغربيين الذين فجروا في الرياض والخبر – وهناك من ربط بين الأمرين – أفلا يسع كتابنا وخطباؤنا الذين لم يصدر عنهم شيء عما وقع في بلادهم مما لم تنكشف أبعاده ولم تُستكمَل حلقاته، أن يسكتوا أيضاً عما وقع هناك ؟ أو يقفوا عند حدود تصريحات المسؤولين الذين يحسبون الحساب لما يقولون، ولا يجازفوا بالعبارات الإنشائية في مواقف شديدة الحساسية .

الحقيقة أن الإعلام المصري أفضل موقفاً في هذه المرة مع أنه كان أكثر شيء عداوة وظلماً وتشهيراً ولكن لكل موقف حسابه .

(12) أن التضييق الذي تمارسه أكثر الحكومات العربية على الشعوب هو سبب رئيس في تعاطفها المطلق مع كل ما يصدر عن هؤلاء، وإمدادهم بمزيد من الأفراد وقد صرحت المصادر الغربية نفسها بهذه الحقيقة ( منها الواشنطن بوست بعد الحادث بخمسة أيام فقط ) وقد جاء الدليل على هذا جلياً بعد الانتفاضة المباركة، حين أوذي بعضهم بسبب إبداء رأيه في الأحداث، أو توزيع فتاوى عن مقاطعة الشركات الأمريكية، فما كان منه إلا أن فارق البلد وخرج للجهاد ، وبقدر ما تعطي الحكومة في أي بلد الفرصة للإنكار على ما يجري في فلسطين وغيرها وحرية الاحتجاج والتعبير، وإيصال المساعدة للمجاهدين هناك ونصرتهم – بقدر ذلك تكون قد تجنبت تفريخ الخلايا الانتقامية التي لا تستشير ولا تبالي بالإقدام على أي عمل كبير أو صغير ، وقد أثبتت الحوادث المتكررة أنهم إذا قالوا فعلوا وإذا توعدوا وَفَوا، وهم أناس يفرغون أنفسهم لما نذروها لـه، ويجتهدون في الإخلاص فيه، ويكثرون من الدعاء والتضرع، ويدعو لهم صالحو المسلمين في كل مكان، وهم مع هذا مضطرون مكروبون بما جرى لهم وما يجري لأمتهم ، فتأتي أعمالهم بما يشبه المعجزات سواءً في أفغانستان أو في الشيشان أو في الصومال أو في كشمير أو في البوسنة، وإذا صح أن ما حدث من تفجيرات في الخبر وعدن وشرق إفريقية وأمريكا من أعمالهم فهي شواهد أخرى .

إن الانفتاح على هؤلاء، وإتاحة الحرية لهم في عرض ما لديهم، ومحاورتهم على ضوء قاعدة المصالح والمفاسد الشرعية هو الحل الصحيح والوحيد، وإلا فسندخل في متاهة لا قرار لها. ولا أدل على ضرورة هذا من معرفة أسباب تسرب الغلو في الفكر والعمل إلى بعضهم كما سنعرضه مجملاً في الفقرة التالية .

وأول ما يجب المبادرة إليه بهذا الخصوص: تغيير الخطاب الدعوي والخطاب الإعلامي الرسمي من النمطية التقليدية، إلى العرض الصريح الواعي لأسباب المشكلة، والنظر العادل إلى القضية وبيان مسؤوليتنا جميعاً: الحكومة، والدعاة والمربين والمجتمع عن كل ما حدث ويحدث، على ضوء الكتاب والسنة، وبما يخدم مصلحة بلادنا وأمنها اللذين يجب أن ننشغل بهما عن الانسياق وراء الإعلام الأمريكي وغيره في الحديث عن مصلحة أمريكا وأمنها .

لقد شن العدو علينا حرباً نفسية منهجية، ووُجِدَ فينا سماعين لـه مروجين لمفاهيمه ومصطلحاته ، وإلا فمتى كان البنتاجون ((بريئاً)) وهو بتعبير المفكر الأمريكي الشهير "غور فيدال" وأمثاله - بل عند العامة هناك - ((وكر جهنم)) أو ((وكر المؤامرات الشريرة في العالم )) أو (( عش الشياطين )) فضلاً عن كونه أكبر هدف عسكري في العالم. وقالوا مثل ذلك عن وكر الجاسوسية وعش المافيا ومركز الربا وغسيل الأموال أعني مركز التجارة العالمية !!

إن الإعلام الأمريكي نفسه لم يستخدم هذا المصطلح إلا بعد الحادث ونقلناه نحن هنا بلا تحفظ، فوصم بعض كتابنا وخطبائنا إخوانهم المتهمين في الحادث بكل عيب وشين وأسبغوا البراءة على من لا يدعي براءته أحد من قومه.

إن أمريكا في كل حروبها ومنها هجومها الأخير على أفغانستان تعلن أنها تستهدف الأهداف العسكرية. ومعها أهداف أخرى مثل خزانات الوقود ومحطات الكهرباء ومراكز التموين والإمداد وهذه الأخيرة عمالها مدنيون غالباًَ، وقد أهلكت قرية بكاملها قرب جلال أباد وأحياء سكنية في كابل وما سمعنا أحداً أنكر عليها ممن رفعوا عقيرتهم بالحديث عن أبرياء أمريكا !! وكأن بعض المسلمين يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين أمريكا، نعوذ بالله من المسخ والخذلان .

(13) قبل عشرين سنة هرعت ألوف من شباب المسلمين إلى أفغانستان بحسن نية وسلامة فطرة يدفعهم الشوق للجنة والاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في نصرة إخوانهم المظلومين . وكانت حكوماتهم ما بين محرض على ذلك وراضٍ عنه .

وبعد سنوات أصبحت أخطر قضية أمنية لدى كثير من الدول العربية هي قضية ((العائدون من أفغانستان)). وأصبح مجرد وطء قدم الشاب لهذه الأرض كافياً لتصنيفه مع المجرمين المطلوبين، الذين تتنادى الأجهزة العربية الأمنية وتهرع في كل مكان إذا قال أحدهم هاهنا "أفغاني" !! فتشكل الشبكات السرية التعاونية للقبض عليه ثم تشكل المحاكم العسكرية الجائرة لتحاكمه !!

فكيف حدث هذا ؟

قبل الحادث الأخير تساءل كثيرون – منهم الكاتب المعروف فهمي هويدي عن سر التحول الهائل عن التأييد المطلق للقضية الأفغانية إلى النفور الشديد والتجاهل العجيب وقال: (( هذا التحول يحتاج إلى رصد ودراسة للتعرف على تلك المخططات الجهنمية التي تلاعبت بمدارك الناس وعقولهم، ونجحت في جذبهم إلى أفغانستان تارة، ثم حققت نجاحاً أكبر في تنفير الناس من أفغانستان حتى أصبحت هذه الكلمة ترتبط بكل ما هو مفزع وشرير، وكيف أننا استجبنا للموقفين المتناقضين – سياسياً وإعلامياً – فرضينا حين رضيت واشنطن وسخطنا حين سخطت)).

وبعد الحادث أجمع كل العقلاء أو المتعقلين في العالم على أن الحل ليس تجريد حملة عسكرية شعواء لا أمد لها ولا حدود. ولكن بدراسة الأسباب ومعالجتها، وعاد السؤال ومعه أسئلة أخرى.

فهل الألوف المؤلفة الذين هرعوا إلى بلاد الأفغان قبل عشرين سنة هم مجموعات من الأشرار الحاقدين المعادين للقيم والحضارة، أو من اللصوص المارقين الساعين لهدم الرفاهية والاستقرار في بلادهم والعالم، كما يصورهم الإعلام الغربي وأذياله عندنا؟

أم أن أعداء الحق والعدل والسلام وكرامة الإنسان هم الذين اضطروا بعض هؤلاء ليفعلوا ما يرونه جهاداً وقربة وإن سماه الآخرون إرهاباً وهمجية ؟!

وكيف تسلل الغلو وانتهاج العنف إلى بعضهم وحَوَّله إلى بلده ومجتمعه أحياناً ؟

وما قصة هذا المصطلح ((الإرهاب)) والاستخدام المراوغ لـه ؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات لا بد أن تعيدنا إلى تاريخ الصراع بين الإيمان والحق والكرامة وبين الكفر والباطل والإذلال في البلد العربي الذي اقتدت به الدول الأخرى ولا تـزال في هذا المضمار (مصر) !!

كان للدعاية الناصرية قصب السبق في إعلان الحرب على الدعوة الإسلامية وإلصاق التهم بالخيانة والاغتيال والتخريب بالدعاة , ولا نزال نذكر المذكرة الخطيرة التي أعدتها الأجهزة المعنية بالقضاء على الإسلام في مصر. ومنذ ذلك الحين حتى اليوم والدعوة في هذا البلد المعروف بالتسامح طوال التاريخ تلاقي من المحن وصنوف الأذى الشيء الكثير، دون أن ينجح ذلك في استئصال التدين من شعب متدين بفطرته .

وأول عملية منظمة - وظَّفت ما سمي فيما بعد (( الإرهاب )) لتشويه المتدينين - كانت ضد التنظيم الخاص للإخوان الذي اتهمته الناصرية بالعمالة للصهيونية والاستعمار ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر تلك المسرحية التي لم يصدقها أحد , ولكن أودع العلماء والدعاة في السجون بسببها. ثم حين وضعت قائمة التهم – لمحاكمة سيد قطب رحمه الله ومن معه – كان على رأسها ((محاولة اغتيال سفيري أمريكا وبريطانيا في مصر)) !! وكأنما أنشأت أمريكا وبريطانيا التنظيم وأمدته بالمال والسلاح – حسب الزعم الدائم للدعاية الناصرية – لكي يقتل سفيريها !!

وانهزمت الناصرية في كل ميدان، واتضحت الحقائق. وخفتت هذه التهمة أو حُفِظت حتى قُتِل السادات. والواضح أن الذين قتلوه أياً كانوا لم يخرجوا عن الإجماع العربي على رفض زيارته للدولة الصهيونية الذي قرره مؤتمر بغداد، ولم يزيدوا على أن ترجموا عملياً ،ما قرره الزعماء نظرياً، وحضوا عليه الشعب المصري من خلال ثلاث إذاعات من ثلاث عواصم غير الوسائل الأخرى، وهو أنه خان الأمة في أقدس قضاياها وأن الواجب على الشعب المصري التخلص منه !!

وكان السادات قد فتح الباب لجمعيات دعوية مختلفة في الجامعات المصرية لا تديناً ولكن لكي يقاوم الشيوعيين والناصريين، وكانت هذه الجماعات في أغلبها ارتجالية مقتصرة في دعوتها على بعض أمور الإيمان الظاهر غالباً. إلا أن هناك خلايا محدودة من خريجي السجون الناصرية - الذين ذاقوا فيها من صنوف التعذيب ما لا يتحمله البشر - ذهب بهم الغلو إلى تكفير غيرهم . ومن ذلك تكفير الجماعات الإسلامية نفسها . وقد اتُّهِموا بقتل الشيخ الذهبي رحمه الله، وهي تهمة لم يصدقها كثير من الناس حتى أولياء الدم ، وكانت أصابع الاتهام تشير إلى أجهزة الأمن التي أرادت وضع حد لهذه الجماعات بالتخلص من الشيخ ومنها معاً، وسرعان ما أطلقت حملة رهيبة من الاتهام بالهجرة والتكفير شملت كل ذي لحية وجلباب وكل ذات حجاب ، وملأ السادات السجون حيث تلاقحت الأفكار ، وحلَّت الخلايا العنقودية - كما وصفها هيكل - محل الجمعيات الارتجالية، ثم كان قتله إيذاناً بدخول مرحلة جديدة من الاضطهاد وهكذا أفسح المجال لنشوء أو توسع جماعات جديدة تنتهج المقاومة المسلحة للتغيير ومنها "الجهاد" و "الجماعة الإسلامية" وعاصر هذه المرحلة قيام الجهاد الأفغاني الذي اجتمع لـه من أسباب جذب المتطوعين ما لم يجتمع لغيره، وكان ذلك فرصة للطرفين : الحكومة - التي تريد مسايرة رغبة أمريكا في محاربة السوفييت وفي الوقت نفسه تريد التخلص من هؤلاء ومن المتدينين عموماً بقذفهم في فوهة المدافع الروسية - والشباب المتدين الذي وجدها فرصة للهروب من وطأة السجن والملاحقة والعذاب النفسي من المجتمع والأهل وإحياء فريضة الجهاد .

وفي أفغانستان التقى المتطوعون القادمون - من كل مكان حتى من مصر نفسها – بلا منهج ولا تنظيم بهؤلاء الذين يحملون منهجاً في التغيير وفكراً تنظيمياً ومعاناة طويلة.

وهكذا تأثر بعض الشباب بهم على اختلاف فيما بينهم وتفاوت في الغلو أو الاقتناع باستخدام العنف. وظلت مصر مصدر الوقود لهذا الغلو والتفرق، فقد كانت شناعة التهم والمجازفة في الاتهام والتعميم وهي من الفنون التي يجيدها الإعلام المصري وقد ذاقها كثير من البلاد العربية، ثم كانت الحملة الشرسة التي بلغ سجناؤها 40 ألفاً – بالإضافة إلى التطبيع مع اليهود ونشر الفاحشة والرذيلة ونبذ شريعة الله ومنع قيام أي تجمع على أساس الدين أسباباً لإعطاء هذه الجماعات شرعية، وإيجاد نسبة من التعاطف معها، ليس فقط بين المجتمع بل داخل الأجهزة الأمنية نفسها.

وهكذا دخلت مصر في دوامة من العنف الاجتماعي بسبب إرهاب الدولة والتشبث بالحل الأمني أو الحسم – كما سماه جلادوها – فقد بلغ هذا الإرهاب في انتهاك الحرمات واقتراف الفظائع حداً جعل أكثر الناس رقة ولطفاً يضمر الانتقام أو يوالي أهله ، الأمر الذي أحرج أصدقاء الحكومة المصرية وعلى رأسهم أمريكا نفسها، ولاسيما حين تتابعت تقارير الخارجية الأمريكية، ومنظمات حقوق الإنسان وتواترت عن صنوف التعذيب وتعسف المحاكمات. حتى أن بعض التقارير الأمريكية، أثارت قضية التعذيب باستخدام فيروسات الإيدز.

وهكذا بلغ الشحن النفسي غايته داخلياً وخارجياً، دون أن تتراجع الحكومة المصرية عن مسلسل الحسم وحلقاته، من القتل والتشريد والسجن بالظنة أو لمجرد اللحية وغطاء الشعر للفتيات، ومضت قدماً في تحريض الدول الأخرى على الإسلاميين ونجحت مساعيها من خلال تبني مؤتمرات وزراء الداخلية العرب لذلك وسرعان ما سابقها النظام التونسي في هذا المجال، ناهيك عن النظام البعثي في سورية الذي كان قد دمر أهم مدينتين لأهل السنة حماة في سورية وطرابلس في لبنان وسجن وشرد عشرات الألوف !! بحيث تجاوزت مأساتهم مأساة الفلسطينيين !! وقل عن دول أخرى مثل ذلك .

وهكذا كان الإنجاز الوحدوي الوحيد للأمة العربية ! ، وأصبح هدف الذين يزعمون أنهم صنعوا العفريت لمواجهة السوفييت أن ينصبوا لـه المصائد أينما مر حتى لا يبقى لـه من أثر.

وقد صاحب توقف الجهاد في أفغانستان اشتداد الوطأة في البلاد العربية على كل من ذهب إلى أفغانستان، واستطاعت الحكومات العربية إقناع الغرب بعد جهد جهيد لمسايرتها في المواجهة والحل الأمني . وهكذا لم يجد كثير من الشباب الأبرياء فرصة للحياة المستقرة لا في الدول العربية ولا في الغرب، فأخذوا يبحثون عن مكان يجاهدون فيه ليهربوا إليه، وانضم الذين بقوا في أفغانستان إلى صفوف حركة طالبان.

ومن عاد منهم لبلاده قبل اشتداد الوطأة أو استطاع التفلت من التهمة أو خرج من السجن وجد الطريق مغلقة في وجهه، فالدعوة محصورة محاربة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفقود أو ضعيف ، والأمة غارقة في الشهوات الرخيصة واللهو والعبث ، وباختصار وجد كل ما يصادم القيم الجهادية التي يؤمن بها ولم يجد المحاضن الدعوية التي تهذب وتربي أو وجدها لكن طبيعته لم تقبلها ، وهذه قضية مهمة بالنسبة للدعوة والدعاة.فهم أولى الجهات بأن يعرفوا تقصيرهم ويعترفوا بمسؤوليتهم.

وفي ظروف القلق والمعاناة والحيرة اشتعلت الانتفاضة المباركة في الأرض المقدسة ، ودهش العالم كله للانحياز الأمريكي الصارخ لليهود، واستجمعت ذاكرة هؤلاء الشباب كل الأعداء الذين نكلوا بالمسلمين، وارتكبوا أبشع الجرائم في التاريخ سواءً في البوسنة أو الفلبين أو الصومال أو جنوب السودان أو تيمور أو في الجمهوريات المستقلة، وإذا بهم يتشخصون في شخص واحد هو "أمريكا" وما لها من توابع ، أي أن الانتفاضة الفلسطينية هي التي حددت ملامح هذا العدو الأخطبوطي بوضوح.

ولأول مرة تطابقت آراء المجاهدين في كل مكان مع آراء الحكومات العربية كلها بأن أمريكا غير عادلة، بل لا تحب العدل ولا تعرفه، ووصل العداء لأمريكا ذروته في الصيف الماضي حين اتخذت الحكومات العربية مواقف واضحة الدلالة على الإحباط واليأس من اعتدال السياسة الأمريكية ، فبعضهم حمّل أمريكا كامل المسؤولية عن الإرهاب الصهيوني وبعضهم حذرها جداً من عواقبه ؟ فلم يعد في إمكان بشر ولو قُدَّ من حجر أن يسكت على طائرات ف 16 والأباتشي وهي تلاحق سكان المخيمات الفقيرة المعزولة وتقتل النساء والشيوخ ثم يأتي الموقف السياسي في مجلس الأمن فيضفي العدالة المطلقة على الإرهاب الصهيوني ويتهم المستضعفين بالإرهاب !!

إن أشد الناس تحالفاً مع أمريكا في أوربا وغيرها استهجنوا ذلك وانضموا إلى موقف الشعوب الإسلامية التي سرى فيها الشعور بضرورة إيقاف هذا العدوان والانتقام للمظلومين سريان النار في الهشيم. فلم تقتصر على المتدينين بل وصلت إلى محترفي اللهو والتمثيل . وتجاهلت أمريكا كل هذا مع تكرار التحذير من عاقبته حتى أن مصر وجهت لها تحذيراً شديد اللهجة قبل الحادث بأيام فقط. أما العلاقات السعودية الأمريكية فقد وصلت إلى أسوأ مرحلة في تاريخها.

وفي ذروة ذلك الغضب والغليان وقع الحادث فابتهج لـه المسلمون في كل مكان ، لا شماتة ولا تعاطفاً مع الفاعل - الذي لم تظهر أي إشارة إلى هويته بعد – بل تنفيساً عن ذلك القهر وذلك الإحباط، وأملاً في أن يردع الأمريكيون حكومتهم الغاشمة بعد أن ذاقوا يوماً واحداً مما يذوقه المسلمون كل يوم، وفي كل مكان - لاسيما في فلسطين – وعلى مدى عقود طويلة ‍!!

ولكن هل كان في ذلك عبرة لواشنطن ومن وراءها؟ هل اعترفوا بمسؤوليتهم في هذه المشكلات؟ هل راجعوا سياساتهم تجاه الشعوب الإسلامية أو اتجهوا إلى ذلك وفكروا في إعطاء الفرصة ليعبد هؤلاء ربهم في بلادهم بأمن ويدعوا إلى الله بصبر وحكمة ؟

إن الإجابة معروفة للعالم كله وأسوأ ما فيها أنهم لم يكتفوا بالتهرب من المسؤولية بل ألقوها كلها على عاتق المسلمين وشخصوها في شخص (( حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان = طالبان )) وأجلبوا بخيلهم ورجلهم وإعلامهم وحلفائهم لتدميرها ومن ثم الانطلاق إلى غيرها ‍‍!!

ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام مشكلة أخرى من صنع أمريكا نفسها ونجد ظلماً صارخاً تنتهجه أمريكا وحلفاؤها ‍‍!!

فلنتعرف إذن على طالبان وموقفها بعدل في الفقرة التالية :-

(14) يتغير منهج السياسة الأمريكية وتتقلب مواقفها دون أن يعلم حلفاؤها وأولياؤها أو يفهموا. وليست هذه هي المشكلة ولكن المشكلة في أن التصنيف الأمريكي يأتي في كل مرة اعتباطياً، بحيث يصبح عدو الأمس صديق اليوم وحليف الأمس عدو اليوم بلا سبب واضح، بل ربما ادعوا صداقة من لم يصادقوه قط، أو مساعدة من لم يساعدوه بشيء، وربما قاتلوا من لا يزال سلاحهم في يده وغذاؤهم في بطنه وصادقوا من لا تـزال دماؤهم تقطر من يده ، وكل هذا فيما لا يمس الثوابت الدائمة في السياسة الأمريكية وأهمها :-

1) المحافظة على أمن إسرائيل وتفوقها العسكري على الدول العربية والإسلامية مجتمعة.

2) ضمان تدفق النفط. والسيطرة على الممرات الاستراتيجية .

3) عدم السماح بقيام دولة إسلامية حقيقية في أي مكان.

وفي أفغانستان انقلب الموقف الأمريكي بعد خروج السوفييت يجرون أذيال الخيبة والهزيمة، إلى استثمار حالة الفراغ السياسي التي أحدثتها الأحزاب بتفرقها وتقاتلها على الدنيا وشرع الجيران في اقتسام ولاء المتحاربين ومنافسة الآخرين. فالروس يجتذبون فلول الشيوعيين وإيران تجتذب الروافض ، والهند تسعى لمنع النفوذ الباكستاني، والصين تقاوم المخطط الهندي، وتخشى سريان عدوى الجهاد إلى مسلميها المضطهدين. إلا أن باكستان أكثر الدول فرصة للفوز بحصة الأسد، وذلك بسبب وشائج الدين والقبيلة والروابط الاقتصادية ، وهي تسعى لكسب ولاء أمريكا وشراكتها التجارية.

وبالفعل هرعت الشركات الأمريكية لدراسة الجدوى الاقتصادية للمنطقة ووجدوا أن الفرص هائلة سواء في الجمهوريات المستقلة التي سارع اليهود والأمريكان باكتشافها بمثل مغامرات الأوربيين لاكتشاف أمريكا، أو في نفط بحر قزوين الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد نفط الخليج ، واستعاد المستعمرون الجدد ذكريات أجدادهم عن "طريق الحرير" الطريق القديم للقوافل التجارية بين شرق العالم وغربه، ووجد الأمريكان والباكستانيون أن العائق الوحيد يتمثل في فقد الاستقرار في أفغانستان التي لابد لكل طريق أن يمر منها.

وهنا أقنع الباكستانيون أصدقاءهم بأن لديهم حلاً يتمثل في طلاب العلم الأفغان الذين يدرسون في باكستان، ففيهم من الصفات ما يؤهلهم لضبط الأمن وإيجاد وضع مستقر، فالناس كلهم يحبونهم وأيديهم نظيفة من دماء الشعب وقد نجح بعضهم بالفعل في توطيد الأمن في ولايته - ومنهم الملا محمد عمر! - وبادرت الولايات الأخرى في الكتابة إليه للدخول في طاعته والإفادة من هيبته بالقضاء على قطاع الطرق، ثم إنهم في تصنيف الأجهزة الاستخباراتية العوراء آخر من يمكن أن يؤسس حركة سياسية منظمة، فضلاً عن أن يستقل بحكم دولة.

وهكذا أيدت أمريكا وباكستان ودول الخليج – التي كان منها مستثمرون أيضاً – قيام حكومة طالبان التي اكتسحت البلاد بسمعتها الحسنة وآثارها الحميدة وليس بقوتها أو بمعونة غيرها ضرورة . إلا أن الأمر الذي لم يتنبه لـه الباكستانيون ومن وراءهم هو أن أفغانستان لم تنتهِ معجزاتها، ولم تنفد مفاجآتها، وهكذا فوجئوا بأن طالبان ليسوا مجموعة دراويش يمكن باسمهم استغلال الدين وإقامة دولة ترفع شعارات جوفاء وهي في الواقع مطية لمطامعهم.

صحيح أن الطلبة لم يتعاطوا السياسة بحكم إقامتهم في بلاد الغربة وانحصار تعليمهم في العلوم الشرعية والتراث، ولكن صدق تدينهم ووجودهم في بيئة مفتوحة سياسياً وارتباطهم القبلي وليس الحزبي والتأييد الشعبي الواسع لهم – كل ذلك جعلهم يستقلون برأيهم ويقيمون حكومتهم وفق المنهج الذي يرون لا وفق ما يمليه عليهم غيرهم . وهكذا كان.

فليس صحيحاً ما يردد في الإعلام الغربي من أن طالبان صنيعة أمريكا وأن السحر انقلب على الساحر، ولكن الصحيح أن الأمريكيين يريدون إسلاماً أمريكياً، وهؤلاء أقاموه إسلاماً صادقاً حسب عقيدتهم ومذهبهم، ومن هنا افترق الطرفان. والشيء المتيقن هو أن نجاح طالبان كان أخلاقياً قبل كل شيء، وأنهم أعادوا للمسلمين شيئاً من الأمل الذي أحبطته الأحزاب، وأنهم بعثوا في الأمة فكرة قيام دولة العقيدة التي تراعي نصوص الكتاب والسنة والفقهاء وليس الأساليب العصرية الملتوية والقانون الدولي المطاط.

وفيما يتعلق بالإرهاب يجمع المنصفون على أن حكومة طالبان هي التي قضت عليه ووطدت الأمن في أرجاء البلاد كما قضت على كثير من مصادر الفساد ومنها زراعة المخدرات.

وكانت الأكاذيب الإعلامية الغربية عن اضطهاد المرأة والاتجار بالمخدرات من التفاهة لدى المسلمين بحيث أعطت نتائج عكسية، فضلاً عن منع التنصير وتحطيم الأصنام.

بل إن العلماء الذين زاروا أفغانستان للمباحثة بشأن تحطيم الأصنام صرحوا بأن ما رأوا عكس ما سمعوا وأنهم كانوا ضحايا التضليل الإعلامي الغربي ، ونبهوا المسلمين إلى ذلك .

وفيما يخص المشكلة الأخرى التي صارت أم المشاكل! وهي (( إيواء الإرهابيين )) ليس في إمكان أي ناظر بالعدل إلا أن يشيد بموقف طالبان الإسلامي الذي هو في نفس الوقت الموقف الإنساني والموقف الصحيح سياسياً من بقايا المجاهدين العرب .

فأي ذنب لطالبان في إيجاد إرهابيين مزعومين وهي إنما جاءت متأخرة عن نشأتهم وعن قدومهم للبلاد وكانت معزولة عن منهجهم وعن فكرهم ، جاءت وقد نبذتهم حكومة الأحزاب وتنكرت لهم وجحدت جميلهم فأحسنت إليهم وإلى العالم الإسلامي والعالم كله من جهتين :-

1- قيامها بواجب الوفاء للجميل لمن ناصروا الأحزاب بأنفسهم وأموالهم حتى إذا تمكنوا تركوهم بين فكي كماشة رهيبة ، أحدهما : حكوماتهم التي تنتظر عودتهم لتذيقهم ألوان النكال وتـزج بهم في غياهب السجون مع إخوانهم السابقين ، والأخرى : الفقر القاتل والتشرد في مخيمات اللاجئين شمال باكستان، حيث أمضى كثير منهم السنين تلو السنين يعاني الحر والقر ولا يأكل إلا من القمامة! وأي قمامة ؟ إنها ليست قمامة أثرياء الخليج بل قمامة مهاجري الأفغان وفقراء باكستان .

أما حفظها لحق الجوار – إلا بسبب شرعي – فهو مما تشكر عليه، مع أن للضرورة أحكامها. وقد ذكّرنا حالها بموقف الملك عبد العزيز من تسليم الزعيم الثوري رشيد عالي الكيلاني لبريطانيا حين التجأ إليه. وكانت علاقته ببريطانيا قد أخذت في الفتور بسبب علاقته الناشئة مع أمريكا فرفض تسليمه محتجاً بأخلاق العرب وشيمهم ولم ينكر عليه الأمريكان ذلك.

2- ضبطها لمن بقي منهم في أفغانستان : فبعد أن كانت الأمور فوضى أيام الأحزاب، وكان يمكن أن تتحول البلاد فعلاً إلى مفرخة للغلاة من كل جنس، جاءت طالبان لتفتح لهم المساجد والحلقات ليتعلموا ويعلِّموا وتفاهمت مع الحكومات ذات العلاقة بشأنهم بأن تعهدت ألاّ تسمح بعمل أي شيء ضدها وأبلغتهم أنها اشترطت ذلك عليهم وفي حالة ثبوت مخالفتهم لهذه الشروط فهي ستحاكمهم أو تسلمهم لحكوماتهم !

وقد سمعنا وقرأنا جميعاً لرئيس تنظيم القاعدة التصريح تلو التصريح بأنه لا يستهدف أبداً بلاد الجزيرة بشيء، وأنه ليس ضد حكومة بلاده، ولا يريد تعكير الأمن فيها، وهذه التصريحات وأمثالها انتشرت في كل مكان ونقلتها بعض الصحف الغربية وكان لها دور في تهدئة الشباب في اليمن ودول الخليج، بعد أن كانت المرشَّح الأول للعمليات التي قد يخطط لها هؤلاء، وكل هذا بفضل طالبان التي قوبلت بالظلم والاتهام بأنها ترعى الإرهاب وتؤوي أهله!!

هل نقول هذا دفاعاً عن طالبان ؟

وماذا عسى أن يرجو المدافع عن طالبان لاسيما في هذه الأيام ؟‍!

إننا نقولـه دفاعاً عن الحق والحقيقة، وليعلم العالم مقدار الغطرسة الأمريكية والحقد الأمريكي على كل ما يمت للإسلام الحقيقي بصلة، وليعلم الجور والحيف الذي يضطر المعتدل من المسلمين بل الغافل أن يتحول إلى متطرف في الحكم عليها، ومجاهر بالعداوة لها ، ولتعلم الحكومات العربية أنه لا مخرج لها من كل أزمة إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج الخلفاء الراشدين، وفتح المجال للدعوة وتربية الشباب تربية إيمانية متوازنة، وليعلم الدعاة في هذه البلاد وغيرها أن الصبر على هؤلاء الشباب واحتواءهم بالمعاملة الحسنة والتفهم لمواقفهم هو الحل الصحيح والمقدمة الحقيقية لتهذيبهم وتربيتهم وليس التشنيع بهم على المنابر وترديد ما يقوله أعداء الله عنهم .

(15) الآن وقع ما كان منتظراً وبدأت الحرب الصليبية الكبرى بالعدوان على الشعب الأفغاني وفي هذا قطع للجدل غير المثمر حول الحادث ومدعاة للتفكير الجاد العميق في أهداف أمريكا. وكيف استثمرت الحدث؟ ثم كيف يجب أن نستثمره نحن؟ .

لقد جاء هذا الحادث ليكون حلقة في سلسلة السقوط الأمريكي المتتابع ، فقد سقطت أمريكا أخلاقياً بفسق كلنتون ومهزلة مساءلته . ثم سقطت سياسياً بمهزلة الانتخابات والفرز اليدوي، ثم سقطت إنسانياً كما حدث في مؤتمري دوربان والبيئة، ثم جاء الحادث ليسقطها أمنياً ويهزها عسكرياً واقتصادياً، فقد هشم كبرياءها وكشف سوأتها لكل من كان يتربص بها ومن المحال أن تستعيد ما كانت عليه من الهيبة والشعور بالثقة وإن كانت بلاشك تستطيع تلافي آثار المأساة في جوانب أخرى، ولا ريب أن دارسي الحضارات ومستقبل العالم سيعيدون النظر في تقديراتهم وحساباتهم تجاهها.

وتلافياً لآثار هذه الأزمة التاريخية الحادة اندفعت أمريكا لاستثمار الحدث بأوسع ما يمكن من المجالات. لفرض الهيمنة التي كانت مطلوبة من قبل، ولاستعادة الكبرياء والهيبة المفقودين . هذا عدا تلافي القصور الشخصي لرئيس يعاني من فقد كثير من مؤهلات القيادة، وحزبٍ لم يجد من رجالٍ للإدارة إلا عجائزه من أيام جونسون وبوش الأب، ومن هنا شرعت الإدارة الأمريكية في حشد كل ما تستطيع من القوى، واستنـزاف كل ما يمكن من المال، واستهداف كل من يمكن من الأعداء ، وبارتجال وارتباك واضحين استعجلت الخطط لذلك وتعسفت في فرضه على العالم بشقيه الموافق لها والمخالف .

ولعل من أوضح الأدلة على الحصر النفسي والتخبط في استغلال الحادث من جهة ، والمبالغة في استثماره لأهداف مبيتة سلفاً من جهة أخرى – إعلانها ذلك المبدأ القائل ((من لم يكن معي فهو عدوي)) باختـزال المواقف كلها في معسكرين : معسكر الحرية والحضارة والديمقراطية، وهو شامل لكل من يقف مع أمريكا ، ومعسكر الإرهاب والبربرية والشر وهو شامل لكل من لم يقف معها، وإن لم يكن عليها ضداً ، وبالغت أمريكا في الاستبداد بزعامة الأول كما أفرطت في التهديد بمعاقبة الآخر.

ومن هنا تعالت الأصوات من أصدقائها فضلاً عن أعدائها باستنكار هذا المبدأ الخطير والتصنيف الجائر ، واستنتج كثير من المحللين أن هناك أهدافاً بعيدة قد تكون الضربات العسكرية لبلدان عدة أهون ما فيها أو مقدمة لها ، أما هدف القضاء على تنظيم القاعدة وحكومة طالبان فلا يعدو أن يكون مبرراً ظاهرياً للتغطية.

والذي يدفع لهذا الاعتقاد أن الخطة العسكرية الأمريكية منذ عقدين أو أكثر مرسومة أصلاً بحيث يمكن إشعال حربين إقليميتين في نفس الوقت – كما لو وجهت ضد العراق وكوريا مثلاً - ، فالعنصر البشري الذي يبلغ تعداده 300 ألف جندي موجود في منطقة المحيط الهندي والخليج بشكل دائم، وميزانية النفقات معتمدة سنوياً بانتظام.

فلو أن المقصود الآن أفغانستان ودولة أخرى أيضاً لما احتاج الأمر إلى أكثر من تنفيذ ما هو مرسوم من قبل لاسيما والشعب سوف يقنع بهذا الرد وسوف تتجنب الانتقادات الحادة داخلياً وخارجياً.

ولهذا كان السؤال القائم الآن هو : لماذا وسعت أمريكا وبوضوح تام نطاق المواجهة وأبعاد المعركة وعلقت نتائجها ونهاياتها وجعلتها مثاراً للجدل والتخمين والتحليل في كل مكان ؟

إن مفتاح الإجابة على هذا السؤال الكبير يأتي باستعراض القوى العالمية الكبرى وموقع أمريكا منها، وهذه القوى هي :-

1- الاتحاد الأوربي 2- اليابان 3- روسيا والجمهوريات المستقلة 4- الصين 5- الهند 6- العالم الإسلامي بعنصري القوة : أ – النووي : باكستان، ب- النفطي والاستراتيجي : العرب .

وفرق كبير بين أن تظل أمريكا قوة من هذه القوى – وإن كانت الأقوى – وبين أن تتفرد بالهيمنة عليها جميعاً، وإحكام القبضة على مقود السيطرة العالمية، وتسحق كل هذه القوى أو بعضها ما أمكن، وهو ما كانت أمريكا تعد العدة لـه وتنتظر الذريعة الكافية لفعله لاسيما وإن التخويف من قوة العراق أو إيران وسيطرة قوة مارقة على منابع النفط والممرات الحيوية قد فقد سحره، بل لم يعد أحد يصدقه كما أن سحق آخر بؤرة معارضة في أوربا وهو الاتحاد اليوغسلافي فتح الباب للتساؤل عن العدو المرشح لحرب أكبر تخوضها أمريكا عليه.

فقد أصبح معتاداً أن كل من يرأس أمريكا لابد أن يشن حرباً أو أكثر، فالحرب هي مصدر الثروة التي لا يحاسب عليها أحد ، وشركات السلاح وقوى العولمة والمرابون الكبار هم أقوى قوى الضغط جميعاً وهم لا يروي عطشهم إلا حرب كبرى أو مشروع حربي كبير والرئيس الذي يخالفهم يفعلون به ما فعلوا بكندي وكادوا أن يفعلوه بريجان. وتوريط أمريكا في حرب واسعة سيفتح لهذه الشركات مورداً أكبر بكثير من مشروع درع الصواريخ الاستراتيجية، وسوف يفرض هيمنة أمريكا التي هي هيمنتهم على كل القوى المنافسة.

وقد أشار أكثر من دراسة إلى أن منطقة جنوب شرق آسيا هي المنطقة الأقرب لأن تكون مسرحاً لهذه الحرب فهي مجمع القوى الرئيسة الصاعدة ، وهي أكثر مناطق العالم توتراً بعد منطقة الخليج وفيها يمكن تجسيد العدو المفتعل الغامض "الإرهاب" في شخص أفغانستان ومن عليها. وهكذا جاء الحدث غير المتوقع لينجز خطة مرسومة من قبل :-

1- فالاتحاد الأوربي تناسى بسرعة مدهشة موقفه المتميز عن المواقف الأمريكية في قضايا كثيرة أهمها "القضية الفلسطينية" وتعلق بأذيال أمريكا لمحاربة "الإرهاب" وأصبح "بلير" وزيراً لخارجية أمريكا في حملتها الدبلوماسية !! وتلاشى التحفظ الفرنسي الدائم ، وبالغت ألمانيا في الانبطاح إلى حد المبادرة والقبض على مشبوهين لم يطلبهم أحد ولم يتهمهم أحد أصلاً .

2- أما اليابان فقد سنحت الفرصة لشطب اسمها من قائمة المنافسين لأمريكا إلى الأبد ، فهي دولة قومية وليست حضارة ، وهي نائية جغرافياً ولا جيش لها على الحقيقة وكل قوتها محصورة في الاقتصاد وهي الآن في ورطة اقتصادية عويصة. وطالما هددتها أمريكا وتربصت بها لتمويل حملاتها قائلة: إن اليابان تحصل على ما تريد من الطاقة وحرية التجارة مجاناً، مع أن أمريكا تتكفل بحماية النفط والممرات الاستراتيجية ، فهذا أوان المحاسبة ولا يسعها إلا أن تدفع وتركع بدون تردد .

3- وأما روسيا والجمهوريات المستقلة فهي العالم الجديد الذي يسعى المرابون الكبار في العالم وطواغيت العولمة – وهم أمريكيون – إلى اكتشاف كنوزه الهائلة، ونـزع آخر أظافر القوة العسكرية لديه، وهاهي ذي الفرصة سانحة لوجود عسكري مباشر على أراضي الاتحاد السوفييتي سابقاً ، ويالها من مفارقة مذهلة !! كان الروس يرفضون وجود قواعد أمريكية في جزر المحيط الهندي والآن يرحبون بها فوق أراضيهم لذلك تساءل الروس : أي شيطان يمكنه أن يبلِّغ خروتشوف بهذا؟

4- وأما الصين فلن تكون العملاق الصاعد بعد اليوم فالنفوذ الأمريكي سيحيط بها من كل جهة – وهاهو ذا قد بدأ – والجزرة خير لها من العصا! نعم ستبقى قوية بشرياً لكن هذا سيجعلها أيضاً سوقاً هائلاً لأمريكا.

5- وأما الهند فلابد أن تيأس من محالفة روسيا ولابد أن تندم على قوتها النووية وتكفِّر عن أحلام السيطرة على جنوب آسيا بالخدمة الرخيصة للإقطاعي الأمريكي .

6- وأما العالم الإسلامي فهو المستهدف الأول والند الأبدي ليس لما لديه من قوى الآن فحسب، ولكن لأنه المرشح الوحيد للمنافسة ولو بعد قرن من الزمان ، بل العدو الوحيد الذي لا تحتاج الحرب عليه إلى أي مكسب آخر فالقضاء عليه هو الربح بذاته.

واختيار أفغانستان لكي تكون كبش الفداء لحرب الاستكبار والهيمنة ليس بسبب الإرهاب ولا إيواء تنظيم القاعدة بل تعود أسبابه إلى أيام المنافسة بين السوفييت والأمريكان للسيطرة على الخليج. والموقع الجغرافي لأفغانستان هو الذي جعلها بؤرة الصراع وميدان المنافسة فعند هذا البلد القارّي المعزول عن البحار تلتقي أطراف أربع من القوى الكبرى السابق ذكرها : -

(( روسيا ، الصين ، الهند ، العالم الإسلامي : باكستان ، إيران ، ثم الخليج )) .

ومن خلال هذا التفسير يمكن فهم تكرار الحديث عن حرب طويلة وشاملة على لسان بوش وأعوانه ؟ إن المدى الذي حدده بوش بعشر سنوات ليس للقضاء على حركة طالبان بل لإحكام السيطرة على هذه القوى الأربع وذلك بجمع رؤوسها كلها وضربها بحجر واحد ، أوربطها بحبل واحد تكون عقدته في أفغانستان ، وزمامه في يد قواتها التي سوف تتضاعف في المحيط الهندي والخليج وآسيا الوسطى على مقربة من عين التنين الأصفر ، وسوف تلقي للاتحاد الأوربي ببعض الفتات وتلوح لروسيا بشيء منه فهاتان القوتان جزء من حضارة الرجل الأبيض !! أما اليابان فسوف تصبح معزولة تابعة بل يمكن أن تستخدمها مع كوريا الجنوبية لضبط قوة الصين والإجهاز على كوريا الشمالية .

وأما الدول العربية فالخطة تقتضي جعلها منظومة تابعة مثل جمهوريات الموز ، أو دول الصحراء، وتغيير الأنظمة فيها – حتى المعتدل منها !! – وبهذا تتفرد أمريكا بالهيمنة على هذا الكوكب !!

وقبل الحديث عن إمكان نجاح هذه الخطة من عدمه نشير إلى الجانب المهم جداً للصراع وهو الجانب الحضاري والثقافي الذي تلخصه الإدارة الأمريكية في عبارات من مثل : "تجفيف المنابع" أو "فرض القيم الأمريكية" والواقع أن العالم الإسلامي يتميز في هذا الجانب تميزاً هائلاً فالاختراق الحضاري الغربي لمنظومة الأديان الشرقية ممثلة في البوذية والكنفوشيوسية والهندوسية لا يحتاج إلى برهان، فقد اجتاحت الإباحية الأمريكية واللغة الأمريكية والثقافة الأمريكية القلاع التقليدية لهذه الأديان، وإن كانت الصين لا تـزال تحاول المقاومة ، أما العالم الإسلامي فشأنه منذ القدم أن يستوعب الثقافة الوافدة فلا هو يعاندها ولا هو يذوب فيها ، وكلما كان التحدي أقوى كانت استجابته أشد .

نعم، إن هذه الهيمنة أعنف هجمة حضارية تعرض لها في تاريخه ولكن بوادر التميز قد ظهر لها إشارات وبشارات في كل مكان ومنها الوجود الإسلامي المتميز في داخل الحضارة الغربية نفسها ولا أوضح من معرفة السر في هذا فهو نقاء هذا الدين وربانيته وفطريته .لكن أمريكا لا تقبل الاعتراف بهذا ومن هنا يأتي المفتاح للجواب على السؤال الكبير وهو :

هل ستكسب أمريكا هذه الحرب الطويلة الشاملة الذي فرضتها على نفسها وعلى العالم؟

والجواب بدون تردد : لا . لن تكسبها ولو جعلت العشر السنين عشرين بل قرنين . إن أمريكا يمكن أن تكسب حرباً عسكرية خاطفة أو طويلة. أما أن تكسب حرباً شاملة فلا . ومن هنا من ثغرة الشمول ينتقض بناؤها على أم رأسها . والسبب توضحه جلياً التجارب الكثيرة من الأمة الإسلامية في كل صراع تلوح فيه شعارات الدين ، فلا شيء يستفز المسلمين أكثر من مس العدو جانب الدين أو المقدسات ، وقد نمى الوعي الإسلامي بحيث أصبح استخدام الأجواء مساساً بالمقدسات فكيف والإدارة الأمريكية تستفز المسلمين بشعار كشعار "الحرب الصليبية" أو "تجفيف المنابع" وتظن أنها تمتص المشاعر الجياشة بأعمال من قبيل زيارة مركز أو إلقاء غذاء مع الصواريخ المتساقطة !!

إن شعوب العالم الإسلامي خاصة - وشعوب العالم عامة - تستريب من كل خطوة أمريكية وإن جاءت في الاتجاه الصحيح، فكيف وهي تسبح عكس التيار؟ فحين لوّحت بالاعتراف بدولة فلسطينية لم يأبه لها أحد، وحين ألمحت إلى تغييرات في الأنظمة العربية لصالح الديمقراطية وحرية الشعوب لم يصغِ لها أحد. أما حين تتحدث عن الحركات الجهادية في العالم باعتبارها إرهابية فإن المسلمين يتوقعون منها كل شر .

إن المواجهة بين أمريكا والعالم الإسلامي ستكون عنيفة للغاية ومدمرة، وسوف تحدث شروخاً هائلة في الوضع القائم ما لم تتراجع أمريكا عن خطتها الغاشمة وعدوانها المستمر، وهو ما لا يظن بها - على الأقل في المرحلة الراهنة – ومن هنا نرجو أن يكون هذا استدراجاً لها من الله مع كونه ابتلاءً وامتحاناً للمسلمين.

إن الله تعالى قد عَلِمَ حاجة هذه الأمة إلى اليقين والإيمان فجاء بهذا الحادث ليكون آية من عنده على ((أن القوة لله جميعاً)) وأنه تعالى قادر على أن يفعل بكل عدو للإسلام ما فعل ببني النضير الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب}

إن هذا الحادث أكبر من كونه هجوماً مباغتاً على قوة عظمى زلزلَ أركانها وأفقدها صوابها، إنه قلبٌ لكل المعادلات ونسفٌ لكل الحسابات التي بنى عليها الغرب الصليبي حضارته وسيطرته وأسباب قوته منذ 500 سنة واكثر أي منذ أن أخرج المسلمين من الأندلس وشرع في كشوفاته الاستعمارية الأولى.

فكل تلك المعادلات والحسابات والأسباب تقوم على التفوق العسكري والحضاري على الخصم في كل ميدان ، وهو التفوق الذي بلغ ذروته في المرحلة الأخيرة، حيث لم يعد في إمكان العالم الإسلامي التفكير في مقاومة هذا العدو، الذي تأهل بالتقنية المتطورة ليصنع أشد الأسلحة فتكاً ودماراً، وتوحّد ليصبح معسكراً واحداً من حدود روسيا مع اليابان شرقاً إلى أقصى الجزر التابعة لأمريكا غرباً ، وقد استنفد آلاف البلايين ليملك قوى جهنمية ومواقع استراتيجية وثروات طبيعية لا يقبل أن ينافسه أحد في شيء منها.

هذا والعالم الإسلامي يعيش عقدة النقص والتخلف فأنىَّ لـه بجيوش كهذه الجيوش وقوى وموارد كتلك القوى والموارد وهو فقير متخلف في أهم أسباب القوة المادية وهو "التقنية" وأنى له أن ينافس في شيء ما من الميادين والعدو متربص به يحصي أنفاسه ويمتص دمه .

إنها حال مؤلمة لا تبعث إلا على الإحباط واليأس وربما أنتجت شكاً في وعد الله وسوء ظن به بل تكذيباً لما جاء في كتابه – عياذاً بالله – ولكن هذا الحادث جاء ليقول للمسلمين والعالم بوضوح :-

إن القلعة الحصينة التي بناها الغرب في قرون يمكن اختراقها بالحمام الزاجل ! وإن الجيوش الغفيرة يمكن هزيمتها بمئات من طالبي الجنة! وأن التقنية مهما تطورت لا يمكن أن تقاوم الروح المعنوية للمؤمنين.

جاء وأمريكا تعمل على قدم وساق لبناء منظومة صواريخ للردع الاستراتيجي، وأقمارها الصناعية ترصد ما فوق الأرض بل ما تحتها من الكنوز، ولكن روحها خاوية من الإيمان بالله مشبعة بالكبر والغطرسة فاستطاعت ثلة قليلة العدد من أبناء العالم المتخلّف أن تدوس أنفها في التراب على مرأى ومسمع من العالم المذهول المصعوق.

سبحان الله ! أيّ آية في هذا وأيّ عبرة للمؤمنين؟

لو عقلت أمريكا هذه الآية لسارعت بطلب المغفرة من المسلمين وبادرت بالتكفير عن جرائمها الكبرى ومواقفها المشينة معهم ، ولكنَّها – لحكمة عظيمة قدرها الله – ركبت رأسها وشرعت في عدوان من شأنه أن يجعل الملايين في العالم الإسلامي تتحول من حياة المتعة الرخيصة إلى طلب الشهادة على نحو ما فعلت تلك الثلة أو أكثر وربما بوسائل أخطر.

لقد انقلبت كل الخطط والمعايير والمعادلات والحسابات!!

وأصبحت الترسانة الهائلة من الأسلحة – التقليدي منها والنووي و ... و ... مما لا نعلم – أشبه بأكوام السيارات القديمة أو "الخردة". لقد تم تحييدها في هذا النوع الجديد من الحرب الذي لا يعدو أن يكون مبارزة بين قوى خارقة غير مرئية يملك المسلمون منها ما لانهاية لـه وبين القوى المادية التي يكتظ بها الغرب ولكنها هامدة خاوية لا روح فيها، فهي كالعملاق الضخم الذي يمكن لفيروسات قاتلة أن تنخركبده وهو يستعرض قوته في مصارعة إنسان أنهكه المرض وأجهده الجوع!

(16) أما نحن فلا أطيل بذكر قلة إفادتنا من الأحداث فهي لا تحتاج لدليل، وسبقت الإشارات إلى ذلك هنا ولكن التذكير بسنة الله واجب، والتدارك ممكن، والمؤمن مأمور بأن يدفع القدر بالقدر لا أن يعجز ويتواكل، والفرصة أمامنا كبيرة جداً لاستثمار الحديث في تقويم المسيرة واستكمال عدة النصر والتمكين.

فليسأل كل منا نفسه ماذا عملت؟ وليحرض إخوانه على العمل فهذا خير من الجدل والتلاوم، وها هي ذي إشارات نرجو أن تفيد في هذا الشأن:-

أولاً: يجب أن يكون هذا العدوان مصدر تفاؤل ورجاء لا يأس وخوف. وأسباب ذلك كثيرة سبقت الإشارة إلى بعضها، ومنها:-

أ - عدالة القضية: فالثبات على الموقف العادل نصر بذاته. والجندي المسلم يقاتل عن دينه وأهله من هاجم بلاده ظلماً وعدواناً، والعالم كله يشهد أن أمريكا تسرعت في الاتهام، وبادرت إلى العدوان قبل تقديم الأدلة. وقد صرح بذلك كثير من حلفائها. بل من عقلائها المنصفين. وهذا يبشر بانتقام الله من الظالم ولو بعد حين { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً }.

ب - البغي والغرور اللذان اتصف بها العدو: مستكبراً بقوته، متناسياً قدرة الله عليه، مثلما أخبر الله تعالى عن عاد الأولى: { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة }.

فلو أن لزعمائه أدنى ذرة من ضمير لما أستأسدوا على شعب محاصر منكوب أكثره أطفال وأرامل يعانون الجوع والتشرد والبرد والمرض، كنا نتوقع أن يستقيل بعض وزرائهم أو قادتهم بسبب هذا، ولكن تبين أنهم سواء في التجرد من الإنسانية والعدل. وقد عاقبهم الله بأن جعلوا أنفسهم في أصعب موقف، فإن الانتصار على مثل هذا الشعب هزيمة، أما الهزيمة على يديه فهي فضيحة الدهر.

ج - توحد الرأي العام الإسلامي بصورة لا نظير لها ضد العدوان، وهذا مكسب كبير، إذ هو الخطوة الأولى لجمع كلمة الأمة ووحدة صفها، وقليلة هي الأزمات التي توحدها، وشيء يوحد المسلمين يستوجب الشكر وإن كرهناه.

د - كشف المنافقين ومرضى القلوب وعبدة الدرهم والدينار والوظيفة والجاه عند الخلق: وهذا خير عظيم، كما حدث يوم أحد ويوم الأحزاب. وما بقي إلا معالجة السماعين لهم من العوام، قال تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}.

هـ - اتعاظ كثير من الدول المجاورة بما جرى في الأزمات السابقة، ورفضها أو تحفظها في المشاركة هذه المرة: وهذه خطوة جيدة في الطريق الصحيح، ودليل على أن إنكار المنكر يثمر ولو بعد حين، وأن الشعوب بيدها الشيء الكثير.

و - وضوح السبيل ونمو الوعي: وذلك من خلال إجماع العامة على الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين وإدراكهم لمخططات العدو الماكر، وهو ما كان مشوشاً في أزمات سابقة {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة} وقد أدرك العدو ذلك فأخذ زعماؤه يعتذرون وهم كارهون عن فلتات ألسنتهم بما يضمرون.

ز - افتضاح العدو وظهور زيف شعاراته عن الحرية والإنسانية والحضارة وحق الشعوب في تقرير المصير ... الخ حتى في تعامله مع مواطنيه من المسلمين. فالآن {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}.

ح - إيقاف زحف العولمة – ولو إلى حين – وهذه فرصة لالتقاط النفَس والاستعداد لمواجهتها بخطط مدروسة وبرامج محكمة. وقد يؤدي ذلك إلى تركيز الاهتمام على التعامل بين الدول الإسلامية فتكون خطوة ثم تعقبها خطوات بإذن الله.

ط - تجفيف منابع الفساد ومن أهمها السياحة في الدول الغربية، فالمعاملة غير الإنسانية للمسافرين والمقيمين وإن أصابت بعض الصالحين سينفع الله بها كثيراً من الطالحين الذين ينفقون سنوياً عشرات البلايين في أوكار الفساد ومباءات الفجور هناك. فالسعوديون وحدهم أنفقوا سنة 1420 هـ ما بلغ مائة وعشرين ألف مليون ريال !!

ي – إحياء بعض المعالم الشرعية المندرسة مثل فقه "دار الكفر" و "دار الإسلام" والراية والملاحم مع أهل الكتاب والإقامة في بلاد الكفر، والهدنة والعهد، وأحكام عصمة النفس والمال، وكذلك الأحكام المتعلقة بالتحالف أو الاستعانة بالمسلمين على المشركين، وما أشبه ذلك مما سيكون مادة خصبة للاجتهاد والتفقّه ووزن الأمور بميزان الشرع المطهر.

ك – ظهور فتاوى محررة – جماعية وفردية – في أكثر بلاد المسلمين واهتمام الغرب بهذه الفتاوى وإقبال الناس عليها، مما يؤصل مرجعية أهل العلم في أمور الأمة.

ل – الإقبال غير المتوقع على الإسلام في أمريكا، وقد سمعنا وقرأنا الكثير من الشواهد على ذلك حتى أصبح في حكم المتواتر، وهذا في ذاته نصر عظيم وآية بينة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيظ للمنافقين المخذولين الذين شمتوا بالمسلمين العاملين في حقل الدعوة هناك بل اسْتَعْدَوا عليهم الكفار.

م – نجاح فكرة الربط بين الحادث وبين القضية الكبرى للمسلمين: قضية فلسطين، واقتناع كثير من الناس داخل أمريكا - فضلاً عن خارجها - بضرورة التعامل العادل معها، مما يعضد الانتفاضة المباركة ويسند جهاد المسلمين لليهود.

ثانياً : يجب على العاملين للإسلام أن يدركوا قيمة هذه الفرصة العظيمة وأن يجعلوا هذه الأحداث منطلقاً للمرحلة الدعوية التالية : وهي مرحلة الجهاد الكبير بالقرآن كما قال تعالى {وجاهدهم به جهاداً كبيراً} ومن أسباب ذلك :-

أ – الدعوة الصريحة القوية إلى الإصلاح الشامل لحال الأمة ليطابق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وعصور العزة والتمكين، وذلك بواسطة برامج ودراسات محكمة تُنشر للأمة ويخاطب بها الحكام والعلماء والقادة والعامة.

ب – تجييش الأمة كلها لمواجهة أعدائها المتكالبين من كل مكان مع تنوع وسائلهم وطوائفهم.وترك الاستهانة بأي قوة في هذه الأمة لفرد أو جماعة وبأي جهد من أي مسلم، ونبذ التقسيمات التي حصر بها بعض طلبة العلم الاهتمام بالدين على فئة معينة سموها "الملتـزمين" فالأمة كلها مطالبة بنصرة الدين. وكل مسلم لا يخلو من خير. والإيمان شُعَب منها الظاهر ومنها الباطن، ورب ذي مظهر إيماني وقلبه خاوٍِ أو غافل، ورب ذي مظهر لا يدل على ما في قلبه من خير وما في عقله من حكمة ورشد. وهذا لا يعني إهمال تربية الأمة على استكمال شُعَب الدين ظاهراً وباطناً، بل إن استنفار الأمة كلها لنصرة الدين وتحريك الإيمان في قلوبها هو من أسباب توبة العاصي ويقظة الغافل، وتزكية الصالح.

وهذا جيش النبي صلى الله عليه وسلم خير الجيوش لم يكن من السابقين الأولين محضاً بل كان فيه الأعراب الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، وفيه مَن خَلَط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وفيه المُرجَون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، وفيه من قاتل حمية عن أحساب قومه فضلاً عن المنافقين المعلومين وغير المعلومين، وإنما العبرة بالمنهج والراية والنفوذ التي لم تكن إلا بيد النبي صلى الله عليه وسلم ثم بيد أهل السابقة والثقة والاستقامة من بعده.

ولو لم نبدأ إلا باستنفار مرتادي المساجد لرأينا الثمار الكبيرة، وكذلك الأقرباء والعشيرة وزملاء المهنة وإن تلبسوا بشيء من المعاصي الظاهرة.

والمقصود أن نعلم أن حالة المواجهة الشاملة تقتضي اعتبار مصلحة الدين قبل كل شيء، فالمجاهد الفاسق – بأي نوع من أنواع الجهاد والنصرة – خير من الصالح القاعد في هذه الحالة.

ج – توعية الأمة بمفهوم نصرة الدين وتولي المؤمنين، التي هي فرض عين على كل مسلم، وأن ذلك يشمل ما لا يدخل تحت الحصر من الوسائل، ولا يقتصر على القتال وحده، فالجهاد بالمال نصرة، وكذلك الإعلام وبالرأي والمشورة وبنشر العلم، وبالعمل الخيري، وبنشر حقائق الإيمان ولاسيما عقيدة الولاء والبراء، وبالقنوت والدعاء، وبالسعي الجاد لجعل المجتمعات الأقرب إلى التمسك كمجتمعات دول جزيرة العرب قلاعاً تفيء إليها بقية الأمة، ومنارات للعلم وملاذات للأمن، فكل دعوة أو جهاد أو إغاثة تحتاج إلى من تفيء إليه، وتتحيز لجواره، والأخذ من علمه والإفادة من رأيه ومعونته، ولو استنفدنا طاقة هذه المجتمعات في حدثٍ ما لحلّت الخسارة بالجميع.

ولو تفهم كثير من المتحمسين هذه الحقائق لما حصرت نفوسهم بين المشاركة في الجهاد في جبهاته المعروفة أو اعتبار أنفسهم عاطلين قاعدين.

وأنت تعجب حين ترى كثيرين يسألون الشيوخ عن الجهاد: فإن قيل فرض عين سافروا إلى مواقعه. وإن قيل غير ذلك بقوا عاطلين بين اليأس والكسل، لا تَفَقّه في الدين، ولا تعليم، ولا دعوة، ولا جمع مال، ولا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، وهذه مأساة في واقعنا التربوي.

د – تطوير وسائل الدعوة لمواكبة المواجهة العالمية الشاملة بين الكفر والإيمان،فلم يعد الوقت وقت الشريط أو النشرة أو الكتيب. بل القنوات الفضائية المتعددة اللغات والصحافة المتطورة، ومراكز الدراسات المتخصصة... والمؤسسات التعليمية والخيرية المُحْكمة التخطيط.


هـ - تحويل وحدة الرأي والتعاطف إلى توحّد عملي ومنهجي لكل العاملين للإسلام في كل مكان، يقوم على الثوابت والقطعيات في الاعتقاد والعمل، ويدرس الفروع والاجتهادات بأسلوب الحوار البناء. فاجتماع كلمة الأمة أصل عظيم لا يجوز التفريط فيه بسبب تنوع الاجتهاد واختلاف الوسائل. وما يجمع المسلمين أكثر وأقوى مما يفرقهم. والشرط الوحيد لهذا هو أن يكون المصدر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما كان عليه الأئمة المتبوعون في عصور عز الإسلام. أما المتَأخرون فـتُحاكم آراؤهم ومواقفهم إلى ذلك دون بخس لحقهم أو إهمال لاجتهادهم.

و – التيقظ الكامل لخطط العدو الماكرة وأهدافه المريبة، ومنها ما بدا من أفواه المسؤولين الأمريكان عن ضرورة تجفيف المنابع، وهي سياسة معمول بها من قبل، انتهجها أتاتورك وعبد الناصر ولا يزال ينتهجها معظم الأنظمة، والنظام التونسي مثالها العربي الواضح. والمقصود بها محو البقية الباقية من معالم الدين وشعائره على النحو الذي يطالب به المنافقون: مثل بعض الكتاب المارقين في صحف سعودية دولية. وأهم ما يرون تجفيفه من المنابع : مناهج التعليم، وخطب الجمعة، ووسائل الإعلام، ومدارس القرآن، وأول ما طالبوا بمحوه عقيدة الولاء والبراء، والأحكام التي تميز بين الكافر والمؤمن، والآيات والأحاديث المتعلقة بذم اليهود والنصارى، وكذلك أحكام الجهاد والترغيب فيه، وأحكام التشبه بالمشركين والسفر إلى بلادهم .

ز – مخاطبة الحكومات في البلاد الإسلامية وإشعارها - كل بلد بحسب أحواله ووسائل الاحتجاج المتاحة فيه – بأن ما تريده أمريكا من مراصد استخباراتية ومراكز للمعلومات عن الصحوة الإسلامية ورقابة على خطب الجمعة وغيرها – بل وللاغتيالات كما صرح أكثر من مسؤول أمريكي – مرفوض جملة وهو من القضايا التي تمس مباشرة عقيدة الولاء والبراء وحق السيادة للدولة، وكل دولة توافق عليه ولاسيما تلك المجاورة للعدو الصهيوني فهي خائنة لله وللرسول ولقضايا الأمة، وموالية للكفار على المسلمين ويجب على بقية الدول فضحها، وعدم إمدادها بأي شيء أو التعاون معها بهذا الشأن، وينبغي التنبيه إلى أن وجود مثل هذه المراصد أو المراكز هو مما يدفع شباب الجهاد لمهاجمة السفارات والمصالح الأمريكية ، أما لو حدث اغتيال أحد المجاهدين من طريقها فسوف يؤدي إلى انتقام لا تحصر أبعاده.

ح – مطالبة الحكومات الإسلامية – كل بلد بحسب أحواله أيضاً – بفتح باب الحوار وتفهم هموم الشباب ومشكلاته واستيعاب حماسته فيما يخدم الإسلام حقيقة. فهولاء الشباب في الأصل طاقة ذات حدين إن لم تستصلح وتهذب أصبحت وبالاً وبلاءً، وهم إذا رأوا الصدق من أحد وثقوا فيه وقبلوا توجيهه، وإذا ارتابوا في أحد أعرضوا عنه وحذّروا منه، فلابد في التعامل معهم من حكمة وأناة وصبر. ولابد للحكومات من الكف عن الدعاية المسيئة للدين ولهم، وترك ما يستفزهم من المنكرات، وغض النظر عما يبدر منهم من مخالفات توقياً لما هو أكبر منها، وأن تلغي من تعاملها الحل الأمني الذي ثبت أنه لا يؤدي إلا إلى ردّات فعل أعنف والدخول في نفق مظلم لا نهاية لـه.

وعليها أن توضح لأمريكا وغيرها أن الصحوة شبّت عن الطوق وتجاوزت حدود السيطرة حيث وصلت إلى المطربين ولاعبي الكرة والممثلين ومروجي المخدرات وغيرهم، وأن الإسلام - ممثلاً في الطائفة المنصورة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم – قادم لا محالة وهو كما قال بعض المعلقين الغربيين على الحادث (( إن العفريت قد خرج من القمقم )) والحقيقة أن القمقم لم يعد لـه وجود وأن العفريت يمكن أن يكون ملاكاً في رقته ورحمته إذا لم يستفزه أحد.

وإجمالاً إن لم تغير الحكومات من سياساتها تجاه شباب الصحوة - بنفس القدر الذي تطالب به أمريكا بتغيير سياستها تجاه الانتفاضة - وإن لم تعتبر بهذه الأحداث وتداعياتها المتلاحقة فسوف تدفع ثمناً غالياً قد تضطرها أمريكا نفسها لدفعه.

ط – ضرورة فتح باب الحوار بين المسلمين والغرب، ولا نعني به الحوار الرسمي السياسي ولا المؤتمرات المشبوهة مع البابا وأمثاله، بل الحوار العقدي والفكري والحضاري بين المؤمنين بأن رسالة الإسلام هي وحدها الحق، ودين الله الذي لا يقبل غيره، وأن خير ما يقدمه المسلمون للشعوب والحضارات هو هدايتهم للإيمان، ودعوتهم إلى الله، وبين الباحثين الجادين عن الحق والحقيقة في الغرب – وهم كثير – ولا مانع أن يشمل حوار المسلمين الجهات السياسية أو المؤثرة في صنع القرار هناك إقامة للحجة ولعلهم يتذكرون أو يخشون، ويجب اتخاذ الوسائل المحكمة لهذا مثل مراكز الدراسات المتخصصة والإصدارات العلمية الموثّقة والندوات التي يمثل المسلمين فيها أهلُ الرأي والعلم والخبرة بأحوال الغرب.

ي – إن أمة تعيش حالة الحرب الشاملة يجب أن تكون أبعد الناس عن اللهو والترف. وأن تصرف جهودها وطاقتها للتقرب إلى الله ورجاء ما عنده، وأن تحرص على التأسي بالأنبياء الكرام والسلف الصالح في الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فهي في رباط دائم وثغور متوالية، ولا قوة لها إلا بالله، ويجب أن يصحب أعمالها كلها إخلاص لله تعالى وصدق في التوجه إليه وتوكل عليه ويقين في نصره، وعلى أهل العلم والدعوة أن يكونوا قدوة للناس في هذا كله وأن يضعوه في أولويات برامجهم الدعوية، فإن الله سبحانه وتعالى لم يعلق وعده بالنصر والنجاة والإعلاء والعزة لمن اتصف بالإسلام بل خص به أهل الإيمان كما في قوله تعالى:

{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} .

وقوله : {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} .

وقوله : {ونجينا الذي آمنوا وكانوا يتقون} .

وقوله : {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.

وقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}.

وختاماً أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعني وإخواني المسلمين بما نسمع وما نقول وأن يقر أعيننا بنصرة دينه وإعلاء كلمته وأن يجعلنا هداة مهتدين والحمد لله رب العالمين .

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



خطاب مفتوح إلى الرئيس بوش
أيها الرئيس :-

أكتب لكم هذه الرسالة آملاً أن توضع في الاعتبار بغض النظر عن دين كاتبها ولون بشرته وموقعه من تصنيفكم الجديد لبني آدم بين متحضر موافق لكم في كل ما ترون وهمجي لا يكون كذلك .

فهذه الرسالة من نوع قد يكون غريباً عليكم فأنا أكتب إليك بصفتي وارثاً من ورثة الأنبياء الكرام وقد علمنا الأنبياء أن نخاطب المستكبرين في الأرض لعلهم يتذكرون أو يخشون رب العالمين : هكذا خاطب موسى عليه السلام فرعون وهامان وقارون ، وخاطب عيسى عليه السلام والي الرومان ورئيس كهنة اليهود وخاطب محمداً صلى الله عليه أبا جهل في مكة وهرقل وكسرى وليس من شرط ذلك أن يستجيب المخاطب أو أن يسمع لكنه إبلاغ لرسالة الله وإعذار إليه .

أكتب إليك وأنا فرد من أمة مستضعفة مضطهدة في مثل الحال التي كان عليها عيسى عليه السلام حين كان يتعرض لعدوان اليهود من جهة والرومان من جهة أخرى.

ومن المؤسف أن تكون الولايات المتحدة وهي البلد الذي أسسه المهاجرون المضطهدون قد أحلت نفسها محل الإمبراطورية الرومانية التي اضطهدت أتباع المسيح عليه السلام وتواطأت مع أعداء الرسل وقتلة الأنبياء وقتلة أتباعهم في كل زمان ومكان وهم كفار بني إسرائيل .

في ذلك الوقت كانت الإمبراطورية الرومانية تدعي أنها رمز الحرية والقيم الحضارية – مثلما ألمحتم عن أمريكا في أول خطاب لكم بعد الحادث – وقد كانت القوة العظمى في العالم ووريثة الحضارة اليونانية ولها مجلس شيوخ وديموقراطية شكلية وكان الفرد الروماني حراً في عقيدته وسلوكه الشخصي وهذا ما يجعلها خيراً من الإمبراطوريات المستبدة في مناطق أخرى من العالم، ولكن التاريخ الإنساني لا يذكر تلك الدولة بخير بسبب الجريمة البشعة التي تلطخت بها وهي اضطهاد المسيحيين. لقد فقدت تلك القوة العظمى كل ميزة قيمة حين استضعفت طائفة مؤمنة بالله الذي لـه القوة المطلقة والعزة المطلقة والعدل المطلق وهو شديد العقاب الذي يملي للظالم، ولكنه ينتقم منه يوماً.

وهكذا فعل … فقد سلط الشعوب الهمجية الشمالية على روما واجتاحتها وأحرقت رموزها الحضارية وحطمت كبرياءها في مطلع القرن الخامس للميلاد، وبعد ذلك بقرنين أورث الله الأرض المقدسة التي عاش فيها المسيح عليه السلام لأتباع خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا انتصر المسيح عليه السلام انتصاراً هائلاً، فهذه الأمة الإسلامية التي فتحت معظم العالم وحررته من الاستبداد والاضطهاد وملأته رحمة وعدلاً أظهرت للناس عظمة المسيح عليه السلام وصدق رسالته وفضل الحواريين ومن اتبعهم كما جاء مفصلاً في القرآن الكريم، واعتبرت نفسها حلقة أخيرة في نفس السلسلة الطويلة من أتباع الأنبياء ابتداءً من إبراهيم عليه السلام ومروراً بموسى وعيسى عليهما السلام، وأظهرت للعالم كله أن أعداء المسيح عليه السلام كانوا أعداء الحرية والقيم النبيلة ولاسيما اليهود منهم، سواء من كذب المسيح وحرض عليه "الرومان"، أو من انتسب إليه زوراً وحرف رسالته مثل "شاؤول" المتسمي "بولس".

والعجيب أن الشعوب التي ذاقت الويل من جبروت الرومان وغطرستهم واستعبادهم لغيرهم واعتبارهم الآخرين "برابرة" قد فرحت لتدمير روما وأعجبت بما فعل بها "البرابر الشماليون" وإن كانت لا تحبهم ولا تعرفهم، فكيف لو كان الحال بعكس ذلك – أي لو كان الهجوم على روما جرى - فَرَضاً - على يد المسيحيين المضطهدين ؟ هل هناك أحد يجرؤ على لوم المسيحيين إذا ابتهجوا وتعاطفوا مع الفاعلين؟

أيها الرئيس …

نحن المسلمين أمة عدل وفي الوقت نفسه تأبى علينا أخلاقنا أن نشمت بمنكوب، ولا زلنا نأمل أن تراجع الولايات المتحدة مواقفها وتكون أقرب إلى العدل لكي نرجع إلى حسن ظننا بها، فلها سوابق تشجع على هذا الأمل وتبيّن كيف أنا كنا نبادلها الخطوة بخطوتين بل بالسير ميلين:

فعندما أعلن الرئيس "ولسون" نقاطه الأربعة عشرة في نهاية الحرب العالمية الأولى وأهمّها: حق الشعوب في تقرير مصيرها ترجمته الأمة الإسلامية على أنه موقف عادل تجاه الاستعمار الأوربي الذي كان جاثماً على أكثر شعوبها، نعم فرح المسلمون بصوت من الأمم النصرانية نفسها يقول ما يدل على أن التمييز العنصري والحملات الصليبية – ومنها تلك التي قادها الجنرال اللنبي - قد آن لهما أن يأفلا، وهكذا سارعت الشعوب الإسلامية إلى وضع الثقة الكاملة في هذه الأمة المحايدة "الولايات المتحدة الأمريكية".

وكسبت الولايات المتحدة الكثير جداً بسبب ذلك، فقد حصلت بالإضافة إلى الميزة المعنوية – على أعظم الإمتيازات الاقتصادية في التاريخ. ولم يتزعزع ذلك حتى عند موقفها الجائر من قيام الدولة اليهودية وحرمان الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير، بل ظلّت – أعني الشعوب الإسلامية – على أمل أن يكون ذلك مجرد خطأ يمكن استدراكه.

ثم كان موقف الرئيس آيزنهاور من العدوان الثلاثي على مصر من أكبر العوامل المشجعة على استمرار حسن الظن وإغلاق الأذن عن الدعاية الشيوعية التي لم تكن كذباً كلها.

ولكن الثقة في أمريكا وعدالتها سرعان ما اهتـزت ثم انحدرت إلى الحضيض بسبب تصرفات أمريكا نفسها التي كانت تأتي في صورة براهين متتابعة تدحض حسن الظن إلى الأبد .

ولعل أول تلك البراهين القاطعة هو ما قدمه الرئيس نيكسون ووزيره كيسنجر في حرب رمضان ( أكتوبر 1973 م ) وما تلاها.

ثم جاء والدكم الرئيس بوش فجعل ازدواجية المعايير مشاهدةً لكل عين، ملموسةً لكل يد، فقد انتهك العراق من القرارات الدولية ما انتهكت إسرائيل أضعافه ولا تـزال، وقد كانت ذريعة العراق في ذلك تشبه ذريعة أمريكا في ضم "تكساس"، أما ذريعة إسرائيل في احتلال فلسطين فهي أسوأ من ذريعة البريطانيين في إبقاء أمريكا مستعمرة بريطانية، وأشنع مما تذرع به أجدادكم لإبادة "الهنود الحمر"!!

إن هذا الموقف المتناقض هو الذي جعل الشعوب الإسلامية مرغمة على التظاهر بالملايين لتأييد الدكتاتور الذي لم يكن يحبه أحد منهم من قبل.

ثم جاء الرئيس "كلنتون" وإدارته اليهودية وكان أكثر اهتماماً منك ومن أبيك بحل المشكلة، ولكنه سار على الخط الخاطئ نفسه، فهو لم يزد على وصف الهجوم الإرهابي الفظيع على المسجد الإبراهيمي في الخليل بأنه "جريمة"!! - ولعلمك ولعلمه لم يحدث حتى الآن أن هاجم الفلسطينيون معبداً يهودياً قط – وحين وقع الهجوم الإرهابي على "قانا" لم يستح من وصفه بأنه: "حادث خطأ فعله الإسرائيليون دفاعاً عن النفس"!! وعندما تعرضت إسرائيل لبعض الانفجارات، جَمَع زعماء العالم والعرب في مؤتمر شرم الشيخ لكي يدينوا جميعاً ما سمي "الإرهاب" متجاهلين المجازر الوحشية المتتابعة وسلسلة المآسي الطويلة التي أنـزلتها إسرائيل بالفلسطينيين والعرب والتي لم توصف بشيء الأمر الذي جعل الشعوب الإسلامية تنفض يديها من أمريكا باعتبارها أَمْلت على المؤتمرين ما تريد إسرائيل ، ومن حكوماتها باعتبارها رضخت للإدارة الأمريكية .

واتجهت بكل آلامها وآمالها إلى الجماعات الموصوفة بالإرهاب غير مبالية بهذا الوصف، فقد أعطاها المؤتمر درساً جيداً في فهم المصطلحات التي تستخدمها المعايير الأمريكية المزدوجة: أي أن أمريكا عندما تَصِمُ أحداً بأنه إرهابي أو متطرف فإنها تضعه في موقع البطل المنشود في عيون المظلومين والبائسين المحتاجين لشيء من التنفيس عن القهر والمعاناة الطويلين .

كما أبلغها سيء الذكر "كلاوس" (السكرتير السابق لحلف الناتو) رسمياً أن الحلف قد أقام الإسلام هدفاً لعداوته مقام الإتحاد السوفييتي سابقاً، ولم تكن الدلائل العملية تحتاج لأكثر من هذا العنوان الفريد. وهي دلائل تتوافد يومياً من كل مكان من الفلبين وتيمور وكشمير والقوقاز والبلقان والسودان وغيرها كثير –.

إلا أن ما حدث في فلسطين بعد تدنيس المسجد الأقصى على يد أكبر مجرم إرهابي في هذا العصر "شارون" طغى على ذلك كله .

وكان من سوء حظكم بعد نجاحكم الشاق في الانتخابات أن تعاصروا هذا المجرم وتستمروا في الحلف الاستراتيجي الأبدي مع دولته، تلك الحليف الغريب الذي يحصل على كل شيء منكم وقت الرخاء، فإذا جاء وقت الحاجة طلبتم منه الحياد وكافأتموه عليه!! .

لقد حرصنا نحن المسلمين على انتخابكم ونحن نملك الأدلة على أن غالبية الأصوات المرجحة لفوزكم هي أصواتنا، وأنا شخصياً نصحت المسلمين بذلك، وكان بعضهم يأمل بأن تكونوا أقرب إلى العدل من الديمقراطيين مع أن بعضهم الآخر كان صريحاً في أن الأمر لا يعدو اختيار أهون الشرين ولم نفعل ذلك نسياناً منا لجرائم حزبكم ووالدكم في كل أرض إسلامية . ولكن لأننا أمة عدلٍ وعقلٍ ألجمنا مشاعرنا واخترنا ما رأيناه الأفضل لنا ولأمريكا أيضاً، وتوقعنا منكم أن تقابلونا بشيء من الرد للجميل، ولكن ما فعلتموه كان العكس تماماً فقد زايدتم على سلفكم في مناصرة الإرهاب الصهيوني مادياً وسياسياً بالشكل الذي حدث ولا يـزال يحدث . وترددت أسئلة حائرة على كل شفة في العالم الإسلامي: هل للإدارة الأمريكية ضمير ؟ هل لهذا الموقف المتحيز الذي أثار دهشة العالم كله من مبرر أو من نهاية ؟ وهل أمريكا هي إسرائيل الكبرى أم أن إسرائيل هي أمريكا الصغرى ؟

وفي دوامة الحيرة ومتاهة الإحباط وقع حادث الحادي عشر من سبتمبر، ولا أكتمكم أن موجة عارمة من البهجة صاحبت الذهول الذي شعر به الكل في الشارع الإسلامي وكل من قال لكم غير ذلك فقد جانب الحقيقة !!

وفي اعتقادي أنه يجب على أمريكا التي تؤمن بالحرية والديمقراطية كما تكرر في خطاباتكم – أن يتسع صدرها لهذه الفرحة الوحيدة العارضة وأن لا تصادر المشاعر الإسلامية العفوية ، فهذه الأمة التي هي أكثر أمم الأرض عبادة لله وإيماناًَ بالعدل لم تفعل ذلك عن عداوة عنصرية أو نـزعة شريرة بل شاركها في ذلك العالم كله. العالم الذي طردكم من منظمة حقوق الإنسان وحشد في وجهكم 3000 منظمة شعبية في مؤتمر "دربان" وعانى أكثر من أربعين شعباً منه من حصاركم الظالم وعقوباتكم الاقتصادية فضلاً عن غزوكم العسكري، حتى البيئة أثبتُّم للعالم أنكم أعدى أعدائها، ولكم في كل مؤتمر من مؤتمراتها موقف مخالف للعالم كله.

وقد كانت صدمة الناس بخطابكم الأول أكثر من صدمة الحدث نفسه فقد تضمن التطابق – بل التماهي- بين أمريكا وبين الحرية والعدل والقيم النبيلة كما تضمن الوعيد الشديد بالانتقام وليس الوعد بالتعامل بعدل، وقد حاولنا التماس العذر لكم بهول الصدمة ومحاولة امتصاص الغضب الشعبي، ولكن كلامكم بل أفعالكم كلها تتابعت على نفس المنوال وقطعت كل احتمال.

لقد كانت المجازفة في الاتهام والتسرع في الانتقام مأساة حقيقية لأمريكا وامتحاناً حقيقياً لقيمها وتحضرها، فقد هرعت أجهزتكم الأمنية – التي كانت تـزعم أنه لو مر ذباب فوق البنتاجون لضبطته، ولو قام انقلاب في إحدى قبائل الإسكيمو لعلمت به قبل وقوعه – إلى أقرب معهد للتدريب على الطيران وأقرب فندق واستخرجت من قوائمها كل اسم دارس أو نـزيل عربي أو مسلم وأعلَنت أنهم هم الإرهابيون المعتدون !!

تصور أيها الرئيس … لو كنت جالساً بين أهلك وقبيلتك على بعد آلاف الأميال وسمعت أو رأيت الخبر عن قيامك بعملية انتحارية في طائرة ؟ أو سمعت أن أخاك المتوفى من سنة هو الفاعل ؟ ألا تشكر الله على أنك لا تنتمي إلى هؤلاء المتحضرين ولا تؤمن بما يدعون من قيم وعدل؟ لاسيما وقد استجاب شعبكم المتحضر جداً لهذه الرسائل منكم ومن وزرائكم وأجهزتكم، فأخذ يهاجم البرابرة الغزاة في كل ركن من أركان الحرية والحضارة في بلادكم.

لقد اكتشفت أنا وأبناء بلادي كم كنا برابرة حين قامت عصابة من الغربيين – ولا أقول من الإرهابيين لأن بشرتهم بيضاء وعيونهم زرقاء!! – بسلسلة من التفجيرات في مدننا ، ورأيناهم وهم يدلون باعترافاتهم الخطيرة ومع ذلك لم يتحرك منا شعرة لمهاجمة أي إنسان غربي في أي مكان من بلادنا، لم نقتلهم ولم نجردهم من ملابسهم في مطاراتنا ولم ندخلهم الزنازين الانفرادية؛ فضلاً عن أن نحرض العالم كله لإنشاء تحالف عليهم . لا … لاشيء من ذلك الذي فعله المتحضرون بأبنائنا وأبناء المسلمين عامة فعلناه.

لكن الذي دفعنا – أيها الرئيس – إلى هذا السلوك ( غير المتحضر ) هو ديننا وأخلاقنا ونشكر الله الذي أعطانا ذلك .

وهنا أسألكم أيها الرئيس :

لو أن العالم خوّلكم إعطاء جائزة تقديرية للشعب الأرقى خلقاً وقيماً والأحسن تعاملاً فلأي الشعبين كنت ستعطي الجائزة ؟ لشعبك أم لنا ؟

هل يعني ذلك أننا نضمر الشرّ للشعب الأمريكي أو نعامله بعنصرية ؟

لا … أبداً، فنحن نعتقد أن للشعب الأمريكي - جملةً - من صفات الخير ما يجعله أقرب الشعوب الغربية إلينا وأجدرها بأن نحب له الخير في الدنيا والآخرة، فهو شعب يؤمن غالبيته العظمى بوجود الله، وهو ينفق على الأعمال الخيرية ما لا ينفقه شعب آخر في العالم ( ولا نعني بذلك التنصير بين المسلمين).

وأصدق دليل على ما فيه من خير: أنه أكثر شعوب العالم قبولاً للإسلام وأسرعها اعتناقاً له ومحاولة لفهمه حتى بعدما نـزل به من فاجعة حمَّلْتم – أنتم الحكومة – المسلمين مسؤوليتها بلا دليل .

ومثل هذا الشعب نحب لـه الخير والكرامة من أعماق قلوبنا ، والخير والكرامة لا يتحققان لأي شعب إلا بأحد أمرين :-

1- الدخول في دين الله الذي لا يقبل سواه وهو دين الأنبياء جميعاً = الإسلام . وبهذا يجمع الله له خيري الدنيا والآخرة .

2- مصالحة المسلمين ومحبتهم ومعاملتهم بالحسنى وبهذا يجازيه الله في الدنيا خيراً وأمناً.

فهذه الأمة الإسلامية أتباع إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم هي أكرم الخلق على الله فمن أكرمها أكرمه الله ومن أهانها أهانه الله وإن أمهله إلى حين . والتاريخ شاهد على هذا.

قد تقول أو يقال عنك لقد اعتذرت عن عبارة (( حملة صليبية )) وزرت المركز الإسلامي ونصحت الشعب بالانضباط .. فنقول : لقد تعودنا من أمريكا أن تجرح جرحاً غائراً ثم تضع عليه لصقة خفيفة، إلا أن عدوانكم الحالي على أفغانستان نـزع تلك اللصقات بعنف وفتح جرحاً عميقاً في قلب كل مسلم .

وليتك أيها الرئيس إذ فعلت ما فعلت لم تعاود العبارات العنصرية مرة أخرى في خطابكم عن بدء الهجوم، فقد كان يكفيك ومن غير حاجة إلى تبرير أن تدعي الحق في أن تصنّف العالم كما تشاء، وتعاقب من تشاء كيف تشاء متى تشاء، ثم إنك زدت فجعلت شهوة الانتقام مفتوحة إلى ما لا نهاية حين قلت: (( اليوم نركز على أفغانستان ولكن المعركة أعم )).

ألا يكفي أن تدمروا شعباً كاملاً بتهمة لم تثبت على شخص – أو تنظيم – يعيش مضطراً في هذا البلد ؟! أهذا العدوان الذي يتجاوز كل القيم والأخلاق ويهز كل الضمائر الحية في العالم ليس إلا قطرة من بحر انتقامكم ؟

هل فوضكم المسيح عليه السلام بهذا ، حاشاه من ذلك، فإن ميكافيللي نفسه لم يفوضكم إلى هذا الحد . إن سلفكم في هذا هو "شمشون" وابنه المعاصر "شارون".

ألا تخافون الله يا من جعلتم شعاركم هذه الأيام "بارك الله أمريكا"! كيف يباركها الله ويحفظها وقد علمها رسوله المسيح عليه السلام نقيض ما تفعل تماماً: (( من لطمك على خدك الأيمن فأدر لـه الأيسر ومن نازعك ثوبك فأعطه الرداء أيضاً ومن سخّرك ميلاً فامش معه ميلين )).

ألا تدرون أنكم حين تجعلون شهوة الانتقام اللانهائي صفة المتحضرين فإنكم تُلبسون المسيح عليه السلام صفة البرابرة الهمج وحاشاه من ذلك.

ولكنكم أيها الرئيس كفرتم بالله والمسيح وسلكتم سلوك البابوات في العصور الوسطى حين كانوا يصدرون صكوك الغفران وقرارات الحرمان – كما يشاؤون – . لقد أعطيتم أنفسكم والدولة الصهيونية وكل معتد غاشم صك غفران أبدي وأصدرتم بحق من تورع عن مشاركتكم في عدوانكم اللامحدود قرار حرمان، وذلك بوصفه بأنه إرهابي أو مؤيد للإرهاب.

تبحثون بالمجهر عمن تسمونه جماعات إرهابية في الصومال الذي قتله الفقر، أو مخيمات الفلسطينيين في لبنان، حيث الإرهاب الصهيوني يهدد تلك الأعشاش الوادعة كل يوم، وتنسون أن الإرهاب الجهنمي الفظيع قائم عندكم ملموس بأيديكم بل هو أنتم ولا شيء سواكم.

وإن لم تصدق هذا فقل لي بربك : لو أن أصدق صديق لكم جاء ليهنئكم بالانتصار الذي تريدون تحقيقه بعد عشر سنوات على عدوكم المفتعل الغامض . فعلى أي شيء سوف يهنئكم؟ هب أنه قال :

سيدي الرئيس؛ لقد تم قتل مليون أفغاني، ومليون عراقي، ومليون كذا وكذا، إلى آخر قائمتكم الخفية الملعونة، أهذا انتصار للحضارة والقيم النبيلة والحرية والديمقراطية ؟ بالتأكيد سيكون بين ضحاياكم أرامل وأطفال جياع عراة حفاة، فهل هذا يشبع شهوتكم في الانتقام؟!

أما الأ حياء فسوف تتخذون حياتهم دليلاً على أنكم اقتصرتم على تدمير بيوتهم الطينية وأكواخهم الخشبية بصفتها أهدافاً استراتيجية! في حربكم النظيفة! وأسلحتكم الذكية! التي لا تقتل البشر .

وهنا عند هذه النقطة سوف يقهقه العالم الذي ستجعلونه كئيباً حزيناً إلى ما شاء الله – نعم سوف تهدون إليه هذه النكتة المتحضرة لكي يتذكر الذكاء الخارق الذي اتسمت به صواريخكم حين كنتم تضربون العراق فتصرخ إيران، وحين استهدفتم أفغانستان – في عدوانكم الأول فجرحتم باكستان، وحين أثار أحد صواريخكم الذكية ثائرة العملاق الأصفر بضرب سفارته في بلغراد .

وأنا – للعدل – اعترف لصاروخ واحد من صواريخكم بالذكاء ، وهو ذلك الباتريوت الميمون الذي شاهد أحد صواريخ إسكود الغبية متجهاً فما كان منه إلا أن حرفه إلى الطريق الصحيح واستضافه في عشاء ضباط المخابرات الأمريكية في الخبر .

أما النظافة فالعالم كله يشهد لكم بأنظف الحروب، مع ملاحظة بسيطة جداً وهي أنكم حين نظفتم هيروشيما ونجازاكي بقيت في العراء نفايات قليلة – عن غير قصد منكم – ولعلكم تستدركون هذا الخطأ في أفغانستان وتوابعها وتتكرمون أكثر فتدهنون الأماكن المنظفة بشيء من الدهان الأمريكي الرخيص.

لكن للحق أيضاً نقول : إن نظافة حربكم في العراق مشكوك فيها قليلاً لأن شهود النفي أطفال والقانون لا يقبل شهادة الأطفال ولو كان عددهم مليونين، أما شهود الإثبات فهم كبار في حجم ديكتاتور وجنرالات حوله.

أيها الرئيس… هل تعتقدون أن القائمة التي أعلنتم فيها أسماء المنظمات الإرهابية والدول الراعية للإرهاب تخدم مصلحتكم أم أنها تؤكد أن العالم ضدكم؟

وأي مستشار هذا الذي أشار عليكم بنشرها في الوقت الذي اكتشف الناس فيه أن بيتكم من الزجاج ولا يزال مهشماً؟ فلماذا تستعدون عليكم من يرميكم بالحجارة من اليابان شرقاً إلى بيرو غرباً؟

أما كان يكفيكم بلد واحد ومنظمة واحدة في هذه الظروف الأمنية الحرجة في بلادكم؟ أم أنكم تريدون أن تستثيروا الكل، فإذا حدث منهم حادث حملتموه المسلمين وحدهم لكي تستمر حملتكم الصليبية عليهم إلى الأبد.

أيها الرئيس … لا تظن أنني أريد تعداد عيوبكم القليلة وأنسى عيوبنا الكثيرة جداً في أعينكم، لا بل سوف أذكِّركم بعيب خطير فينا نحن المسلمين؛ وهو أننا لا ننسى مآسينا مهما طال عليها الزمن ، تصوّر أيها الرئيس أننا لا زلنا نبكي على الأندلس ونتذكر ما فعله فرديناد وإيزابيلا بديننا وبحضارتنا وكرامتنا فيها ؟! ونحلم باستردادها مرة أخرى ولن ننسى تدمير بغداد ولا سقوط القدس بيد أجدادك الصليبيين ؟ أي أننا لسنا في نظركم بالقدر من الحضارة الذي يتمتع به الألمان واليابانيون الذين يؤيدونكم على هذا العدوان متناسين ماضيكم معهم.

وأشد من ذلك أن الإفريقي من المسلمين الذي أسلم بعد سقوط الأندلس يبكي مع العرب، مثلما يبكي الجاوي الذي لم يسمع عن الأندلس إلا قريباً . قد تكون هذه مشكلة بالنسبة لنا ولكن من سيدفع الثمن ولو بعد حين ؟

أيها الرئيس … إن مشكلتكم مع الأفغان – والمسلمين عامة – أنكم أقوى مما يجب وهم أضعف مما يجب، وأنكم كلما بالغتم بالقوة أو أفرطتم في استخدامها دلّ ذلك على ضعف في القوة .

وفي هذا سر إلهي عظيم يذكرنا بما حدث لفرعون الجبار على يد بني إسرائيل المستضعفين فاسمعه من كتاب الله الكريم { طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلوا عليك من نبأِ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين * ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } [ القصص : 1- 6 ]

لا تقل أين أنا من فرعون ؟ فقد طلبتم من المسلمين ما لم يطلبه فرعون من موسى عليه السلام وبني إسرائيل، وهو أن لا يكرهوكم بقلوبهم – مهما فعلتم وتجبرتم – وإلا فستنتقمون منهم، وهذا من خصائص الألوهية، فالله تعالى وحده هو القادر على أن ينتقم من كل من لا يحبه ، ونحن لا نعلم إمبراطورية ديكتاتورية في التاريخ القديم تتعامل مع ما تُكِنّه القلوب وتخفيه الضمائر ، فضلاً عن دولة ديمقراطية في القرن الواحد والعشرين .

قد تقولون : إننا نقصد استئصال كل ما يثير كراهية في الخطب ومناهج التعليم ومقالات الصحافة وأحاديث الإعلام . فنقول: إن كانت هذه هي ديمقراطيتكم فلا عليكم أن تطلبوا ما شئتم، ولكن ثقوا تماماً أنكم لن تنجحوا، فإن الذي يعلمنا كره الظلم ومحبة الحق هو ديننا وقرآننا وهو أقوى من كل وسائلكم وأثبت من جبالكم . وإذا أبيتم إلا غطرسة القوة وجنون العظمة فليس لديكم من وسيلة إلا إبادة المسلمين كلهم بالسلاح النووي أو البيولوجي أو ما شئتم من ترسانتكم الجهنمية ؟

قد تقولون: لماذا كلهم وفيهم من يحبنا ؟ فأقول – تأكدوا – أنه لا يوجد مسلم على الأرض يحبكم حتى وإن تبرع لكم بالدم وأنشأ لكم مراصد استخباراتية أو فوضكم وضع المناهج التعليمية لشعبه . فكل من يدعي محبتكم في الأرض – وليس في المسلمين من يستطيع أن يدعيها – إنما يحبكم محبة الفريسة الخائفة للوحش الغاشم .

وقد تقول: سوف نعطي الشعوب الإسلامية الثقة من خلال تغيير أنظمة الحكم لتكون متسامحة وديموقراطية!!

فنقول: كفوا عنا شرّكم وكفى. فبهذا الوعد الزائف أهلكتم الشعب العراقي وغيره. وأي حرية أو ديموقراطية منكم فلا نريدها، ولن نقبلها، فعدو الحرية لا يعطي الحرية.

أيها الرئيس …

أنصحكم وأخوفكم بالله أن تقفوا وتَكُفّوا عن العدوان وتتعاملوا مع القضية بعدل وأناة وسوف تجدوننا معكم بلا تحفظ . إن عودتكم الآن وأنتم في أول الطريق أسهل عليكم وأفضل للعالم وإلا فإن البدايات السهلة غالباً ما تستتبع نهايات بالغة الصعوبة، ولذلك أرجو أن تفكر أيها الرئيس فيما لو دمرت كل بلد تصنفه في قائمة الإرهاب هل ستكون هذه هي النهاية أم أنها البداية ، اللهم إلا إذا كنت تريد أن تدخل التاريخ من باب "آرمجدون" الملعونة !! فحينئذٍ لن يكون هناك تاريخ أصلاً .

ولهذا أكرر لك النصيحة وأقول : إتق الله وفكر جيداً . والسلام على من اتبع الهدى .






AN OPEN LETTER TO PRESIDENT BUSH SAFAR IBN ABD AL-RAHMAN AL-HAWALI 16 October, 2001



Mr. President:



I am writing this letter to you in hope that it will be taken into account without regard to the faith of its writer, or the color of his skin, and despite your new division of the children of Adam into the civilized who support all your views, and the barbarians who do not. Perhaps this letter is strange to you, as I write to you as one of the heirs of the prophets, and the prophets, as we know, used to address the tyrants of the earth in the hope that they might repent and fear the Lord of all the worlds. Thus did Moses –peace be upon him- address Pharaoh, Haman, and Karun, and thus did Jesus –peace be upon him- address the Romans and the High Priest of the Jews, and thus did Muhammad -peace and blessings be upon him- address Abu Jahl in Makkah, as well as the Roman Emperor Heraclius and the Persian Emperor Khosraw. It is not necessary for the recipient to listen to or acknowledge the messenger, but it is merely his duty to convey the message. I write to you as a member of an oppressed and persecuted community in a condition like that of Jesus when he was persecuted by the Jews on one side, and Romans on the other side. It is regrettable that the United States, a nation founded by immigrants fleeing persecution, has taken for itself the position of the Roman Empire which persecuted the followers of Christ –peace be upon him- and colluded– with the enemies of faith (the unbelievers of the children of Israel) to slay the prophets and messengers, and to slay their followers in all times and places. At that time the Roman Empire claimed to be the symbol of freedom and civilized values, just as you claimed referred to America in your first statement after the incidents of September 11.It was the greatest world power of its day, the heir of Greek civilization. It had a Senate and a façade of democracy. The Roman citizen had freedom of religion and personal behavior. All this made it superior to other Empires throughout th! e world, and yet history does not speak well of this Empire because of the repulsive crime with which it stained its reputation: the persecution of the Christians. For this reason that Great Power lost its valuable distinctions when it oppressed a group of believers in God: Who alone possesses absolute power, absolute might, and absolute justice, Who is Mighty in His punishment which He withholds for the oppressor for awhile, but Who one day takes vengeance against him. Indeed, that is what He did. The Northern Barbarians overpowered Rome and destroyed it, They burned its cultural symbols and shattered its arrogance at the beginning of the fifth century of the Christian era. Two centuries later, God caused the followers of the final Prophet Muhammad –God’s blessing and peace be upon him- to inherit the Holy Land in which Christ –peace be upon him- had lived. This was a tremendous victory for Christ since the Islamic Faith which conquered and liberated most of the known world from despotism and persecution, and filled it with mercy and justice, manifested for mankind the greatness of Christ –peace be upon him- and the truth of Christ’s message, as well as the merit of his disciples and their followers as was revealed in detail in the Holy Qur’an. The Islamic community considered itself to be the final link in the long chain of followers of the prophets which began with Abraham, and included Moses and Jesus –peace be upon them- and declared to ! all the world that the enemies of Christ –peace be upon him- are the enemies of freedom and lofty values, especially the Jews, regardless of whether they denied Christ and incited the Romans against him, or whether they pretended to follow him so as to distort his message as did Saul who is called ‘Paul.’ The amazing thing is that the peoples who tasted the affliction of Roman tyranny and arrogance rejoiced at the destruction of Rome and wondered at the actions of the ‘Northern Barbarians” who did it, despite the fact that they did not know or like them, yet how much more so would it have been if –for example- Rome had been attacked by the oppressed Christians? Would anyone have ventured to blame the Christians if they rejoiced or sympathized with the attackers? Mr. President, we Muslims are a nation of justice. At the same time our ethics do not allow us to rejoice over the misfortunes of the afflicted, yet we would still hope that the United States would review its stand and be more fair, so that we might once again give the benefit of the doubt to the United States for which there are precedents that encourage this hope, and which demonstrate how we used to move two steps towards them for every step of theirs, and a mile for every move of theirs. When President Wilson announced his fourteen points at the end of World War I, and especially the right of self-determination of peoples, it was greeted by the Islamic world as a just position towards European Colonialism that dominated most of its peoples. The Muslims rejoiced at a voice from among the Christian nations themselves saying that the time had come for an end to racial discrimination and crusader campaigns –such as the one led by General Allenby. Thus, the Islamic peoples has! tened to place their complete trust in this neutral nation (the United States of America) and the United States profited greatly from this, since besides the moral distinctions it earned, it also achieved the greatest economic advantages in history. Their trust was not shaken even by its unjust position concerning the establishment of the Jewish state and the deprivation of the Palestinian people of their right to self-determination, but the Islamic peoples clung to their hope that that policy was simply an error that might be rectified. Similarly, President Eisenhower’s position towards the three-party aggression against Egypt was one of the biggest factors that encouraged the continuation of the benefit of the doubt for America and the refusal to listen to the claims of the communists –which were not entirely false. However, the trust in America and its justice was rapidly shaken and then declined to the ground because of America’s own behavior which came in the form of one proof after another which permanently refuted the benefit of the doubt. Perhaps the first of these absolute proofs was the actions of President Nixon and his Secretary of State Kissinger during and after the Ramadhan (October) War of 1973, then your father, President Bush whose duplicity of standards were obvious to everybody. Iraq violated the same or fewer international agreements then those that Israel has and continues to violate. Iraq’s excuse in doing so was similar to those used by America to incorporate Texas into its territory. As for Israel’s excuse for occupying Palestine, it is worse than the British justification for keeping America as a British colony, and more repulsive than your ancestor’s excuse for the genocide of the American Indian! It is this contradictory position which compelled the Islamic peoples to attend demonstrations by the millions in support of a dictator whom none of them had previously liked. Then came President Clinton and his Jewish administration. He was more concerned than either yourself or your father with finding a solution for the problem but he followed the same wrong road; describing the horrible terrorist attack on the Abraham Mosque in Hebron as no more than a “crime.” You and he both know that up until now there has never been a Palestinian attack on any Jewish place of worship, and when the terrorist attack occurred in Cana he was not ashamed to describe it as “an unintentional mistake done by the Israelis in self-defense,” Yet when Israel was faced with bombings, he gathered all the World and Arab leaders at the Sharm al-Shaykh conference so that they could all condemn “terrorism” ignoring the continuous barbaric massacres and the long chain of tragedies which the Israelis have! brought upon the Palestinians and Arabs, which were not described at all. This caused the Islamic peoples to dissociate from America in view of the fact that it dictated to the attendees what Israel wanted, and from their governments in view of the fact that they yielded to the American administration. They turned with all their suffering and hopes to the groups described as terrorist without any concern about that description, since the conference taught them a good lesson in understanding the terminology of the American double standard: that when America decides that someone is a terrorist or an extremist it places them in the position of legendary heroes in the eyes of the oppressed and the wretched who need some airing after their long defeat and subservience, and as Claes (former Secretary General of NATO) officially informed them that the alliance had placed Islam as the focus of its enmity in place of the former Soviet Union. There is no need for additional practical p! roofs after this unique title, proofs which arrive daily from everywhere from the Philippines, Timor, Kashmir, the Caucasus, the Balkans, Sudan, and many other places –except that what occurred in Palestine after the defiling of the Aqsa Mosque by the greatest terrorist criminal of this age: Sharon, outweighed all the others. It was your misfortune after your difficult election victory to be contemporaneous with that criminal, and to continue your eternal strategic alliance with him. We Muslims desired to see you elected and we have proof that the votes which gave you victory were our votes, and I personally advised Muslims to vote for you. Some of them hoped that you would be fairer than the Democrats although others clearly stated that the matter was no more than choosing the lesser of two evils. We did not do that out of forgetfulness of the crimes of your party and your father throughout the Muslim World, but because we are a nation of justice and reason we held back our feelings and made the choice which we felt was best for us and for America also. We hoped that you would repay good with good, but you did the complete opposite by increasing your predecessor’s material and political support of Zionist terrorism in the form which has occurred and continues to occur. Bewildered questions were repeated on the lips of everyone in the Islamic Word: Does the American administration have a conscience? Does this biased stance which has dismayed the entire wor! ld have any justification and will it ever end? Is America Greater Israel or is Israel Lesser America? In the midst of this continuous confusion and frustration, the events of the 11th of September occurred. I will not conceal from you that a tremendous wave of joy accompanied the shock that was felt by the Muslim in the street and whoever tells you otherwise is avoiding the truth. It is my opinion that America which believes in freedom and democracy -as you repeat in your speeches- should not become upset by this one-time joy, and should not seize upon the Muslim’s spontaneous outpouring of feeling. This nation, which worships God and believes in justice more than any nation on earth, did not do that out of racist enmity or evil intent, but they were joined in this by the entire world: the world that kicked you out of the Organization for Human Rights. 3000 popular organizations mobilized against you at the Durban conference. More than forty nations suffer from your oppressive boycotts and economic penalties, let alone from your military incursions. Even the environment has id! entified you before the world as its greatest enemy. People’s shock at your first speech was greater than their shock at the event itself. It totally equated America with freedom, justice and noble values, and it contained a harsh threat of vengeance rather than a promise of fair cooperation. We tried to excuse you because of the shock of the events and the need to absorb popular anger, but all of your statements as well as your actions have been of the same mode and have severed any other possibility. Reckless accusations and hasty revenge are the real tragedy for America, and the true test of its values and civilization. Your security apparatus –which had boasted that it could catch a fly passing over the Pentagon and that it would no about a riot among the Eskimos before it occurred- rushed to the nearest flight school and the nearest hotel and took down the name of every Arab or Muslim student or resident and announced that they are the terrorists! Imagine Mr.President, if you were sitting among your family or tribe thousands of miles away and heard or saw the news that you had been part of a suicide operation on a plane? or that it was done by your brother who had died a year ago? Wouldn’t you thank God that you were not a citizen of that civilized country or a believer in their so-called values and justice? Especially when your very civilized people answered these calls of yours, your cabinet members, and your security apparatus and started to attack the barbarian invaders in every free and civilized part of your country. I and the people of my country have discovered how barbaric were are when a gang of Westerners –I will not call them terrorists since they have white skin and blue eyes- performed a series of explosions in our cities, we watched as they gave their serious confessions, and yet we made not the smallest move to attack any Western person in any place in our country, we did not kill them, or strip search t! hem in our airports, nor did we place them in solitary confinement, let alone incite the whole world to form an alliance against them. No, we did nothing of that which your civilized people have done to our children and Muslim brothers in general. What caused us to behave in this manner is our religion and ethics, for which gift we thank God. At this point I would like to ask you Mr. President, if the world chose you to give a prize for the people with the most advanced morals and values, and the best treatment of others, which of the two peoples would you give the prize? To your people or to ours? Does this mean that we bear ill will toward the American people for that we are racist in our treatment of them? No. Never. We believe that the American people in general have such good attributes that they are the closest of all Western peoples to us, and the most deserving of all of them of our desire for them to achieve good in this life and in the hereafter. They are a people the majority of whom believe in the existence of God, and who donate to charitable work more than any other people in the world (and by that we do not mean the evangelization of the Muslims). The truest proof of the goodness of the American people is that they have embraced Islam more quickly and in greater numbers than other peoples of the world, and have tried to understand it better even after you held the Muslims responsible for the disaster without evidence. We desire all good and honor for a people like this from the bottom of our hearts, and good and honor are only achieved by any people by one of two things: 1- Embracing God’s Faith which is alone acceptable to Him, the Faith of all the prophets: Islam. By doing this Allah grants them both the good of this world and that of the next world. 2- Making peace with the Muslims, loving them, and treating them kindly. By doing this Allah rewards them security and good in this world. This Islamic nation, the followers of Abraham and Muhammad –God’s blessing and peace be upon him- is dearest to God of all nations. Whoever honors them is honored by God, and whoever despises them is despised by God, though He may grant them respite for a time. History is a witness to this. You may say, or others may have said on your behalf, “I have apologized for using the term ‘crusade’, I have visited the Islamic Center, and I have advice the people to control themselves,” but we say, “We are used to America to inflict deep wounds and then putting a small bandage on them, but your present attack on Afghanistan has violently removed those bandages and opened a wound in the heart of every Muslim. Mr. President, if only when you did what you did, you had avoided the racist terminology of your speeches about hostile action. It would have been enough for you to simply claim the right -with no need for justification- treat the world any way you want, and to punish whomever you want, whenever you want. But then you had to go on and leave the desire for revenge open without any end in sight when you said “ Today we will concentrate on Afghanistan, but the battle is wider than that.” Is it not enough for you to destroy a whole nation because of an unproven accusation against a single person or organization forced to live in that country? Is this hostility which exceeds all values and morals, and shakes every living conscience in the world only a drop in the sea of your vengeance? Did Christ –peace be upon him- grant you that power? Far be it for him to do that. Even Machiavelli himself does not grant you that degree of power. Your precedent in this is Samson. Won’t you fear God –you who have made your slogan to be “God bless America?” How can God bless and protect her when Christ His Messenger taught exactly the opposite of what you do: “Whoever strikes you on your right cheek, then turn to him your left cheek. Whoever takes from you your garment, then give him also your cloak. And whoever mocks you for a mile, go with him for two miles.” Do you not understand that when you make the desire for endless vengeance to be the attribute of the civilized nation, you make Christ –peace be upon him- to be an uncivilized barbarian? Far be it for him, but you have rejected God and Christ, and followed the behavior of the Popes of the Middle Ages who used to grant indulgences and excommunication according to their whims. You have granted an everlasting pardon to yourselves and to the Zionist State, and to every hostile tyrant, and you have issued an excommunication for anyone who hesitates to join your endless hostility by describing them as terrorists or supporters of terrorism. You search with microscopes for so-called terrorist groups in Somalia which has been destroyed by poverty, or in the Palestinian refugee camps in Lebanon whose humble dwellings are threatened by Zionist terrorism every day. But you forget that horrible terrorism tangibly dwells among you. It is you, and nothing but you. If you do not believe this then tell me by God, if your best friend comes to congratulate you in ten years on the victory you hope to achieve over the mysterious enemy you have fabricated, what will he be able to congratulate you about? Supposing that he says, “Mr. President, we have killed one million Afghanis, one million Iraqis, one million of this and that,” until the end of your cursed list, will that be a victory for civilization, lofty values, freedom and democracy? Certainly among your victims will be starving, naked widows and children. Will that satisfy your desire for vengeance? Shamelessly, you will use the fact that they are alive as evidence that ! you limited yourselves to the destruction of their mud houses and wooden huts as strategic targets of the smart bombs of your clean war that do not kill people. At this point the world that you have made depressed and sad for as long as God wills, will finally laugh. Yes, they will be forced to laugh by the civilized joke of the miraculous intelligence of your missiles: When you hit Iraq, Iran screamed. When you aimed at Afghanistan during your first attack on that country, you hit Pakistan, and one of your smart missiles infuriated the Yellow Giant by destroying its embassy in Belgrade. I admit –in all fairness- the intelligence of at least one of your missiles: the Patriot missile which saw one of the stupid Scuds which had lost its way, so it knocked it to the right direction and invited it to dinner with the American intelligence officers in Khobar. As for being clean, the whole world bears witness that you fought the cleanest war but with one simple observation: that although you cleaned out Hiroshima and Nagasaki, you unintentionally left a little pollution in its place. Perhaps you will realize your mistake in Afghanistan and its citizens, and be more generous and paint the sites with a little cheap American paint. However, for the sake of the truth we should also say that there is little doubt about the cleanness of your war in Iraq since the witnesses against you are children, and the law does not accept the witness of children even if they number in the millions, but the witnesses for your side are adults of the level of dictators and their generals. Mr. President, do you think that your list in which you announce the names of terrorist organizations and the countries that support terrorism will serve your interests, or will it be further proof that the world is against you? Who is the advisor who suggested publishing this list at the same time that people discovered your own house is glass and is still broken? Why do you make enemies of those who throw stones at you from Japan in the East, to Peru in the West? During the present dangerous security situation in your country wouldn’t it have been enough for you to choose one country and one organization? Or do you want to incite all of them, so that if any one of them performs a terrorist operation you can hold the Muslims alone responsible so that your Crusade against them can continue forever? Mr. President, don’t suppose that I want to recount your few faults and forget our own (in your eyes) very many faults. No, I will mention to you a serious fault of us Muslims: we don’t forget our tragedies no matter how much time has passed. Imagine, Mr. President, we still weep over Andalusia and remember what Ferdinand and Isabella did there to our religion, culture and honor! We dream of regaining it. Nor will we forget the destruction of Baghdad, or the fall of Jerusalem at the hands of your Crusader ancestors. That is, we are not (in your opinion) at the level of civilization enjoyed by the Germans and Japanese who support your hostilities and forget your past treatment of them. Moreover, the African Muslims who embraced Islam after the fall of Andalusia cry along with the Arabs, just as the Indonesians do who only heard recently heard about Andalusia. It may be a problem for us, but who will pay the price after awhile? Mr.President, your problem with the Afghans –and the Muslims in general- is that you are stronger than necessary and they are weaker than necessary. Every time you use excessive force, or are excessive in using it, it proves to be a weakness in strength. This is a great divine mystery which reminds us of what happened to the tyrant Pharaoh at the hands of the oppressed children of Israel. Listen to the story from God’s Holy Scripture: Ta Seen Meem. These are the revelations of the manifest scripture. We recite to you some of the story of Moses and Pharaoh in truth, for a people who have faith. Pharaoh exalted himself in the land and divided its people into groups, oppressing one group among them: slaying their sons and sparing their women. Truly, he was one of the tyrants. We desire to bless those who are oppressed in the land, to make them rulers and to make them the heirs, and to establish them in the land. We let Pharaoh, Haman and their hosts receive from them that of which they had feared. “ (28:1-6) Do not say, “Who am I compared to Pharaoh?” You have demanded of the Muslims what Pharaoh never demanded of Moses –peace be upon him- and the children of Israel: that they should not hate you in their hearts no matter what you do to them or how you oppress them, or else you will have revenge on them. This is an attribute exclusive to God, for God Almighty alone is the Able to wreak vengeance on all who do not love Him. We know of no dictatorial empire in ancient history which treated people according to what their hearts and consciences conceal, let alone a twenty-first century democracy. You may say, “We intend to remove anything that will incite hate from sermons, school curricula, newspaper articles and the media.” We reply that if that is your democracy, then there is try as you like, but you should be sure that you will not succeed. We learned to hate oppression and love the truth from our religion and our Qur’an, and it is stronger than all of your means, and firmer than your mountains. If you refuse everything but the arrogance of force and the insanity of greatness, then there are no means left for you except the extermination of all the Muslims with nuclear or biological weapons, or whatever you want from hellish arsenal contains. You may ask, “Why all of them when some of them love us?” Be sure, there is no Muslim on earth who loves you, even if they donate their blood to you, or set up intelligence gathering stations for you, or delegate to you setting the curriculum for the education of their people. Everyone on earth who claims to love you –and no Muslim is able to make that claim- they only love you like frightened prey loves a brutal predator. You may say, “We will restore the trust of the Islamic peoples by changing their government into tolerant and democratic systems.” But we say you need only cease your evil treatment of us. You destroyed the Iraqi people as well as others by this false promise, and we do not want any freedom or democracy that comes from you and we will not accept it. The enemy of freedom cannot grant freedom. Mr. President, I advise you and put the fear of God before you, to cease and desist from hostile action. Deal with the problem with fairness and patience, and you will find that we are with you reservation. Your hostility now, at the beginning of the way, is easier for you and better for the world. If not, easy beginnings are usually followed by extremely difficult ends. For that reason I ask you to think, Mr. President, if you destroy every country on your list of terrorists, will that be the end or only the beginning? Unless you want to be remembered by history for Armageddon, and in that case there will be no history anyway For this reason I repeat to you: Fear God and think hard. Peace upon him who follows God’s guidance, Safar ibn `Abd al-Rahman Al-Hawali
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

1 التعليقات:

  1. Making Your Own Personal Bar-b-que Marinade Recipe ingredients

    Here is my blog :: lawyer search engine optimization
    Also visit my weblog - leads for lawyers

    ردحذف

أضف تعليق