Facebook

الجدار الحديدي – اسرائيل والعالم العربي

كان وصول زعيم حركة ميريتس المدعو”يوسي ساريد” الى منصب وزير التعليم الاسرائيل مؤشراً الى تنامي اثر المؤرخين الاسرائيلين الجدد. ويتمثل هذا التنامي في دخول آراء هؤلاء المؤرخين الى برامج التعليم الاسرائيلية بالرغم من المعارضة العنيفة لهذا الدخول.
وكتاب “الجدار الحديدي ـ اسرائيل والعالم العربي” هو أحد الكتب المقررة للدراسة في الصف التاسع ابتداء من العام 2000. وهذا الكتاب اضافة الى كتب شبيهة اخرى مثل “ضحايا الحق ـ تاريخ الصراع الصهيوني ـ العربي /1881 ـ 1999 (بيني موريس) اثارت المتشددين والاصوليين في اسرائيل. اضافة الى ردود الفعل الدفاعية ـ الصهيوينهة والدفع الذي اعطاه تدريس هذه الكتب لحركة ما بعد الصهيونية.
والكتاب موضوع حديثنا صادر عن دار بنغوين في بريطانيا
تحت عنوان: “The Iron Wall Israel & The Arab World” لمؤلفه آفي شليم (Avi Shlim) استاذ العلاقات الدولية في جامعة اوكسفورد وأحد أشهر المؤرخين الاسرائيليين الجدد.
وقبل أن نأتي الى عرض المحاور الرئيسية للكتاب نود ان نستعرض عامل أثر الكتاب والضجة التي اثارها لدى صدوره. حيث نعتبر ان انقسام الآراء حوله (بين مؤيد متطرف ومعارض جارف) من شأنه ان يعطينا فكرة عامة عن التوجه الفكري العام للكتاب بما يشكل مدخلاً لقراءته عبر الاشكاليات التي يثيرها والتي جلبت له الآراء المؤيدة والمعارضة على حد سواء.

أ ـ المؤيدون لأفكار شليم

لقد أثار الكتاب سيلاً من ردود الفعل والكتابات بما لا يتسع المجال هنا لتفصيله. لذلك نعمد لاختيار مقتطفات من هذه الكتابات ونبدأ بـ:
1 ـ يشكل هذا الكتاب معلماً في دراسات الشرق الاوسط الحديثة وهو يمثل سجلاً تاريخياً خالياً من العاطفة ومن الاساطير المرتبطة بعلاقة اسرائيل الاستفزازية المتعمدة مع العرب... ولقد استند شليم الى بحث دقيق بحرص متناه وكتب كتابه هذا باتزان... كما يقول المفكر العربي ـ الاميركي ادوارد سعيد.
2 ـ “... ان كل من يريد ان يفهم الجدل الدائر داخل اسرائيل حول احتمال السلام عليه ان يقرأ كتاب الجدار الحديدي لآفي شليم... “ريتشارد مورفي المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى وشرق آسيا”.

ب ـ المعارضون للكتاب
من الطبيعي ان تطغى المعارضة على التعليقات الواردة في الصحافة الاسرائيلية حول هذا الكتاب.
فهذا الطغيان انما يعكس استمرارية السيطرة الصهيونية على الإعلام الاسرائيلي. وهذه السيطرة تكاد تشل حركة “المؤرخين الجدد”. ومن الآراء المعارضة نذكر:
1 ـ ان شليم لا يفكر في الواقع اطلاقاً في احتمال ان يكون جابوتنسكي على حق وان الجدار الحديدي هو الطريقة الوحيدة لضمان أمن اسرائيل...”.
(نيويورك تايمز)
2 ـ ان شليم يعتمد معايير مزدوجة بنظرته لزعماء اسرائيل على انهم اشرار في حين يكيل المديح لواقعية الزعماء العرب...”.
(بابليشر ويكلي)
3 ـ “... ان هذا الكتاب هو جزء من حملة تلغي المبادئ الاخلاقية الحركة الصهيونية وتدعو الى تجاوز هذه الحركة... والأخطر انها بدأت تغزو الصفوف المدرسية الاسرائيلية...”.
(جيروزاليم بوست)
ونكتفي بهذا القدر من عرض الآراء المنقسمة الصادرة حول هذا الكتاب كونها حزءاً من المواقف العامة من حركة “المؤرخين الجدد”. حيث تلقى هذه الحركة مؤيدين ومعارضين، شأنها في ذلك شأن اية حركة فكرية ـ سياسية. وان كان من اللافت ان هذه الحركة تلاقي قبولاً متزايداً في الأوساط العربية بالمقارنة مع الاسرائيلية.

ج ـ محتويات الكتاب

يأتي هذا الكتاب بعد كتابات سابقة للمؤلف منها:” تواطؤ عبر نهر الاردن (1988)”و”الحرب والسلام في الشرق الاوسط (1995)” وهما كتابان يعتبران توطئة لكتاب” الجدار الحديدي”. فالمؤلف يغطي في مواقفه النقدية كامل تاريخ اسرائيل الحديث منذ نشوئها العام(1948). وهو يعتمد في انتقاداته على مراجع موثوقة يستمدها من ارشيف الدولة الاسرائيلية ومن ارشيفات الغرب اضافة الى مصادر ووثائق عربية متنوعة ودفاتر يوميات (مذكرات) بن غوريون وموشيه شاريت وايضاً الى مقابلات مع 40 شخصية اسرائيلية من صناع القرار السياسي (اجرى شليم هذه المقابلات ما بين 1981 و1982 ولم ينشرها). كما يشير المؤلف الى مقابلته مع الملك حسين(1996) التي يعتبرها سبقاًصحفياً. حيث كانت المرة الاولى التي تحدث فيها الملك صراحة عن لقاءاته السرية مع القادة الاسرائيلين.
واللافت ان الكتاب صادر بطبعات مختلفة يراوح عدد صفحاتها ما بين الـ 440 صفحة والـ670 صفحة، مما يعكس تعدد مستويات المخاطبة بحيث تخصص طبعة خاصة لكل من هذه المستويات. وفي الطبعة المحتوية على 670 صفحة نجد المؤلف ممعناً في عرض الوثائق والتفصيلات المقابلات وسرد الحوادث بشكل يبدو معه وكأنه يحاول الاجابة مسبقاً عن اية محاولة للتشكيك في معلوماته او في سياق تحليله للأمور.
والكتاب منذ البداية يعارض الطرح التقليدي لتاريخ الدولة العبرية، الذي يصور الصهيونية على انها حركة نقية وطاهرة وقوامها جماعة من الاشتراكيين الشباب الهاربين من العنصرية ضد اليهود (العداء للسامية) في اوروبا خلال نهايات القرن التاسع عشر. هؤلاء الشباب هربوا من الاضطهاد الاوروبي الى ارض اجدادهم الاوائل في فلسطين. وكانت هذه الارض(بحسب الرواية الصهيونية) عاقراً ومهملة تقطنها اقلية يهودية واكثرية عربية غير ذات اهمية!
ومن هذه النقطة يبدأ شليم فيروي انه وفي العام 1897 سافر حاخامان الى فلسطين بأمر من تيودور هرتزل شخصياً. وهدفهما استطلاع امكانية اقامة وطن لليهود في فلسطين؟! وبعث الحاخامان الى هرتزل برقية هذا نصها:”العروس جميلة لكنها متزوجة رجلاً آخر”. والمقصود بالرجل الآخر الشعب الفلسطيني طبعاً. فهذا الشعب يملك تاريخاً متصلاً كرس انتماءه وهويته وملكيته للأرض على مر العصور. لكن زواج الجميلة برجل آخر لم يردع هرتزل عن مشروعه لخطف هذه الجميلة. لذلك تابع برنامجه في تهجير اليهود الى فلسطين متجاهلاً وجود شعب فلسطيني. وعبر هذه الفوضى الديموغرافية المصطنعة عبر طريقة غير اخلاقية أوجد هرتزل ما سمي بأزمة الشرق الاوسط او “القضية الفلسطينية” ولقد لجأت الحركة الصهيونية الى طرق مختلفة ومتدرجة للاستيلاء على الارض اذ مدت يد الصداقة والتعاون مع العرب في البداية، ممامكنها من شراء المساحات الاولى من الأراضي بأسعار زهيدة. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية استغل اليهود رغبة اوروبا في تلميع صورتها وادعائها التفهم لمأساة اليهود(على ايدي النازي)، فكانت النتيجة صدور قرار التقسيم عن الأمم المتحدة العام(1947) الذي يقسم فلسطين الى دولتين: عبريةوعربية. وهنا يستعرض شليم بموضوعية تاريخية اسباب غضب الدول العربية من صدور هذا القرار. ودوافع هذه الدول لاعلان الحرب على اسرائيل. وهنا بين شليم اقتدار اليهود ومحاربتهم للجيوش العربية مجتمعة. وهي قدرة تتعارض مع ادعاء الصهيونية بانعدام التكافؤ والايحاء بميتافيزيقية الانتصار اليهودي. التي حاول بن غوريون تكريسها عبر طرحه لمعادلة واحد مقبل كل اربعين عربي. حيث يهزأ شليم من هذا الايحاء حين يؤكد الاستعداد العسكري اليهودي المؤدي للتفوق على الجيوش العربية مجتمعة. الأمر الذي ادى الى نزوح مئات آلاف الفلسطينيين عن ديارهم. وبعد ذلك ادعت اسرائيل انها راغبة بالسلام مع جيرانها! لكن العرب رفضوا السلام!
وباستطلاعه ارشيفات وزارة الخارجية الاسرائيلية يؤكد شليم على وجود دلائل عديدة تؤكد استعداد العرب للسلام وللتفاوض ابتداء من ايلول/سبتمبر(1948). مما يعني ان اسرائيل هي التي رفضت السلام وليس العرب. وفي تأكيده على فلسفة الحرب الاسرائيلية يعرض شليم لمقالة بقلم مؤسس اليمين السياسي للحركة الصهيونية “زئيف جوبوتنسكي” العام (1922) وفيها يقول: ان العرب لن يقبلوا او يوافقوا على اقامة دولة عبرية ذات اكثرية يهودية في فلسطين... لذلك يجب اقامة ”جدار حديدي” لتحصين اسرائيل ضد اي هجوم عربي...” . ومع ان بن غوريون (الذي كان
في موقع رئيس الوزراء) لم يكن موافقاً على هذا التفكير إلا أنه خضع للقبول اللافت لهذا الطرح بين القادةالصهاينة. ويؤكد شليم بأن اعتماد هذا المبدأ “الجدار الحديدي المؤلف من قوة عسكرية متفوقة تجعل اختراق اسرائيل في غاية الصعوبة. بل الاستحالة بحسب جيبوتنسكي” جعل اسرائيل غير مستعجلة لعقد سلام مع جيرانها العرب. فادراك القادة الاسرائيليين لتفوق بلادهم عسكرياً ودبلوماسياً جعلهم يحاولون العمل على استغلال الوقت لخدمة اهداف بعيدة المدى. الأمر الذي جعلهم يستبعدون السلام ولا يحلونه ضمن اولوياتهم.
ويذكر المؤلف بأن اسرائيل تجاهلت محاولات السلام العربية ورفضتها. وهي قد تعمدت الخداع والمراوغة في موضوع السلام حتى فقدت ثقة القادة العرب. وهنا لا بد من التذكير بكتابات نعوم تشومسكي في هذا المجال. حيث لا تقتصر هذه الكتابات على ذكر فرص السلام بل تتعداها الى وصف السلوك العدواني الاسرائيلي امام اية فرصة سلام. ومنها قيام الطائرات الاسرائيلية بالتحليق فوق السعودية عندما طرح الملك فهد مشروعه للسلام في العام (1982). وكان هذا التحليق بمنزلة تحذير شديد اللهجة، يقارب التهديد، من الاستمرار في ذلك المشروع. اضف الى ذلك ان كتابات تشومسكي سبقت كتاب شليم بأكثر من عشر سنين. ويسجل شليم اول اختراقات الجدار الحديدي ويرده الى العام (1992) حين قام رئيس وزراء اسرائيل في حينه اسحق رابين عندما خطا خطوات فعلية باتجاه السلام (قتل نتيجة لها). وبأسلوب لا يخلو من الدعابة والسخرية ينتقد المؤلف نتنياهو. ومن نقده قوله بأن نتنياهو لم يكن سيئاً مثلما كان اثناء فترة ترشيحه بل هو اصبح اسوأ كثيراً من ذلك...
واذا كان المؤلف يعتبر باراك مشرقاً فإننا نفهم ذلك من خلال الدفع الذي اعطاه لحركة المؤرخين الجدد ولشليم نفسه. وايضاً بتعيينه يوسي ساريد المنفتح على هذه الحركة وزيراً للتعليم. لكننا لا نفهم هذا لااشراق من سلوك باراك التفاوضي الذي لا يخرج على مبدأ الحصول على تنازلات جديدة مقابل وعود بمفاوضات لاحقة!.
على اية حال فإننا ننهي عرضنا للجدار الحديدي بمقطع من تعليق إتان بروز المنشور في نيويورك تايمز، حول كتاب شليم إذ يقول: مما لا شك فيه ان هذا الكتاب يقدم دليلاً دامغاً على الثورة على “التاريخ الاسرائيلي التقليدي إذ تم تعلم الكثير على يد باحثين من أمثاله...”.
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق