Facebook

انهيار السينما المصرية

عندما قرر المخرج الراحل عاطف الطيب إخراج فيلم ناجى العلى عن قصة حياة رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي قتل غدرا في لندن، اعتبر العاملون في مجال السينما إنتاج هذا الفيلم مغامرة كبيرة، ليس على مستوى الإنتاج السينمائي وشروط السوق فحسب، ولكن على مستوى الخطاب السياسي الجرئ الذي يتناوله الفيلم. وبالفعل قام الفنان نور الشريف بإنتاج الفيلم لعدم إيجاد شركة إنتاج تتحمل هذه المغامرة السينمائية كما قام ببطولته ولعب دور ناجى العلى. وبمجرد عرض الفيلم في دور السينما، تحول فيلم ناجى العلى إلى أزمة سينمائية وسياسية كبرى. سارعت بعض الأقلام إلى التجريح في أبطال الفيلم للحد الذي جعل البعض يتهمهم بالخيانة لمجرد إن الفيلم ينتقد الدور العربي في الاجتياح الاسرائيلى للبنان، كما تظهر شخصية المصري الوحيد في الفيلم مخمورا طوال أحداث للدلالة على الدور المصري في القضايا العربية. حوصر الفيلم وتعرض الفنانون المشاركون فيه إلى ضغط كبير أدى إلى رفعه من دور السينما، وصدر بعد ذلك البيان الأسود الذي حذر المنتجين من التعامل مع المخرج عاطف الطيب وكذلك نور الشريف، وبعد ذلك دفع كلاهما ثمن خروج هذا الفيلم للنور. هذه هي مقدمتنا للحديث عن احد أسباب انهيار السينما المصرية. فما حدث في أزمة فيلم ناجى العلى تعكس أبعاد المعركة بين أصحاب السينما الجادة وبين طيور الظلام، فإنتاج سينما حقيقية يحتاج إلى أبطال حقيقيين ومعارك يدفع ثمنها مقدما، كما حدث مع الطيب ونور الشريف حين عوقبا بعدم العمل في السينما خلال عامان بعد إنتاج فيلم ناجى العلى، لكن ما يحدث ألان في مصر مهزلة بكل المقاييس. أفلام رخيصة، أبطال من ورق، معارك وهمية، والنتيجة الطبيعية لكل ذلك حصار السينما المصرية بين مجموعة من المدعين الذين يتغنون بتقديم سينما عن المهمشين والطبقات الفقيرة وهم ابعد الناس عن التعبير عنها، وبين مجموعة من التجار الذين يقدمون الأفلام السينمائية على اعتبار إنها مادة للترفيه مثل أكياس " الفيشار".

خروج الأربعة الكبار من صناعة السينما
ففي الوقت الذي حاول فيه جيل الثمانينيات الذي ضم محمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد خلق سينما جديدة في مصر ونجحوا بالفعل في سد الفجوة العميقة التي نتجت عن انتشار ما يسمى أفلام المقاولات التي تواكبت مع انتشار شرائط الفيديو، إلا أن هذا الجيل بات يصارع الأوضاع الحالية وفشل في اللحاق بركب سينما " المضحكاتيه "، ولم يعد قادرا على إنتاج أفلام جديدة، حيث توفى الطيب وعمل بشارة في مسلسلات التليفزيون لفترة ثم اختفى، وظل كلا من خان وعبدالسيد يصارعان أوضاع السينما وينتجا فيلما كل عدة سنوات. وأدى هذا الوضع إلى التعثر في إيجاد مخرجين جادين وبالتبعية صار هناك تعثر في إيجاد أفلام جادة أيضا، خاصة في ظل نشأة شركات إنتاج مثل السبكى وأمثاله الذين ادخلوا السينما المصرية إلى نفق مظلم، بعد إنتاج أفلام تعتمد على الافيه الساذج والحوار المبتذل.
ولكننا في هذا التحقيق نضع أيدينا على واحد من أهم أسباب انهيار السينما المصرية وتعثرها وهو " التضليل السينمائي ". ففي الأزمنة الماضية، كنا ندرك الفرق بين سينما صلاح ابوسيف وسينما المقاولات وشرائط الفيديو، وكان الجمهور بوعي فطرى مذهل، يستطيع التمييز بين الأفلام الجيدة والرديئة، ولم يكن المخرجون آنذاك يخرجون علينا بكلمات رنانة وجوفاء مثل " توعية الجمهور "و " تحطيم تابوهات المجتمع " ومع ذلك ذخرت السينما المصرية على طول عهدها المديد بكم هائل من الأعمال السينمائية الكبيرة التي كونت عقل وضمير امة، فلم يحتاج أفلام مثل "بداية ونهاية" و "شيء من الخوف" و "الحرام" و "الأرض " و"الكيت كات" إلى كلمات من مخرجيها حتى تدخل موسوعة أهم أفلام في تاريخ السينما المصرية، والأكثر أهمية من ذلك إن هذه الأعمال وغيرها، احتوت على قيم فنية وإنسانية كبيرة بالإضافة إلى قدرتها الشفافة على نقل صورة حقيقة للمجتمع المصري دون استعلاء أو تحقير. ولدينا في هذا الموضوع حالتين صارختين في المشهد السينمائي المصري يعبران عن حالة " التضليل السينمائي ".

عادل إمام .. بطل من ورق

يرى عادل إمام في نفسه انه زعيم السينما المصرية بلا منازع على مدار عقود طويلة، فلدى عادل إمام رغبة متناقضة، تجعله في النهاية يترنح بين رغبتين، الرغبة الأولى في إن يحتفظ بصورته أمام الجماهير العريضة باعتباره البطل الذي يستطيع إن مناطحة الحكومة والسخرية منها عن طريق الانتقاد الدائم لها من خلال المواقف الكوميدية أو الافيهات اللفظية، وبذلك يعبر البطل عن أحلام ملايين من الشعب الذي يتعرض للقهر يوميا ولا يستطيع مواجهة السلطة، فيرى كل فرد مقهور في هذا البطل نفسه التي يبحث عنها. وفى نفس الوقت الذي يصر فيه عادل إمام على لعب هذا الدور، يصر أيضا على لعب دور الصديق الوفي للسلطة في مصر، فبالإضافة إلى انه يحتفظ بصدقات قوية مع عدد كبير من رموز الدولة والحكم في مصر،نجده على علاقة عمل مباشرة بالأجهزة الأمنية في مصر التي يمرر من خلالها سيناريوهات أفلامه المختلفة. فمن المعلوم لدى الوسط السينمائي إن عدد كبير من أفلام عادل إمام المعروفة بأنها تنتقد السلطة في مصر وبالتحديد أعماله مع السيناريست وحيد حامد مثل أفلام "طيور الظلام" و"المنسي"
و"الإرهاب والكباب " و"الارهابى"، وغيرها من الأفلام الحديثة التي كتبها يوسف معاطى مثل "السفارة في العمارة "و"مرجان احمد مرجان" و"حسن مرقص". فكل هذه الأفلام تم عرضها على الأجهزة الأمنية في مصر حتى تحصل على الموافقات المطلوبة،اى إن هناك اتفاقات بين صناع هذه الأفلام والأجهزة الأمنية من اجل تقديم الطريقة المناسبة لانتقاد الحكومة وكذلك الشكل النهائي للسيناريو،وإذا أردنا التأكد من صحة هذه المعلومات فلدينا طريقتين، الأولى رصد تصريحات عادل إمام أثناء التحضير لأحد الأفلام الحديثة،وسنكتشف انه يتحدث عن الموافقات الأمنية باعتبارها إجراء طبيعي يقوم به عند التحضير لأي فيلم، أما الطريقة الثانية فهي القراءة التحليلية لمضمون أفلام عادل إمام، فإذا أزاحنا عنها الانتقاد السطحي للممارسات الحكومة سنكتشف التالي:
أولا: تظهر شخصية الضباط أو القيادي الامنى في أفلامه كلها بمظهر الشخص الودود الطيب والذي تتحدد مهمته في الحفاظ على امن البلد من الأعداء، سواء أعداء خارجين أو أعداء من الداخل، ويكفينا إن نتذكر دور الضابط في فيلم الارهابى فكان نموذج للتفاني وحب الوطن،ودور القيادة الأمنية الكبيرة في فيلم الإرهاب والكباب فكان مثال حي على تفهم القيادات الأمنية للأزمات الكبرى بل أن شخصية القيادة الأمنية في هذا الفيلم بالتحديد والتي قام بها الممثل كمال الشناوي ، كانت تتميز بخفة دم وروح دعابة، جعلتنا نتعاطف معه. أما في فيلم النوم في العسل فقام عادل إمام شخصيا بدور رئيس مباحث العاصمة الذي اكتشف مرضا خفيا يعانى منه غالبية المصريين وأصر على كشفه رغم التعتيم الحكومي على المرض، وقاد رئيس المباحث هتاف الجماهير الموجوعة أمام مجلس الشعب. أما في فيلم السفارة في العمارة فظهرت شخصية الضباط الشاب الذي يحمى مقر السفارة الإسرائيلية كأي شاب مصري خفيف الظل يعانى من مشكلات جنسية واجتماعية، وفى النهاية يصدر هذا الضابط الشاب قرارا لقوات الأمن المركزي بالتوقف عن ضرب المتظاهرين المتضامنين مع الانتفاضة الفلسطينية. كما تبدو القيادة الأمنية في هذا الفيلم شديدة الحكمة والحرص على مصلحة المواطنين.وخلاصة القول إن الأفلام التي يسوقها عادل إمام باعتبارها أفلام معارضة للنظام السياسي والحكومة ما هي إلا حملة دعاية منظمة لغسل وجه القيادات الأمنية بوزارة الداخلية.
ثانيا:بقراءة سريعة أيضا لشخصيات المثقفين أو المعارضة في أفلام عادل إمام سنلاحظ إن جميع الشخصيات تتعرض للانتقاد الذي يصل إلى حد التجريح والتشويه، ويكفى إن ننظر إلى شخصية المثقف المحترم في فيلم طيور الظلام والتي قدمت بأنها شخصية سلبية ترفض الاعتراف بالواقع، واكبر فعل يقوم به هذا الشخص هو الجلوس على المقهى لشرب الشيشة. أما فيلم السفارة في العمارة فحظي بنصيب الأسد في تشويه المعارضة المصرية الرافضة للتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلى، فظهرت كل شخصيات المعارضة في الفيلم بأداء كرتوني أميل إلى المسوخ، لحد استخدام صور لرموز اليسار في العالم مثل تشي جيفارا وتقديمها في قالب مبتذل وعديم القديمة، حتى الأعمال الأدبية الكبرى لماركيز مثل " الحب في زمن الكوليرا" فتم السخرية منها وتقديمها على طريقة الافيه الذي تبادله جمهور الفيلم بعد ذلك. وما حدث في فيلم السفارة في العمارة حدث في فيلم مرجان عندما قدم الشعراء والمثقفين على أنهم مادة قابلة للبيع والشراء ويرددون كلمات لا يعرفون معناها. فهذه هي المعارضة وهذه هي النخبة المثقفة في أفلام عادل إمام.

ثالثا: بعيدا عن الأعمال السينمائية
التي قدمها عادل إمام وما احتوته من مواقف سياسية سبق شرحها، سننقل بعض تصريحاته السياسية فيما يخص الشأن العام في مصر والقضايا العربية والتي كشفت من وجهه مساحة كبيرة حاول كثيرا إخفائها في الافيهات السياسية السطحية في أفلامه. وإذا بدأنا بنقل أخر تصريحاته الصادمة عن الحرب على غزة حين حمل حركة حماس مسئولية ما يحدث في غزة دون كلمة إدانة واحدة لإسرائيل حيث قال " حذرت مصر القيادات الفلسطينية من الهجمات الإسرائيلية، لكنها لم تنتبه لذلك وخاضت حربا غير متكافئة، والأفضل أن تتوقف حماس عما تقوم به لأن إسرائيل لن تقابل ما تفعله بالورود". وامتنع عادل إمام عن المشاركة في المؤتمر الذي عقدته نقابة الممثلين للتضامن مع شعب غزة وخرج عن صف الفنانين المصريين في هذه القضية أيضا. وفى تصريحات سابقة اعتبرها سياسيون معارضون إنها مجاملة رخيصة لمباركة عملية التوريث السياسي في مصر حين قال "ليس هناك ما يمنع من ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية.. للمرة الأولى أرى شخصا يعد نفسه بشكل جيد لتولي مثل هذا المنصب، مقارنة بالمرشحين من الأحزاب أو الشخصيات الأخرى، فهو شاب مثقف ومهموم بالوطن.. ليت جمال يرشح نفسه لرئاسة مصر".
ولا يفوت عادل إمام انتقاد موقف المعارضة المصرية حين امتنعت عن المشاركة في الاستفتاء على المادة 76 من الدستور المصري لأنها مقيدة للحريات السياسية حيث قال"إنها فرصة لدفع العملية السياسية" نحو تداول السلطة، لكنه اعتبر أن المشكلة في أن "أحزاب المعارضة لدينا ضعيفة" و"تشوش على إنجازات الحكومة".

خالد يوسف .. التلميذ الذي اسقط الأستاذ واسقط السينما المصرية
يعد نموذج المخرج خالد يوسف من اكبر النماذج التي تعبر عن مدرسة " التضليل السينمائي " في السينما المصرية، سواء على مستوى الخطاب المباشر في أفلامه أو الأفكار التي تطرح من خلال هذه الأفلام، أو على مستوى الخطاب الخفي في هذه الأفلام. فخالد يوسف حريص إن يقدم نفسه باعتباره المخرج الثوري، الذي يستطيع انتقاد النظام السياسي على الملأ منذ إن كان طالبا في الجامعة وخرج في مظاهرات إبان حرب الخليج الثانية كما يحب إن يؤكد في جميع تصريحاته الصحفية، بل انه يعين نفسه في كثير من الأحيان المسئول الأول عن توعية جمهور السينما في مصر. ولا أدارى كيف تتسق هذه الدعاوى مع الأفكار الرجعية التي يطرحها خالد يوسف في أفلامه؟ بل على العكس فالدلالات المباشرة وغير المباشرة في هذه الأفلام تضاعف من حالة التخبط والانهزامية التي يعيشها المجتمع المصري.لذا علينا إن نعيد قراءة أفلام خالد يوسف بداية من فيلم العاصفة وحتى فيلم الريس عمر حرب. وبعدها سنتحدث عن تفاصيل أكثر خطورة من مضمون أفلامه وهى التفاصيل المتعلقة بإنتاج هذه النوعية من الأفلام. ولا يفوتنا إن نتحدث عن بعض الأفلام التي ساعد في كتابتها وإخراجها مع أستاذه يوسف شاهين.
يربط صناع السينما بين هبوط المنحنى الفكري والفني في أفلام يوسف شاهين وبين ظهور خالد يوسف في سينما شاهين، ففي فيلم الآخر على سبيل المثال، لم يغفر النقاد ومحبيه سينما شاهين السطحية التي قدمت بها شخصيات الأصوليين الإسلاميين، حيث تم تقديمهم بصورة كرتونية لا تتناسب مع حجم سينما شاهين التي اتسمت بالعمق الفكري على مدار عقود طويلة، بالإضافة إلى ضعف السيناريو والحوار. وفى فيلم سكوت هنصور، ظهرت حجم المأساة التي تمر بها سينما شاهين،نظرا لحالة الضعف الفني العام الذي ظهر بها الفيلم سواء على المستوى الكتابة السينمائية أو على مستوى الإخراج، أما فيلم إسكندرية نيويورك فكان محاولة يائسة لاستحضار جماليات سينما شاهين في السبعينات والثمانينيات، ويبقى الفيلم الأخير هي فوضى الذي عكس مدى سيطرة خالد يوسف على كل ما تبقى من إنجازات يوسف شاهين السينمائية، فللمرة الأولى يذهب فيلم من إخراج شاهين إلى عدد كبير من المهرجانات الدولية ويعود دون شهادة تقدير على الأقل، نظرا لتدنى المستوى الفني للفيلم بصورة غير مسبوقة في تاريخ سينما شاهين.
ولكن ماذا قدم المخرج الثوري في أفلامه التي حملت اسمه وحده؟ في فيلمه الأول " العاصفة " و الذي كتبه أيضا، كان محوره الرئيسي يدور حول حرب الخليج الثانية والغزو العراقي للكويت، فلم يتطرق إلى ابعد من وجهة نظره عن الحرب دون تحليل أو اجتهاد، فظهرت الأحداث وكأنها قراءة لنشرة أخبار التاسعة ليلا، لكن خالد في هذه الفترة كان لا يزال متشبعا ببعض من التأثير" الشاهينى " عليه. وتوقع كثيرون إن تنضج أعمال خالد يوسف بعد ذلك بحكم الخبرة، لكن ما حدث هو العكس، لأنه لم يستكمل ما بدأه في فيلم العاصفة، فاختار لنفسه اتجاها مغايرا تماما هو اتجاه السوق. فقدم بعد ذلك فيلم كوميدي هو " جواز بقرار جمهوري" الذي قدم من خلاله منطقة قلعة الكبش الشعبية في صورة سينمائية بالية تفتقر إلى الفن كما تفتقر إلى الواقع، فلم يكن هذا الفيلم إلا محاولة لتجميل صورة النظام السياسي وتجميل مبالغ فيه لصورة الرئيس الذي قرر المشاركة في الاحتفال بعروسين في منطقة شعبية. بعد ذلك قدم خالد فيلما ينتمي إلى الميلودراما الفاقعة هو "أنت عمري" الذي لم يكن إلا مباراة في البكاء الحارق على أطلال المرض، لأن الفيلم كان يناقش أزمة رجل وامرأة مصابين بمرض السرطان ويقررا العلاج سويا بالحب.إلى هنا لم نرى اى ملامح سينمائية ثورية سواء على المستوى الفني اى على مستوى الحرفة والتكنيك أو على مستوى الأفكار. بعد ذلك بدأ خالد يوسف في دخول مرحلة أخرى وهى المرحلة التي قدم فيها " طبخته " الجديدة التي اعتمدت على " الجنس والعنف وقليل من السياسة " فقدم فيلم " ويجا " الذي ناقش مجموعة من العلاقات الإنسانية المشوهة بالإضافة إلى جرعة معقولة من المشاهد الجنسية ،وبجانب كل ذلك سمعنا صوت شخص يهتف في مظاهرة في الجامعة ولا نعرف لماذا تم إقحام هذا المشهد في الفيلم من الأساس؟ ويعلق خالد يوسف على فليمه ويقول انه يحلل النفس البشرية! يقدم بعد ذلك فيلما جديدا هو "خيانة مشروعة " تزداد جرعة الجنس كثيرا وتزداد جرعة السياسة قليلا بإقناعه إبراهيم عيسى الصحفي المعارض المعروف بالتمثيل معه في الفيلم كرئيس تحرير أيضا يقول كلمتين في مشهد عابر ويقنع كمال ابوعيطة وهو من المناضلين المعروفين واحد المعارضين المعروفين في مصر ليقدم مشهد ساذج في نفس الفيلم، وإذا بحثنا عن الأفكار التي يطرحها هذا الفيلم ستكون المحصلة " صفر "، كل ما هناك انه أقحم بعض وجوه المعارضة المصرية في أفلامه كديكور لضرب عصفورين بحجر واحد، اى يحصل على رضا المنتجون بزيادة حصيلة شباك التذاكر ويحصل على رضا المعارضة.أما المرحلة الأخيرة وهى الأخطر في مسيرة المخرج الثوري، هي المرحلة التي قدم فيها أفلام( حين ميسرة- هي فوضى- الريس عمر حرب) لأنه في هذه المرحلة قرر اقتحام ملفات أكثر سخونة بمضاعفة المشاهد الجنسية من ناحية ومضاعفة الأفكار السياسية من الناحية الأخرى. ففي فيلم " هي فوضى" والذي تم تقديمه على انه من أجرأ الأفلام في تاريخ السينما المصرية لمجرد انه يتعرض لانتقاد " أمين شرطة "ولا يتعرض لانتقاد المؤسسة التي تنتهج هذه الأساليب كما قدم عاطف الطيب في أفلامه الأكثر صدقا ومهارة مثل فيلم " البرئ "أو فيلم " ليلة ساخنة "، وطوال أحداث هذا الفيلم يظل أمين الشرطة كشرير الأفلام القديمة يوزع الأذى على كل الناس دون اى سبب درامي، بل ويتحكم أمين الشرطة في ضباط القسم الذي يعمل فيه ويتحكم في المنطقة التي يعيش فيها وكأنه سوبر مان يعمل في قطاع شيطاني من هذه الدولة، لا جذور له ولا مؤسسة يتبعها. أما الفيلم الثاني فهو "حين ميسرة " الذي قال عنه خالد يوسف انه من أهم أفلام السينما المصرية أيضا! ولا أدارى كيف استطاع خالد يوسف إن يقول انه الفيلم الوحيد الذي فتح ملف المناطق العشوائية وتناسى ما قدمه داود عبدالسيد في " الكيت كات " أو في فيلم " مواطن ومخبر وحرامي " ، ولكن الأهم من ذلك كيف قدم خالد يوسف هموم الفقراء في المناطق العشوائية؟ شعر كثيرون أثناء رؤيتهم لهذا الفيلم أنهم أمام رؤية متعالية لأحلام الناس، فأبطال الفيلم انتهازيون ولصوص ومرتزقة، بالإضافة إلى إن الخطاب الاساسى للفيلم يدعونا جميعا إلى الكفر بكل شيء، فلا قيمة إنسانية ولا هدف، ولا أحلام مشتركة تجمع الناس سوى النصب والسرقة "وقعدة" الحشيش. لم نطلب من خالد يوسف إن يقدم لنا مجتمع مثاليا في حي عشوائي ولكننا كنا في حاجة إلى التعاطف مع مشكلات الناس بدلا من تفجير الحي في نهاية الفيلم.
أما فيلم الريس عمر حرب، فكان مصيبة المصائب، حيث زادت جرعة الجنس بصورة غير مبررة دراميا في الفيلم للحد الذي جعل المخرج يقول في تصريحات صحفية إن مشاهد الاغتصاب تدل على عملية اغتصاب بغداد! وبعيدا عن الهدف التسويقي للفيلم فأنه يطرح إشكالية علاقة الإنسان بالشيطان كما يفسرها خالد يوسف وحده، فهو يرى الكون صالة كبيرة للقمار، الفقراء يخدمون الأغنياء، اروحاهم مستباحة وأجسادهم مطروحة للبيع العلني، الكل يدخل إلى صالة القمار ويعود مهزوما، الحياة كلها عبارة عن مباراة روليت وكأس من النبيذ وجسد امرأة.
المفاجأة التي نفجرها أخيرا في هذا الموضوع هو إن ما قدمه المخرج الثوري من خلال الثلاثة أفلام الأخيرة لم يكن منشورا سياسيا كما ادعى علينا، ويكفينا إن نعلم إن الأجهزة الأمنية شاركت في تعديل فيلمي " حين ميسرة " و "هي فوضى " ويسأل في ذلك على ابوشادى رئيس الرقابة على المصنفات الفنية الذي أكد إن الرقابة لم تتدخل في حذف اى مشهد من فيلم هي فوضى وان السيناريو الذي ادخله شاهين بنفسه إلى الرقابة، أخذه خالد يوسف من الرقابة، وادخله مرة ثانية بعد قيامه بإجراء التعديلات اللازمة والتي أقرتها الأجهزة الأمنية لعرض الفيلم في دور السينما، فمن المفترض إن نهاية الفيلم كما اقره شاهين هي إن يخرج أهل الحي للثأر من أمين الشرطة بحيث يموت بأيدي الناس، لكن المخرج الثوري قام بتغيير النهاية وفقا للتعليمات الأمنية وجعل النهاية في إن ينتحر أمين الشرطة بنفسه! وبالطبع هناك فارق كبير بين النهايتين. والأكثر صدمة من ذلك إن المخرج الثوري ينظم حفلات خاصة قبل العرض الجماهيري لأفلامه يحضر فيها شخصيات رفيعة المستوى في الدولة المصرية.
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment