عاقبته إسرائيل بالسجن 18 عاما بعدما كشف امتلاكها لأسلحة تكفي لتدمير الشرق الأوسط بكامله .
أكد بالصور إسرائيل تستعد لإنتاج القنبلة الهيدروجينية، وقال إنه يرى مؤامرة صهيونية في كل مكان ، دعا البرادعي لتفتيش منشآت إسرائيل النووية .
طلب العودة للمغرب وأصرت إسرائيل على احتجازه.
في حبس انفرادي داخل زنزانة مساحتها 9 أقدام طولا وست أقدام عرضا عاش الرجل وحيد يصحو وحده ويأكل وحده وينام لقد ظل وحيدا تلك الزنزانة لمدة تزيد على 18 عاما ممنوعا من الاختلاط بنزلاء السجن الآخرين ولا تتوافر له فرصة رؤية وجوه مختلفة عن تلك الخاصة بسجانيه إلا عندما يرى شقيقة مرة كل 14 يوما حيث تتلامس أصابعهما عبر القضبان الحديدية هذا هو كل ما ناله هذا الشخص من العلاقات الإنسانية ليس هذا الشخص سوى موردخاي فانونوا أحد أهم الفنيين الذين عملوا سابقا في المشاريع النووية الإسرائيلية والذي قدم بالدليل الدامغ للعالم عام 1986 ما يثبت امتلاك بلده إسرائيل ل 200 رأس نووي فضلا عن أسلحة كيماوية وبيولوجية . ولكن الموساد تحرك على الفور ولقن فانونو درسا قاسيا فوق أرض الكيان الصهيوني بعد أن نجح في خطفه ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمية وإلقائه في غياهب السجن ولكن بعد أن كشف للعالم كل أسرار ترسانة أسلحة التدمير الشامل الإسرائيلية.
موردخاي فانونو اسم قد لا يعرفه الكثيرون، وربما حتى لا يتذكره الذين يعرفون قصته إلا بصعوبة بالغة فقد تبخر اسمه من ذاكرتهم وطواه النسيان رغم أنه مسئول عن تفجير واحد من أخطر أسرار القرن العشرين عندما قدم للعالم الدليل الدامغ على امتلاك إسرائيل القنابل النووية، ومات أن غادر سجنه الطويل حتى دعا محمد البرادعي رئيس الهيئة الدولية للطاقة الذرية لإرسال بعثة تفتيش على مفاعل ديمونة وأعلن أنه يريد العودة لوطنه الأصلي المغرب فيما أصرت السلطات الإسرائيلية على منع سفره وحظر لقاءه بالأجانب.
البداية كانت في عام 1954 في مراكش بالتحديد في الجيتو اليهودي الضيق بالعاصمة المغربية الرباط، حيث أنجبت زوجة الحاخام فانون طفلا ذكرا أطلقت عليه اسم موردخاي بعد سنوات ألحق أسرة الحاخام فتانونو طفلها موردخاي بمدرسة عادية خارج الجيتو اليهودي هي مردسة الإيناس حيث أختلط ببقية التلاميذ المسلمين والمسيحيين المغاربة وهو يردد وسطهم كل صباح النشيد الوطني المغربي تعلم موردخاي العربية والفرنسية في المدرسة وفي المنزل كان والده الحاخام المتطرف يعلمه العبرية ويزرع بداخله أنه مختلف عن بقية التلاميذ المسيحيين والمسلمين في المدرسة لأنه يهودي .
وكان الطفل الصغير يعجز عن فهم ما يؤكده والده من أن وطنه هو إسرائيل، وليس المغرب وهو ما جعل موردخاي يشعر بالتمزق بين شعوره بالانتماء إلى وطنه ياول أن يزرعها بداخله وكلها كانت ذات طبيعة عنصرية سواء من حيث الزعم بأن اليهود هم شعب الله المختار أو من حيث اعتبار إسرائيل الوطن القومي لكل يهود العالم.
وفي عام 1963 فوجئ الطفل موردخاي فانونو بأسرته. الأب والأم و 11 من الأبناء والبنات يحزمون أمتعتهم استعداد للرحيل وعندما سأل والده الحاخام قال له: إننا ذاهبون إلى أرض الميعاد إلى إسرائيل وطننا الحقيقي وتساءل الطفل الذي كان قد بلغ التاسعة من عمره ومدرستي وزملائي وأصدقائي هنا ورد الأب بشراسة ليس لنا أصدقاء هنا إنهم أعداء كلهم أعداء وسافرت أسرة الحاخام فانونو إلى إسرائيل حيث استقرت في منطقة بير سبع بصحراء النقب وهناك ألحقه والده بمدرسة بيت يعقوب التابعة لحزب أجورات إسرائيل وهو أحد الأحزاب الدينية الصهيونية المتطرفة وكانت صدمة فانونو هائلة جينما شعر بالفارق الهائل بين مدرسة الإيناس المغربية ومدرسة بيت يعقوب اليهودية الإسرائيلية في الأولى كان التلاميذ مختلف الديانات أصدقاء يتعلمون المواد الدراسية وسط مناخ من الحب والتفاهم، أما في المدرسة الدينية اليهودية لقد كان جميع التلاميذ من اليهود، والمدرسون من الحاخامات والمتطرفين اليهود الذي يعلمونهم أنهم أفضل من بقية البشر،وأن العرب والمسلمين أعداء وحيوانات يجب تدميرهم والقضاء عليهم مرت السنوات وتخرج موردخاي فانون في المدرسة الثانوية والتحق بخدمة الجيش الإسرائيلي حيث اكتشف بشاعة ملامح العنصرية الصهيونية وأدرك موردخاي أن التطرف الديني اليهودي والجشع السياسي الصهيوني وراء كل الحروب والصراعات بين العرب واليهود، وبعد انتهاء خدمته في الجيش التحق بالجامعة وأنهى دراسته بها.
بعدها حصل على وظيفة فني في مفاعل ديمونا الشهير والمخصص للأبحاث النووية السرية في إسرائيل الذي وصفه هو فيما بعد بأنه معبد الشيطان، وكان الفضل في حصوله علت هذه الوظيفة يرجع إلى نفوذ والده الحاخام فانونو الذي عرفه الصهاينة كرمز لتطرف اليهودي وأيضا للأطماع الصهيونية في الأراضي العربية، كان دخول موردخاي فانونو إلى مفاعل ديمونة الذي يعمل به الآلاف من الإسرائيليين بعدما قسموا اليمين على التزام السرية ضربة قاضية دمرت كل أمل لديه في أن تتخلى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية سياستها العدوانية ومخططاتها التآمرية ضد العرب بل والعالم أجمع حيث اكتشف موردخاي أن المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة ليس مجرد مفاعل صغير يهدف إلى استخدام الطاقة الذرية في الإغراض السليمة كما كانت تروج له إسرائيل حيث شاهد بنفسه داخل ديمونة مفاعل فصل البلوتونيوم ومعدات إنتاج مادة الترتيتيوم وهي مواد لا علاقة لها بالمفاعلات السليمة بل إنها تستخدم فقط في صناعة القنابل النووية.
ولاحظ موردخاي فانونو أن الدور الخامس في المفاعل يحظى بإجراءات أمنية خاصة وأن الدخول إليه مقصور على عدد محدود للغاية من المسؤولين والعلماء وقد أطلقوا على هذا الدور اسم جولدا مائير رئيس ةوزراء إسرائيل السابقة وكانت الشفرة الخاصة بالدخول إليه والتي عرفها موردخاي هي الحرفان أم إم وهما أول حرفين من اسم جولدامائير وبعد أن تمكن موردخاي فانونو من الدخول إلى هذا المكان استطاع أن يعرف كل أسرار البرنامج النووي الإسرائيلي وتأكد من أن هذا المفاعل ليس مخصصا للاستخدام السلمي للطاقة الذرية، والأخطر من ذلك هو الحقيقة التي توصل إليها وهي أن إسرائيل لا تسعى كما يقول البعض لامتلاك أربع أو خمس قنابل ذرية لردع العرب ومنعهم من شن أي هجوم ضدها. بل إن إسرائيل لديه بالفعل 200 رأس نووية أو قنبلة ذرية وهو عدد هائل لا يمكن أن يكون الهدف منه هو مجرد الرجع وظهرت الحقيقة جلية واضحة أمام موردخاي الذي تأكد أن كل هذه الرؤوس النووية هي جزء من خطة صهيونية تستهدف السيطرة على الشرق الأوسط وربما العالم، أجمع واقتنع موردخا فانون بأن العالم كل يجب أن يعرف كل هذه التفاصيل المروعة للبرامج النووي الصهيوني وبأن العالم كله يجب أن يتأكد من الطبيعة العدوانية المدمرة لمفاعل ديمونة وأسلحة إسرائيل الذرية وفي إطار هذه القناعة تمكن موردخاي فانونوا من الدخول إلى المصنع الذي كانت تتم فيه علميات إعادة معالجة البلوتونيوم التي تساعد على صناعة أسلحة نووية ، وتمكن من التقاط صور للماكينة والآلات المخصصة لذلك وكانت تلك الصور هي الوحيدة التي التقطت عما يدور داخل مصنع القنابل النووية في إسرائيل كما تمكن من الحصول على وثائق ومستندات حول كم المواد المعالجة وبذلك أصبح في يديه الدليل الفعلي على أن إسرائيل تمتلك برنامجا متقدما للغاية في هذا المجال، بعدها غادر إسرائيل خفية حاملا معه المستندات والصور حيث ذهب إلى لندن وهناك سلم مع معه إلى صحيفة صنداي تايمز البريطانية.
وفوجئ العالم بالصحيفة البريطانية تنشر قصة طويلة ومؤكدة ومفصلة تؤكد أن كل ما كان موضع شك من قبل عن البرنامج السري الإسرائيلي للتسليح النووي ومن خلال الصور وملاحظات فانونو استطاع الخبراء الاستنتاج أن إسرائيل تمتلك سادس أكبر مخزوم من الأسلحة النووية في العالم وبينما كان فانونوا في انتظار استقصاء الصحيفة صدق معلوماته.
انتابه شعور شديد بالوحدة وازداد قلقه، وكان الموساد مستعدا للاستفادة من هذه اللحظة فتم دفع طالبة من أصل أميركي تدعى سيندي لمصادقته وأقنعته سيندي بالسفر معها إلى روما حيث حددت له فندقا ليقيما فيه.
وهو الفندق الذي اتفقت مع الموساد على التوجه إليه لتسهيل اختطاف موردخاي فانونو وبالفعل تمكن الموساد من اختطافه بعد أن تمكن من تخديره ونقله إلى إسرائيل حيث قدم لمحاكمة .
العمالة والمتعاونون الفلسطينيون ودورهم في إغتيال الرنتيسي
لولا العملاء لفشلت كثيرا من نشاطات أجهزة الاستخبارات المكلفة بالقضاء على المقاومة حيث أن تنفيذ عملية اغتيال تحتاج لقدر كبير من المعلومات لا يستطيع جمعها سوى عنصر بشري. / لليودي جدعون عيزار نائب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي
لعب العملاء دورا كبيرا في اغتيال الرنتيسي ومن قبله عشرات قادة المقاومة إذ قامت مجموعة عملاء برصد تحركات حارسه الخاص أكرم نصار أثناء خروجه من بيته وذهابه إلى مكان تواجد الدكتور الرنتيس حتى يأخذ ورديته للحراسة وبمجرد وصول أكرم نصار إلى الدكتور عبد العزيز شرعت شبكة عملاء تراقبه عن كثيب بإبلاغ أسيادهم من ضباط التشغيل في جهاز الشاباك.
وفي هذه اللحظة استقل الرنتيسي سيارة مع مرافقيه أكرم نصار وأحمد الغرة، وبعد مسافة قصيرة تم استبدال السيارة بسيارة أخرى من نوع سوباو كانت تنتظر في شارع الجلاء وسط غزة، وطوال هذا الوقت كان الرنتيس متخفيا ويضع الكوفية والعقال على رأسه ويرتدي عباءة على جسده وكأنه رجل طاعن في السن.
وهكذا نجح العملاء في مراقبة كل حركة رنتيسي ومرافقيه وبعد سير السيارة السوبارو بخطوات في شارع الجلاء تم قصفها من قبل طائرة حربية بصاروخ أدى إلى استشهاده ومرافقيه . وشهدت العملية الأخيرة تطورا نوعيا في أداء المتعاونين فعندما يأست الاستخبارات الإسرائيلية من رصد تحركات قادة حماس بسبب حرصهم الشديد على ألا يمنحوا للإسرائيليين مكاسب مجانية، عمدت لتطوير أداء العملاء باتجاه مراقبة الحرس الخاص لقادة المقاومة، هذا التطور النوعي يحتم على الفلسطينيين أن يفتحوا ملف العملاء بإجماع وطني فالعملاء أو الطابور الخامس هم العين التي يبصر بها العدو ما يدور داخل الصف الفلسطيني وذراعه الخلفية التي يبطش بها ضد المقاومين. وبسبب هذا الدور الخطير الذي يقوم به العملاء لكن السؤال كيف يقع الشباب في مصيدة الشابك، ويتحول إلى عميل مع الأجهزة الإسرائيلية يرى بعض المحللين الفلسطينيين أن إسرائيل في الغالب تستغل الفقير الشديد الذي يمر به الفلسطينيون أبشع استغلال فما من حاجز تضعه قوات الاحتلال إلا به نقطة استخبارات يرأسها ضابط شاباك يجيد العربية بلهجتها ويسمى نفسه باسما عربيا غالبا ما يكون أبو موسى أو أبو داود، ويبدأ في رصد الحركة قرب المعبر، حتى تقع عينيه المدربتين على الفريسة التي يريدها والأمر ليس سرا، فأخطر نقاط التجنيد توجد عند معبر أيرز، حيث يستغل الشاباك حاجة العمال للقمة الخبز.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك قصة العميل محمد هلال 24 عاما الذي تحول من عضوا بكتائب شهداء الأقصى إلى متعاون وبدأت قصة سقوطه عندما ذهب لاستخراج تصريح سفر لوالدته وعندما رفضوا طلبه، وجادلهم فاصطحبوه لغرفة مغلقة حيث التقى بإسرائيلية بزي عسكري سألته عن رأيه في الانتفاضة فأجابها بأن لا شأن له بها. ثم وضعت إحدي يديها على كتفه والأخرى فوق ساقه وبدأت بتدليك جسده حتى أغوته ودفعته لممارسة الجنس معها وما أن أفاق من ورطته حتى التف حوله ضباط الشاباك يساومونه بشريط جنسي وخيروه بين العمل لحساب الإسرائيليين وبين نشر الصور في طولكرم فاستجاب هلال لمطالبهم وحصل منهم على قرابة 70 دولارا إضافة إلى عدد من أرقام الهواتف ومصباح سالم أب فلسطيني لطفلين تعرض لأقصى الضغوط ولم يرضخ لضباط الشاباك مصباح يبلغ من العمر 28 عاما كان أحد العمال الذين ذهبوا لاستخراج التصريح الممغنط وتركه يحكي قصته كما رواها في أكثر من صحيفة فلسطينية كنت أعمل قبل اندلاع الانتفاضة المباركة في غزة في إحدى ورش الحدادة وفي الأشهر الأولى في الانتفاضة شعرت كباقي الشباب وأصحاب الورش والمصانع بأن شيئا ما سيحدث فتضاءل العمل وأصبحنا نعمل في الشهر بضعة أيام إلى أن أوقف صاحب الورشة عمله نهئيا فانقطع مصدر رزقي أنا وأكثر من 20 عاملا بحثت عن عمل بدليل فلم أجد فمعظم الورش والمصانع دمرت والتي لم تدمر أغلقت أبوابها للظروف التي نعرفها جميعا فجاءني صديق يعمل في المنطق الصناعية إيرز وطلب مني الأوراق ليساعدني في الحصول على تصريح عمل ومنذ ذلك اليوم بدأت مشاورا جديدا مليئا بالأشواك والمصاعب حيث صراع الودود وإثبات الذات فذهبت إلى معبر إيرز للحصول على الممغنط وبعد ساعات طوال من الذل من قبل الجيش نودي أسمي ضمن المرفوضين وأعطوني ورقة تأجيل لأسبوعين لماذا فأنا بأمس الحاجة إلى يوم عمل فعدت أدراجي وعلى نار أشد من الجمر مضت الفترة وفي اليوم المحدد ذهبت ومرة أخرى من الإذلال، ولكن هذه المرة طلب مني مقابلة ضابط الشكوى فقابلته وأخذ يسألني أسئلة عدة منها كما عمرك وأين تسكن ألخ وفي النهاية أعطاني ورقة رفض دون أي سبب وقال لي بعد شهر أردع فكأنه أراد التلذذ بتعذيبي.
ويواصل أبو مصباح بعد شهر كامل من الجوع والأسى عدت إليهم وكلي أمل هذه الفترة بأنهم سيعطونني تصريحا فانتظرت في القاعة وبعد مدة نودي اسمي ضمن من سيقابلون المخابرات فيا للهول ويا للمصيبة ماذا يريدون مني وعند دخولي على رجل المخابرات والتي أسأل الله العلي القدير أن يحمي منها شبابنا حيث الكلام المعسول والإغراءات الكبيرة للدخول في المصيدة دخلت على الضابط فإذا به يستقبلني أحسن استقبال ويمزج معي ويضحك وكأنه يعرفني منذ زمن استغربت كثيرا وقلت لنفسي هاهو الضابط الشرير يضع الطعم في المصيدة فانتبه وأحذر منه بعد تناول الشاي والسيجارة التي أعطاني إياها سألني عند مدى حاجتي للعمل وكيف وضعي المادي فأجبته ظنا مني أنه سيعطف على حالي وبعد أن انتهيت فاجأني بمبلغ من المال يقدمه لي ووعدني بأنه سيشتري لي بلفون أي تليفون محمول أو جهاز اتصال آخر ما هو المقابل يجيب أبو المصباح مقابل أن أتعامل معهم وأتجسس على أبناء شعبي وفي هذه اللحظة دخل ضابط آخر وأخذ الآخر يضحك معي ويمزح وقبل خروجه وصى عليى الضابط وقال له لا تقصر مع هالشب إميين عليه أنه طيب أو بدو يساعدنا، وخرج فالتهب قلبي وأول ما فكرت به هو غيري من الشباب يا ترى هل أنا أتعس مخلوق وأصعب الشباب حالا هل الظرف الذي أمر فيه لا يمر به غيري فقلت في نفسي من المؤكد أن غيري أصعب حالا مني وفي هذه اللحظات أفقت على صوت الضابط وهو يقول كل ما نريده منك تساعدنا على حفظ أمن إسرائيل مصدر رزقك أنت وغيرك من المخربين فنظرت إلهي وقلت بدك مني أن أساعدك على قتل أخوي وأبوي وابن عمي علشان مصاري مش أنا اللي يخون شعبه قلت هذا وأنا متأكد من أنه سيعتقلني فرد على بعنف وشدة وكأن غريزته عادت إليه شعبك ما هو شعب ثم نهض من مكانه وقال طيب خلي شعبك ينفعك وأعطاني ورقة لشهر آخر أخذتها وعدت إلى البيت عزمت ألا أعود إليهم مرة أخرى.
وعلى الطرف الإسرائيلي يرى لليودي جدعون عيزار نائب وزير الأمن الداخلي لولا العملاء لفشلت كثيرا من نشاطات أجهزة الاستخبارات المكلفة بالقضاء على المقاومة حيث أن تنفيذ عملية اغتيال تحتاج لقدر كبير من المعلومات لا يستطيع جمعها سوى عنصر بشري.
الواقع يثبت أن الإسرائيليين سرعان ما يتخلون عن عملائهم ويعرضون حياتهم للخطر فتروي صحيفة معاريف قصة أحد المتعاونين الذي رمزت له بالاسم الكودي ( ح) وقد قام هذا الخائن بمساعدة الاستخبارات بإحباط عدد من العلميات وفي المقابل حصل هو وعائلته على الجنسية الإسرائيلية سافر ليعيش في أوروبا ولما عاد إلى إسرائيل في مطلع الشهر الماضي فوجئ بأن كافة الوثائق وأوراق الهوية الخاصة به وبأسرته قد اختفت وقالت له ضابطة كبيرة في الإدارة المدنية في حاجز إيزرز إذا كنت تريد مغادرة إسرائيل فعليك الذهب إلى غزة ولم يفلح في التوضيح لها بأن حكم الإعدام ينتظره في غزة ويقول (ح) معقبا على ذلك لقد عرضت حياتي للخطر مرات كثيرة في عمليات داخل المناطق وأخرى خارج حدود دولة إسرائيل عدد من أبناء عمومتي قتلوا ربيت أولادي على حب دولة إسرائيل ليكونوا صهاينة وإسرائيليين فخورين والآن أتلقى معاملة مهينة ومذلة.
تقرير شتاينيتز
تقويم دور المخابرات الإسرائيلية بعد إحتلال العراق
" شلومو بروم"
مركز: مركز جافي للداراسات الاستراتيجية JCSS الرقم:103 التاريخ: 4 نيسان 2004
في نهاية آذار نشرت اللجنة الفرعية للمخابرات الخاصة بالشؤون الخارجية في الكنيست ولجنة الدفاع تقرير تحقيقها حول أداء الاستخبارات الإسرائيلية في ضوء الحرب على العراق. يحتوي التقرير على ثلاثة أقسام: يتعامل القسم الأول بنوعية المعلومات الاستخباراتية التي وردت عن أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل وأثناء الحرب والقرارات التي تم اتخاذها على أساس هذه المعلومات. ويدقق القسم الثاني في مبدأ عمل وبنية مؤسسة الاستخبارات. ويشمل القسم الثالث توصيات اللجنة الفرعية التي تستند إلى معطيات القسمين الأول والثاني.
بإصدار هذا التقرير حادت اللجنة الفرعية عن توكيلها الأصلي بشكل جدي. وبدلاً من أن تتقيد بمسألة إن كانت مؤسسة الاستخبارات وأصحاب القرار قد فشلوا أم لا في التعامل مع أسلحة الدمار الشامل العراقية، فإن اللجنة الفرعية برئاسة م.ك يوفال شتاينيتز اختارت تنفيذ فحص دقيق وشامل لبنية المعلومات الاستخباراتية وطريقة عمل مؤسسة الاستخبارات وقدمت توصياتها بالقيام بإصلاح شامل مؤسسة الاستخبارات وكانت مقترحاتها الرئيسة:
تجريد فرع الاستخبارات في هيئة الأركان العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية من مسؤليته عن تقييم معلومات الاستخبارات القومية وتحويل هذا التقييم بتقسيم المسؤولية بين الموساد التي توكل إليها مهمة الاستخبارات السياسية-الاستراتيجية، وفرع الاستخبارات الذي يتم حصر مهامه بالاستخبارات العسكرية.
إزالة وحدة الاستطلاع الإشاري (المسؤولة عن الاستخبارات الإلكترونية والاتصالات) من فرع الاستخبارات وتحويلها إلى وكالة الاستطلاع الإشاري المستقلة مثل وكالة NSA الأمريكية تحت إدارة مدنية.
تعيين نائب رئيس الوزراء لشؤون الاستخبارات لتنسيق وكالات الاستخبارات المختلفة. إنشاء لجنة مخابرات وزارية للتوجيه والإشراف على وكالات الاستخبارات.الارتقاء بتغطية الاستخبارات للمناطق المستهدفة البعيدة بتعزيز مراقبة الأقمار الصناعية والمصادر البشرية
وصفت اللجنة الفرعية الاستخبارات العسكرية بأنها "منظمة استخباراتية متعددة المهام تستهدف نطاقاً واسعاً جداً من المناطق والمواضيع ومسارح الأحداث، مما يمكن لهذا التجاوز المبالغ فيه أن يؤدي إلى تقويض فعاليتها ". ولكن هذه اللجنة الفرعية عرّضت نفسها للانتقاد ذاته الذي طرحته تحديداً لأنها لم تتقيد بالموضوع المحدد بالعراق وإنما بدلاً من ذلك تولت مهمة التدقيق في هيئة الاستخبارات بكامل مجموعاتها بوسائل تحليل غير ملائمة وقد عكست النتائج المقاربة الخاطئة التي سلكتها. يتعلق أحد الأمثلة على ذلك بنوع وصفة النصيحة المختصة التي قدمتها للجنة الفرعية. وقد كان مستشارها الوحيد "شابتاي شافيت" وهو رئيس سابق للموساد. لقد اهتمت تلك الوكالة دوماً بجمع البيانات ولم تتحمل إطلاقاً مسؤولية عن الاستخبارات السياسية الاستراتيجية. لم يكن لدى اللجنة الفرعية مستشارين ذوي خبرة في المجالات التي شملتها التوصيات، لذلك فليس من المفاجئ أن نشر التقرير قد أثار الشكوك حولها بأنها قد انحازت لصالح الموساد وضد الاستخبارات العسكرية.
لقد كان أي تحقيق جاد للمواضيع التي اختارت اللجنة الفرعية تغطيتها، يتطلب وقتاً ومصادر بشرية أكثر بكثير مما كان وقد انعكست تلك الثغرات مثلاً في معالجة الفشل الإسرائيلي الظاهري في التعرف على البرنامج النووي الليبي الذي تم تطويره بمساعدة الشبكة الباكستانية A.Q.Khan وقد أصدرت اللجنة الفرعية حول هذا الموضع بيانات مطلقة دون أن تتحمل عناء جمع أية أدلة. إن موظفي الاستخبارات العسكرية الذين شهدوا أمام اللجنة الفرعية وكانوا المسؤولين عن أداء الاستخبارات بشأن المشروع الليبي أدلوا بأقوالهم بأنهم لم يُسألوا عن هذا الموضوع إطلاقاً ولم يُطلب منهم تقديم أية معلومات تتعلق بذلك.
أما القسم الذي يتعامل مع المعلومات الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية واتخاذ القرار الحكومي بالاستناد الفعلي إلى الاستخبارات فلم يكشف عن شيء لم يكن معروفاً من قبل. يشير التقرير إلى أن تقييمات الاستخبارات لم تستند إلى معلومات وثيقة وكانت أميل إلى التحليلات الأسوأ للحالات. كما أنه يصف الطبيعة المشكلة للحوار الذي يدور بين من يزودون الاستخبارات بالمعلومات وصناع القرار حيث لم يكن الذين يقدمون المعلومات يميزون بشكل واضح بما يكفي للمستفيدين من هذه المعلومات بين ما يرتكز منها على أساس قوي وماهو مجرد تقييمات.
على الرغم من هذا الانتقاد نجد اللجنة الفرعية في النهاية تتعامل بلطف مع محللي الاستخبارات والقيادات السياسية والعسكرية التي اتخذت القرارات قبل وأثناء الحرب وتستنتج بأن أفعالهم جميعاً كانت ضمن حدود المعقول. وبقيامها بذلك تعزز اللجنة الفرعية بشكل فعال الميل الحالي لدى هيئات الاستخبارات والحكومة لمواصلة التصرف بناءًا على افتراض أسوأ الحالات وتجنب أي مخاطرة مهما كانت التكاليف. وذلك يخلق انطباعاً قوياً بأن اللجنة الفرعية التي يهيمن عليها أعضاء الأحزاب في الائتلاف الحاكم قد بذلت جهداً خاصاً للدفاع عن الحكومة وتجاهل الخسائر التي نجمت عن القرارات غير الضرورية التي اتخذتها قبل الحرب.
فيما يتعلق بتوصيات الارتقاء بالمراقبة من خلال الأقمار الصناعية والمصادر البشرية فإنها تبقى غير عملية ما لم تشر اللجنة إلى مصدر الموارد، ومع النظر إلى القيود المادية لإسرائيل فيجب أن تحدد ماهي المقدرات الأخرى التي لابد من الحد منها نتيجة لذلك. ولا توجد هناك أي صلة واضحة بين التحقيق في موضوع الاستخبارات على العراق والتوصيات المتعلقة بالهيكل العام وإجراءات العمل لهيئة الاستخبارات. من غير الواضح كيف يمكن لهذه التوصيات أن تقلل من مخاطر الوقوع في أخطاء مشابهة في المرات القادمة التي تتحرى فيها الاستخبارات قضايا مماثلة. في الواقع أن التقرير لا يبين أي رابطة سببية على الإطلاق بين الهيكل الحالي وتقسيم العمل داخل مؤسسة الاستخبارات والأخطاء التي ارتكبتها في أدائها للعمل بشأن العراق. وإنما بدلاً من ذلك يبدو أن اللجنة الفرعية قد قررت ببساطة استغلال الفرصة الممنوحة لها لكي تطرح أفكاراً متنوعة خاصة بها حول هيئة الاستخبارات.
وفي توصياتها التنفيذية تعاملت اللجنة مع القضايا الهامة، إن الدور المركزي للاستخبارات العسكرية في توسيع الصورة الإجمالية للاستخبارات السياسية-الاستراتيجية على أنها فريدة من نوعها بين البلدان الغربية الديمقراطية. وهنالك حاجة لتقييم المقترحات للتغييرات التنظيمية في ترتيب الاستخبارات الإسرائيلية. ولكن تقييماً كهذا يتطلب موارد هامة ومقاربة حذرة لشخصية. وتوقيت وطريقة التغيير. ومع هذه المعايير يتضاءل عمل اللجنة الفرعية ومحاولتها لتنفيذ توصياتها رغم معارضة الوكالات التي تعمل بشكل معقول جداً وسط مواجهات صعبة مع الفلسطينيين مما يمكن أن يؤذي قدرتها على العمل طويلاً قبل أن تجني فوائد الإصلاح من أي قبيل.
نُشر في جامعة تل أبيب
مركز جافي للدراسات الاستراتيجية JCSS
ومركز موشي دايان للدراسات الشرق أوسطية والإفريقية من "ساري وإسرائيل رويزمان" فيلادلفيا.
www.tau.ac.il/jcss
www.dayan.org
حماس بعد الرنتيسي
"تقرير: مئير ليتفاك"
مركز: موشي دايان للدراسات الشرق أوسطية والإفريقية الرقم:104 التاريخ: 20 نيسان 2004
بعد ثلاثة أسابيع من تصفية الزعيم السابق لحماس في غزة "الشيخ أحمد ياسين"، جاء مقتل خليفته "عبد العزيز الرنتيسي" في عطلة نهاية هذا الأسبوع مما كان له دلالات عميقة المعنى على توازن القوى ضمن حماس وفي علاقاتها مع السلطة الفلسطينية.رغم أن ياسين لم يكن يتمتع بمكانة دينية رفيعة المستوى إلا أنه كان يتمتع بسمعة طيبة كزعيم روحي لدى الجماهير العربية والفلسطينية وكنتيجة لذلك كان اغتياله تحدياً لجميع الحركات الإسلامية مما دعا الزعماء في العالم الإسلامي إلى توجيه أقسى التعابير الانفعالية ضد إسرائيل، ومن بينهم "آية الله علي سيستاني" في العراق "الشيخ يوسف قرضاوي" واعتبره مستشار قانوني مقيم في قطر القوة الرائدة للحركات الإسلامية، وكذلك شيخ الأزهر "سيد محمد طنطاوي" وهو أعلى سلطة قانونية للمسلمين في مصر.
كان "الرنتيسي" أساساً زعيم تنظيم يفتقر إلى الهالة التي كانت تحيط "بياسين". وحتى في قطاع غزة، لم تكن سلطته مطلقة. وعلى الرغم من الفوضى العارمة التي أثارتها تصفيته فربما لن يكون لها ذلك التأثير طويل الأمد على العالمين العربي والإسلامي. وحتى على نطاق أضيق ضمن الدوائر الفلسطينية فمن المشكوك فيه إن كان هذا الحدث سيؤكد الادعاء واسع الانتشار بأن أفعال إسرائيل المضادة للإرهاب (وخاصة قتلها المستهدف لقادة حماس) سيقود بشكل حتمي إلى مزيد من التطرف في الحركة. إن ما يستحق التذكر أولاً وقبل كل شيء هو تذكر أن حماس بدأت سلسلة من العمليات الاستشهادية في عامي 1994-1995 قبل أن تبدأ إسرائيل بقتل قادة حماس بزمن طويل.
ثانياً.. لطالما جسّد الرنتيسي الخط الأقصى ضمن حماس فمثلاً: رفض أية تسوية أثناء مناقشات داخلية حول تعليق الهجمات الإرهابية في عام 1996. أما ياسين فقد كان يميل إلى تبني نبرة عملية في تعامله مع الإعلام الغربي رغم أنه كان دوماً يتخذ موقفاً أصلب مع الإعلام العربي ويصر على أن تدمير إسرائيل هو الهدف الاستراتيجي لحماس. ورغم أنه رفض أية محادثات حول السلام فقد كان مستعداً لقبول هدنة مؤقتة مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الضفة الغربية وغزة بما في ذلك القدس وعودة اللاجئين إلى الأراضي الإسرائيلية. كان الرنتيسي فقط يؤيد إلى أقصى حد الضغينة التي يحملها موقف ياسين، ومزيداً على ذلك أن "ياسين" كان مستعداً لإعلان موافقته على الوجود المستمر لليهود كسكان في الدولة الإسلامية مقدراً بذلك أن يحلوا محل إسرائيل، في حين أن الرنتيسي أعلن مراراً بأن السلام يمكن أن يحل فقط حينما يعود جميع اليهود إلى بلادهم التي جاؤوا منها. وقد نشر الرنتيسي مقالات ينكر فيها المحرقة ويتهم الصهاينة بالتعاون مع النازيين في قتل اليهود، وادعى أيضاً بأن مقارنة الصهاينة مع النازيين فيه إهانة للنازيين. من الصعب أن نتخيل كيف يمكن لخليفة ما أن يتبنى موقفاً معلناً بشكل أكثر تطرفاً من سلفه، أما فيما يتعلق بأفعاله فقد كان الرنتيسي هو الذي دفع بالعلاقات بين حماس وحزب الله وإيران إلى وضع أقوى ولطالما تمسك بسياسة الكفاح الدائم دون تسوية أو قيود.
في الواقع أنه يمكن الجدال حول منح الحصانة المؤثرة لقادة حماس وإرغام أولئك الذين ينفذون العمليات وهم من مستوى أقل على دفع الثمن، وتكون إسرائيل بذلك قد شجعت القيادات العليا فعلياً على أن تكون أكثر جرأة. بينما نجد على خلاف ذلك، أن القرار الذي جاء في صيف 2003. للبدء في استهداف القيادات العليا هو الذي يفسر التوصل إلى اتفاقية مع ممثلي السلطة الفلسطينية لتأييد وقف إطلاق النار بشكل مؤقت ومحدود (وقد انهار بعد فترة وجيزة). علاوة على هذا يبدو أن مما شجع حماس على مزيد من التطرف كانت المشاعر التي عززها الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في حزيران 2000، وهي أن إسرائيل ستتأثر بالضغوط لأنها لا يمكن أن تتحمل عدداً كبيراً من الإصابات الفادحة وبأن زيادة العمليات العسكرية هي الطريق الوحيد لجعل إسرائيل تنسحب من الأراضي الفلسطينية دون تعويضات سياسية أو حاجة للتنازل عن الطموح لتحرير كامل فلسطين في فترة قادمة. لقد صورت حماس قرار رئيس الوزراء "شارون" بالانسحاب من غزة على أنه نصر لخطه العسكري-السياسي القديم. إن قرار إسرائيل بالتخلص من "ياسين" و"الرنتيسي" والزعماء الإرهابيين الآخرين ربما يكون قد أثير لذلك السبب ولو جزئياً على الأقل رغبة "في إلغاء شعور حماس بالإنجاز ونسف مكانتها كحركة هزمت إسرائيل. وربما يكون الذي يقرر مستوى عمليات حماس الفعلية هو قدراتها على إنجاز هذه العمليات في أي وقت محدد والدرجة المتوقعة سلفاً من التأييد الشعبي، أما رد الفعل على القتل المستهدف الذي تقوم به إسرائيل فهو ذو اعتبار ضئيل وثانوي. فمثلاً، لقد كان هنالك تدهور واضح في عمليات حماس في الضفة الغربية في الأشهر الثلاثة الماضية التي تم فيها قتل أو اعتقال عدد كبير من القادة أو منفذي العمليات. يرى العديدون من غير المحللين عموماً أن هذه الأفعال التي تقوم بها إسرائيل سوف تؤدي إلى ازدياد الهجمات الإرهابية.
وداخل قطاع غزة ربما كان لتصفية الرنتيسي فعلياً دوراً في تسهيل الحوار بين حماس والسلطة الفلسطينية تمهيداً لانسحاب إسرائيل المتوقع. لطالما اعتبر الرنتيسي المنافس الأصلب للسلطة الفلسطينية وقد سجنته السلطة الفلسطينية في عام 1998 لمدة 15 شهراً. ولذلك ربما يكون في اختفائه تسهيلاً للآخرين الذين يريدون تحويل حماس إلى قوة سياسية مهيمنة في غزة من خلال التسلل إلى المؤسسات الحكومية الفلسطينية.
ربما يقود مقتل ياسين والرنتيسي أيضاً إلى تغيير هام في توازن القوى بين القيادة الداخلية في غزة والقيادة الخارجية في دمشق والتي يهيمن عليها رئيس المكتب السياسي "خالد مشعل"، لذلك نرى أن قيادة غزة عملية أكثر قليلاً من مشعل، رغم أن الرنتيسي نفسه قد وقف دائماً إلى جانب الخط الخارجي الأكثر تشدداً، بينما تمتع ياسين بمكانة مساوية على الأقل لما تحظى به القيادة الخارجية. على خلاف ذلك نجد القيادة قد سدت الطريق بشكل حاسم على محاولة الرنتيسي في تصوير نفسه الوارث لعباءة ياسين فأعلنت أنه قائد الحركة في غزة فقط. كما أن تعليمات مشعل إلى حماس في غزة لاختيار قائد جديد دون ذكر اسمه هي دليل إضافي على سيادة وهيمنة القيادة الخارجية. يعكس الحرص على راحة "خليفة" الرنتيسي المصاعب التي تواجه مواصلة العمليات تحت التهديد المستمر بالتصفية.
لن يسبب ذلك التهديد وحده اختفاء حماس كفاعل سياسي جدي ولكنه أدى بالفعل إلى قرار غير مسبوق في التصرف منذ الآن وصاعداً تحت قيادة زعيم مجهول الاسم وهذا يطرح أسئلة جدية وهامة وهي كيف يمكن للحركة أن تعمل في الميدان العام في حين تبقى هوية زعمائها سرية؟.
www.dayan.org
حول "خطة فك الارتباط"
قدري حفني
إن محاولة فهم ما يجري علي أرض الصراع العربي الإسرائيلي تتطلب منا أن نستعيد بداية بعض مسلمات علم النفس الاجتماعي. لا توجد جماعة بشرية يمكن أن يتفق أفرادها جميعا علي موقف سياسي أو فكري واحد بكافة تفاصيله. إنه قانون شهير من قوانين علم النفس الاجتماعي فضلا عن أنه تصديق للخبرات المعاشة للناس عبر العصور. و رغم رسوخ هذه الحقيقة فثمة ميل جارف لدي كثرة غالبة من البشر لتجاهلها و طمسها, و هو ميل يفسره قانون شهير أيضا من قوانين علم النفس الاجتماعي هو الميل للحكم وفقا لأنماط جاهزة مسبقة قفزا علي الاختلافات رغم ما يفيض به الواقع المعاش من تفاصيل و اختلافات لا حصر لها. و لسنا بصدد الخوض في تفاصيل متخصصة في علم النفس الاجتماعي و تطبيقاته, و لننظر مباشرة لمجريات الأمور علي ساحة الصراع.
لقد عانت رؤيتنا لمجريات الصراع العربي الإسرائيلي كثيرا بسبب غفلتنا أو إغفالنا لتلك المسلمات. لقد كنا و ما زلنا في كثير من الأحيان نميل إلي وضع كل ما وراء "الخط الأخضر" في سلة واحدة, و بدأنا بعد نصف قرن نفكر في إمكانية قبول التمييز بين عرب 48 و بقية الإسرائيليين, و يبدو أن الشوط ما زال طويلا أمامنا لقبول فكرة أن التنوع البشري داخل إسرائيل لا يقتصر علي التمييز بين العرب المسلمين و المسيحيين و بين اليهود, و أنه يفوق نظيره في كثير من البلدان لأسباب لسنا في مجال التعرض لها, و أن ذلك التنوع يمتد و يتشعب ليشمل الاتجاهات السياسية, ثم يمتد أكثر ليتغلغل داخل كل اتجاه سياسي. إن التنوع الاجتماعي و السياسي –كما أسلفنا- قانون علمي, بل سنة من سنن الحياة لا تعرف استثناء و يخضع لها الجميع حتى لو كانوا صهاينة, و حتى لو رفعوا شعار "شعب الله المختار". في إسرائيل كما في غيرها يمين و يسار, و ثمة أطياف متدرجة داخل كل من اليمين و اليسار, دون أن يعني ذلك أنه لا يوجد سقف يضم الجميع كما هو الحال أيضا في التجمعات البشرية جميعا و إلا لما أسميت "تجمعات". ثمة ما يجمع الإسرائيليين جميعا دون شك, فالجميع يسعون للحفاظ علي دولة إسرائيل كحد أدني, و فيما يتجاوز هذا الحد تتعدد ألوان الطيف. و لو افتقدنا تلك الرؤية لتعذر علينا الفهم الصحيح للكثير مما جري و يجري, و تعذر علينا علي وجه الخصوص ما يجري بشأن "خطة فك الارتباط". و لنتعرف أولا علي صاحب الخطة, آرييل شارون.
في يونيو 1953 شكلت قيادة الجيش الإسرائيلي مجموعة عمليات خاصة عرفت باسم الوحدة 101 لشن عمليات ترويع للفلسطينيين, وقد تولي شارون قيادة هذه الوحدة التي قامت تحت قيادته بارتكاب مذبحة مخيم البرج في غزة في أغسطس 1953 وتشير مذكرات الجنرال فاجن بيننيك من قادة قوات الأمم المتحدة إلي أن تعليمات شارون كانت تقضي بإلقاء القنابل من نوافذ أكواخ المخيم التي ينام فيها اللاجئون الفلسطينيون, فإذا ما حاول أحدهم الفرار اصطادته طلقات الأسلحة الخفيفة".
وبعد أقل من شهرين أقدم شارون ورجاله علي ارتكاب مذبحة قبية في أكتوبر 1953التي وصفها موشي شاريت رئيس وزراء إسرائيل آنذاك في مذكراته بأنها "سوف تظل لصيقة بنا ولن نستطيع محوها لسنوات طويلة". ولقد أثبتت تقارير شهد الرؤية من رجال الأمم المتحدة الذين دخلوا القرية في اليوم التالي أن رجال شارون كانوا يجبرون الأهالي علي البقاء داخل منازلهم ثم يفجرونها علي رؤوسهم.
و فضلا عن ذلك فقد كان لشارون موقفا مستمرا من أية مشاريع أو اتفاقيات تشير إلي مجرد القبول بمبدأ انسحاب إسرائيلي من أرض تحتلها. لقد صوت ضد اتفاقية كامب دافيد عام 1979حين كان وزيرا في وزارة بيجن, كما صوت عام 1985 ضد انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان لما أطلق عليه "الحدود الآمنة" في جنوب لبنان, وعارض مشاركة إسرائيل في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991, وعارض في الكنيسيت ابرام اتفاقية أوسلو عام 1983, كما امتنع في العام التالي عن التصويت لصالح اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية بل و صرح لصحيفة يديعوت احرونوت في 28/10/ 1994 قائلا: "لم أصوت لصالح اتفاق السلام مع الأردن ، رغم أنني أردت ذلك بشدة، لم أسافر إلي حفل التوقيع في وادي عربة رغم أنني رغبت بذلك ، لم تكن هذه خطوة محسوبة من جانبي مسبقًا ، بل نتيجة صراع نفسي أخذ يتزايد كلما مرت الساعات واقترب موعد التصويت ، لم أستطع أن أرفع يدي لصالح الاتفاق"
لقد سجل شارون كتابة عام 1991 أي بعد مضي ثمانية أعوام علي توقيع اتفاقية أوسلو, أنه يري أن الفلسطينيين جميعا إرهابيون لا يستثني منهم أحدًا. وصرح لمجلة التايمز في 19/10/1991 , أي بعد اثنتي عشر عاما من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أن الدول العربية جميعا تمثل تهديدا لإسرائيل, وأنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي أصبح التهديد الأساسي لأمن العالم يتمثل في الدول العربية وإيران.
و فضلا عن كل ذلك فقد كان شارون بمثابة الراعي الأساسي لعملية الاستيطان في الضفة الغربية و في قطاع غزة دون تفرقة, و لعل الاستيطان الإسرائيلي في غزة تحديدا يسقط ذلك الزعم الذي يردده بعضنا أحيانا عن أن إسرائيل كانت تتمني دوما التخلص من قطاع غزة, و أن أحد قادة إسرائيل قال إنه يتمني أن يستيقظ يوما ليجد البحر و قد ابتلع قطاع لأنه يمثل عبئا لا عائد من ورائه. قد تكون الأمنية صحيحة و لكن الأماني شأنها شأن الأحلام تحتاج إلي تفسير, و التفسير الصحيح لأمنية القائد الإسرائيلي أن يستيقظ ليجد البحر و قد ابتلع أبناء غزة من الفلسطينيين. إنه نفس الزعم الذي يردده قادة إسرائيل كلما اضطروا للانسحاب. لقد زعموا أن إسرائيل كانت دوما علي استعداد للانسحاب من سيناء مقابل السلام. حقيقة الأمر إن المستوطنات لا يبنيها الإسرائيليون للمناورة بل لتبقي و لا يتركونها إلا مضطرون لظروف قاهرة و تظل الآمال تراودهم دوما للعودة.
و ظل شارون مدافعا عن الاستيطان حتي بعد توقيع اتفاقية أوسلو, فقد أجرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 16/4/03 مقابلة موسعة معه كرئيس للوزراء بعد قيام حكومة ابو مازن و قرأ مندوبا الصحيفة على مسامعه، مقاطع من رسالة مفتوحة وجهها المؤرخ الإسرائيلي الشهير يعقوب تالمون، قبل 23 عاماً، الى رئيس الحكومة آنذاك مناحيم بيغين، يحذره فيها من سياسة الاستيطان مؤكدا أنه " بالنسبة لكل عربي، تعتبر كل مستوطنة بمثابة خطوة أخرى في عمليات السلب والاحتلال الزاحف " و رد شارون علي ذلك بقوله "بالنسبة للمستوطنات، فقد كان البروفيسور طالمون مؤرخاً كبيراً، لكنني لا أريد تقييم مفاهيمه الاستراتيجية. فالعمق الاستراتيجي يعتبر مسألة ذات أهمية في كل مكان".
و السؤال الآن ما الذي حدث لكي يطرح شارون -و هو من هو- خطة للانسحاب من غزة؟ ما الذي اضطره إلي ذلك؟ و لماذا لم يسانده اليمين الإسرائيلي كما توقع؟
تري هل اضطر لذلك بسبب بلوغ عمليات المقاومة العسكرية الفلسطينية حدا لم يعد ممكنا احتماله؟ قد يصدق ذلك الاستنتاج إذا كنا نشهد تصاعدا لعمليات المقاومة, و لكن ذلك ليس صحيحا, فبعد بناء الجدار الشاروني, و بتأثير العديد من العوامل الإقليمية و العالمية قد انخفض معدل العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية. و لعلنا لسنا في حاجة لبذل أي جهد لاستبعاد احتمال أن يكون الاضطرار الشاروني نتيجة تصاعد المقاومة المدنية السلمية للاحتلال الإسرائيلي, فغني عن البيان أن ذلك النوع من المقاومة قد نفضنا أيدينا منه من زمن طويل و لم يبق منه إلا مجرد ذكريات من الانتفاضة الأولي, كما أنه يشهد خفوتا ملحوظا علي الجانب الإسرائيلي.
و يظل السؤال قائما: تري ما الذي حدث لكي يطرح شارون -و هو من هو- خطة للانسحاب من غزة؟ ما الذي اضطره إلي ذلك؟
لنستمع إلي ما ورد في مقال صحيفة هآرتس المنشور في 11/4/04 للصحفي الإسرائيلي المعروف أفيعاد كلاينبرغ حيث يقول " إن الوزن الاستراتيجي الكبير الذي تمتعت به إسرائيل نجم عن قدرتها على العمل في منطقة لم تكن الولايات المتحدة معنية بالتدخل المباشر فيها. كانت إسرائيل بمثابة دولة عظمى إقليمية مصغرة أمكن بها تهديد الكتلة السوفييتية و حلفائها في العالم العربي. لقد حافظت إسرائيل على المصالح الأمريكية, و لكن حين يصبح التدخل الأمريكي مباشرًا، لا تبقى حاجة إلى وسطاء. الولايات المتحدة تقوم بمهماتها القذرة بنفسها... صحيح أنه سيظل من المستبعد أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا سياسية متزايدة على إسرائيل من اجل التوصل إلى حلول سياسية ثابتة وراسخة. لكن الأمر بدأ يكلف أموالا طائلة. الدعم الأمريكي سيقل. الأزمة الاقتصادية ستتعمق. الديمقراطية الإسرائيلية ستتآكل. بسهولة فائقة يمكن ان تتحول إسرائيل الى دولة أخرى من العالم الثالث لتدق أبواب المتصدقين".
هل من المحتمل حقا أن يكون شارون قد استشرف حقيقة الأوضاع الجديدة في المنطقة. حقيقة أن الاستعلاء الأمريكي قد بلغ ذروة يظن معها أنه لم يعد في حاجة لأحد؟ هل قرأ شارون واقع علاقات الاستعلاء الأمريكي حتي علي الدول الأوروبية؟ و هل استشرف أن احتياج الولايات المتحدة الأمريكية لوكيل وحيد معتمد لها في المنطقة العربية آخذ في الذبول بعد احتلال العراق؟ هل استشرف دلالة اختيار قطر مقرا للقاعدة العسكرية الأمريكية في المنطقة؟
و لكن حتي لو سلمنا بكل ذلك فلماذا لم تحظ رؤيته بموافقة بقية أطياف اليمين الإسرائيلي؟ بل لماذا لم يسانده حتى حزبه كما توقع؟ لماذ اضطر لأقالة اثنين من وزرائه؟ ثم لماذا تتعالي احتجاجات المستوطنين و إدانتهم الصريحة لخطته؟ تري ما الذي أثارهم في "خطة فك الارتباط"؟
لقد نشرت الصحافة الإسرائيلية مؤخرا النص الكامل لوثيقة "خطة فك الارتباط", و لقد ورد في مقدمتها بالنص: "إسرائيل ملتزمة بالعملية السلمية وتتطلع نحو تسوية متفق عليها، على قاعدة مبدأ دولتين لشعبين: دولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي و دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني. وذلك كجزء من تنفيذ رؤية الرئيس بوش. " ثم تورد الوثيقة ما نصه أن "خطوة الفصل لا تمس الاتفاقات القائمة بين إسرائيل والفلسطينيين. وتبقى التسويات القائمة ذات الصلة سارية المفعول. وعندما تتوافر في الجانب الفلسطيني قرائن على استعداد، وقدرة وتنفيذ فعلي لمحاربة الإرهاب وإجراء الإصلاحات وفق خريطة الطريق، يمكن العودة الى مسار المفاوضات والحوار" ثم تقرر الوثيقة صراحة أن " إسرائيل ستخلي قطاع غزة، بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية القائمة الآن، وتعيد الانتشار خارج أراضي القطاع. وكل ذلك باستثناء الانتشار العسكري في منطقة خط الحدود بين قطاع غزة ومصر بحسب التفاصيل الواردة لاحقا و مع إتمام الخطوة، لن يبقى في المناطق التي يتم إخلاؤها براً في قطاع غزة أي وجود إسرائيلي دائم لقوات الأمن والمدنيين الإسرائيليين." و فيما عدا تلك النصوص التي انتقيناها تفيض الوثيقة بالعديد من النصوص التي تضمن بما لا يدع مجالا للشك السيطرة الإسرائيلية علي المنافذ البرية و الأجواء و الشواطئ.
إن الوثيقة لا تمثل بحال أي تهديد للأمن الإسرائيلي. تري ما الذي أثار اليمين و المستوطنون إذن؟ إنها تلك النصوص التي انتقيناها من الوثيقة. إنها تلك المقدسات التي لا ينبغي الاقتراب منها: الحديث عن " دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني", و عن أن " إسرائيل ستخلي قطاع غزة، بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية القائمة الآن", و أنه " لن يبقى في المناطق التي يتم إخلاؤها براً في قطاع غزة أي وجود إسرائيلي دائم لقوات الأمن والمدنيين الإسرائيليين". صحيح أنها ما زالت مجرد أقوال, و لكنها أقوال تمس مقدسات ساهم شارون شخصيا في ترسيخها.
يقول أوري أفنيري في مقال حديث نشره في 10/5/04 بعنوان " المستوطنون: وحش رباه شارون وتمرد عليه":
" في الاساطير اليهودية، «الغولم» هو كائن خرافي يتمتع بقوة بدنية خارقة. وقد صنعه الحاخام يهودا لوئيف، وهو من براغ، من الطين ووضع في فمه ورقة باسم سري للرب، من شأنها ان تبث فيه الحياة. وقد ساعد الغولم اليهود في الدفاع عن انفسهم ضد المتمردين المعادين للسامية. وذات يوم انقلب «الغولم» على صانعه، وتسبب في انتشار موجة من الدمار، الى ان تمكن الحاخام، في اللحظة الاخيرة، من استرداد الورقة من فمه. وتحول غولم مرة اخرى الى كمية من الطين.... كان شارون متأكدا من ان الغوليم سيسانده. ففي النهاية يدين المستوطنون بكل شيء له. فشارون الذي رعاهم لعقود طويلة، وحول اليهم الاموال بكميات ضخمة، ووضع في خدمتهم كل المناصب السياسية التي شغلها، واحدة بعد الاخرى: وزير الزراعة والدفاع، والشؤون الخارجية، والاسكان، والصناعة والتجارة، والبنية التحتية، وأخيرا رئيس الوزراء. ومنذ كان قائدا للقطاع الجنوبي في اوائل السبعينيات، كان يشير لكل من يلتقيه من الإسرائيليين والعرب، على حد سواء، الى أهمية المستوطنات. ووفقا لشارون، كان من المهم إقامة مستوطنات لكي يتم تحويل اسرائيل الكبرى ـ من البحر المتوسط الى نهر الاردن، على الاقل ـ الى دولة يهودية، والى تقطيع الاراضي الفلسطينية الى قطع صغيرة ومنع قيام دولة فلسطينية.... إنه لم يفكر اطلاقا في أنهم سيعارضونه. الا يدينوا له؟ اليسوا اولاده؟ وقد عرض شارون على المستوطنين اتفاقا يبدو بالنسبة له معقولا، هو ان يتخلوا عن المستوطنات المعزولة التي يعيش فيها عدة آلاف، من اجل ضمان مستقبل المستوطنات الكبرى، التي يعيش فيها 80 في المائة من المستوطنين، بحيث تضم الى اسرائيل. التضحية ببعض الاصابع من اجل انقاذ الجسد كله... غير ان الغولم، وقطعة الورق في فمه تحت اللسان، عرض منطقه الخاص. فهو لا ينوي التخلي عن عشرات من المستوطنات الصغيرة، لا سيما أنها مركز تجمع وحياة المتعصبين. وفهم الغولم ايضا، ان اخلاء المستوطنة الاولى سيخلق سابقة تعرضها كلها للخطر."
إن الحقيقة التي لم يستوعبها شارون و التي أدركها أفنيري و غيره من المفكرين الإسرائيليين حقيقة مكانة المستوطنين الذين رباهم شارون و رسخ لديهم "عقيدة الاستيطان" التي تقوم علي أن الهدف القومي من حركة الاستيطان هو خلق إسرائيل الكبرى، وان المستوطنين هم ملح الارض. لقد أصبح المستوطنون رغم قلتهم العددية –حوالي 4% من مجموع يهود إسرائيل- يمثلون ضمير إسرائيل. لقد احتلوا نفس المكانة التي كان يحتلها أبناء الكيبوتزات في فترة تأسيس دولة إسرائيل, و لقد كانت نسبة هؤلاء لا تتجاوز أيضا النسبة العددية للمستوطنين حاليا. فإذا أضفنا إلي ذلك حقيقة ما يمتلكونه بالفعل من ثروات تمكنهم من ممارسة الضغط المادي. لقد تدفقت الأموال عليم و ما زالت من مئات القنوات الحكومية، فضلا عن التبرعات السخية للمليونيرات اليهود الأمريكيين، و كذلك من العديد من الأمريكيين المسيحيين الذين يأملون في بعث اسرائيل التوراتية.
تري هل من السهل أن نسلم ببساطة أن شارون لم يدرك حقيقة قوة و اتجاهات المستوطنين؟ هل فوجئ حقا بما حدث؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك؟ إن شارون كما يعرف الجميع لا ينتمي للتيار الديني داخل إسرائيل. لعله شجع عملية الاستيطان و دعمها بهدف توسيع رقعة دولة إسرائيل و ليس بالضرورة تحقيقا لنبوءات توراتية, و لكنه وجد أن الدافع الديني هو الدافع الأقوي لتحقيق الهدف فأقدم علي خلق «الغولم» كما في الأسطورة اليهودية, و حين استشرف حقيقة الأوضاع الجديدة في المنطقة, كان الوقت قد فات و لم يعد في مقدوره إعادة المارد للقمقم و لو إلي حين. تري هل سينجح شارون في إقناع أطياف اليمين الإسرائيلي بأنه لم يفعلها إلا مضطرا؟ تري هل سيساعده علي إقناعهم ما صرح به الرئيس الأمريكي بوش مؤخرا من أن خطاب الضمان الأمريكي لبوش رهين بما ورد في خطة فك الارتباط دون تعديل؟ الأيام القادمة ستحمل بالتأكيد العديد من الإجابات, و لكن آثارها علي الجانب العربي ستظل متوقفة علي الفهم العربي الصحيح و الفهم الفلسطيني علي الخصوص لطبيعة ما يجري حولنا. و اعل الحديث عما يجري علي الجانب الفلسطيني يحتاج معالجة مستقلة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق