Facebook

قراصنة واباطة

قراصنة وأباطرة( 1 )
الإرهاب الدولي الجديدفي العالم الواقعي ( 2 )


في مراجعة شاملة لإنتاجنا النفسي نجد هذا

الإنتاج متمحوراً حول المواضيع العامة التي تفتقر إلى إمكانية تكاملها في مشاريع شاملة. كما تفتقر هذه الدراسات إلى ارتباطها بالمشاكل المعاصرة للإنسان العربي. وفي مقدمة هذه المشاكل الإجابة على سؤال : هل الإنسان العربي هو إرهابي بطبعه؟ هذا السؤال الذي يجيب عليه عدد كبير من الباحثين الغربيين بالإيجاب. وقد لا يصرح بعضهم مباشرة بإجابته ولكنه يطلقها ضمناً من خلال أبحاثه التي تناقش ردود الفعل الكارثية الناجمة عن إرهاب عربي؟ فهل تحول العرب فعلاً إلى إرهابيين؟.

للأسف الشديد فإن نفي هذه التهمة المصممة (لا يجوز التصميم في علم النفس) لم يأت نتيجة جهود باحثينا أو دراستهم أو مناقشتهم لمفهوم الإرهاب. وإنما يأتي هذا النفي على لسان العالم نعوم تشومسكي!. ولحسن حظنا نحن العرب أن يهتم عالم بمثل هذا المستوى بموضوع يهمنا في الصميم ونحن غافلون عنه سواء في أبحاثنا أو في نشاطنا التدريسي أو في المشاريع والأطروحات الجامعية _ العربية. فما هو رأي هذا العالم في الموضوع؟

يعرض تشومسكي رأيه في هذا الكتاب بادئاً باستعراض المقاييس والمعايير المزدوجة التي يلجأ إليها المسؤولون والإعلاميون الأميركيون لدى مناقشتهم مفهوم الإرهاب. ويخلص تشومسكي إلى الاستنتاج أن الفكر الأميركي الحاكم يصنف في خانة الإرهاب تلك الأعمال التي يقوم بها "الضعفاء". وهو يعطي في هذا المجال مثالاً روي على لسان القديس أوغسطين وتتلخص بوقوع أحد القراصنة في أسر الإسكندر. وحين سأله الإسكندر : كيف تجرؤ على ممارسة المضايقات في البحر؟. أجاب القرصان : وأنت كيف تجرؤ على مضايقة العالم بأسره؟ الأنني أفعلها بسفينة صغيرة يقال إنني لص (أو إرهابي بالمفهوم الحديث) وحين تفعلها بأسطول كبير يقال إنك امبراطور!!.

إن هذه الرواية، من قبل تشومسكي، تجمع ما بين السخرية المريرة وبين التمرد على تزوير الوقائع. كما تمتاز هذه الرواية ببساطتها التي توصلها بسهولة الطرفة إلى أذهان الجميع بمن فيهم أصحاب الأفكار المسبقة وربما وقف بعض العنصريين أمام دلالة مثل هذه القصة؟!

والمؤلف إذ يتجاوز الفروقات المحتملة (والمثيرة للجدل) بين اللص وبين حركات التحرر، التي اعتمدت في كفاحها ما يسميه الأميركيون بالإرهاب، فإنه يطرح أمام القارئ المفارقة في تفسير مفهوم الإرهاب. وحول هذه المفارقة يدور محور الكتاب "قراصنة وأباطرة".

وتشومسكي كعادته لا يكتفي بالمعاينة بل هو يعود بالمصطلحات إلى جذورها وأصولها. وهو يعود في دراسته لمصطلح "الإرهاب" إلى جذوره في نهاية القرن الثامن عشر حين تبدت عمليات عنف حكومية (منظمة وذات غطاء شرعي بالتالي) هدفت إلى ضمان خضوع الشعب للحكومة.

هذا وتشكل وقائع الصراع العربي الإسرائيلي (التي دار جانب منها على الأرض اللبنانية) مادة هامة من مواد الكتاب الذي ينظر مؤلفه إلى مصطلح الإرهاب نظرة تنطوي على الكثير من السخرية والرفض المباشر لأسلوب أصحاب هذا المفهوم في تصنيفهم للأفراد وللجماعات. وهو يورد مقارنة جريئة فيقول : "عندما تقوم إسرائيل بقصف مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، وتقتل كثيراً من المدنيين، حتى دون أي موجب للثأر منهم، أو حين ترسل قواتها داخل المدن اللبنانية في عمليات تدعوها بـ"مكافحة الإرهاب" حيث تقتل وتدمر أو حين تختطف إسرائيل السفن وتحتجز مئات الرهائن في معسكرات الاعتقال، في ظروف مخيفة، فإن هذا ليس إرهاباً؟!


مثلث الشؤم

تشومسكي يدين رغبة السلام لدى إسرائيل ( 1 )

تتمتّع اللغة بأفضلية تفسيرها للواقع وصياغتها للأفكار غير المتشكلة الخاصة به. ومن هذه الأفضلية ينبع دور اللغة في المعايشة الإنسانية وتوجيهها لسبل وأشكال الذات في الزمان والمكان. وبغضّ النظر عن مدى حماس أو معارضة الاختصاصيين لهذه المبادئ فإن علم النفس اللغوي قد بات اليوم واحداً من الفروع المكرّسة في علم النفس. والكتاب الذي نتناوله ليس من كتب هذا الفرع وإنما هو كتاب يضم الأفكار غير المشكلة لعالم اللغويات الشهير تشومسكي. وعدم التشكل هذا هو الذي يعطي الكتاب طابع علم النفس اللغوي والسياسي والعرقي والمستقبلي. فالكتاب نشر قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وتوضيحاً لخلفيات الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

لقد درجت عادة الإعلام الأميركي على اتهام معارضي النموذج الرسمي بتهم الراديكالية أو التطرف أو الفوضوية وهذه التهم لا تلتصق بتشومسكي الذي عرف عالمياً كمناضل من أجل حقوق الإنسان وكعالم من المشاهير. لذا كانت التهمة الموجهة إليه جديدة شكلاً وطريقة ومضموناً وهي : "إنه" يهودى يكره نفسه " من جهته يعتبر المؤلف أنه ملتزم ذهنياً وأخلاقياً بمبدأ بسيط هو "قول الحقيقة وكشف الأكاذيب". فما هو سبيله إلى قول الحقيقة؟.

يوثق تشومسكي الحقيقة التي يقولها بحوالي الألف مرجع. وهذه المراجع هي في غالبيتها من الصحافة المكتوبة باللغة العبرية. الأمر الذي يحسم مسألة التشكيك في مصداقية هذه المراجع. ومن جوانب الحقيقة التي يعرضها الكتاب نذكر :

- قول بيغن : إن الاجتياح هو من أجل سلامة إسرائيل وهي لم تطمع ببوصة من الأراضي اللبنانية000 (فإذا ما تذكرنا هذا القول بعد عشر سنوات على صدوره رأينا أن لتشومسكي رؤية مستقبلية واضحة عندما نعت هذا القول بالكذب. فها هي إسرائيل لا تزال حاضرة في الجنوب اللبناني).

- تقدمت الدول العربية بعروض سلام متعددة يذكر منها : مصر في الأعوام 70و71و77 ودول المواجهة في 76و77 ومنظمة التحرير في 74و77 كما يذكر مشروع الملك فهد عام 1981 ومقرّرات قمة فاس عام 1982. وهو يعتبر أن رغبة العرب في السلام كانت تقابل برعب إسرائيلي، حتى أنه يصل إلى حد اعتبار الاجتياح كنتيجة لذعر إسرائيل من مشروع الملك فهد. إذ قامت أولاً بانتهاك المجال الجوي السعودي موحية بإمكانية ضربها لحقول النفط. ثم عمدت إلى خيار الاجتياح كي تقلب الطاولة على الرؤوس.

- يقف المؤلف عند قول الجنرال إيتان : "إن الدفاع عن الضفة الغربية يبدأ من بيروت الغربية" ليستنتج أن الذعر الإسرائيلي لم ينجم فقط عن مشروع السلام وإنما نجم أيضاً عن قدرة منظمة التحرير على المحافظة على وقف إطلاق النار على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية. الأمر الذي جعل اتهامها بالإرهاب مفتقداً للعديد من المبرّرات.

ونكتفي بهذه النقاط كأمثلة على أسلوب تشومسكي في قول الحقيقة وفي كشف الأكاذيب التي تمثل ضمناً النموذج الرسمي لواقعة الاجتياح وللصراع العربي الإسرائيلي عموماً.

أما لماذا نتذكر هذا الكتاب اليوم وبعد فترة طويلة على صدوره، فجوابنا عليه يتلخّص بالنقاط التالية :

‌أ- استمرارية الأزمة الناجمة عن الاجتياح : وهذه الاستمرارية تتمثّل باستمرار احتلال إسرائيل لقسم من الأراضي اللبنانية وهو استمرار يمنع أو على الأقل يعرقل عودة السلام إلى لبنان. هذه العودة التي تثير في إسرائيل ذعراً يوازي ذعرها الذي انتج الاجتياح.

‌ب- لا وعي المعاناة : لقد قصرت سياستنا الصحية وجامعاتنا في مجال دراسة انعكاسات الاجتياح واستمراريته وبخاصة على الصعيدين النفسي والجسدي، في حين أعلنت إسرائيل عن وفاة أحد مواطنيها بسبب الشدّة أثناء حرب الخليج!؟.

‌ج- يحتوي الكتاب على طروحات مستقبلية غاية في الخطورة والأهمية ومنها:

- رغبة إسرائيل في طرد أعداد كبيرة من سكان الضفة الغربية وتحويل إسرائيل، على غرار جنوب أفريقيا، إلى مجتمع "البانتوستان" (أي نظام الأقاليم المتعدّدة) والالتزام بالحفاظ على هذا التمزّق.

- يطرح المؤلف سيناريو، يعتبره أكثر احتمالاً، يتمثّل بقيام إسرائيل بخطوات انفرادية مخالفة لمصالح الولايات المتحدة ورغباتها.

- يشير المؤلف إلى كون الخلاف الأميركي الداخلي متمحوراً حول التكتيك المؤدي للحفاظ على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط بالصورة المثلى (السيطرة على موارد النفط واستمرار تدفق البترودولار). فما هو شكل هذا الخلاف الداخلي اليوم؟.

إن هذا الكتاب هو مرجع سياسي وتاريخي ولكنه أيضاً مرجع إنساني وهذا هو الأهم، إذ يشكل مرجعاً من المراجع المهمة لدراسة الشخصيتين العربية والإسرائيلية وصورهما الهوامية في

1 منشورة في مجلة الثقافة النفسية المتخصصة العدد الحادي عشر 1992.

2 نعوم تشومسكي: قراصنة وأباطرة ترجمة محمود برهوم منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق