| ||||||
لم تخل حقبة زمنية سواء طالت أم قصرت من طرح نظريات وإفتراضات حول مدى سيطرة فئة تكون مجهولة في الغالب ومحاطة بالكثير من الأسرار والأساطير على الأنظمة الحاكمة، خاصة كلما كانت تلك الأنظمة قوية ولديها تأثير خارق على الأنظمة الأخرى من حولها، وطبقا لمصالح كل دولة، سيكون من الطبيعي أن تطرح الكثير من الأساطير وتبذل الكثير من الجهود للتدليل على وجود قوى خفية تتحكم في القوى العلنية وتسيطر عليها ومن ثم تكون هي الصانع الحقيقي للقرار. ولو كان الأمر يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها تسيطر على العالم في هذه الحقبة الزمنية، وبصفتها القوة الأكثر هيمنة على العالم وبصفة خاصة على العديد من الأنظمة في الشرق الأوسط، فإن نظرية تأثير اللوبي اليهودي على القرار الأمريكي أصبحت من الأسس الراسخة في الدوائر العربية بشتى أطيافها، وبات الأمر أشبه بالثقافة العامة، ولم تتوان المنتديات العربية السياسية والثقافية والإعلامية عن طرح مدى سيطرة اللوبي اليهودي على صندوق الإنتخابات الأمريكي للمؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية - الكونجرس بمجلسيه.. مجلس النواب ومجلس الشيوخ - وبالتالي من الممكن ترجمة هذه السيطرة على شكل القوانين التي يتم سنها والتي تصب في مصلحة إسرائيل، أو حتى على المؤسسات الأمريكية التي تعفى من الضرائب، والتي ترجمت عمليا أيضا إلى إعفاء العشرات من المؤسسات اليهودية من الضرائب بشكل لم يأتي بالصدفة. إذن، وإذا كان الحديث عن لوبي يهودي أشبه بالشكل الهلامي الذي لا يمكن تحديد مظهره الخارجي الثابت، ويمكنه أن يتلون ويتحرك بشكل لا يبدو واضحا أو منتظما، ولكنه في النهاية يؤثر، فالكونجرس وبضغط اللوبي اليهودي يفتح خزائن السياسة أمام دولة إسرائيل، بينما يفتح البنتاجون خزائن السلاح أمامها، وأخيرا تفتح الكنيسة خزائن البركات، فلا مجال لإدانة إسرائيل فالأمر يمس العقيدة، حتى ولو كان الحديث عن مذابح يدينها العالم بأسره على إستحياء، ولكنه في النهاية لن يدين إسرائيل بالشكل العملي الذي قد يضر بوضعها الإستراتيجي. ولكن وسط هذه النغمة التي لم تتوقف منذ اليوم الاول للإعلان عن قيام دولة إسرائيل، هناك نغمة جديدة ربما لم تكن متوقعة خاصة في الحقبة الزمنية التي سبقت تغيير الإدارة الأمريكية، والثورة التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية حين وصل للمرة الأولى رئيس أسود البشرة إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2009، ولكن قبل ذلك كان الأمر مجرد خيال. النغمة الجديدة التي تتزامن مع العديد من الشائعات التي صاحبت دخول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وتزامنت مع الجدل الدائر حتى اليوم حول أصوله وديانته الحقيقية، وهل هو مسلم أم مسيحي، أم أنه الرجل الذي يمكنه أن يقنع المسلمين بأنه منهم، وفي الوقت نفسه لا يشك المسيحيون في حقيقة أنه مسيحي أصيل، فكان من الطبيعي أن يثير الأمر حفيظة الجبهة التي طالما سيطرت على دهاليز صناعة القرار الأمريكي – اللوبي اليهودي - فيما يرضي هذا الجدل الشارع العربي نسبيا، والذي شعر للمرة الاولى أن له صديق حقيقي في البيت الأبيض. ولكن مثل هذه الإستراتيجية التي حددها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم تكن لتمرر هكذا لتصبح أساس للسياسة الامريكية، خاصة فيما يتعلق بأسلوب العمل تجاة الشرق الأوسط، فالرجل مصمم على دفع عجلة السلام في الشرق الأوسط، ويمارس ضغوط حقيقية على إسرائيل لم يكن يتوقعها من عاشوا في نعيم جورج بوش من أعضاء اللوبي الإسرائيلي، ويسحب قواته المحاربة من العراق، ويصر على عدم إستخدام القوة أمام إيران، ويؤكد إحترامه للدين الإسلامي وعدم عدائه له، وسط كل ذلك كان من الطبيعي أن تظهر نزعة جديدة من بين براثن اللوبي اليهودي، والذي لم يرضيه كل ذلك، ليتجاوز الإنتقادات التقليدية التي من الممكن أن توجه لرئيس أمريكي، لتصل إلى حرب أيدلولجية ضد الرئيس الأسود، لا تخلو حتى من طرح مزاعم قد لا تبدو منطقية، ولكنها في النهاية تظهر جانب مما حدث في الدوائر السرية التي تضغط على صانع القرار، وبالتالي تظهر موقف هذه الدوائر ذات الصلة المباشرة بدولة إسرائيل ومصالحها الإستراتيجية. اللوبي العربي/ السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية: (اللوبي العربي/ The Arab Lobby) كتاب جديد صدر مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكية، يحاول أن يغذي هذه النزعة، ويتحدث عن لوبي عربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ويعتبره المؤلف الأقوى وصاحب التأثير الأكبر للغاية على واشنطن وعلى إدارة أوباما على وجه الخصوص، أكثر بكثير من اللوبي اليهودي. مؤلف الكتاب هو الخبير الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط د. ميتشل بيرد Mitchell Bard، والذي قرر بذل هذا الجهد الكبير من أجل إثبات حقيقة واحدة من وجهة نظره، فقد أراد أن يوجه رسالة تحذيرية لإسرائيل ولمن يتبعونها، بأن ثمة لوبي عربي خطير، وأن نفوذ هذا اللوبي الذي تقوده المملكة العربية السعودية فاق اللوبي اليهودي تأثيرا وقوة. ومن جانب آخر يحاول الكتاب أن يدحض الرواية الثابتة التي تتحدث عن مدى تأثير منظمة AIPAC; إيباك (لجنة العلاقات العامة الأمريكية – الإسرائيلية) على صناعة القرار الأمريكي، وبالتالي يشكل الكتاب ورقة ضغط على الإدارة الأمريكية التي تتصاعد ضدها الضغوط تدريجيا، ولم تصل إلى ذروتها بعد، خاصة وأنها واجهت مشاكل وأزمات داخلية أخرى كانت على رأس أولوياتها، وعلى رأسها الأزمة الإقتصادية العالمية وأزمة الرهن العقاري، وبالتالي إنتظرت هذه القوى الخفية الفرصة لتحاسب إدارة أوباما بمجرد أن تصبح إسرائيل هي القضية الأولى على الأجندة الأمريكية ضمن ما يتم تداوله إعلاميا تحت مسمى (النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، أو بصفة أشمل - ملف مسيرة السلام في الشرق الأوسط). ومؤلف الكتاب ليس بالشخص المجهول، وهنا تكمن أهميته ومدى تأثيره، حيث ألف د. ميشيل بيرد 23 كتابا قبل هذا الكتاب، كما أنه مديرا لواحدة من المنظمات المعرفية الكبرى الخاصة بكل ما يتعلق باليهودية على شبكة الإنترنت وهي منظمة Jewish Virtual Library (JVL) أو المكتبة اليهودية الإفتراضية، كما يترأس منظمة AICE للتعاون الأمريكي – الإسرائيلي، ويعتبر من أهم الضيوف الثابتين في وسائل الإعلام والصحف الأمريكية، والتي تتسابق على محاورته طالما كان الأمر يتعلق بالنزاع في الشرق الأوسط. ويزعم المؤلف في كتاب (اللوبي العربي) أن الفارق هو أن اللوبي اليهودي يحظى بشعبية وتأييد من قبل مئات الآلاف من المتعاطفين والمؤيدين في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تعتبر مشكلة اللوبي العربي هي أنه بلا قاعدة جماهيرية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ويتجلى الأمر في إستطلاعات الرأي التي تظهر دائما مدى التأييد الجماهيري الأمريكي لإسرائيل، حتى في الأوقات التي يدينها العالم بأسره مثلما حدث على سبيل المثال في واقعة (أسطول الحرية). ويعتبر المؤلف أن العنصر الأقوى للغاية في اللوبي العربي هو الشخصيات القيادية في هذا اللوبي، وربما يقصد زعامات عربية بعينها، ويعتبر أن هذه الزعامات التي تمتلك طاقات وثروات هائلة تمثل مصلحتها الخاصة أو مصلحة دولة ما، ولا تحرص على المصلحة الأمريكية، وبسبب الإمكانيات غير المحدودة تحاول هذه الشخصيات شراء مالا تستطيع تحقيقه من خلال الخطابات والمزاعم غير المقنعة – من وجهة نظر المؤلف. وبسبب تأييد الشارع الامريكي للوبي اليهودي الذي يعمل لصالح إسرائيل، والذي يتمثل من وجهة نظر المؤلف في الإنتخابات مثلا، فإن العرب وخاصة السعوديين يضطرون لإتباع أسلوب يعتبر على النقيض من الأسلوب الذي يتبعه اللوبي اليهودي أو اللوبي الإسرائيلي بصفة عامة، حيث يزعم المؤلف أن العرب يتوجهون إلى أصحاب النفوذ والتأثير مباشرة، خاصة الشخصيات الدبلوماسية في وزارة الخارجية الأمريكية أو المستشارين والمساعدين في البيت الأبيض أو المشرعين أنفسهم، وأن الهدف هو تحويلهم إلى تكتل لصالح السعودية داخل واشنطن. ويزعم المؤلف أن اللوبي السعودي ينجح في توجيه الضربات للوبي الإسرائيلي مرة تلو الأخرى قي المواجهات المتعلقة بموضوعات حيوية مثل بيع الأسلحة الزكية للغاية لإسرائيل أو نقل السفارة الأمريكية من مدينة تل أبيب إلى مدينة القدس.
|
اللوبي العربي" في الولايات المتحدة الأمريكية
هل نجحت السعودية في ضرب اللوبي اليهودي في عقر داره؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق