ارتبط النجاح الاقتصادي لليهود بتركيزهم على ميادين الربح غير التقليدية. فمن الربا الى السمسرة فالبورصات واخيرا" التكنولوجيا الحديثة. وهذه الميادين ترتبط ببعضها البعض بخصائص مشتركة. اذ تتطلب مقدارا" من المهارة الشخصية المستعدة لاطلاق عدوانيتها دون رادع. كما تتطلب توظيفا" لمقدار اكبر من المال لكنه توظيف قصير الأمد. وهذه الصفة الأخيرة هي الأهم بالنسبة لليهود الذين يسعون دائما" للاستثمار السريع لأنه يتيح لهم استرداد اموالهم بسرعة في حالات الطواريء. انها نوع من التجارة البدوية الحديثة. وفيها يشترط التوظيف امكانية الاسترداد السريعة لرأس المال. هكذا ابدع اليهود وتصدروا هذه المجالات الاقتصادية. وهي تنسجم مع قناعتهم بعدم رفض الكسب مهما كان نوعه أو مصدره وتحت اي رادع كان. وهدا ما يشير له نوبسنر (استاذ اللاهوت اليهودي /وهو يهودي بدوره) بقوله: "من المعروف انه في حال تعارض مصلحة اليهودي مع مصلحة الرب فان اليهودي يغلب مصلحته.
بالانتقال الى الاقتصاد الاسرائيلي نجد انه يلتزم مباديء المصلحة اليهودية وميادينها. فادا ما نحينا المساعدات الهائلة التي تتلقاها اسرائيل لوجدنا ان مداخييلها الأخرى تتوزع على النحو التالي:
1. الصفقات المشبوهة: التي تتضمن تدريب جنرالاتها المتقاعدين لرجال كارتيل المخدرات ولرجال العصابات والمتقاتلين في الحروب الأهلية ( التي ازدهرت وغيرها من أشكال الحروب الصغيرة بسبب سياسة النظام العالمي الجديد). وتقديم الخدمات الاستخباراتية وبيع الأسلحة والأسرار العسكرية. وغيرها من الصفقات التي لاتتسع للأخلاقيات ولو بصورها الشكلية.
2. تجارة المخدرات: منذ نهاية الثمانينيات دخلت اسرائيل شريكا" كامل العضوية في تجارة المخدرات الشرق اوسطية. بصورة تتجاوز ثوابتها السياسية عداك عن فقدان الوازع الاخلاقي.
3. السياحة السوداء: حيث غالبية السواح القادمين الى اسرائيل لاتنطبق عليهم صفات السائح العادي. اذ يتوزع هؤلاء السواح على الفئات التالية:
一. السياحة الدينية: وفيها حائط المبكى وعظام الهدهد وأساطير أخرى تجذب يهود العالم نحو ما يشبه الفولكلور اليهودي. حيث غالبينهم لايؤمنون بتفاصيل هذا الفولكلور.
二. السواح الهامشيون: حيث تعمل اسرائيل على تشجيع الحركات الهامشية بين غير اليهود. وتعمل على استقطابهم والافادة منهم. مثال ذلك الترويج لصورة اسرائيل كجنة للشواد. وتشجيع تجمعات الهامشيين في الكرمل لقناعتهم بنهاية العالم في العام 2000 عداك عن حركات المسيحية الصهيونية...الخ.
三. السياحة السياسية: التي بدأت بدعوة طلاب العالم لقضاء الصيف في الكيبوتزات. ومرت بدعوة اولاد اليهود لزيارة اسرائيل مجانا" وصولا" الى دعوات الزيارة الموجهة الى الذين يقدمون خدماتهم لاسرائيل.
四. السياحة الجنسية: التي وصلت الى اوجها مع قدوم اليهوديات الروس ونشوء عصابات تخصصت باستغلالهم في سوق البغاء الاسرائيلي الذي اعلنت صحيفة جيروزاليم بوست عن بلوغه حد ال500 مليون دولار سنويا". في مقابل ملياري دولار كدخل سنوي اجمالي للسياحة الاسرائيلية.( ارتفع الى3,5 مليار مع قدوم مهووسي الالفية (1999/2000). لينخفض الى 1.4 مليار بسبب الانتفاضة.)
4. تجارة الالكترونيات الحديثة: التي تحتاج الى توظيفات مالية كبيرة لكنها قادرة على الانتقال بسرعة فائقة في حال تهددتها الأخطار.
لجملة هذه الأسباب والمكاسب التي يحققها الاقتصاد الاسرائيلي عبرها وجدنا العديد من المثقفين العرب يعارضون مقولتنا, التي ضمناها كتابنا المعنون "النفس المغلولة – سيكولوجية السياسة الاسرائيلية", حول كون الاقتصاد الاسرائيلي اقتصاد معونات. وتتدعم هده المعارضة بمستوى النمو الدي حققه الاقتصاد الاسرائيلي في العام 1999 حيث وصلت هذه النسبة الى حدود ال 8% (مع توقع نمو 4,5 % للعام 2001). عداك عن توجه ثلث الصادرات الاسرائيلية الى الولايات المتحدة وثلث آخر الى اوروبا. في حين يتوزع الثلث الباقي على بقية دول العالم (بما فيها الدول العربية).
في المقابل استند اصرارنا على صفة اقتصاد المعونات الى عدم ثبات المداخيل الاسرائيلية والى بداوتها. فصانع المعلوماتية مطلوب في انحاء عديدة من العالم ومصنعه لا يتجاوز حاسوبه النقال الدي يحمله معه انى ذهب. وها هي الانتفاضة تأتي لتؤكد بداوة المصادر الاقتصادية الاسرائيلية. وهو تأكيد تدعمه التقارير الاقتصادية الصادرة حول وضع الاقتصاد الاسرائيلي تحت وطأة الانتفاضة.
الحالة الراهنة للأقتصاد الاسرائيلي
يشير تقرير صندوق النقد الدولي الى وقوف معدل نمو الاقتصاد الاسرائيلي هدا العام عند حدود ال2% في حين كان متوقعا" له بلوغ عتبة ال4,5 %. وهذا التراجع يلخص الآثار الاقتصادية للانتفاضة. ويتدعم هذا التقرير بتكذيب بعض رجال الأعمال الاسرائيليين له بالقول ان الوضع على الأرض (الواقعي) اسوأ من ذلك بكثير. وهذا ما تؤكده الجيروزاليم بوست باعلانها تراجع النمو الى 1% بما يوحي ان هذا التراجع قابل للتفاقم.
وبالعودة الى يومية غلونر الاقتصادية الاسرائيلية نجد ان اشغال الفنادق قد تراجع بنسبة25 % اما الدخل السياحي فقد انخفض بنسبة 58 % مما انعكس ببطالة في قطاع السياحة طاولت 77000 شخص لغاية الآن. وبدأت بعض الفنادق تغلق ابوابها بسبب عجزها عن الاستمرار في ظل موسم سياحي كاسد بسبب الخوف من الانتفاضة. وهو الخوف الذي لجأت اسرائيل الى مختلف السبل المتاحة لتجاوزه. ومن هده السبل دعوتها للسياحة المجانية عددا" من كبار الصحافيين الاجانب (الأميركيين خصوصا") على ان يكتبوا مقالات, لدى عودتهم الى بلادهم, تبدد هدا الخوف. وهذا ماحصل فعلا" مع صحافيي كبار اليوميات الاميركية ولكن دون نتيجة. وتبقى الدراسة الميدانية للوضع هي الالصق بالواقع. حيث تصدت يومية غلونر لهذه المهمة فقابلت بعض كبار رجال الاعمال الاسرائيليين. ونعطي مثالا" على الحالة الاقتصادية التصريح الدي ادلى به شيمي بيريز (ابن وزير الخارجية شمعون بيريز) الذي يتاجر بالالكترونيات الحديثة اذ يقول: ان التراجع الحاصل في بورصة الالكترونيات الحديثة يخفض تدفق المستثمرين فيها. وانا شخصيا" لم اعد مهتما" بالربح بقدر اهتمامي بالمحافظة على اساس شركاتي ورأسمالي. ولهذا التصريح دلالة غاية في الخطورة لأن غالبية الصادرات الاسرائيلية المعلنة تنتمي الى هذا الحقل. الذي يعني تراجعه المنتظم تراجعا" منهجيا" لخطط التنمية الاسرائيلية. وهذا ما يجعل الاسرائيليين شديدي الخوف على وضعهم الاقتصادي. لادراكهم واقعة قيامه على التبعية متعددة الصعد. بدءا" من اليهود الأميركيين وصولا" الى المساعدات الاميركية المباشرة.
الأسباب الموضوعية للتراجع الاقتصادي الاسرائيلي
ان تحميل الانتفاضة مسؤولية تدهور الاوضاع الاقتصادية في اسرائيل ينطوي على مبالغة لايقبلها الحس السليم. خاصة وان الفلسطينيين يعانون في المقابل من حصار يهدد بانتشار سوء التغذية بينهم. دون ان يعني ذلك بحال تجاهل مساهمتها في تعقيد الظروف السيئة للاقتصاد الاسرائيلي (خصوصا" على صعيد السياحة ,حيث من الطبيعي ان يهرب السائح من المناطق الساخنة, وعلى صعيد قطاعي الزراعة والبناء اللذان يعتمدان على اليد العاملة الفلسطينية الرخيصة). ففي المقابل لانستطيع تجاهل انعكاسات الأزمة الاقتصادية الاميركية على دولة تابعة لها مثل اسرائيل. فقد كان تراجع النمو الاسرائيلي متوقعا" ومبرمجا" قبل اندلاع الانتفاضة. ولما حدثت فان الاعلان الاميركي الوحيد الواضح كان تطمين اسرائيل باستمرارية اميركا في دعمها لتخطي أزماتها والاقتصادية ضمنا" بالطبع. ولعلنا لانحتاج الى التذكير بالتعويضات الاميركية لاسرائيل عن خسائرها وأضرارها من حرب الخليج.
الا أن كل ذلك لايعني بدوره الغاء دور الانتفاضة الوظيفي على الصعيد الاقتصادي. اذ كانت مناسبة لاطلاع الراي العام العالمي على جملة بديهيات كانت مموهة اعلاميا" واهمها التالية:
1. الشقاء والفقر الذي يعيش فيه الفلسطينيون.
2. اعتماد اسرائيل لسياسة الحصار (لغاية التجويع) كوسيلة ضغط سياسية. بما يتنافى وحقوق الانسان.
3. الدعم الأميركي ،غير المشروط ، للاقتصاد الاسرائيلي.
4. ادراك السواح والمستثمرين في اسرائيل لوجود ظلم يدفع بالفلسطيني الى حدود تفجير نفسه. بما يعكس أقصى درجات اليأس ويجعل من اسرائيل دولة غير آمنة على المدى المتوسط والبعيد. وهو توقع يتدعم بمراقبة حجم الهجرة اليهودية من اسرائيل اثناء الانتفاضة.
5. ارتباط الاقتصاد الاسرائيلي بالمعونات الأميركية المباشرة وغير المباشرة ( استثمارات ، شراكة صناعية، معاملة خاصة…الخ). وكذلك مشاركتها في الأموال السوداء (تجارة المخدرات وغسيل الأموال وتجارة الأسلحة والأسرار التقنية وغيرها).
6. ان اسرائيل تدفع ثمنا" لحصارها للفلسطينيين لكونهم يشكلون اليد العاملة الرخيصة لمختلف صناعاتها ونشاطات الحياة اليومية فيها.
7. قدرة اسرائيل (عبر الضغط الأميركي) على تقنين المساعدات العربية للفلسطينيين.
8. قدرة الفلسطينيين على شل نشاطات الحياة اليومية في اسرائيل ولو بتفجير اجسادهم.
9. استعداد اليهود لمغادرة أرض ميعادهم في حال الأزمات وانخفاض الدخل فيها. في مقابل الفقر الفلسطيني المرتبط بالأرض ضمن ظروف اقتصادية بائسة.
10. الخسائر التي الحقتها الانتفاضة بالاقتصاد الاسرائيلي (راجع اعلاه). والتي تستلزم طلب العون الأميركي. بل قل البدل لأن اسرائيل تحسن تسويق خدماتها في السوق الأميركية. بحيث حولت وضعية الانتفاضة الى مجال للمساومة على المصالح الأميركية في المنطقة. ومن ثم طلب البدل بعد تنفيذ ما تتطلبه هذه المصالح.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق