Facebook

عدالة بعض الوقت " “عن ضرورة رحيل النائب العام “ "

تقرير الشبكة العربية لحقوق الانسان

 الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
يهدف هذا التقرير إلى إلقاء الضوء على جهاز النيابة العامة وأداءه كجزء من منظومة العدالة في مصر ، حيث يطرح عبر لمحة سريعة بعض من أسباب انتقادنا لممارسات القائمين عليه قبل ثورة الخامس والعشرينمن يناير ، كما يطرح أمثلة لأدائه عقب الثورة ، بحيث يجيب على تساؤل هام هو ، لماذا ينبغي أن يرحل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود ومساعدة المستشار عادل السعيد؟. وذلك كضرورة ملحة وخطوة هامة لإعادة الثقة في جهاز النيابة العامة التي طالما نادي بها مواطني مصر ، فضلا عن حركة استقلال القضاء التي كان لها دورا كبيرا في حركة المطالبة بالديمقراطية في مصر.
الجزء الأول : نماذج من أداء النيابة العامة قبل ثورة يناير 2011:
أولا: 1
في 25مايو 2006 ، اختطف بعض الضباط الناشط السياسي محمد الشرقاوي ، الذي لم يكن قد مضى على مغادرته السجن سوى 48ساعة ” أخلى سبيله في 23مايو عقب اعتقاله بتهمة التضامن مع القضاة المصريين المطالبين باستقلال القضاء في ابريل 2006 ” وقاموا بتعذيبه بشكل سادي ومتوحش ، لمدة ساعات ، ثم تم اصطحابه لنيابة أمن الدولة متهما ، حتى أن رئيس النيابة الذي باشر التحقيق معه(رئيس النيابة محمد فيصل) فوجئ بملابسه الممزقة ووجهه المشوه من اثر التعذيب التي ملئت أغلب أنحاء جسده ، وكاد ان يقبل بطلب المحامين بتحويله للطب الشرعي لاثبات ما به من اصابات ، لولا تليفون وصل لرئيس النيابة آنذاك ، جعله يتغاضى عن أثار التعذيب ويقرر حبس الناشط السياسي بدلا من تحويله للطب الشرعي.
وظل الناشط السياسي سجينا بسجن طره، ولم تفلح محاولات المحامين لإقناع النائب العام في هذا الوقت “المستشار ماهر عبدالواحد في إجراء تحقيق في واقعة التعذيب أو تقديم العلاج للناشط السياسي السجين ، حتى صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 225 لسنة 2006 الصادر في 1 / 7 / 2006 بتعيين المستشار عبدالمجيد محمود نائبا عاما ، بدلا من المستشار ماهر عبدالواحد.
تنفس كل النشطاء السياسيين والعاملين بحقل القانون الصعداء ، وقام محامو الشرقاوي بطرق أبواب النائب العام الجديد بحثا عن تنفيذ مطلب قانوني عادل لمدة 18يوما ، دون جدوى ، حيث افرج عن الشرقاوي في 19يوليو 2006 ، فيما لم يتم إجراء أي تحقيق في وقائع التعذيب التي تعرض لها سجين الرأي ، وحتى اليوم.!!!!!!!!!!!!!!
ثانيا:2
1. نيابة أمن الدولة س: وما قولك وقد ثبت لدينا بمطالعة المقال المنشور بذات العدد والموقع منك اشتماله على تأكيد بشأن المرض في سياق عبارات تحمل بالضرورة على إثارة الفزع لدي الناس!!!؟
اعترض المحامون بشدة أن هذه الصيغة تنقل النيابة من التحقيق للاتهام .
عيسى:لم أفهم صيغة السؤال.
نيابة أمن الدولة س:ما قولك وقد تضمن مقالك تأكيد لشائعة المرض في سياق عبارات من شأنها إثارة الفزع؟“ملحوظة ابدي الدفاع اعتراض على السؤال مبررا ذلك بأنه يحمل على القول بنيه النيابة وطلب الدفاع إثبات الملحوظة“؟
عيسى: كان المقال قاطعا بنفي صحة شائعة المرض الخطير ، حيث أن المطلوب من الصحافة هو إثبات أو نفي صحة الشائعة. أما الشائعة نفسها فهي متداولة بين الناس ولا دخل لي بها
2. نيابة أمن الدولة س: وما الذي تقصده من عنوان المقال ” الآلهة لا تمرض” ؟
عيسي: اقصد ان الآلهة لا تمرض و ان البشر يمرضون و أكدت من هذا العنوان التي يبدو انها في حاجة للتأكيد من وقت لأخر
3. نيابة أمن الدولة س: فما قولك فيما خلصنا إليه من مطالعة ما نشرته بصحيفة الدستور ضمن العددين 130 ، 132 من اشتمالهما علي خبر لم تؤيد صحته بدليل مفاده مرض السيد الرئيس بما يوثر علي قراراته علي حد المنشور و هو ما ينفي قولك ان المرض عادي و طبيعي كما يتخلف لدي القارئ لمجمل هذا المنشور ما يوكد صحة الشائعة؟
عيسي : جاء مقالي نافيا تماما لشائعة تدهور صحة الرئيس و أكدت علي ان المرض الذي يعاني منه الرئيس طبيعي و عادي و لم يرد في المقال من قريب او بعيد أي إشارة الي ان هذا المرض العادي و البسيط يوثر علي قرارات الرئيس و الذي لم ينفي احد وجوده حتى و قتنا هذا….. الخ
النقاط الثلاثة السابقة، هي جزء من تحقيق أجراه رئيس نيابة أمن الدولة ( ايضا محمد فيصل) الأربعاء 5 سبتمبر 2007م. مع الكاتب الصحفي ابراهيم عيسى في مقر نيابة أمن الدولة العليا ، بالقاهرة الجديدة ، في الشكوى المقدمة من المدعو سمير الششتاوي ، الذي يتهم فيه ابراهيم عيسى بإثارة الفزع بين المواطنين فيما سمي بقضية صحة الرئيس ،والنقاط الثلاثة توضح التفتيش في الضمائر ، فضلا عن النية المسبقة لنيابة أمن الدولة حينما تقول في تحقيق لم يكتمل ( ثبت لدينا … وخلصنا الى) وهو ما يعني تكوينها رأيا ونية لمعاقبة صحفي لم تكن جريمته سوى الكتابة الصحفية.
ثالثا:3
في 19أغسطس 2007 ،طلبت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان من النائب العام ، المستشار عبدالمجيد محمود إنتداب قاضي تحقيق ليستكمل التحقيقات مع المتهمين المنتمين لمنظمة “مسيحيو الشرق الأوسط” ، نظرا لكم التجاوزات التي تمارسها نيابة أمن الدولة مع المتهمين ، والتي تسم التحقيق بالانحياز وعدم الشفافية.
وكان المتهمين “عادل فوزي وبيتر عزت” قد ألقي القبض عليهما منذ الأربعاء 8 أغسطس ، ومثلا أما نيابة أمن الدولة سبعة مرات ، و حضرت معهما محامية من الشبكة العربية خمسة تحقيقات ، ضمن فريق الدفاع ، حيث رصدت بعض التجاوزات وإهدار العديد من ضمانات المتهم في تحقيقات عادلة منها :
* حث المتهمين على رفض حضور محامين من منظمات حقوق الإنسان.
* رفض إطلاع المتهمين ومحاميهما على الشكوى المقدمة ضدهما وكذلك مذكرة التحريات.
* تعمد إرهاق المتهمين ومحاميهما عبر بدء التحقيق في ساعات متأخرة واستمراره بعض الأحيان لمنتصف الليل.
* عدم السماح للمتهمين بإثبات ضياع أو غياب العديد من الأوراق التي استولت عليها قوات أمن الدولة عند القبض عليهما.
* توجيه أسئلة غير قانونية و تدخل في نطاق التفتيش في الضمائر من عينة“ما رأيك في.. ؟ .. ما هو موقفك الشخصي من .. ؟
* تجاهل النيابة لقيام أجهزة الأمن بتفتيش منزل والدة المتهم دون إذن نيابة !!
وبالطبع لم يستجب النائب العام، ولم يلتفت لهذا المطلب على الاطلاق.
رابعا :4
في 6فبراير 2009 إختطفت أجهزة أمن الدولة المدون ضياء جاد من أمام منزله بأحد مراكز مدينة طنطا ، بسبب كتابته نقدا ضد الرئيس مبارك وأداءة خلال الهجوم الاسرائيلي على غزة الذي بدأ في ديسمبر 2008 واستمر حتى بدايات 2009، وبعد بحث مضني من محاميي الشبكة العربية ، استطاعوا التوصل إلى تحديد مكانة في مقر مباحث أمن الدولة المعروف بلاظوغلي ، وحين توجهوا لمكتب النائب العام ، فوجئوا بالنائب العام المساعد المستشار عادل السعيد ، يبلغهم ببساطة أنه في لاظوغلي وبدلا من أن يأمر بفتح تحقيق في واقعة اختطاف مواطن واحتجازه في مكان غير قانوني ، طلب من محاميي الشبكة العربية أن يتوجهوا إلى أحد ضباط أمن الدولة في لاظوغلي لرؤية المدون الشاب! والمفارقة أن النائب العام المساعد ، ورغم قيامه بدور الوسيط بدلا من دول الممثل للمجتمع ، فقط رفض ضابط أمن الدولة أن يسمح للمحامين برؤية المدون الشاب ، الذي تم نقله الى سجن القطا بالجيزة ، ولم يفرج عنه حتى مارس 2009 ، وبالطبع مرت واقعة سوء معاملته واختطافه بدون تحقيق حتى اليوم!.
خامسا:5
في ابريل 2009 ، علم المدون الطبيب أحمد محسن بالفيوم، أن مباحث أمن الدولة اقتحمت منزله للقبض عليه ، فعاد الى منزله الذي تركه منذ شهور الى مدينة المنيا حيث يعمل بمستشفى هناك، وقام بتسليم نفسه للنيابة العامة ، ليفاجئ بأن ضابط أمن الدولة لفق محضر ضده ، و نتيجة لثبوت كذب المحضر والتلفيق به ، حيث كان غائبا عن الفيوم لآشهر عديدة ، فوجئ بالنيابة العامة تتهمه باتهام لم نجد له أثرا في القانون وهو:
استخدام المناخ الديمقراطي السائد في البلاد لقلب النظام !!
وهو ما جعل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تقول في بيانها ” أن يكذب ضابط أمن الدولة فهذا أمر عادي ، لكن أن تصدق النيابة العامة هذه الكذبة وتوافق على حبس مدون شاب لأنه أستغل المناخ الديمقراطي ، فهذه كوميديا سوداء ، أي ديمقراطية تلك التي أستغلها هذا الشاب ؟ .
الجزء الثاني : عن جهاز النيابة العامة ، نشأته ودوره
أولا : التطور التاريخي لنشأة النيابة العامة
ظهرت فكرة النيابة العامة، بوصفها جهازا منوطا به تحريك الدعوى الجنائية ورفعها ومباشرتها أمام القضاء ومتابعتها إلى حين الفصل فيها بحكم بات، مع تطور النظرة إلى الجريمة بوصفها اعتداء على مصالح الجماعة قبل أن تكون اعتداء على مصالح خاصة للأفراد.
ويدل تاريخ قانون الإجراءات الجنائية على أن الدعوى الجنائية كانت ترفع إلى المحاكم الجنائية بواسطة المجني عليه، ثم تطور الأمر فأصبح من حق أي مواطن أن يحرك الدعوى الجنائية باسم المجتمع. وعلى الرغم من إسناد بعض أعمال هذه الوظيفة إلى موظف عام في القرون الوسطى إلا أن اختصاصه كان تبعيا وتكميليا بحيث لا يتم إلا عند رفع الدعوى الجنائية بواسطة أحد الأفراد. فقد كان الملك والنبلاء يمثلون أمام المحاكم للدفاع عن مصالحهم الخاصة بواسطة نواب أو محامين، وكانت مهمة هؤلاء الممثلين ذات طابع مالي، لأن إشرافهم على الدعاوى الجنائية يعتمد على أن الغرامات والمصادرات المحكوم بها تعتبر إيراد للملك والنبلاء. ثم تطورت وظيفة هؤلاء الممثلين بسبب تعاظم نفوذ السلطة الملكية. وترتب على ذلك أن أصبح مندوبو الملك يمثلون الاتهام وحدهم اعتبارا من أول القرن الرابع عشر.
وفي فرنسا منذ القرن الرابع عشر بدأ يزول الاتهام الفردي ويفسح الخطى للاتهام العام، وذلك بتكوين جهاز النيابة العامة لتمثيل جميع مصالح الملك. وعلى نحو تدريجي بدأ دور الفرد يتضاءل في الدعوى الجنائية فلم يعد تدخله أمرا ضروريا لرفعها أمام القضاء ومنذ أوائل القرن التاسع عشر اعتنق قانون تحقيق الجنايات الفرنسي بصفة نهائية نظام إسناد الاتهام العام إلى موظفين عموميين يشكلون جهازا يطلق عليه النيابة العامة. وقد سمي أعضاء النيابة العامة بالقضاء الواقف إشارة أن هؤلاء يقفون عند ممارسة وظائفهم خلافا لقضاء الحكم الذي يظل جالسا عند المحاكمة.
وقد عرف القانون الروماني في عصر الجمهورية ما يسمى بمحكمة حاكم المدينة أو الإقليم حسب الأحوال وكان يمارس الاتهام والتحقيق في الدعاوى المرفوعة أمام هذه المحاكم معاونون للحاكم legates. وكان التعذيب جائز للحصول على الدليل بالنسبة للعبيد ثم امتد ليشمل الجميع.
وقد كانت المحاكم الكنسية تنهض بالاختصاص الجنائي على كل المتهمين بالاعتداء على رجال الدين. وقد تطور الأمر إلى أن شكلت المجامع الكنسية هيئة من المحلفين تختص بتوجيه الاتهام وكان الأسقف في المجمع الكنسي يختار أعضاء هذه الهيئة من الأشخاص الأكثر احتراما.ولتقوية إجراءات المحاكم الكنسية أخذ بنظام الاتهام الذاتي، الذي بمقتضاه توجه المحكمة الاتهام من تلقاء نفسها.
وقد تميز القانون الفرنسي القديم وفقا للأمر الصادر سنة 1670 بتنظيم إجرائي متحيز للسلطة وقد أتضح هذا التحيز من خلال المراحل الإجرائية المختلفة حيث كان يتميز بالسرية وعدم احترام حق الدفاع وإهدار حرية المتهم وتقوية سلطة المحقق في جمع الدليل والأخذ بنظام الأدلة القانونية
وفي عام 1808 بدأت فرنسا في تطبيق نظام يسمح لكل من النيابة العامة والمجني عليه تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهم وقد تأثر به عدد من الدول الأوربية ويبدو هذا التأثير في الأخذ بنظام النيابة العامة وإضفاء ملامح نظام التحري والتنقيب على مرحلة التحقيق الابتدائي مع إضفاء النظام الاتهامي على مرحلة المحاكمة والأخذ بمبدأ حرية اقتناع القاضي.
ثانيا: النيابة العامة في مصر:
ومن المتفق عليه أن التشريع المصري أخذ بنظام النيابة العامة نقلا عن التشريع الفرنسي، إذ أدخله مع بعض التعديل عند إنشاء المحاكم الأهلية عام 1883. إلا أنه من المعلوم كذلك أن مصر عرفت نظام الاتهام منذ عهد الفراعنة فتعاليم إيزيس الدينية جعلت الجزاء بيد السلطة الحاكمة بناء على شكوى الفرد ( المجني عليه ).
وقد أخذ بنظام يمهد فيما بعد للنيابة العامة في صورتها الحالية فيما تضمنته لائحة المجالس المركزية التي أصدرها إسماعيل باشا والتي نصت في الفصل الثالث منها على إنشاء مأموريات الضبطيات المركزية، التي كانت كل واحدة منها قلما للدعاوى يختص بتحقيق المسائل الجنائية، وبعد التحقيق يحفظ منها ما لا يرى داعيا للسير فيه، ويحيل الباقي إلى المجلس المركزي للفصل فيه. وقد كانت هذه الأقلام خاضعة في عملها لمدير الإقليم الذي كانت له الرئاسة الفعلية عليها إلى حد التدخل في صميم عملها. وظلت هذه المأموريات حتى إنشاء المحاكم المختلطة سنة 1875 والمحاكم الأهلية سنة 1883 وميلاد النيابة العامة. وقد أنشئت لدى المحاكم المختلطة في مصر نيابة عامة. وكانت إجراءات التحقيق مستوحاة من الإجراءات الفرنسية.
وفي الحقيقة لم يؤرخ نظام النيابة العامة الوطنية إلا منذ سنة 1883. أي منذ إعادة تنظيم المحاكم الوطنية وصدور قانون تحقيق الجنايات المصري في ذات السنة حيث نص في المادة الثانية منه نقلا عن المادة الأولى من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي على ( ألا تقام الدعوى العمومية إلا من النيابة العمومية عن الحضرة الخديوية )، ثم أدخلت عدة تعديلات على قانون تحقيق الجنايات للمحاكم الوطنية بالأمرين العاليين الصادرين في 28مايو سنة 1895، 19/يناير 1897 إلى أن أستعيض عنه بقانون آخر صدر في 13فبراير سنة 1904. ثم استبدله بقانون الإجراءات الجنائية الحالي رقم 150 لسنة 1950 ونص في الفقرة الأولى من المادة الأولى على أن ( تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية، ومباشرتها، وألا ترفع من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون ). ومنذ صدور هذا القانون لم تنقطع التعديلات إلا أنه احتفظ بطابعه الأساسي
وبهذه النظرة السريعة على نشأة نظام النيابة العامة كأحد الآليات الهامة في المنظومة القانونية المعاصرة نجد أنها منذ ميلاد فكرتها قد ارتبطت بالسلطة حيث كان دورها يقتصر في الحفاظ على مصلحة الملك والنبلاء. وبغض النظر عن تلك المرجعية الخاصة بنشأة النيابة فإن الملاحظ على دور النيابة في الواقع المعاصر ( في مصر ) أنها في كثير من الأحيان قد وقفت حائل دون وصول قضايا أثارت الرأي العام إلى القضاء مستخدمة في ذلك صلاحيتها التي أعطاها لها القانون بوصفها تجمع بين وظيفتي الاتهام والتحقيق وبعيدا عن دوافع النيابة في هذا المنع فإن حق اللجوء إلى القاضي الطبيعي هو حق كفله الدستور ومنع المجني عليه من الوصول إلى هذا الحق وقصره على النيابة فقط ليس له ما يبرره. بل أن النص القانوني ذاته يعطي قرار النيابة في بعض الأحيان حجية لا تتوافر للأحكام فحق التقاضي كأصل عام مكفول كما وأنه يكون على درجتين وحق الطعن بالاستئناف على الأحكام القضائية مكفول لكل من شمله الحكم المطعون فيه في حين نجد أن المشرع قد حرم المجني عليه من حق استئناف الأوامر الصادرة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وبعيدا عن كون النيابة العامة صاحبة الحق في تحريك الدعوى الجنائية طبقا لقانون الإجراءات الجنائية فإن المجني عليه يبقى دائما صاحب الصفة والمصلحة المباشرة في وقوف المتهم بين يد العدالة لتفصل بينهما فإذا امتنعت النيابة بغض النظر عن الأسباب عن إحالة المتهم إلى القضاء فإن قواعد العدالة تقتضي أن يمكن المجني عليه من الطعن على هذا القرار أمام المحكمة ليمارس القضاء دوره في رقابة هذا القرار ومدى قانونيته.
ثالثا: النيابة العامة وجمعها بين سلطتي التحقيق والاتهام :
وضع المشرع في قانون الاجراءات الجنائية الصادر في 15نوفمبر1951 منهج فصل سلطة الاتهام عن سلطة التحقيق متفقا في ذلك مع التوجه الدستوري في الفصل بين السلطات .إلا أن ذلك الوضع لم يستمر طويلا فما لبث أن عاد الحال إلى ما كان عليه بصدور القانون 353لسنة 1952 فعادت النيابة لتمارس مهام التحقيق كأصل عام واستثناء من ذلك يكون الاختصاص بالتحقيق لقاضي التحقيق فصار بذلك قاضي التحقيق بديلا للنيابة في اجراء التحقيق ولا يكون ذلك الابناء على طلب النيابة أو وزير العدل في قضية بذاتها.
وقد صدر بعد ذلك القانون 107لسنة 1962 فألغى غرفة الاتهام ( كانت عبارة عن ثلاثة قضاة ) وكان الهدف منها ضمان الاشراف القضائي على الاجراءات الجنائية ووضع مكانا منها قضاء الاحالة الذي يتكون من مستشار واحد ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 170لسنة 1981 وأصبحت الاحالة لمحكمة الجنايات فعليا واستنادا لنص المادة 214 من اختصاص المحامي العام .وبذلك يكون سلطة الاتهام والتحقيق والاحالة قد صارت في يد النائب العام .
رابعا: الواقع العملي وسلبيات جمع النيابة بين سطتي التحقيق والاتهام
قلنا أن المشرع قد جعل النيابة العامة هي الأصل في كل ما يتعلق باعمال التحقيق والاتهام والاحالةبأن أعطى للنيابة سلطة قاضي التحقيق واستثناء من هذا الأصل وضع في نص المادة 64 من قانون الاجراءات الجنائية الحالات التي يمكن فيها طلب ندب قاضى للتحقيق:بأن نصت على أنه “إذا رأت النيابة العامة في مواد الجنايات أو الجنح أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاضى التحقيق أكثر ملاءمة بالنظر إلى ظروفها الخاصة جاز لها في أية حالة كانت عليها الدعوى أن تطلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة هذا التحقيق.
ويجوز للمتهم أو المدعى بالحقوق المدنية، إذا لم تكن الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية إصدار قرار بهذا الندب.
ويصدر رئيس المحكمة هذ1 إذا تحققت الأسباب المبينة بالفقرة السابقة بعد سماع أقوال النيابة العامة ويكون قراره غير قابل للطعن.
وتستمر النيابة العامة في التحقيق حتى يباشر القاضي المندوب في حالة صدور قرار بذلك“.
وبداية فإن من الملاحظ على هذا النص أنه لم يستخدم في الواقع العملي فلا النيابة طلبت ندب قاضي تحقيق وأما بالنسبة للمتهم والمدعي بالحق المدني فإن النص على الرغم من أنه منح الحق صوريا لكل منهما بطلب ندب القاضي إلا أنه حرم المجني عليه من هذا الحق الصوري وربط بين هذا الحق والادعاء المدني فضلا عن وضع العديد من العقبات التي تؤدي في النهاية لإفراغ الحق من مضمونه وذلك كما يلي : –
المشرع كما يتضح من النص السابق أعطى الحق للنيابة العامة في طلب ندب قاضى للتحقيق والتزم رئيس المحكمة بإجابتها إلى طلبها أما إذا صدر الطلب عن المتهم أو المدعى بالحق المدني يكون لرئيس المحكمة السلطة التقديرية في إجابة الطلب أو عدم إجابته وذلك بعد سماع أقوال النيابة العامة
اشترط المشرع وجود مبررات جدية يخشى معها ترك التحقيق للنيابة العامة في حين أنه حال طلب النيابة ذلك لم يضع أي قيود عليها سوى رؤيتها.
الملاحظ أن المحكمة ملزمة بسماع رأي النيابة في طلب المتهم أو المدعي المدني بندب قاضي تحقيق على الرغم من أنه يفترض أن من شروط هذا الطلب ومبرراته أن يكون هناك خوف من وجود التحقيق في يد النيابة العامة فهذا منافي لأي منطق بالإضافة إلى السلطة التقديرية المطلقة في يد رئيس المحكمة الابتدائية من قبول أو رفض الطلب دون معقب عليه فقراره غير قابل للطعن فضلا عن أنه يتعين صدور قرار الندب في كل قضية على حدة فلا يوجد قاضى ثابت اختصاصه التحقيق.
وأهم سلبيات هذا النص ما جاء في الفقرة الأخيرة من هذه المادة وهي ما تتعلق بحرمان المتهم والمدعي بالحق المدني من حق طلب ندب قاضي تحقيق في الجرائم التي يرتكبها موظف عام أو أحد رجال الضبط (ضباط الشرطة) لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها وبما أن المشرع لم ينص على أي سبب لهذا الاستثناء الذي لم يهتم فيه لنوع الجريمة بل لشخص المتهم وهو كونه موظف عام يتضح أن المقصود هو حماية رجال الدولة وحماية ضباط الشرطة وخاصة من المحاكمة في قضايا التعذيب وخاصة أن التعذيب في مصر أصبح سياسة دولة وليس حالات فردية.وبذلك يكون المشرع قد جعل هذا النص غير ذي أهمية لأن المتهم أو المدعي بالحق المدني إنما يكون في أشد الحاجة لضمانات مختلفة حال كون خصمه موظف عام خاصة أفراد الشرطة في الجرائم التي تتعلق بانتهاك الحق في سلامة الجسد والافتئات على حريته الشخصية فهو دائما ينظر إلى القاضي نظرة مختلفة تماما عن نظرته للنيابة وهو ما يجعله يشعر بالأمان أكثر بكثير عندما يمثل أمام قاضي
وما تقدم يدفعنا إلى التساؤل هل يكون التحقيق معهم أمام النيابة أكثر أمناً لهم لأنه يمكن السيطرة عليها من قبل السلطة التنفيذية التي هي جزء منها ويمكن التأثير على حيادها؟
الواقع العملي يبين أن العديد من قضايا التعذيب لا تصل إلى المحكمة وذلك لأسباب متعددة فضلا عن الإطالة الغير مبررة في التحقيقات الخاصة بهذه القضايا والتي يتعرض فيها الضحية لكافة الضغوط لدفعه على التنازل لأن القائم بالتعذيب يكون مستمر في عمله وعادة ما يمون في نفس الدائرة التي يقطن فيها الضحية أما إذا أنتدب قاضى للتحقيق في قضية تعذيب متهم فيها ضابط شرطة لا يكون هناك فرصة للسلطة التنفيذية لحماية رجالها الذين يطبقون سياستها ونحن من جانبنا نرى أن قضايا التعذيب هي بطبيعتها تستدعي التحقيق فيها بمعرفة قاضي تحقيق نظرا لطبيعتها.
ولذلك ولكل ما سبق نرى أن المشرع قد أتخذ طريق الحيلة عن طريق وضع نظام مستشار الإحالة حتى يعود إلى مبدأ الجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق ليؤثر على معارضي هذا المبدأ ثم يلغيه بعد فترة. ثم فتح الطريق نظريا لندب قاضى تحقيق وفى نفس الوقت وضع من القيود ما جعل هذا الإجراء صورياً محض. وجعل للنيابة العامة الدور الأساسي في تحريك عجلة التحقيق.
التصرف في التحقيق
بانتهاء التحقيق يكون لسلطة التحقيق التصرف في الدعوى وهذا التصرف يكون إما بإحالة المتهم للمحاكمة أو أن جهة التحقيق ترى أن الدلائل غير كافية فتصدر أمرها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
وسنتناول فيما يلي القرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشئ من التفصيل :
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى:
الأمر بألا وجه هو أمر مكتوب تصدره جهة التحقيق سواء النيابة العامة أو قاضى التحقيق بعد تحقيق عناصر الدعوى ومؤدى هذا الأمر هو صرف النظر عن السير في اجراءات الدعوى ما دام القرار قائما وذلك لأسباب إجرائية أو لأسباب موضوعية كما سنذكر فيما بعد وهو قرار قضائي نظراً لأن الإجراءات الخاصة بمرحلة التحقيق الإبتدائى ينطبق عليها وصف الأعمال القضائية وهناك فرق واضح بين قرار ألا وجه لإقامة الدعوى وقرار الحفظ – فقرار الحفظ هو قرار إداري تتخذه النيابة العامة بصفتها سلطة اتهام لا باعتبارها سلطة تحقيق، ويصدر قرار الحفظ قبل البدء في التحقيق أي يصدر بناءا على محضر جمع الاستدلالات ( محضر الشرطة ).
وفى حال ما تم التحقيق وأصدرت النيابة العامة قرار بالحفظ. فتكون العبرة بحقيقة الأمر أي أن في هذا الحالة رغم أن نص قرار النيابة هو الحفظ ولكن حقيقة القرار وطريقة التعامل معه هو قرار إلا وجه لإقامة الدعوى وهو ما استقرت عليه أحكام محكمة النقض .
أسباب الأمر بالأوجه لإقامة الدعوى:
ولأن قرار ألا وجه لإقامة الدعوى قرار قضائي يفصل في الدعوى الجنائية بعد انتهاء التحقيق الابتدائي بصرف النظر عن رفعها إلى القضاء فقد أوجب المشرع تسبيب هذا القرار ولأن هذا القرار قد يضار منه المدعى فقد أجاز له القانون الطعن أو التظلم من هذا الأمر لذا يجب أن يكون مسبباً حتى يتثنى للجهة المطعون أمامها الرقابة على صدور الأمر ويكون لها أن تقرر إلغاءه أو الإبقاء عليه.
وتتنوع الأسباب التي يصح أن يصدر بناء عليها الأمر بألا وجه فيمكن أن يصدر لأسباب قانونية كعدم وجود نص يجعل الفعل بحسب ما ثبت من التحقيق جريمة، أو لتخلف ركن من أركان الجريمة، أو لقيام سبب من أسباب الإباحة أو سبب من أسباب انقضاء الدعوى الجنائية كالتقادم أو وفاة المتهم أو سبق صدور حكم بات في الواقعة أو التنازل عن الشكوى أو الطلب في الجرائم التي يعلق القانون رفع الدعوى فيها على ذلك. أو وجود مانع من موانع المسئولية أو موانع العقاب.
وقد تكون أسباب هذا الأمر أسباباً موضوعية مثل عدم وقوع الفعل المادي المنسوب للمتهم أصلاً، أو عدم معرفة فاعله إن كان قد ثبت وقوعه مثل جريمة قتل أو سرقة لم تصل تحقيقات سلطة التحقيق إلى تحديد مرتكبها وقد يكون سبب الأمر بألا وجه عدم كفاية الأدلة التي أسفر عنها التحقيق ضد المتهم أو الأمر بالأوجه لعدم أهمية الواقعة في حالة ما كانت النيابة العامة هي مصدرة القرار. ومن العبارة السابقة يتضح أن المشرع قد فرق بين قاضى التحقيق والنيابة العامة من حيث الأسباب التي يبنى عليها كل منهما الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى .
الفرق هو أن المادة 154 من قانون الإجراءات الجنائية قيدت قاضى التحقيق في إصدار الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، بأن تكون الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن تكون الأدلة غير كافية، مما مؤداه أنه لا يجوز له أن يصدر الأمر بأن لا وجه لعدم أهمية الواقعة المطروحة عليها وبينما جاء نص المادة 209 من القانون السابق خالية من بيان أسباب هذا الأمر، فلم يقيد النيابة العامة بأي قيد في هذا الشأن، مؤدى ذلك أنه يجوز للنيابة العامة أن تبنى أمرها الصادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى إما على أسباب قانونية أو أسباب موضوعية، فضلا عن عدم أهمية الواقعة.
وعدم أهمية الواقعة يعنى أن التحقيق أسفر عن ثبوت وقوع الجريمة وقيام الأدلة الكافية على مرتكبها ولكن النيابة ترى نظراً لضآلة الأضرار الناجمة عنها أو لوجود رابطة خاصة بين المتهم والمجني عليه مثل رابطة القرابة، أو لتوقيع جزاء إداري على المتهم في جناية اختلاس مبلغ ضئيل أو تزوير واقعة بسيطة ألا ترفع الدعوى إلى المحكمة وأن تقرر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى وأن ذلك سيكون أجدى على المجتمع من تعقب المتهم بالعقاب.
إلغاء الأمر بالأوجه لإقامة الدعوى:
الأمر بالأوجه أمر قضائي تصدره سلطة التحقيق بوصفها حكما بين الخصوم فاصلة في نزاع، وتطبق فيها قواعد قانونية لا محض سلطة تقديرية، وتمس حقا أو مصلحة لأحد أطراف الدعوى لذلك فإنه من الضروري تسبيبها وإعلانها للخصوم فضلاً عن جواز الطعن فيها والتظلم منها وجواز إلغائها وهناك ثلاث حالات يلغى فيها الأمر بالأوجه لإقامة الدعوى:
الحالة الأولى: ظهور دلائل جديدة بعد صدور الأمر:
نصت المادة 197 إجراءات جنائية على أنه “الأمر الصادر من قاضى التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى يمنع من العودة إلى التحقيق إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية.
ويعد من الدلائل الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق الأخرى التي لم تعرض على قاضى التحقيق أو غرفة الاتهام ويكون من شأنها تقوية الدلائل التي وجدت غير كافية أو زيادة الإيضاح المؤدى إلى ظهور الحقيقة.
ولا تجوز العودة إلى التحقيق إلا بناء على طلب النيابة العامة
- وباستعراض نص المادة تبين أن هناك شروط تطلبها المشرع لعادة فتح التحقيق هي:-
- أن تكون هذه الدلائل لم تكن معروضة على المحقق عند إصداره الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى على سبيل المثال أن يتقدم شاهد لم يسمع من قبل تنطوي شهادته على أدلة جديدة.
- أن يكون من شأن الدلائل الجديدة تقوية الدليل الموجود.
- أن تظهر الدلائل الجديدة قبل انقضاء مدة التقادم أي قبل ميعاد سقوط الدعوى الجنائية بالتقادم.
- أن يقدم الطلب من النيابة العامة على افتراض أن هذا النص يتعامل مع قاضى التحقيق مع الأخذ في الاعتبار أن المادة 199 قد جعلت النيابة العامة تباشر التحقيق طبقا للأحكام المقررة من قاضى التحقيق وعلى ذلك يكون هذا الشرط أصبح غير ذي معنى لأنه في الواقع العملي قد نددت القضايا التي يباشر التحقيق فيها بمعرفة قاضى تحقيق.
الحالة الثانية:سلطة النائب العام في إلغاء الأمر بالأوجه: وقد تناولت ذلك المادة 211 من قانون الإجراءات وقررت أنه للنائب العام سلطة إلغاء الأمر الصادر من النيابة العامة بالأوجه لإقامة الدعوى في خلال ثلاث أشهر من صدوره حتى ولو لم تظهر دلائل جديدة وتفسير ذلك أن النائب العام يملك سلطة الرقابة على تصرفات مرؤوسيه فهو رأس النيابة العامة.
الحالة الثالثة: الطعن بالاستئناف في الأمر بالأوجه:
أجاز المشرع للمدعى بالحق المدني استئناف الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وذلك بمقتضى نص المادة 210 إجراءات جنائية وهناك حالتين في هذا الموضوع.
في حالة صدور الأمر من قاضى التحقيق:-
أعطى المشرع في هذه الحالة الحق لكل من النيابة العامة والمدعى بالحق المدني استئناف جميع الأوامر الصادرة من قاضى التحقيق بما فيها الأمر بأن لا وجه المادة 161، 162 إجراءات جنائية لكنه في الوقت الذي أخلق فيه يد النيابة بلا أية قيود نجد أنه وضع قيد على حق المدعى المدني في الاستئناف بأن جعل ليس من حقه الاستئناف إذا كان الأمر صادر في تهمة – ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 عقوبات.
مع ملاحظة أن الواقع العملي وفقا لما أشرنا من قبل يدل على أنه لا توجد قضايا يباشر فيها التحقيق بمعرفة قاضى تحقيق وأن النيابة العامة هي التي تباشر التحقيق طبقا للأحكام المقررة من قاضى التحقيق المادة 199 إجراءات وبالتالي يصبح حق النيابة هنا في الاستئناف ليس له ما يؤيده في الواقع العملي. ويصير حق المدعى بالحق المدني في الاستئناف مقيد بما سبق أن ذكرناه وهو ما ينصرف أساسا لحالات التعذيب بمعرفة مأموري الضبط.
في حالة صدور الأمر من النيابة العامة:-
تناولت المادة 210 من قانون الإجراءات الجنائية هذه الحالة وجعلت من حق المدعى بالحق المدني الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وبذات القيد السابق وهو ألا يكون الأمر صادر في تهمة موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 عقوبات.
إلغاء الأمر بالأوجه لإقامة الدعوى:
ونخلص مما تقدم جميعه أن للنيابة العامة سلطة تكاد تكون مطلقة وهي بصدد التحقيق خاصة إذا كانت الجريمة متهم فيها موظف أو مستخدم عام وبشكل أكثر خصوصية في حالة جريمة التعذيب وتناول النيابة هذه القضية بالذات يثير العديد من التساؤلات أولها أن النيابة العامة في هذه القضايا تحيل الضحية للطب الشرعي وهو إجراء غير معتاد في المشاجرات بين الأفراد إلا في حالة العاهة المستديمة وعادة ما يتأخر هذا العرض عدة أيام وهو ما يؤدي قطعا لضياع معالم الإصابات التي تلحق بالضحية وهو ما يؤثر حتما في الاثبات.
ثاني علامات الاستفهام في سلوك النيابة أنها تطالب الضحية بشهود للواقعة في الوقت الذي تكون فيه جريمة التعذيب قد ارتكبت في غرف مغلقة ويصعب بل يستحيل أن يكون هناك شهود للواقعة لأن الشاهد إن وجد واحد من اثنين زميل القائم بالتعذيب ومشارك له محتجز يقع تحت سطوة القائم بالتعذيب والأغرب حقا في هذا الموضوع أن النيابة في المشاجرات العادية بين الأفراد لا تطالب الضحية بأي شهود وتحيل الدعوى مباشرة للمحكمة بتقرير المستشفى في الوقت الذي يمكن فيه للمواطن وبسهولة أن يأتي بشهود لجريمة وقعت ضده من مواطن آخر وهو ما يعني أن النيابة تطالب ضحية التعذيب بما لايستطيع بل أن الأمر يصل في بعض الاحيان ورغم وجود تقرير طب شرعي يثبت الاصابات أن تصدر النيابة قرارها بألا وجه لإقامة الدعوى ويكون سندها في ذلك أن التقرير الطبي الشرعي مجرد قرينة لا يرقى لمرتبة الدليل.
ثالث علامات الاستفهام في هذا الموضوع أن التحقيق في هذه القضايا عادة ما يأخذ وقت طويل جدا وهو ما يعرض الضحية لضغوط مستمرة من قبل القائم بالانتهاك لوجوده في عمله الشرطي وهو عادة ما يؤدي إلى تنازل الضحية خشية البطش به .
الجزء الثالث: أداء النائب العام و النيابة العامة بعد ثورة 25يناير
قبل أن نبدأ :
في منتصف شهر يونيو عام 2005 ، ألقت أجهزة الشرطة القبض على اثنين من الشباب المنتمين لإحدى الجماعات المطالبة بالتغيير والإصلاح في مصر بمبرر توزيعهما لبيان يدين محاولات توريث الحكم والفساد المستشري في مصر ، وكعادة أجهزة الشرطة في مثل هذه الحالات ، لم يسمح للشابين بإبلاغ ذويهما أو عرضهما على النيابة العامة قبل إجراء تحقيق من قبل الشرطة تخلله تجاوزات أصبحت بحكم العادة في مصر نهج ثابت وآلية معتادة .
تجمع العشرات من المحامين وأصدقاء هاذين الشابين أمام مكتب النائب العام ، يطالبوه بالتدخل لإنقاذ هؤلاء الشباب من براثن أجهزة الأمن ، خشية أن يتعرضا للتعذيب .
وبعد قليل ونتيجة لتباطؤ النيابة العامة في فتح تحقيق ، كما ينص القانون ، بدأ الحشد المتواجد أمام مكتب النائب العام في الهتاف ” عايزين نيابة حرة .. العيشة بقت مرة “!6
قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها المصريين والمحامين ضيقهم ورفضهم بهذه القوة وفي العلانية لأداء النائب العام والجهاز الذي يرأسه في ترسيخ منهج الافلات من العقاب في مصر ، لكنها لم تكون الأخيرة ، حيث كان لأداء النائب العام و النيابة العامة عقب الثورة دورا كبيرا في تصاعد الحركة المطالبة برحيله والتي وصلت لحد تنظيم مظاهرات حاشدة عدة مرات بعد الثورة تطالب باقالته !
وفيما يلي بعض الأمثلة التي تطرحها الشبكة العربية تأكيد على مشروعية المطالبة برحيل النائب العام ومساعده ، ودعما لها .
1. بلاغ يوم 26يناير 2011:
في يوم 26يناير 2011 ،أي في اليوم التالي لاندلاع المظاهرات المناهضة للحكم الديكتاتوري في مصر ، تقدمت وحدة الدعم القانوني بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بصفتها عضو فى جبهة الدفاع عن متظاهري مصر و بحضور بقية أعضاء الجبهة التي تضم أكثر من ثلاثين منظمة حقوقية مصرية ببلاغ الى النائب العام برقم 1240\2011 عرائض النائب العام ضد كلا من : وزير الداخلية بصفته ومدير أمن القاهرة ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة وأخرين ، للتحقيق معهم في أحداث يوم 25 يناير بخصوص فض الاعتصام السلمى للثوار بميدان التحرير بالقوة و احتجاز البعض دون سند قانوني في معسكري الأمن المركزي بمدينة السلام والدراسة، و طالب مقدموا البلاغ أثناء لقاءهم بالنائب العام نفسه أن تنتقل النيابة العامة لمعسكر الأمن المركزي لاثبات بلاغهم ، مع تحملهم العواقب القانونية اذا كان بلاغهم كاذب ،حاول النائب العام التملص من هذا المطلب القانوني ، ولكنه وعد بعد الضغط ان يفعل ، ولكن وحتى اليوم لم يبت في البلاغ وخرج المحتجزون بمعسكر الامن المركز نتيجة ضغط الثورة ، وليس إعمال للقانون ، وفي نهاية شهر يوليو علمنا أن البلاغ تم تحويله لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي!!! أي ان النائب العام حول البلاغ إلى نفس المسئول الذي قمنا باتهامه في البلاغ!.
2. الشهيد كريم احمد جميل:
فى 29-يناير 2011 ، تقدم وائل أحمد جميل ، أخو الشهيد كريم أحمد جميل مع وحدة الدعم القانوني بالشبكة العربية ببلاغ رقم 720\ 2011 إدارى المعادى للتحقيق فى واقعة قتل شقيقه كريم احمد جميل ضد كل من : بهاء الدين على محمد حسن رئيس مباحث دار السلام فى ذلك الوقت و الذى تم نقله الى قسم الموسكى و أحمد صلاح شرف معاون المباحث و إسماعيل أحمد موافى معاون مباحث و أحمد حسن امين شرطة و شهرته عمرو الشيمى و امين شرطة يدعى فوزى وكلهم بنفس قسم الشرطة ، و قد تم التحقيق و استخراج الجثة ، ولكن لم يتم التحقيق مع أي من الضباط ومساعديهم حتى يوم 19يوليو 2011 ، أي بعد مرور نحو 170يوم كاملة ،مما هيأ الفرصة للضابط المتهم ومساعديه لترتيب أوضاعه بشكل جيد ، استعداد للاتهام ، ولم تحال القضية للمحكمة حتى الان.
3- بلاغ الى النائب العام ضد انس الفقي و أسامة الشيخ لتحريضهما ضد الثوار من خلال التليفزيون الرسمى للدولة :
تقدمت وحدة الدعم القانوني بالشبكة العربية فى 9-فبراير-201 ببلاغ رقم 318 لسنة 2011 متضامنة مع 25 منظمة حقوقية أخرى ببلاغ الى النائب تطالبه فيه بالتحقيق مع انس الفقى وزير الإعلام السابق و أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة و التليفزيون الأسبق فيما اذيع و بث على قنوات التليفزيون المصري من مفردات و عبارات تحث على الكراهية وتحرض على العنف ضد المتظاهرين سلميا و المطالبين بالإصلاح بل و تتهمهم بالخيانة و العمالة لدول أجنبية بهدف تدمير البلاد و من هذه العبارات المرفقة بالبلاغ على سبيل المثال ما ذكر باحد البرامج ” ان هؤﻻء الشباب مأجورين من إيران ” و ” هوﻻء الشباب يحصلون على وجبة كنتاكى و خمسون دوﻻر أمريكي ” وغيرها ، و هو ما يعد وفقا للقانون إذاعة و ترويج أخبار و إشاعات كاذبة تهدف الى تكدير الامن العام وإلقاء الرعب بين الناس و الحاق الضرر بالمصلحة العامة، ولم يتم التحقيق حتى اليوم مع الفقي أو اسامة الشيخ في هذا البلاغ .
4. بلاغ للنائب العام ضد وزير الاتصالات و شركات الاتصالات و خدمات الإنترنت :
تقدمت وحدة الدعم القانوني بالشبكة العربية ببلاغ الى النائب العام فى 23 -فبراير -2011 برقم 2193لسنة 2011 يطالبون فيه بالتحقيق مع شركات الاتصالات الثلاث ” موبينيل – اتصالات – فوادفون ” وكذلك شركات تقديم خدمة الانترنت” تى اى داتا – لينك دوت نت ” لضلوعهم فى المسئولية الجنائية عن مقتل العديد من المتظاهرين بقطعهم لخدمتي الاتصالات و الانترنت عن الثوار ، ومطالبين بالتحقيق مع الشركات الثلاثة لمعرفة اسم المسئول الذي أبلغهم بقرار قطع الاتصالات أو اطلاع النيابة العامة على هذا القرار اذا كان كتابيا ، حيث تسبب قطع الخدمة في حرمان المصابين من الحصول على الرعاية الصحية والاتصال بالاسعاف ، إلا أن البلاغ لم يتم التحقيق فيه سوى يوم 9مارس 2011 ، ومع الشاكين الأربعة فقط.
و بعد تقديم الشبكة لشكوى وبدء حملة لحث النيابة العامة على الالتزام بالقانون ، ورغم بدء التحقيقات ودفع رسوم الادعاء المدني من قبل محامى وحدة الدعم القانونى بالشبكة العربية والذي يعطيهم حق المتابعة وحضور التحقيقات ، إلا أنه ورغم مرور اكثر أربعة اشهر قامت النيابة العامة بسماع أقوال مسئولي هذه الشركات في شهر يونيو بشكل نراه صوريا حيث لم توجه لهم أي اتهامات ، وكذلك أهدرت فرصة أن تعلم من مسئولي هذه الشركات ، من ابلغهم تحديدا بقطع الاتصالات . حيث انه كبلاغ جنائي ، سوف يحدد اسم المسئول عن أمر وقرار قطع خدمة الاتصالات عن المواطنين.
5. قضية حبيب العادلي والافلات من العقاب :
خامسا: نسخ صورة من الأوراق المتعلقة بواقعة محو البيانات المسجلة على الاسطوانة المدمجة الخاصة بهواتف غرفة عمليات رئاسة قوات الأمن المركزي المسندة إلى المتهم اللواء (حسين سعيد محمد موسى ) للتصرف فيها استقلالا
(جزء من أمر الإحالة الصادر بتاريخ 23مارس 2011 ، في القضية رقم 1227لسنة 2011جنايات قصر النيل ، تنفيذا لقرار النائب العام رقم 648لسنة 2011 الصادر في 23مارس 2011)
هذا الجزء من قرار الإحالة الأولي الصادر في 23مارس 2011 ، يتضمن إتهام اللواء “حسين سعيد محمد” بمحو بيانات غرفة العمليات ، والتصرف فيها استقلال ، إلا أن تحقيقات لم تجري ، ولم يضم اللواء للمتهمين ، بل تحول الى شاهد إثبات ، ولم نجد خلال عملنا بقضايا الشهداء أثرا لقضية منفصلة أو ( تصرف فيها استقلالا) كما ورد بقرار الإحالة حتى اليوم .
  1. النكوص عن حماية أسر الشهداء والضحايا من تهديدات الضباط المتهمين بالقتل:7
في ابريل 2011، تقدم والد الشهيد “محمد سيد عبد اللطيف ببلاغ للنيابة العامة حمل رقم “183\2011”عرائض شمال الجيزة الكلية يستغيث فيه من تعرضه لضغوط و رشاوى من الضباط المتهمين بقتل الثوار و الذين ما زالوا يستغلون مناصبهم فى الضغط على اهالى الشهداء مثل : الضابط حسام فوزي مفتش مباحث شمال الجيزة و الضباط محمد مختار مفتش مباحث قسم امبابة السابق والذي تم نقله بعد الثورة الي قسم الهرم ومحمد عدلي معاون مباحث قسم امبابة السابق والذي تم نقله الي قسم الجيزة.
ومطالبته للمستشار عبد المجيد محمود النائب العام بإصدار قرار يقضي بإيقاف ضباط الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين المصريين أثناء الثورة عن العمل حتي الانتهاء من التحقيقات في البلاغات المقدمة ضدهم,وذلك بهدف عدم تمكينهم من إستخدام السلطات الممنوحة لرجال الشرطة في التأثير علي الأدلة وسير التحقيقات ، الا أن النائب العام لم يتحرك لحماية هذه الأسر و لم يتم اى إجراء قانوني حازم فى هذا البلاغ ، لتتواصل التهديدات والترغيب والتهديد حتى اليوم.
أيضا فهناك ارقام بلاغات اخري لنفس الدعاوي وهما البلاغ رقم 184 لسنة 2011 عرائض شمال الجيزة باسم صالح محمد والد الشهيد اسلام صالح محمد والبلاغ رقم 185 لسنة 2011 عرائض شمال الجيزة باسم جلال فيصل علي شقيق الشهيد ناصر فيصل علي وبالفعل لم يتم التحقيق فيهم حتي الان .
7. التعذيب المستر ، دون عقاب :
بتاريخ 26 يناير 2011 ، قام بعض أفراد جهاز أمن الدولة باختطاف المواطن محمد مصطفى عبد الجواد من أمام نقابة المحامين ضمن أخري وتم اقتياده الى مقر مباحث أمن الدولة في لاظوغلي ، حيث تعرض لتعذيب وحشي على يد ضباط الجهاز ، ولم ينجو من أيدي زبانية التعذيب سوى بسبب اشتداد التظاهرات ، حيث تقدمت وحدة الدعم القانوني بالشبكة العربية ببلاغ للنائب العام فى 15-مارس-2011 برقم 4526 \ 2011 ضد كلا من حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق و حسن عبد الرحمن رئيس جهاز مباحث امن الدولة في هذا الوقت للمطالبة بالتحقيق في واقعة الاختطاف و التعذيب بمقر الجهاز بلاظوغلي لمدة عشر ساعات متواصلة و تعرض للعنف بالقول و الفعل و ، إلا أن البلاغ لم يحظي بمصير أفضل من مئات البلاغات التي كان مصيرها أحد الأدراج في مكتب النيابة العامة حتى اليوم.
الخاتمة
المادة 119 من قانون السلطة القضائية :
“الفقرتين الأولى والثانية “يعين النائب العام بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رؤساء محاكم الاستئناف أو قضاة محكمة النقض أوالمحامين العامين الأول على الأقل.
وللنائب العام أن يطلب عودته إلى العمل بالقضاء وفي هذه الحالة تحدد أقدميته بين زملائه وفق ما كانت عليه عند تعيينه نائباً عاماً، مع احتفاظه بمرتباته وبدلاته بصفة شخصية“
و هذه المادة ، هي ما يمكن أن يستند اليه من يحاول التعلل بالقانون ، حيث يمكن للنائب العام ان يتقدم بالاستقالة من هذا المنصب و ينتقل الى العمل بالقضاء.
فـ“ليس مهما فقط أن يصدر القاضي حكمه العادل ، بل أيضا أن يشعر أطراف الخصومة بهذا العدل“.
والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ،باشرت ما يزيد عن ثلاثمائة قضية ، أغلبها ضد مدونين وصحفيين ومواطنين كانت كل جرائمهم أن عبروا عن رأيهم بشكل سلمي ، غاب عن أغلب هذه القضايا ليس فقط شعورنا أو شعور المتهمين الأبرياء بالعدل ، ولكن ، غاب عنها العدل بالفعل.
نعلم أن النائب العام سوف يرحل ، فالشعب المصري يستحق ويستطيع أن يفرض حقه في نائب عام جديد ،قد يعيد الثقة في هذا الجهاز الشامخ شديد الأهمية ، قد يقوم المجلس العسكري باختيار نائب عام -وحتى تصبح السلطة القضائية مستقلة بالفعل- قد يكون النائب العام الجديد ، ليس أفضل اختيار ، ولكن يبقى أن اي نائب عام جديد سوف يتذكر دائما أنه جاء بإرادة الشعب المصري ، والذي ينبغي أن يمثله هذا النائب العام.
نحن لا نتكلم عن العشرات ، ولا المئات ، بل الآلاف من قضاة مصر الذين حاربوا دفاعا عن حق المصريين في قضاء مستقل يدافع عنهم ،
ليس لنا ان نفرض أيا من هؤلاء القضاة.
وإن جاز لنا أن نقترح فنحن نثق، أن المجلس الأعلى للقضاء برئاسة المستشار حسام الغرياني، قادر على حسم هذا الملف الهام ، ونحن نرى أنهم قادرون على طمأنة الشارع المصري أن العدالة التي تاق اليها المصريين طويلا سوف تصل اليهم.
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق