عن محيط ـ جمال الملاح
الدكتور كمال حبيب |
الاستقطاب الإسلامي – العلماني
كان الدكتور خالد سعيد عضو المكتب السياسي لحزب الفضيلة السلفي تحت التأسيس أكد أن حزبه كلف لجنة إدارية بدراسة إمكانية التحالف مع باقي الأحزاب السلفية في قائمة موحدة أو التنسيق مع حزب "الحرية والعدالة" التابع لجماعة الإخوان المسلمين أو غيرهم من الأحزاب.
صحيح أن محاولات الدمج والائتلاف التي تقوم بها بعض القوى المدنية والحزبية تصب في مصلحة الحياة السياسية المصرية، إلا أن خطورة الوضع هنا تكمن في أن هذه التكتلات بدأت تفرز تيارين عملاقين وتحصر المنافسة عليهما فقط، وهما التيار الإسلامي من جهة والتيار العلماني من جهة أخرى، وتشير جولات التنافس والمواجهة بين التيارين إلى أن المواجهة بين الطرفين دخلت منعطف شديد التعقيد بعد تدخل أطراف خارجية في سباق التنازع على ساحة العمل السياسي في مصر، وهو أمر يراه الكاتب الكبير فهمي هويدي التحدي الكبير الذي ينتظر الجميع بمختلف انتماءاتهم، حين يتحول التعدد من ثراء للفكر والممارسة إلى تشرذم واستقطاب يقسم المجتمع بين إسلاميين وعلمانيين، وهو ما ظهر هذه الأيام في الساحة التونسية التي تنادي فيها البعض إلى تشكيل تجمع علماني سمي بـ«القطب الديموقراطي» لمواجهة التيار الإسلامي، وهي دعوة ليست بعيدة تماما عما يلوح به البعض في مصر، الأمر الذي يفتح الأبواب لتأجيج الحرب الأهلية التي لم تتوقف بين العلمانيين والإسلاميين وستكون مصر بكل تأكيد هي الخاسر الأكبر فيها.
وفي دراسة صدرت حديثا ضمن منشورات المعهد الدولي للتقارب بين الأديان وحوار الحضارات وتناولت وضع ودور الجماعات الدينية الإسلامية والمسيحية في مصر بعد الثورة أشارت الباحثة جينا لارسون إلى أن الجماعات الدينية ستحاول في الفترة القادمة نشر أفكارها وتحقق ذيوعا كبيرا من خلال التخفي تحت ستار "أحزاب سياسية تعكس مبادئ دينية" وليست أحزابا سياسية خالصة في حد ذاتها، وستعتمد على الإسلام لتعزيز الديمقراطية والعملية الانتخابية، موضحة أن الصراع بين الإسلاميين والمنظمات العلمانية مثل الحزب الديمقراطي الاجتماعي المصري ومنظمات مسيحية مثل اتحاد الشباب القبطي، سيظل قائما حتى بعد الثورة.
وقالت الباحثة في دراستها التي جاءت بعنوان "الزعماء الدينيين وإصلاح المشاركة السياسية في مصر" إن الفرص ليست متكافئة أمام الجماعات الدينية لتأسيس أحزاب خاصة بهم، وإن استطاع المسلمون فعل ذلك فإن الأقباط يواجهون صعوبة ترجع لتاريخ مصر من التمييز ضد غير المسلمين مستشهدة بقول للبابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية جاء فيه أن تشكيل حزب مسيحي معادل للأحزاب الإسلامية غير واقعي، مقترحا أن ينضم المسيحيون لإخوانهم المسلمين في الأحزاب لنشر فكرة التسامح بين الطرفين، وهو ما حدث بالفعل بعدما قرر عدد من النشطاء السياسيين الأقباط الانضمام للأحزاب المدنية وذات المرجعية الإسلامية، حتى أن المفكر المسيحي الدكتور رفيق حبيب أصبح أول نائب لرئيس حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن ذلك لا ينفي تصاعد الصراع بين الإسلاميين والمنظمات العلمانية بعد الثورة بصورة مخيفة، وهو أمر حاولت القوى الغربية استغلاله لصالحها، خاصة وإن نفوذ الأخيرة تناقص بشكل كبير بعد ثورة يناير، في مقابل تصاعد دور ونفوذ التيار الإسلامي، خصوصا الإخوان والسلفيين في الشارع المصري وهو ما أكده عدده من المؤشرات منها استعانة الجيش ببعض قادتهم لحل مشكلات سياسية أو طائفية، ودعمهم استفتاء تعديل الدستور الذي جاءت نتائجه بأغلبية 77%.
فشل الليبراليين
شعار جماعة الاخوان المسلمين |
ومن هنا تسعى الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها بجدية لخلق شبكات علمانية ليبرالية قوية قادرة علي منافسة التيارات الإسلامية في الانتخابات المقبلة والتأثير علي الشارع المصري، وكانت أهم تلك المحاولات إعلان "المعهد القومي الديمقراطي، الممول من الحكومة الأميركية مباشرة، انه يقوم حاليا بتدريب نشطاء وسياسيين مصريين وتونسيين لمواكبة التغييرات السياسية في البلدين العربيين استعدادا للانتخابات القادمة، وأنه جلب مسئولين وسياسيين أجانب مقربين من واشنطن إلى مصر "في سلسلة من الاستشارات مع قادة سياسيين مصريين ومع نشطاء مدنيين حول التغييرات السياسية" في البلد العربي بعد سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ووفق الوثيقة التي أعدها المعهد : "رتبت الولايات المتحدة لزيارة حلفاء لها من بولندا واندونيسيا إلى القاهرة لتعليم النشطاء وبعض السياسيين المصريين كيفية التحرك السياسي في الفترة القادمة والمتوقع فيها تنافس بين القوى الموالية للغرب وبعض الأحزاب الإسلامية والأحزاب القومية".
وتركز وثيقة المعهد القومي الديمقراطي ـ طبقاً لدراسة قدمها شينكر الذي شغل سابقاً منصب كبير المساعدين للشئون السياسية في وزارة الدفاع الأمريكية المختص بدول المشرق العربي ـ علي مزاعم دعم القوي الليبرالية العلمانية في مواجهة الإسلاميين خصوصا جماعة "الإسلام هو الحل"، وكذا استمرار الروابط مع الجيش المصري عبر المعونة الأمريكية كنوع من استمرار النفوذ الأمريكي في هذه القوة المؤثرة في مصر.
وتشدد دراسة شينكر على ضرورة أن تساعد واشنطن القاهرة على قيام حكومة جديدة بقيادة الليبراليين، والاستثمار بقوة وبسرعة في نجاحها خشية من أن يقوم الإسلاميون باستغلال فشلها. كما تدعو هذه الدراسة واشنطن لتكثيف دعمها لمنظمات ليبرالية مصرية تدعم الديمقراطية عبر تقديم التمويل لجمعيات أميركية مهتمة بهذا الشأن كـ "المعهد الديمقراطي الوطني" و"المعهد الجمهوري الدولي"، وكذلك "المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية"، وذلك للعمل مع المنظمات المصرية غير الحكومية الليبرالية أثناء هذه الفترة المعقدة المقبلةً.
مشهد مرتبك
في ظل المشهد المرتبك الذي تشهده الساحة السياسية المصرية حاليا لابد أن يكون هناك حوار حقيقي وجاد بين التيارات الإسلامية المختلفة ونظيراتها العلمانية وعلى أسس وطنية، دون تدخلات وإملاءات غربية، وكما يرى الباحث ياسر أنور في كتابه الجديد «العلمانيون والإسلاميون : محاولة لفض الاشتباك» فإن سبب الأزمة الراهنة بين العلمانيين والإسلاميين ليست في العلمانية ولا في الإسلام، ولكن في التشوه المعرفي والمنهجي لدى العقل العربي الذي عجز عن ممارسة دوره الإبداعي، فلجأ إلى استعارة القوالب الجاهزة من الغرب.
لذا على شرفاء التيار العلماني في مصر أن يحذروا شر الغوايات التي تتمثل بالدرجة الأولى في عمليات الاختراق الخارجي التي تجرى تحت ستار دعم الديمقراطية، أما التيار الإسلامي فهو أيضاً أمامه الكثير من التحديات، بعدما توافقت فصائل الجهادية على الالتزام بالتغيير السلمي والمشاركة في الممارسة الديمقراطية، وأهم هذه التحديات كما رآها الكاتب فهمي هويدي هو ذلك المتعلق بكيفية التفاعل مع الواقع المعاش بخطاب أكثر نضجا وأفكار أكثر تطورا، فليس من المعقول والمقبول في ظل المحاولات الغربية لاختراق الكيانات المنافسة للإسلاميين لايزال بعض الإسلاميين يتناقشون حول تقنين الشريعة والمواطنة ومدنية المجتمع وحقوق غير المسلمين وقضية المرأة !
بقى التحدي الكبير ـ والكلام لهويدي ـ أن تستطيع القوى السياسية المصرية بمختلف انتماءاتها (إسلامية، علمانية، ليبرالية) التوافق على ائتلاف يضم الجميع، لا يقصى ولا يخون أو يكفر، ويرفع شعار الوطن أولا. وليس لنا فى ذلك خيار، فبغير ذلك تكون الثورة قد فشلت في تحقيق أهم أهدافها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق