Facebook

الشرق الأوسط الكبير فكرة صهيونية تبنّتها الولايات المتحدة الأمريكية




يهدف نظام الشرق الأوسط المطروح إعادة صياغة المنطقة جغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحضارياً، وإقامة ترتيبات أمنية وسوق مشتركة إقليمية لخدمة الأهداف والمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة.‏
جرى ويجري رسم الخريطة الجديدة للمنطقة في مراكز البحث العلمي الصهيونية في "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية. وتبنّاها الرئيس الأمريكي بوش ووزير خارجيته الجنرال كولن باول وأعلنا عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية رسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط.‏
فالمشروع أو النظام الشرق أوسطي يجري تصميمه في خارج المنطقة وسيفرض من خارجها وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق لإعادة صياغة الوطن العربي والمنطقة انطلاقاً من ميزان القوى والواقع الجديد وحسب أسس جديدة تخدم المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة وفي العالم.‏
ومن المؤلم حقاً أن الواقع القائم بأبعاده العربية والإقليمية والدولية ربّما يشكل حالياً فرصة ملائمة لرسم الخريطة الجديدة والأسوأ من خريطة سايكس ـ بيكو إذا تمّ إنقاذ الولايات المتحدة والكيان الصهيوني من مأزقيهما في العراق وفلسطين.‏
ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن حل أزماتها الاقتصادية ونجاحها في أمركة العالم، وصراعها الاقتصادي مع أوروبا واليابان، والقضاء على المقاومتين العراقية والفلسطينية، يتطلب إقامة النظام الإقليمي الجديد امتداداً لمصالحها وضماناً لمخططاتها والسيطرة المُطلقة على النفط ومنابعه وممراته وأسواقه وأسعاره لإعادة النمو والتطوّر للاقتصاد الأمريكي.‏
شاهدت في محطة الجزيرة الرئيس الأمريكي بوش يقول حرفياً: (ازدهار العراق يؤدي إلى ازدهار أمريكا) ممَّا يدلّ دلالة واضحة على أهمية احتلال العراق ونهب ثرواته باسم إعادة الإعمار لحل أزمة الاقتصاد الأمريكي.‏
إن الخريطة الجديدة للمنطقة لا تقتصر على البعد الاقتصادي فقط وإنما تمتد لتشمل السيطرة على الوطن العربي عن طريق القواعد العسكرية الأمريكية وتنصيب الدمى والكرازيات في بلدان المنطقة والتحكم بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتّى التحكّم بالمناهج والكتب الدراسية وكتب الدين الإسلامي للمراحل الابتدائية والثانوية والجامعية.‏
إن التحليل الدقيق للنظام الإقليمي الشرق أوسطي المطروح يبيّن بجلاء الدور الـ"إسرائيل"ي فيه، والمصالح الكبرى التي تجنيها "إسرائيل" منه لحل جميع أزماتها المستعصية الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية.‏
إن الصراع على ثروات وهوية المنطقة وطابعها العربي الإسلامي والمخططات الأمريكية والصهيونية هي حجر الزاوية وجوهر صياغة النظام الإقليمي الجديد في المنطقة.‏
عبّر الرئيس الراحل حافظ الأسد عن طبيعة النظام المطروح قائلاً: ((موضوع الشرق أوسطية ليس موضوعاً اقتصادياً، بل إنه موضوع اقتصادي وسياسي))، وحدّد هدفه الأساسي بقوله: ((هو شطب شيء اسمه العرب، شطب شيء اسمه العروبة، شطب المشاعر العربية، شطب الهوية القومية)). ويهدف النظام المقترح إلى كسر الإرادات وتمزيق البلدان العربية واحتلال البعض منها وابتزاز البعض الآخر لفرض التسوية الإسرائيلية وإقامة "إسرائيل" العظمى من النيل إلى الفرات وإعادة صياغة المنطقة وتركيبها جغرافياً وبشرياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وفق المخططات والمصالح الأمريكية والصهيونية ولمحاربة العرب والمسلمين.‏
عندما بدأ دهاقنة الاستعمار الأوروبي يضعون الخطط لتقاسم مناطق النفوذ في آسيا وإفريقيا خططوا لتفكيك هذه البلدان وإعادة تركيبها جغرافياً لإضعافها وتسهيل السيطرة عليها. وأوجدت دول أوروبا الاستعمارية مصطلحات الشرق الأدنى والشرق الأوسط والشرق الأقصى، وذلك انطلاقاً من قرب أو بعد هذه المناطق عن أوروبا فأطلقوا على المناطق البعيدة عن أوروبا والممتدة من الهند غرباً بالشرق الأقصى، وعلى المناطق القريبة من شرق البحر المتوسط "الشرق الأدنى" وأصبحت المنطقة التي تتوسط الشرقَين الأقصى والأدنى تعرف بمنطقة الشرق الأوسط، ولكنهم اختلفوا حول تعيين حدودها.‏
الشرق الأدنى: ويشمل البلدان الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط ومنها تركيا وسوريا وفلسطين ولبنان والأردن ومصر وجزيرة قبرص. ظهر هذا المصطلح في منتصف القرن التاسع عشر (1850) جراء ضعف الإمبراطورية العثمانية وتصاعد التنافس الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا على مناطقها.‏
الشرق الأقصى: بدأ هذا المصطلح بالظهور في منتصف القرن الثامن عشر أي منذ عام (1751) عندما حوّلت بريطانيا الهند كمركز لها للعبور إلى بقية البلدان الأخرى. ويشمل هذا المصطلح شرق آسيا ما عدا كوريا واليابان وبعض الأجزاء من الصين ويشمل: الهند والبلدان المنتشرة في المحيط الهادي، ومناطق واسعة تطل على المحيطين الهندي والهادي...‏
الشرق الأوسط: برز هذا المصطلح مع ظهور الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة ويشمل منطقة تشكل امتداداً للشرقين الأدنى والأقصى، وهي أغنى المناطق في العالم بالنفط والمعادن، وتتمتع بمركز استراتيجي هام بين القارات الثلاث أوروبا وآسيا وإفريقيا، وتشمل بلدان شبه الجزيرة العربية والعراق وإيران وأفغانستان وعرفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1989 بأنه المنطقة الممتدة من ليبيا غرباً إلى إيران شرقاً، ومن سورية شمالاً إلى اليمن جنوباً. وعرفه آخرون بأنه يضم جميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية وإيران. ويضم إليه المتخصصون في الولايات المتحدة الحبشة وباكستان وأفغانستان والدول الإسلامية المستقلة حديثاً في آسيا الوسطى.‏
ويؤكد الباحثون العرب أن المصطلح سياسي النشأة والاستعمال ولا ينبع من سمات المنطقة السياسية أو الثقافية أو الحضارية أو الديمغرافية، ويمزق الوطن العربي بضمه دولاً غير عربية. ويقوم التصوّر الغربي للشرق الأوسط على افتراض أن المنطقة ما هي إلا عناصر عرقية مركّبة تتألف من خليط من الطوائف والشعوب والقوميات، وأن الأهداف التي يرمي إليها التصوّر الأمريكي والأوروبي والصهيوني يقوم على رفض مفهوم القومية العربية والوحدة العربية وإضفاء الشرعية على الكيان الصهيوني.‏
ولم تستقر بعد البلدان التي يشملها الشرق الأوسط، إذ يعمل الاستراتيجيون في الدول الإمبريالية على توسيعه ليضم ويشمل البلدان العربية، (باستثناء السودان والصومال)، والباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى، وبدأ مصطلح الشرق الأدنى بالاختفاء تدريجياً لصالح مصطلح الشرق الأوسط.‏
الفصل الأول: بروز مصطلح الشرق الأوسط:‏
نظراً لأهمية فلسطين التاريخية والدينية وموقعها الاستراتيجي بين آسيا وإفريقيا، بين بلدان المشرق والمغرب العربي قرّر الاستعمار البريطاني إقامة "إسرائيل" في فلسطين، قلب الوطن العربي كنقطة ارتكاز وانطلاق للتحكّم بالمنطقة العربية وثرواتها وإراداتها، وإسفين لفصل البلدان العربية الآسيوية عن البلدان الإفريقية.‏
كتب تيودور هرتسل، مؤسس الصهيونية (كحركة سياسية عالمية منظمة) عام 1897 في يومياته، يقول: "يجب قيام كومنولث شرق أوسطي، يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي فاعل، ودور اقتصادي قائد، وتكون المركز لجلب الاستثمارات والبحث العلمي والخبرة الفنية(1)".‏
وأبرز ضابط البحرية البريطانية الفرد ماهان مصطلح الشرق الأوسط في مقال كتبه في الأول من أيلول عام 1902 في لندن، ثمَّ استخدمه فالنتاين شيرول مراسل التايمز اللندنية في تشرين الأول عام 1902 و1903 في سلسلة من المقالات تحت عنوان "المسألة الشرق أوسطية"، ثمَّ أصدرها في كتاب عام 1903.‏
صدر في عام 1907 في لندن تقرير كامبل بنرمان وزير المستعمرات آنذاك، الذي وضعه في مؤتمر عقدته مجموعة من علماء التاريخ والسياسة والاقتصاد، بمشاركة عدد من السياسيين الأوروبيين وتناول الوضع في المنطقة العربية، جاء فيه:‏
(يكمن الخطر على الغرب في البحر المتوسط، لكونه همزة وصل بين الشرق والغرب. ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد، تتوافر له وحدة التاريخ واللغة والجغرافية وكل مقوّمات التجمع والترابط، وذلك فضلاً عن نزعاته الثورية وثرواته الطبيعية الكبيرة)(2).‏
ويتساءل التقرير عن مصير المنطقة، إذا انتشر فيها التعليم والثقافة. ويجيب بأنه إذا حدث ذلك، فسوف تحل الضربة القاضية بالإمبراطوريات القائمة.‏
ووضع المؤتمر الاستعماري المذكور المخططات والوسائل الكفيلة لإضعاف الوطن العربي وتسهيل السيطرة عليه وعلى شطآنه واحتواء إراداته وطاقاته وثرواته ومنع تطوره وتقدمه ووحدته.‏
وحدد الوسائل والأساليب للوصول إلى ذلك بما يلي:‏
أولاً: إقامة حاجز بشري غريب وقوي مانع، يفصل بلدان المشرق عن بلدان المغرب العربي، وإقامة قوة قريبة من قناة السويس، عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية.‏
ثانياً: العمل على تجزئة الوطن العربي إلى دول وكيانات متعددة.‏
يهدف التقرير إلى إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، والسيطرة على الموقع الجيواستراتيجي الهام للوطن العربي وعلى قناة السويس، ونهب ثرواته الطبيعية والحيلولة دون تطوره ودون تحقيق الوحدة العربية.‏
وقد بدأت الصهيونية تعمّم هذا المصطلح ـ مصطلح الشرق الأوسط ـ بديلاً للوطن الواحد والشعب الواحد والأمة الواحدة، نظراً لأنه ملتقى القارات الثلاث ويُشرف على أهم الممرات المائية كقناة السويس، ومضيق باب المندب، والخليج، وخليج العقبة ومضيق هرمز، ويختزن أكثر من ثلثي احتياطي النفط العالمي. وتخشى الصهيونية والاستعمار من إقامة دولة اتحادية عربية قوية وغنية ومسلحة بالثروة النفطية والقومية العربية والعقيدة الإسلامية.‏
احتلت المنطقة مكانة هامة في التنافس الاستعماري بين دول أوروبا الاستعمارية وبالتحديد بين بريطانيا وفرنسا من أجل السيطرة على الهند (المسماة بدرِّة التاج البريطاني). وجاءت حملة نابليون على الشرق في هذا الاتجاه، ولكنه فشل أمام أسوار عكا فعاد إلى فرنسا.‏
ظهر في لندن عام 1909 كتاب بعنوان: مشاكل الشرق الأوسط لمؤلفه هاملتون وضّح فيه أهمية المنطقة لأوروبا والعالم، وطالب بضرورة السيطرة عليها. وأعلن الحاكم البريطاني على الهند اللورد كيرزون عام 1911 إدارة خاصة للشرق الأوسط، وكلّفها بالإشراف على شؤون فلسطين وشرق الأردن والعراق.‏
واقترح الإرهابي فلاديمير جابوتنسكي عام 1922 مشروعاً لإقامة سوق شرق أوسطية. وحدّدت الحركة الصهيونية عام 1942 أهدافها التوسعية وسيطرتها الاقتصادية على الوطن العربي في مؤتمر بلتمور الصهيوني، الذي يعتبر أهم مؤتمر صهيوني بعد المؤتمر التأسيسي في بازل على الشكل التالي: (إقامة قيادة يهودية للشرق الأوسط بأكمله في ميداني التنمية والسيطرة الاقتصادية) ووضع الصهاينة دراسات ومذكرات حول "الشرق الأوسط" في عامي 1941 و1942، وأنجزوا مشروعاً صهيونياً للشرق الأوسط لمواجهة الكتاب الأبيض لحكومة الانتداب البريطاني في فلسطين ويتضمن المشروع العمل على قيام تعاون سياسي واقتصادي يمنع التصادم بين العرب واليهود، ويدمج فلسطين وبقية بلدان المشرق العربي.‏
غرس يهود بريطانيا والولايات المتحدة فكرة الشرق أوسطية في صلب السياستين الأمريكية والبريطانية خلال الحرب العالمية الثانية.‏
وقد طُرحت فكرة التعاون الاقتصادي بين بلدان منطقة الشرق الأوسط لأول مرّة في 18 تشرين الثاني 1943، وذلك في اجتماع عُقد بين ممثلين عن وزارتي الخارجية الأمريكية والبريطانية في لندن، بمقر وزارة الخارجية البريطانية للتباحث في تسوية وضع الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لضمان مصالح البلدين في المنطقة والهيمنة عليها.‏
أعد اليهودي ـ الأمريكي د. ارنست بيرجمان "أحد تلامذة حاييم وايزمان، زعيم المنظمة الصهيونية العالمية"، مذكرة قدَّمها للاجتماع، ويمثّل فيها تهويد فلسطين جوهر الخطة الأمريكية والقائمة على هجرة اليهود إلى فلسطين العربية وإقامة "إسرائيل" فيها، وتحويلها إلى قاعدة صناعية متطورة لتكون حجر الزاوية في المشاريع والمخططات المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.‏
ظهرت "الشرق أوسطية" كفكرة "إسرائيلية" لأول مرة في وثيقة أصدرها "اتحاد إيهود" بتاريخ 28/3/1948 وتضمنّت "التصاق فلسطين في اتحاد شرق أوسطي واسع"، ووقعها عن اللجنة التنفيذية للاتحاد المذكور: يهودا ماغنس، مارتن بوبر، ديفيد سيناتور، جيرت ويليلم وإيزل مولهو(3).‏
وضعت الصهيونية وبريطانيا مخططاً لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين العربية من خلال:‏
أولاً: تهجير اليهود إلى فلسطين واستيطانهم فيها وترحيل العرب عنها وتوطينهم في البلدان العربية وتحقيق الاستعمار الاستيطاني عن طريق المجازر الجماعية والحروب العدوانية وبناء المستعمرات اليهودية.‏
ثانياً: الانطلاق من الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والاحتلال والاستعمار الاستيطاني والمفاوضات لفرض اتفاقات إذعان على بعض الأطراف العربية.‏
وولَّد تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين العربية، تحدياً مصيرياً للعرب والمسلمين كافة، وأحدث انقطاعاً في التواصل الجغرافي العربي واستنزافاً في الموارد الاقتصادية للبلدان العربية، وأصبح الكيان الصهيوني أداة عسكرية في يد الدول الاستعمارية للحيلولة دون وحدة العرب وتطورهم ولإذلالهم وإخضاعهم والسيطرة عليهم وعلى ثرواتهم.‏
اقترح بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني على الرئيس الأمريكي إيزنهاور بتاريخ 24/7/1958 في رسالة وجهها إليه "إقامة سد منيع ضد المد الناصري" (أي التيار القومي) وللوقوف أمام التوسع السوفييتي من "إسرائيل" وتركيا وإيران(4).‏
فشلت جميع المساعي الأمريكية والبريطانية في فترة الخمسينيات في إخضاع البلدان العربية للهيمنة الإمبريالية، ففشل حلف السنتو، وحلف بغداد، ومشروع جونسون للتعاون المائي بين الأردن و"إسرائيل"، ومشاريع التوطين، ومبدأ إيزنهاور، نظرية الفراغ للحلول محل فرنسا وبريطانيا في المنطقة.‏
إن مفهوم العروبة، والأمة العربية، والدولة العربية الواحدة أقدم بكثير من مفهوم الشرق أوسطية. وتعود جذوره إلى أعماق التاريخ في المنطقة.‏
الفصل الثاني: التخطيط "الإسرائيلي" للشرق الأوسط‏
خططت "إسرائيل" والولايات المتحدة لحرب حزيران العدوانية عام 1967، ولأهدافها السياسية والاقتصادية وحاولت الولايات المتحدة دون معاقبة العدو على حربه العدوانية وإجباره على دفع التعويضات طبقاً لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي.‏
بدأت المخططات الإسرائيلية لمستقبل الوطن العربي بالظهور بعد الحرب العدوانية مباشرة، وبعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، وتمسك العدو الـ"إسرائيل"ي بالأراضي العربية المحتلة لإجبار العرب على القبول بمخططاته السياسية والاقتصادية.‏
نظّمتْ "إسرائيل" عقد المؤتمرات الثلاث للمليونيرية اليهود في أعوام 1967 و1968 و1969 لإحكام سيطرتها الاقتصادية على المناطق العربية المحتلة واستغلالها.‏
وأنشأ المليونير اليهودي روتشيلد معهداً بالقرب من جنيف أطلق عليه اسم "معهد من أجل السلام في الشرق الأوسط" لدراسة احتمالات التعاون الاقتصادي في المنطقة بعد تسوية الصراع والبحث عن وسائل لإقامة علاقات تجارية بين "إسرائيل" والبلدان العربية.‏
وتأسّست في الكيان الصهيوني عام 1968 جمعية للسلام في الشرق الأوسط، مهمّتها وضع الخطط والبرامج والمشاريع لفرض هيمنة "إسرائيل" الاقتصادية على البلدان العربية.‏
خطّطت الجمعية الإسرائيلية لإقامة سوق شرق أوسطية على غرار السوق الأوروبية المشتركة وبالتنسيق والتعاون معها، وتتألّف من عدّة سلطات أهمها:‏
ـ سلطة نفط الشرق الأوسط.‏
ـ سلطة التنمية السياحية.‏
ـ سلطة المياه والري.‏
ـ سلطة الزراعة والصناعة.‏
ـ سلطة تعمير الصحاري.‏
وحدّدت الجمعية الإسرائيلية بعض السمات الأساسية التي يجب أن تبرز في تطور اقتصاد المنطقة فخصّصت كل بلد من بلدان المشرق العربي بالصناعات التي تراها الجمعية، وتنبأت للسياحة بأن تكون من أهم صناعات الشرق الأوسط، بسبب تقارب سكان المنطقة وسرعة المواصلات وزيادة الدخل.‏
طرح حزب العمل الإسرائيلي في نهاية الستينات إقامة اتحاد "إسرائيلي" ـ فلسطيني أردني على غرار اتحاد بنيلوكس، بين بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. وتبنى ياسر عرفات طروحات حزب العمل حول الاتحاد الثلاثي وأوهام مشروع مارشال.‏
ووضع جاد يعقوبي، وزير المواصلات في حكومة الجنرال اسحق رابين عام 1975م مخططاً سرياً للتعاون الإقليمي في مجال المواصلات بين "إسرائيل" والأردن ومصر، وقدمه للجنرال رابين وجرى بحثه ضمن هيئات حكومية "إسرائيلية"، ويشير جاد يعقوبي في مخططه إلى أن التعاون الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط في مجال المواصلات هو أمر ضروري للطرفين، ويتضمن المخطط آنذاك التعاون بين مطاري إيلات والعقبة وإقامة مطار جديد مشترك في مرحلة لاحقة في الأردن، "لإسرائيل" والأردن ويكون استمراراً للمطار الأردني الحالي، وإقامة محطة مشتركة وبرج مراقبة واحد.‏
وتضمن مشروع يعقوبي ربط الأردن بميناء حيفا بواسطة سكة حديد قطار الغور، وإيجاد اتصال بري بين الأردن وميناء أسدود، وتطوير شبكة خطوط حديدية بين "إسرائيل" والدول العربية المجاورة، وتحويل "إسرائيل" في نطاق التعاون الإقليمي إلى جسر بري بين مصر ولبنان.‏
وتضمن المشروع أيضاً تطويراً إسرائيلياً أردنياً مشتركاً لإيلات والعقبة في المجال السياحي، وبحرية انتقال السيّاح بين إيلات والعقبة(5).‏
ووضع يعقوب ميريدور، وزير الاقتصاد في حكومة مناحيم بيغن بعد شهر واحد من زيارة السادات للقدس عام 1977، مشروعاً للتعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط وتوطين الفلسطينيين في البلدان العربية.‏
واشتمل المشروع على تأسيس صندوق مالي قوامه (30) مليار دولار لعشر سنوات من دول النفط العربية وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وتستفيد منه فقط الدول التي توقّع على اتفاقات سلام مع "إسرائيل"، بينما تحصل "إسرائيل" على حصّة الأسد من الصندوق.‏
تبنّت بعض الأوساط الأمريكية مشروع ميريدور، وتقدّم فرانك شريش، عضو مجلس الشيوخ باقتراح إلى مجلس العلاقات الخارجية والأمن في الكونغرس طالب فيه رئيس الولايات المتحدة بلورة مشروع (مارشال جديد للشرق الأوسط) يؤدي إلى تعاون اقتصادي كامل في الشرق الأوسط مع الذين يعقدون اتفاقات سلام مع "إسرائيل".‏
اقترح شمعون بيرس خلال زيارته للولايات المتحدة في بداية نيسان 1986م اعتماد مشروع مارشال للشرق الأوسط لتأمين الاستقرار في المنطقة حسب التخطيط والمصالح الـ"إسرائيل"ية على غرار مشروع مارشال لأوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لدمج "إسرائيل" في المنطقة، والهيمنة عليها.‏
ويهدف بيرس من جرّاء طرح مشروعه الاستمرار في التسوية التي بدأت في كامب ديفيد بحيث ترتكز على أرضية اقتصادية لحل أزمات "إسرائيل" الاقتصادية وتحقيق الازدهار فيها وخلق مصالح مشتركة مع بعض الأوساط العربية لخدمة المخططات الإسرائيلية، ووعدت الولايات المتحدة بدراسة مقترحات بيرس بعناية مع حلفائها.‏
وقال بيرس قبل مغادرته الولايات المتحدة أنه "يعتقد بأن القضايا الاقتصادية ستصبح القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط، وإذا لم تعالج مثل هذه المشاكل فإننا يجب أن نتوقع عدم الاستقرار وأن يواجه الشرق الأوسط أعظم المشكلات في تاريخه"(6).‏
وطرح يائير هير شفيلد، رئيس الوفد الإسرائيلي في اجتماع بروكسل في أيار 1992، لمجموعة عمل التعاون الاقتصادي الإقليمي في المفاوضات المتعددة الأطراف مخطط حزب العمل الـ"إسرائيل"ي للتعاون الاقتصادي الإقليمي.‏
وشملت المقترحات آنذاك المشاركة في الموارد الطبيعية والبشرية، وتوسيع أسواق المنطقة، وجذب الاستثمارات من الدول الأجنبية ومن دول النفط العربية ومؤسسات التمويل الدولية، وإقامة صندوق إقليمي للتنمية في الشرق الأوسط.‏
وأجمَلَ شمعون بيرس موقفه حول التعاون في الشرق الأوسط في المعهد القومي لدراسات الشرق الأوسط وأمام مثقفين مصريين خلال الزيارة التي قام بها إلى القاهرة في تشرين الثاني في 1992 بالعبارات التالية:‏
"لا ينبغي أن ننظر إلى المفاوضات السياسية بالتركيز في النظر إلى الماضي، يجب أن نضع نهاية للنزاع العربي الإسرائيلي وأن نبني شرق أوسط جديداً... يجب أن يكون الشرق الأوسط منطقة مفتوحة من ناحية اقتصادية لكل الشعوب التي تقطن فيه... يمكن أن تنشأ كونفدرالية أردنية ـ فلسطينية، أو كونفدرالية "إسرائيل"ية ـ أردنية ـ فلسطينية، أو حلف بصيغة بنيلوكس"(7).‏
ويشير الكاتب الإسرائيلي أودد بتون إلى فشل الصليبيين في المنطقة ويطرح درساً على "إسرائيل" للاستفادة من هذا الفشل لتجنّب المصير الذي حلّ بالصليبيين، ويتلخص الدرس في ضرورة السيطرة الإسرائيلية على المقدرات الاقتصادية العربية.‏
ويتطرّق إلى الموارد النفطية الهائلة في المنطقة وعدم قدرة أصحابها على حمايتها ويقول: "إن هذا الوضع العربي يخلق فرصاً جيدة للسيطرة الإسرائيلية على المنطقة... تعويض "إسرائيل" ما فات عليها من فرص بسبب النظرات السياسية الضيقة والآراء اليهودية المتطرفة، وليس أمامها من مفر غير السيطرة على الموارد العربية إذا ما أرادت الاستمرار في الوجود"(8)، ويتوقع الخبير الإسرائيلي موشيه ماندلباوم أن تصبح "إسرائيل" في ظل السلام مركزاً للأموال العربية والتأمين في الشرق الأوسط، ويقول: "وبما أن "إسرائيل" تتمتع بأفضل الاتصالات في الشرق الأوسط، فمن الممكن جداً أنه مع حلول السلام أن تتحول أموال النفط العربية إلى أسواق "إسرائيل" المالية، أما بالنسبة للتأمين "فإسرائيل" تتمتع بمكان عظيم للحصول على القسم الأكبر من السوق العربية"(9).‏
ويقول الجنرال أمنون شاهاك، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية ورئيس الأركان الأسبق في مقال له بعنوان "إسرائيل" والشرق الأوسط في عام 2000"، نشر في عام 1987 ما يلي:‏
"ينبغي أن تسعى "إسرائيل"، خلال السنوات القليلة المقبلة لترسيخ مفهوم انتمائها إلى الواقع الشرق أوسطي". ويقول الجنرال الوف هارايفن حول اندماج "إسرائيل" في المنطقة: "إذا لم تستطع "إسرائيل" الاندماج في عالم الغد فإن المشكوك فيه أن يكتب لها البقاء فترة طويلة"(10).‏
إن "الشرق أوسطية" مصطلح صهيوني ـ استعماري ـ أوروبي النشأة والأصل، ولخدمة الأهداف الصهيونية والإمبريالية. جاء من أوروبا، فهو خارجي وغريب عن المنطقة، ولا ينسجم مع واقعها الجغرافي وخصائصها البشرية بل يخدم مصالح القوى التي ابتكرته. وهو يمزق وحدة الوطن العربي الجغرافية والبشرية، وبالتالي يعرقل الوحدة العربية ويقضي على إمكانية تبلور النظام العربي ويطرح بديلاً عنه النظام الشرق أوسطي.‏
وهو يستثني بعض الدول العربية ويخرجها من النظام المطروح ويضم إليه بعض دول الجوار غير العربية كالحبشة وقبرص والباكستان وأفغانستان.‏
ويرمي إلى دمج الكيان الصهيوني في المنطقة كمقدمة لتوليه القيادة وإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة، لتجزئة الوطن وإضعاف الأمة وإعادة تشكيلها من شعوب وقوميات وأديان وحضارات مختلفة لخدمة مصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية ولتسهيل السيطرة على الأرض والثروات العربية والتحكّم بصياغة حاضرها ومستقبلها.‏
الفصل الثالث: التعاون الإقليمي في مجالي المياه والسياحة‏
تنطلق التصورات الإسرائيلية للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط من أن "إسرائيل" المركز والقائد للنظام الإقليمي والمستفيد الأوّل منه، وذلك لكي تُحكم سيطرتها على مسارات التطور الاقتصادي والسياسي والأمني فيه. وبالتالي تحقق الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي عن المساعدات الأمريكية والألمانية، ممَّا يساعدها في المستقبل على فرض الهيمنة الصهيونية على العالم.‏
إن النظام الإقليمي المطروح، الذي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي على فرضه وتسويقه يتضمن إجراء تغييرات جيوسياسية، بما يخدم تحقيقه وبعبارة أدق كما يُعلن الرئيس الأمريكي بوش إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة العربية وتعيين كرزايات أكثر تبعية من السابقين، وتخليد الوجود العسكري الأمريكي في العراق والخليج لنهب ثرواته والحيلولة دون مساهمته في دعم النظام العربي.‏
فمن الممكن فصل العراق عن المشرق العربي ودمجه في إطار منطقة الخليج وبعض دول الجوار وربما بعض الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى. كما يمكن أن تقوم الإمبريالية الأمريكية بفصل السودان والصومال عن الوطن العربي وإقامة نظام إقليمي مع بعض دول الجوار الأفريقي، كما يمكن عزل موريتانيا عن المغرب العربي وإدخالها في تحالف مع دول الجوار كالسنغال. وفي حال نجاح رسم خريطة جديدة للمنطقة التي يتحدّث عنها بوش والجنرال كولن باول وخطط ويخطط لها الصهاينة، فإن ذلك سيقود حتماً إلى تجزئة الكيانات الجغرافية والبشرية والسياسية والاقتصادية في الوطن العربي.‏
وتركز الصهيونية والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية على نسيان الماضي، وطمس ذاكرة أمتنا التاريخية، وتغيير المناهج الدراسية وكتب الجغرافيا والتاريخ لكي تضع ركائز النظام الإقليمي المطروح.‏
وتجري حالياً بعد الحرب الأمريكية العدوانية على العراق وتدمير جيشه ومنجزاته وتواجد القوات الأمريكية في العديد من البلدان العربية رسم الخريطة الجديدة للوطن العربي على حساب وحدته وسيادته وثرواته لفرض هيمنة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية عليه بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي.‏
وتخدم الاتفاقيات التي وقعتها وسوف توقعها القيادات العربية والفلسطينية مع العدو الصهيوني ومعاهدة وادي عربة واحتلال العراق، إلى وضع النواة لإقامة إطار جديد أو خارطة جديدة. فاتفاقيات الإذعان هي العمود الفقري لإقامة النظام الجديد.‏
ركز الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على التعاون الإقليمي الاقتصادي كإجراء مسبق لدفع عملية التسوية وليس نتيجة من نتائجها، أي أن العدو الإسرائيلي يريد الأرض والأمن والسلام والتعاون الاقتصادي. ودعمته الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي وأخذوا يربطون التقدم على مسارات التسوية في إطار التعاون الاقتصادي الإقليمي، كخطوة أولية لاندماج الاقتصاد الإقليمي في الاقتصاد العالمي.‏
وتولي دول الاتحاد الأوروبي اهتماماً كبيراً بالشرق أوسطية والمتوسطية لمجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها أهمية النفط العربي والمنطقة اقتصادياً لأوروبا، ولأن التنمية والاستقرار في المنطقة تقود إلى التخفيف من الهجرة من المنطقة إلى البلدان الأوروبية.‏
أما فيما يتعلق بالسوق الشرق أوسطية فتجري المحاولات لجعل "إسرائيل" المركز والقائد لها، أي قيادتها للمركز الإقليمي المرتبط مع المركز العالمي في وول ستريت بالولايات المتحدة. وتكون "إسرائيل" أيضاً القاسم المشترك بين الشرق أوسطية والمتوسطية المرتبطة بالمركز الأوروبي. وستكون "إسرائيل" بوابة الاستيراد والتصدير للمنطقة. وبالتالي تتوجه الفوائد والأرباح إلى الاقتصاد الـ"إسرائيل"ي وإلى الشركات الأمريكية والأوروبية على حساب الوطن والمواطن والأمة.‏
التعاون في مجال المياه‏
تلعب المياه دوراً مهماً في النظام الإقليمي المطروح، نظراً لأن المصادر الحالية لا تفي بالاحتياجات في المستقبل القريب، ممَّا يزيد من إمكانية انفجار النزاعات حول مصادر المياه في المنطقة وتلعب الهجرة اليهودية المستمرة وسرقة العدو الإسرائيلي للمياه الفلسطينية واللبنانية والسورية والتكاثر السكاني وشحّ المياه، دوراً في تأزيم مشكلة المياه في المنطقة.‏
حوّلت "إسرائيل"مجرى نهر الأردن، وتسرق كميات كبيرة من النهر. وتسرق المياه الجوفية في الضفة الغربية وجنوب لبنان والجولان. واستولت على مياه منطقة الباقورة الأردنية بموافقة أردنية. وبالتالي فإن سرقة "إسرائيل" للمياه العربية ستكون من أحد العوامل لاستمرار النزاع معها في المستقبل. يضاف إلى ذلك أن بعض دول الإقليم يستخدم ورقة المياه في الأنهر الدولية كوسيلة من وسائل الضغط للحصول على مكانة مرموقة في النظام الإقليمي المطروح.‏
وأدّت الأطماع الصهيونية التاريخية في مياه الجولان إلى قيام بريطانيا وفرنسا انتزاع بعض الأراضي والقرى اللبنانية والسورية وضمّها إلى فلسطين في اتفاقية عام 1923 التي وقّعتها بريطانيا وفرنسا. وكان بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني يُطلق على جبل الشيخ أبو المياه لفلسطين.‏
وضغطت الحركة الصهيونية على بريطانيا لتعديل حدود سورية ولبنان وفلسطين التي أقرها مؤتمر الحلفاء في سان ريمو في نيسان 1920 وهي: الجليل الأعلى، مرتفعات الجرمق، والمنخفض المائي الذي يضم قسماً من مياه سورية ولبنان.‏
طرحت تركيا و"إسرائيل" مشروع أنابيب السلام لترسيخ النظام الإقليمي المقترح وإعطاء تركيا دوراً مهماً فيه، وطرح تورجوت أوزال، رئيس وزراء تركيا الأسبق عام 1987، برميل ماء مقابل برميل نفط. ويعتمد مشروع أنابيب السلام على مياه نهري جيحون وسيحون ونقل الفائض من مياههما عن الاستهلاك الداخلي عبر خطين من الأنابيب: الأول: الخط الغربي: يتجه إلى سورية والأردن و"إسرائيل" والمنطقة الغربية من السعودية. والخط الثاني: "الشرقي" خط أنابيب الخليج ومركزه سورية ويتوزع إلى الكويت والمنطقة الشرقية من السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية وعمان. وتزيد الكلفة الإجمالية للخطين عن عشرين مليار دولار. ولكن المشروع تأجل بسبب رفض الأطراف العربية بحث التعاون الإقليمي المائي قبل الانسحاب الإسرائيلي الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة.‏
التعاون في مجال السياحة‏
تولي "إسرائيل" السياحة في النظام الإقليمي المطروح أهمية خاصة، نظراً للأموال الهائلة التي يمكن أن تجنيها من جراء علاقات السياحة بينها وبين العرب.‏
وتلعب السياحة دوراً هاماً في العلاقات بينها وبين دول المنطقة للأسباب التالية:‏
ـ وجود الأماكن المقدسة والمسجد الأقصى في القدس وبيت لحم والناصرة وطبرية، ممَّا يشجع على الحج وعلى السياحة الدينية.‏
ـ وجود معالم سياحية جذابة على سواحل البحر الأبيض المتوسط والأحمر والميت وبحيرة طبرية.‏
ـ وجود سياحة صيفية وشتوية بسبب المناخ والتضاريس والتركيز على السياحة الطبية.‏
ـ توافر المنشآت السياحية ومحلات اللهو والترفيه.‏
وتتضمن المخططات الإسرائيلية للسياحة بناء الفنادق والمعالم السياحية على الحدود مع الدول العربية وإنشاء مشاريع سياحية مشتركة، كالمشروع المسمى "ريفيرا البحر الأحمر" الذي يربط بين ساحل إيلات والعقبة وطابا من جزيرة المرجان عبر طابا، وساحل المرجان في إيلات وصولاً إلى العقبة وحتى السعودية. ويتطلب المشروع التعاون الإقليمي بين "إسرائيل" والأردن ومصر والسعودية. ويتوقع المخططون الإسرائيليون الحصول على أموال ضخمة من جرَّاء استقبال السياح العرب وتصدير الخدمات السياحية إلى البلدان العربية.‏
وتقود السياحة إلى علاقات قوية بين دول المنطقة وشعوبها وكسر الحواجز النفسية المزمنة نتيجة للصراع العربي الصهيوني واغتصاب فلسطين العربية.‏
وتساهم السياحة في رفع مستوى الحياة وتزيد من عجلة التطور.‏
وحاول العدو الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا إلغاء المقاطعة العربية والهرولة في التطبيع قبل التوصل إلى التسوية. إلا أن الجامعة العربية رفضت الانصياع للمطلب الأمريكي والأوروبي باعتبار أن المقاطعة وسيلة مشروعة تلجأ إليها الدول في علاقاتها الدولية لتحقيق أهدافها ومنها أمريكا.‏
وأعلنت الجامعة العربية ضرورة ربط تحقيق السلام العادل والشامل بإلغاء المقاطعة. ولكن دول مجلس التعاون الخليجي استجابت للمساعي الأمريكية وألغت المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة بعد اجتماع وزراء خارجيته مع وزير الخارجية الأمريكي وارن كرستوفر في الأول من تشرين الأول 1994.‏
ويمكن القول أن النظام الإقليمي في الشرق الأوسط يقود إلى سيطرة "إسرائيل" الاقتصادية والعسكرية والسياسية على المنطقة في غياب استراتيجية عربية واحدة وقوية وقادرة على مواجهة الأخطار التي تمكّن من رسم الخارطة الجديدة للوطن العربي في ظل الأوضاع العربية والإقليمية الدولية الراهنة.‏
الفصل الرابع: المساعي الأمريكية لإقامة النظام الشرق أوسطي‏
ظهرت إبان الحرب العالمية الثانية أهمية ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط الجيواستراتيجية والنفطية سواء في الحرب أم في السلم، لذلك أخذت الدول الاستعمارية الثلاث بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بالتعاون مع الصهيونية العالمية وبعض المسؤولين العرب لإخراج النظام الإقليمي الشرق أوسطي إلى حيِّز الوجود.‏
وقامت الولايات المتحدة بالدور الأساسي لإرساء معالمه، بالتنسيق والتعاون الكاملين مع بريطانيا وفرنسا. وشرعوا بمساعدة وتقوية الكيان الصهيوني عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. فوسّعت الولايات المتحدة مبدأ ترومان عام 1949 ليشمل بموجب النقطة الرابعة فيه تقديم المساعدات الزراعية والمادية إلى بعض دول المنطقة.‏
واشتركت في توقيع البيان الثلاثي في 25 أيار 1950 الذي يتضمن تعهد الدول الاستعمارية الثلاث المحافظة على أمن الكيان الصهيوني وإقامة العلاقات بينه وبين بعض الدول العربية، ومنع الدول العربية من الحصول على السلاح للدفاع عن بلدانهم.‏
وحاولت الإدارة الأمريكية أن تقيم قيادة رباعية لمنطقة الشرق الأوسط من فرنسا وبريطانيا وتركيا ومصر.‏
وحاولت بعد قيام ثورة 23 تموز في مصر إقامة "الحلف الإسلامي" على أساس ديني من بعض الدول العربية وبعض دول الجوار المسلمة. وسعى ألن دالاس وزير الخارجية الأمريكية في زيارته للمنطقة عام 1953 احتواء الثورة المصرية عن طريق المساعدات الاقتصادية وربط تمويل السد العالي في مصر بإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني وقطع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي.‏
وعلى أثر تأميم مصر لشركة قناة السويس أشعلت "إسرائيل" حرب السويس العدوانية بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا عام 1956. وأعلن الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور ما عرف بمبدأ إيزنهاور أي نظرية الفراغ عام 1957 للحلول محل بريطانيا وفرنسا وتضمن:‏
ـ استعداد الولايات المتحدة للتدخل العسكري المباشر لدعم دول المنطقة ضد الخطر الشيوعي (المزعوم).‏
ـ تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية للدول التي توافق عليه.‏
وأنزلت قواتها في لبنان، بينما أنزلت بريطانيا قواتها في الأردن عام 1958. ووسع الرئيس إزينهاور نظرية الفراغ رداً على الوحدة بين سورية ومصر.‏
ونجحت الولايات المتحدة الأمريكية بإخراج مصر من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني بتوقيع أنور السادات لاتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية. وهكذا تكون إدارة الرئيس كارتر التي أجبرت السادات وأغرته على توقيع الاتفاقيات قد حققت الحلم الذي راود بن غوريون والقادة الصهاينة بإخراج مصر من حظيرة الصراع، للاستفراد بالأطراف العربية الواحد تلو الآخر. وسكتت عن احتلال العدو للشريط الحدودي في جنوبي لبنان وإقامة دويلة العميل سعد حداد عام 1978، والتي قضت عليها المقاومة اللبنانية في أيار 2000 وحرّرت جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي البغيض.‏
وضعت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بعد توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد مخططاً للشرق الأوسط تحت عنوان: "التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط" وكانت الوكالة الأمريكية قد كلّفت ثماني عشرة مؤسسة أمريكية حكومية وغير حكومية لوضع هذا المخطط، وتمخض عن التقرير الذي أعلنته الوكالة الأفكار التالية:‏
ـ سيكون الدور الأمريكي حاسماً في مجال التعاون الإقليمي، وعلى الولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط.‏
ـ تقوم فكرة التعاون الإقليمي على أساس شرق أوسطي وليس على أساس عربي.‏
ـ إيجاد مؤسسات جديدة تتجاوز الجامعة العربية، لكي تسمح باستيعاب "إسرائيل" وانخراطها في النظام الإقليمي الجديد.‏
ـ إعطاء أهمية لدور الأكاديميين ورجال الأعمال في بداية التعاون الإقليمي وتطويره.‏
ويعالج المخطط الأمريكي آفاق التعاون بين "إسرائيل" ومصر وسورية والأردن ولبنان والسعودية والضفة الغربية وقطاع غزة، ويتطرّق إلى الموارد المشتركة مثل نهر الأردن، والبحر الميت وخليج العقبة، وإلى مشكلة الصحاري والزراعة والتعاون العلمي والتكنولوجي(11).‏
ويوصي التقرير الأمريكي في مجال النقل بربط خطوط المواصلات بشكل يعمل على تعزيز التجارة والسياحة، والبحث عن المياه الجوفية في سيناء، وبيع مياه النيل "لإسرائيل" وتحلية مياه البحر.‏
ويطالب التقرير بإقامة مشروعات صناعية مشتركة بين "إسرائيل، وجيرانها، ويؤكد على الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة في المرحلة الأولى من البدء في تنفيذه.‏
تُولي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً كبيراً للمنطقة العربية لخدمة مصالحها الاقتصادية والهيمنة على النفط العربي والمحافظة على تفوّق "إسرائيل" على جميع البلدان العربية، لذا اقترح البروفيسور الأمريكي روبرت تاكر أنه "لمنع أمريكا من أن تنزف حتى الموت من جرّاء نفط الشرق الأوسط عليها فرض السيطرة الأمريكية الفعلية على المنطقة الممتدّة من الكويت نزولاً على طول الإقليم الساحلي للمملكة العربية السعودية حتى قطر(12).‏
ودعا الجنرال الكسندر هيج، وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته لعدّة بلدان شرق أوسطية في نيسان 1981، إلى إنشاء حزام أمني في المنطقة يضمّ عدداً من الدول من باكستان إلى مصر، ويستوعب السعودية و"إسرائيل"، وتحدّث هيج عن مخططه للشرق الأوسط أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحاجة إلى جمع تركيا وباكستان و"إسرائيل" وعدد من الدول العربية في حلف مشترك(13).‏
وتعمل الولايات المتحدة لخدمة مصالحها في المنطقة على:‏
ـ تأمين السيطرة الأمريكية على منابع النفط وممرّاته وأمواله عن طريق القواعد العسكرية الدائمة.‏
ـ المحافظة على تفوّق "إسرائيل" العسكري على جميع البلدان العربية.‏
ـ نزع السلاح غير التقليدي من أيدي العرب والحد من التسلح للدول العربية غير الخليجية.‏
ـ التوصل إلى تسوية للصراع العربي ـ الـ"إسرائيل"ي.‏
ـ إلغاء المقاطعة العربية.‏
ـ بيع كميات كبيرة من الأسلحة للدول العربية في الخليج لتحسين وضع الاقتصاد الأمريكية.‏
ـ توسيع تواجدها العسكري في المنطقة.‏
ـ إقامة النظام الإقليمي والسوق الشرق أوسطية.‏
وأكد المحلّل الأمريكي أنطون لويس "أن السلام هو الفرصة لبناء "إسرائيل" أكثر أمناً وازدهاراً، وهذا هو جوهر الموقف الأمريكي إنقاذ "إسرائيل" رغم أنفها.‏
لقد خلقت أزمة الكويت في آب 1990 نزاعاً عربياً ـ عربياً على حساب صراع المصير والوجود مع العدو الصهيوني،. وأدّت حرب تحرير الكويت إلى تعزيز وترسيخ وتعاظم الوجود العسكري الأمريكي الدائم في الكويت وقطر والبحرين، وزادت من تأثير السياسة الأمريكية في دول الخليج والاعتماد على الولايات المتحدة للمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة وشملت نتائجها السلبية الجامعة العربية وغياب دورها الفاعل وانتعش نمو وتطوّر التعاون الإقليمي مع الكيان الصهيوني.‏
أخذت المخططات الإسرائيلية والأمريكية تتحقّق بعد حرب الخليج الثانية ونتائجها المدمّرة على النظام العربي بانعقاد مؤتمر مدريد 30/10/1991 وبدء المفاوضات الثنائية والمتعدّدة الأطراف.‏
وقام التصوّر الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط في الكلمة التي ألقاها الرئيس بوش الأب في افتتاح مؤتمر مدريد على تبني الأفكار الإسرائيلية حيث قال عن السلام ما يلي: "فهو ليس إنهاء حالة الحرب في الشرق الأوسط فحسب وإبدالها بحالة عدم اعتداء، إن هذا ليس كافياً ولن يدوم لكننا نسعى للسلام الحقيقي: المعاهدات، الأمن، العلاقات الديبلوماسية، العلاقات الاقتصادية، التجارة، الاستثمار، التبادل الثقافي وحتى السياحة(14).‏
وضعت مجموعة الدراسات الاستراتيجية في معهد واشنطن للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تقريراً تحت عنوان "مواصلة البحث عن السلام" جاء فيه: "نهاية الحرب الباردة أوجدت فرصة واحدة للسير في اتجاه إقامة تسوية سلمية شاملة بين العرب و"إسرائيل" والمصالح الأمريكية لا تزال مرتبطة بشكل حيوي بتلك المنطقة المضطربة، والاتفاقات العربية ـ الإسرائيلية، يمكن أن تساعد على حماية تلك المصالح وتوسيعها، بجمع "إسرائيل" وجيرانها العرب والدول العربية في الخليج والمغرب لمناقشة المسائل الإقليمية، وتقدّم المفاوضات المتعدّدة الأطراف فرصة لتطوير الرؤية العامة للسلام وخلق ثقة ملموسة ببناء الإجراءات لتوفير الأمن.."(15).‏
ويعتقد عدد من الخبراء الأمريكيين أن بعض البلدان العربية تحاول إقامة نوع من العلاقة بينها وبين "إسرائيل" حيث قال الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، روبرت ستفالو "إن بعض الدول العربية تريد في هذه المرحلة إدخال "إسرائيل" كلاعب رئيسي مباشر، وعلى المكشوف في لعبة توازن القوى والخلافات فيما بينها، وإن ما نراه ليس سوى مقدمة لموجة سيشهدها الشرق الأوسط الجديد تتمثل في قيام الدول العربية ببناء تحالفات بمستويات مختلفة بينها وبين "إسرائيل" تستخدمها هذه الدول لمساعدتها في صراعاتها وخلافاتها التقليدية والمعاصرة بين بعضها وبعضها الآخر(16). ويرجع روبرت ستفالو هذه الظاهرة الجديدة إلى حقيقتين:‏
الأولى: أن "إسرائيل" هي القوة العسكرية المهينة في المنطقة والقادرة على ترجيح ميزان قوى بين دولة عربية ضد أخرى.‏
الثانية: أن الكثير من الدول العربية تدرك أن مفتاحها إلى واشنطن موجود في أحيان كثيرة في "إسرائيل"، وبالتالي على تلك الدول أن تحسن علاقاتها مع "إسرائيل" ما أمكن لتضمن علاقة سلسة مع واشنطن، القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم(17).‏
ووضع البروفيسور الأمريكي برنارد لويس مخططاً للشرق الأوسط نشرته مجلة "فورين افيرز" الأمريكية في خريف 1992 تحت عنوان "إعادة النظر في الشرق الأوسط"، انطلق فيه من التخلي الرسمي عن حلم القومية العربية والمتعلّق بالوحدة وبدولة عربية موحدة أو حتى بكتلة سياسية متماسكة. ورسم شرق أوسط جديد تصل حدوده الجغرافية إلى الجمهوريات الإسلامية المستقلة حديثاً، ويقول باحتمال إلغاء دور العرب في التاريخ الجديد للمنطقة لمصلحة قوى إقليمية أخرى وفي طليعتها "إسرائيل" وتركيا.‏
إن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تتماشى جنباً إلى جنب مع الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث تعتبر الدولتان أن المنطقة مجال حيوي للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وتعملان معاً على تصفية قضية فلسطين على حساب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين فيها، وإخضاع الوطن العربي للهيمنتين الأمريكية والإسرائيلية.‏
وقاد اعتماد الاستراتيجيتين على القوة العسكرية إلى حروب "إسرائيل" العدوانية والتوسعية واستغلال نتائج الحروب العدوانية، وحرب الخليج الثانية للتحرّك نحو التسوية بالشروط الإسرائيلية والرعاية الأمريكية لإجبار العرب على القبول بالأساطير والخرافات والمزاعم والأكاذيب الصهيونية.‏
وتبنّت الولايات المتحدة الموقف الإسرائيلي من النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية والبدء في التعاون الإقليمي قبل التوصّل إلى تسوية سياسية وحتى عدم ربط ذلك بالتقدّم في المفاوضات الثنائية، وصدر في حزيران 1993 تقرير مجموعة هارفارد الإسرائيلية ـ الفلسطينية ـ الأردنية تحت عنوان: "ضمان السلام في الشرق الأوسط، مشروع حول اقتصاد الفترة الانتقالية.‏
وينطلق التقرير من التركيز على العلاقات الاقتصادية بين سلطة الحكم الذاتي (المفترضة) وبين "إسرائيل" والأردن، وإقامة منطقة حرّة بين الأطراف، ومشروعات إقليمية لدمج الاقتصادات الثلاثة.‏
ويتضمن التقرير انضمام مصر وسورية ولبنان إلى منطقة التجارة الحرّة، وأجمع على نقطتين هما:‏
الأولى: حرية انتقال السلع والتبادل الحر.‏
والثانية: هيمنة اقتصاد السوق على اقتصادات الأطراف الثلاثة.‏
ويأخذ التقرير مصالح "إسرائيل" بعين الاعتبار، ويدعو إلى إنشاء بنك إقليمي باسم "بنك الشرق الأوسط للتعاون والتنمية".‏
وقد تبنّى الرئيس الأمريكي بوش الأب في خطبته الافتتاحية في مؤتمر مدريد المخطط "الإسرائيلي" للتسوية والمفهوم "الإسرائيلي" للسلام. وأجبرت الولايات المتحدة الدول العربية على الدخول، في المفاوضات المتعدّدة الأطراف وعقد القمم والمؤتمرات الاقتصادية وإلغاء المقاطعة العربية من الدرجتين الثانية والثالثة. فالولايات المتحدة واليهودية العالمية تعملان على دمج المنطقة العربية في الكيان الصهيوني، وليس دمج الكيان الصهيوني بالمنطقة العربية لتثبيته ككيان استيطاني كولونيالي، وعنصري على حساب الأرض والحقوق الوطنية، والقومية والدينية للعرب والمسلمين، وجعله المركز والقائد المهيمن على المنطقة، لنهب مواردها وثرواتها، والمحافظة على تجزئتها وتخلّفها واستمرار تبعيتها للإمبريالية والصهيونية، فالشرق أوسطية ليست مدخلاً للسلام والاستقرار والازدهار والبحبوحة الاقتصادية وإنما تكريس للاغتصاب والاستيطان، يفرضها القوي المنتصر على المهزوم بتسويق أمريكي، وتهديدات "إسرائيلية" بشن الحرب على سورية ولبنان واعتداءات مستمرة على الشعبين الفلسطيني واللبناني.‏
تبنّت الولايات المتحدة المخططات والمشاريع الإسرائيلية لمستقبل المنطقة العربية ودمجتها في استراتيجيتها الكونية، وعملت ولا تزال تعمل على خدمة مصالحها في المنطقة عن طريق "إسرائيل" كأداة عسكرية والمحافظة على تفوقها العسكري، وتأمين السيطرة على منابع النفط وممراته وأسعاره وأمواله، والعمل على التوصل إلى تسوية للصراع العربي ـ الصهيوني، وإقامة النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية.‏
ويمكن القول أنه لا يوجد سياسة أميركية تجاه البلدان العربية وإنما سياسة إسرائيلية تتبناها الولايات المتحدة الأميركية.‏
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق