Facebook

سينما الارهاب بأقلام هوليود


من عادة استديوهات هوليوود أن تمنح الأحداث الهامة في تاريخ أمريكا فترة كافية من الزمن قبل أن تصنع عنها أفلاماً سينمائية عالمية. وهو ما حدث مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تعد أهم المفاصل في التاريخ الأمريكي والعالمي الحديث. ويبدو أن عامي 2006و 2007كانا شرارة انطلاق الأعمال التي تتناول هذا الحدث سينمائياً بشكل مباشر أو غير مباشر وأعني هنا الأعمال ضخمة الإنتاج. ففي عام 2006قدم المخرج الأوسكاري "اوليفر ستون" فيلم "مركز التجارة العالمي" الذي قام ببطولته الممثل "نيكولاس كيج" والذي تناول فيه قصة فرقة إطفاء نيويوركية قدم أفرادها تضحيات جسيمة في سبيل إنقاذ مصابي حادث الحادي عشر من سبتمبر. وبغض النظر عن مستوى التقييم النقدي أو الترحيب الجماهيري المنخفض نسبياً الذي رافق الفيلم إلا إنه كان من الأفلام القلائل التي خصصت كامل محتواها الدرامي لتسليط الضوء على جزء من يوم الحادي عشر من سبتمبر الشهير.
في نفس العام قدم المخرج "باول غرينغراس" فيلماً درامياً بأسلوب وثائقي أعاد من خلاله تسجيل أحداث الرحلة "يونايتد 93" التي يعتقد أنها كانت الطائرة الرابعة المختطفة من قبل الإرهابيين لتضرب البيت الأبيض في واشنطن لولا سقوطها بالقرب من ولاية بنسلفانيا إثر مقاومة الركاب للمختطفين. ويبدو أن حظ "غرينغراس" كان أوفر من المخضرم "ستون" حيث استطاع أن يحصل من فيلمه على ترشيح أوسكاري لجائزة أفضل مخرج وإن كان الفيلم لم يلائم ذائقة الجمهور الأمريكي الباحث عن الانتقام وليس عن إعادة نكأ الجراح من جديد.


العام 2007يأتي الفيلم الأكثر إثارة للجدل (المملكة-The Kingdom) حيث يسلط الضوء بشكل واضح وربما للمرة الأولى في تاريخ هوليوود على المملكة العربية السعودية حيث يعتقد أن خمسة عشر إرهابياً من منفذي عمليات الحادي عشر من سبتمبر كانوا ينتمون للسعودية. للمرة الأولى في منذ تلك الأحداث يتواجه المجتمع الأمريكي مع نظيره السعودي وجهاً لوجه عبر الوسيط الأكثف حضوراً على المستوى الشعبي والثقافي في كلا البلدين.
تدور أحداث الفيلم في الرياض حيث تنفذ جماعة إرهابية عملية انتحارية في مجمع سكني للأجانب. هذه العملية التي يقتل فيها عدد كبير من الأمريكيين وأحد ضباط المباحث الفيدرالية الأمريكية ما يدفعها إلى إرسال أربعة من محققيها المتمرسين في قضايا الإرهاب لمساعدة الفريق السعودي في التحقيقات والقبض على منظمي هذه الهجمات وهناك تجري معظم أحداث الفيلم، حيث نشاهد الفجوة بين طريقة التفكير الأمني الأمريكي وسياسة الأمن السعودي في التعامل مع العمليات والتنظيمات الإرهابية. الأمر الذي يصعد ذروة الخلاف بين الفريقين إلى أحد المسئولين السعوديين ليتدخل ويتيح للفريق الأمريكي التدخل في مسار التحقيق بالتعاون مع أحد ضباط الأمن السعودي والوصول بالطبع إلى النتائج المرجوة في آخر الفيلم.
من الصعب خلال هذا الاستعراض السريع أن تلمح الرسالة التي يريد أن يقولها الفيلم، ولكن في أبسط الأحوال فإنه يسعى لتقديم نفسه كفيلم سياسي عميق يتعرض لقضية شائكة للغاية من خلال حرصه على إظهار الجانب الجيد لدى الطرفين السعودي والأمريكي. أما من منظار النقد الفني وبنية الفيلم الدرامية فإنه لا يعدو أن يكون فيلم حركة أمريكي بصبغة هوليودية ناصعة ينجح فيها ضابط الاستخبارات الأمريكي في القبض على الأشرار والقضاء عليهم وتخليص العالم من شرورهم دون أي بعد أو عمق يذكر. وهو في نظري الشخصي يخلص الفيلم من مسؤولية تعمد الإساءة لأجهزة الأمن السعودية كونه لا يرقى أساساً من الناحية الفنية لأن يكون أكثر من فيلم أكشن تقليدي مليء بالاكليشهات الهوليودية الشهيرة منذ سبعينيات القرن الماضي مع فارق مستوى الإتقان الحرفي لا أكثر.
من ناحية أخرى يحسب للفيلم محاولته الجادة للاقتراب من الشكل الخارجي للمدن السعودية حد أن كثيراً من المشاهد الخارجية تم تصويرها في مدينة أبو ظبي تحرياً للدقة الهوليودية المعروفة وتم إدراج صور فيديو لبرجي المملكة والفيصلية على بعض المشاهد الخارجية لمزيد من المحاكاة لمدينة الرياض مسرح الأحداث. كما إن سيارات الشرطة ولباس أفراد الأمن السعودي كانت قريبة جداً من الواقع المعاش. ولعل هذا يعود لمشاركة عنصر سعودي في إدارة إنتاج العمل وهو الشاب "أحمد إبراهيم" الذي ظهر بشكل خاطف في أحد مشاهد الفيلم وهو ما يدفعنا لتساؤل عميق نوجهه لإدارة إنتاج الفيلم عن مدى المفارقة بين المحاكاة الظاهرية المتقنة للمشهد السعودي الخارجي والانفصال شبه التام عن الواقع الحقيقي الداخلي للمجتمع السعودي على مستوى أفراده العاديين أو رجال الشرطة الذين بدوا في الفيلم نسخاً متشابهة تكسوها البلاهة إلا الشاب اللامع "الغازي" الذي يعود فضل لمعانه بالطبع إلى تعاونه مع ضباط المباحث الأمريكيين، ووصولاً إلى مستوى الحكومة وطبيعة العلاقة بينها وبين الشعب أو طبيعة تعاملها مع قضايا بهذا الوزن وهو ما أخفق الفيلم كثيراً في الوصول إليه بل ارتد خطوات إلى الوراء عبر استهلاك كليشهات هوليودية تجعلنا نتساءل عن دور "الإبراهيم" في هذا المجال الأهم!.
موضوع الإرهاب موضوع شديد التعقيد لأنه متعلق بوجهات نظر مختلفة تنطلق من أرضيات وثقافات متباينة يصعب معها القول بحيادية أي مشروع ثقافي يطرح نفسه كمحلل أو متناول لهذه الظاهرة وهو ما لا أتوقع حصوله ولا أطلبه، ولكننا نطالب بحد أدنى من التأمل وتقديم وجهة النظر الخاصة دون تجاوز أو افتيات لوجهات نظر الآخرين المتعلقة بالموضوع ذاته. سيظل سلاح السينما سلاحاً مؤثراً وفعالاً في مخاطبة الحضارات والعالم وسنظل بعيدين عن التأثير بقدر تخوفنا من اقتحام المجال وتقديم رؤانا بذات الأدوات التي يتحاور بها العالم اليوم ومن أكثرها شعبية وانتشاراً السينما.
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق