Facebook

كتائب العبرى المصرية وقضيتا التطبيع والاختراق الثقافى

بقلم د. إبراهيم البحراوى
عندما ألحت الأستاذة نشوى الحوفى الصحفية بـ«المصرى اليوم» والمعدة ببرنامج «العاشرة مساء» بقناة دريم على ضرورة حضورى حلقة مع الزميلين عاصم القرش ويوسف القعيد عن مسألة ترجمة الكتب الإسرائيلية.. قلت لها إن ما يعنينى هو جوهر مسألة الاختراق الفكرى الصهيونى ومسألة التطبيع الثقافى وهما قضيتان تحملت فيهما كتائب أساتذة وخريجى أقسام اللغة العبرية وآدابها دورًا مشرفًا فقالت هذا بالتحديد ما نريد سماعه.
عندما سألتنى: هل هناك مشكلة اختراق ثقافى فى أن يطالع القارئ العربى نصًا أدبيًا إسرائيليًا كما يطالع الآداب الأجنبية الأخرى؟ أجبت بأن الأدب العبرى كله بما فى ذلك الأدب الذى يحاول التقارب مع العرب والاعتراف بالمأساة الفلسطينية محمل بالأيديولوجية الصهيونية التى تضفى المشروعية على مشروع الاستيلاء على فلسطين لإنشاء وطن قومى لليهود
وبالتالى سنلمح فيه بدرجات مختلفة قبولاً للجرائم التى وقعت فى حق الشعب الفلسطينى بالقتل والتشريد باعتبارها «ضرورة» كان لابد منها لتحقيق المشروع الصهيونى، أضفت قائلاً وهو ما كررته فى الحلقة التليفزيونية أنه يلزم أن يقوم أحد أساتذة الأدب العبرى والفكر الصهيونى بكتابة مقدمة تكشف سياق العمل للقارئ العربى بالإضافة إلى إثبات هوامش إيضاحية وتفسيرية على النص حتى لا يبتلع القراء الحجج والذرائع والمبررات النابعة من بناء الأيديولوجية الصهيونية والتى لم يتخل عنها أى أديب مهما بلغ صيته فى الدعوة للسلام مع العرب وإعطائهم بعض حقوقهم.
فى أثناء الحلقة طلبت التمييز بين واجب معرفة العدو والتطبيع، أن الأول بدأته كتائب أقسام العبرية بالجامعات منذ ما قبل عام ١٩٦٧ تطبيقًا لنموذج دراسة العدو عن بعد من خلال الأدب وكان لى شرف السبق إليه بإعداد رسالتى للدكتوراه حول أدب الحرب الإسرائيلى لرصد تفاعلات المجتمع الإسرائيلى مع نشوة النصر عام ١٩٦٧ ووقع آلام حرب الاستنزاف المصرية بعد ذلك وهو جهد استمر بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، كان الكتاب الأول فى المكتبة العربية عن الأدب العبرى بعنوان «أضواء على الأدب الصهيونى» من تأليفى ونشرته سلسلة كتاب الهلال فى يونيو ١٩٧٢ ثم نشرت المؤسسة العربية ببيروت عام ١٩٧٥ كتابى الثانى فى الموضوع تحت عنوان «الأدب العبرى بين حربين: ١٩٦٧ - ١٩٧٣»، لقد واصل أساتذة وطلاب وخريجو أقسام اللغة العبرية وآدابها هذا النهج باعتباره واجبًا وطنيًا يكلفنا به المجتمع لتلبية حاجة معرفية حيوية فى رصد تحركات الإسرائيليين ونواياهم وتفاعلاتهم.
أما التطبيع فهو إقامة علاقة مع إحدى المؤسسات أو الجامعات الإسرائيلية أو الأفراد للتعامل الطبيعى لتحقيق مصلحة شخصية أو إرضاء لنزوة فكرية أو تسهيلاً لمعاملة وهو أمر تجنبته الجامعات المصرية ومؤسسات وزارة الثقافة المصرية حتى اليوم،
والدليل على ذلك أن المجلس الأعلى للثقافة كان يقبل نشر كتب تقدم له من أساتذة العبرى مترجمة مباشرة عن اللغة العبرية طالما لم يكن المجلس ملزمًا بالحصول على إذن من الناشر الإسرائيلى أما بعد توقيع وزارة الثقافة على اتفاقية احترام حقوق الملكية الفكرية عام ٢٠٠١ وهو ما يلزمها بالحصول على إذن الناشر فقد امتنع وتوقف د. جابر عصفور عن قبول الترجمات للنشر تجنبًا لإقامة علاقة مع دور النشر الإسرائيلية..
طبعًا يجب علينا أن ننتبه إلـى أن المجتمع فى كل مكان فى العالم يكلف بعض أبنائه المخلصين بالقيام بمهام استثنائية على غرار نموذج البطل رأفت الهجان بدرجات مختلفة والذى كلف بالاندماج فى مجتمع العدو فى مهمة حيوية فى زمن الحرب وهو أمر يحدث أيضًا فى زمن المعاهدات السلمية.
إن اهتمامنا بجوهر قضية الاختراق الفكرى الصهيونى من ناحية والاختراق العربى المضاد من ناحية ثانية وكذلك بقضية التطبيع الثقافى وإشكالياتها واستراتيجيتنا حيالها من ناحية أخرى يدعونا إلى إعادة قراءة نصوص الاتفاقيات والمعاهدة الموقعة بين مصر وإسرائيل.
علينا أن نلاحظ المضامين الواردة فى نصوص الاتفاقات التى توصلت إليها إسرائيل مع مصر منذ عام ١٩٧٨ فهى تعكس المطالب الإسرائيلية فيما يتعلق بتغيير مفاهيم المصريين بحيث يتحولون إلى التسامح مع تاريخ العدوان وأركانه الفكرية وأيضًا مع ما هو مقبل من فصوله، فى الوثيقة الأولى لمؤتمر كامب ديفيد المنعقد بين ٥-١٧ سبتمبر ١٩٧٨ نجد فى الديباجة العبارة التالية: «إن السلام يتعزز بعلاقة السلام وبالتعاون بين الدول التى تتمتع بعلاقات طبيعية»
إذن يأتى ذكر العلاقات الطبيعية فى الوثيقة الأولى على نحو عام ومجمل ليزداد وضوحًا فى الوثيقة التالية زمنيًا وهى معاهدة السلام الموقعة فى واشنطن فى مارس ١٩٧٩ حيث يرد النص التالى: «يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التى ستقوم بينهما ستتضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية».
وهنا نلاحظ أن النص قد ألزم الطرف المصرى باعتبار «العلاقات الثقافية» جزءًا أساسيًا من العلاقات الطبيعية ويضعها على مستوى العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية تمهيدًا لمزيد من التحديد والإفصاح عن الغاية المطلوبة والتى ترد فى الملحق رقم «٣» من المعاهدة المذكورة حيث يرد فى البند الرابع النص التالى: «ويعمل الطرفان على تشجيع التفاهم المتبادل والتسامح ويمتنع كل طرف عن الدعاية المعادية للطرف الآخر»،
هنا تنتقل الطلبات الإسرائيلية إلى التحديد فالمطلب الأول تشجيع تغيير مفاهيم الناس فى مصر عن مبررات مراحل العدوان الواقعة على الشعب الفلسطينى فى عبارة «تشجيع التفاهم المتبادل والتسامح» والمطلب الثانى هو منع عمليات التحصين الفكرى لمفاهيم المجتمع وإدراكه للسياسات الإسرائيلية العدوانية والعنصرية والتوسعية فى عبارة «يمتنع كل طرف عن الدعاية المعادية» إن وضوح الأهداف الإسرائيلية يبلغ أقصى درجاته فى الاتفاقية الثقافية المعقودة فى ٨/٥/١٩٨٠
حيث يرد فى البند الثانى النص التالى: «يسعى الطرفان إلى فهم أفضل لحضارة وثقافة كل طرف من خلال تبادل المطبوعات الثقافية والتعليمية والعلمية وتبادل المنتجات التكنيكية والأثرية وتبادل الأعمال الفنية وتشجيع إقامة المعارض العلمية والتكنولوجية ومعارض الفنون البصرية»، إذن فالهدف الساطع «هو الفهم الأفضل لحضارة وثقافة» المجتمع الإسرائيلى بما فى ذلك أيديولوجيته التى تقوم على نفى الآخر العربى وتعتبره نبتًا شوكيًا يجب اقتلاعه لإخلاء الأرض لمن يدعون زورًا وبهتانًا أنهم أصحاب الحق المطلق والدينى والتاريخى والوحيد فيها،
لقد وعى المثقفون المصريون منذ اللحظة الأولى هدف الاختراق الصهيونى وتآزرت إرادتهم مع إرادة الجامعات والمؤسسات الثقافية فى رفض تنفيذ الاتفاقية الثقافية وهو ما استتبع شكاوى إسرائيلية مستمرة منذ أكثر من ربع قرن بسبب عدم التنفيذ، ومن المعروف أن لدى مصر عشرات الاتفاقيات الثقافية مع مختلف دول العالم غير أن وجود الاتفاقيات لا يعنى إلزام أطرافها بتنفيذها إلا تبعًا لظروفهم.
أكتفى فى الختام بالإشارة إلى أن رفض التطبيع مع ربطه بانسحاب إسرائيل من الأرض المحتلة عام ١٩٦٧ وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة يمثل اليوم ردًا مناسبًا على خطاب نتنياهو الذى يطالب بالتطبيع بكل أشكاله فى مقابل تصميمه على أطماعه التوسعية ونزعته العنصرية التى يجسدها مطلب يهودية إسرائيل.
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق