Facebook

هذه اسرائيل

الذين صدمهم خطاب نتنياهو الأسبوع الماضى لا يعرفون حقيقة إسرائيل، وتجوز عليهم بعض الخدع والأكاذيب التى يطلقها بعض ساستهم بين الحين والحين، وكأنهم يريدون السلام أو ما يمكن أن يقترب من السلام. نتنياهو هو الذى عبَّر عن «الحقيقة الصهيونية» تعبيراً حقيقياً حتى وإن حاول من أجل «أوباما» أن يتجمل بعض الشىء، وقد أفلح فى ذلك، وبلغ غايته إذ صرح البيت الأبيض بعد خطاب هذا العنصرى البغيض بأنه يعبر عن خطوة للأمام، لأنه نطق بعبارة «دولة فلسطينية». إن الدولة لها مفهوم، فإذا أفرغناها من مفهومها لم تصبح دولة، وهذا هو ما أراده بالضبط نتنياهو عندما تحدث عن دولة منزوعة السلاح ممزقة الأوصال لا تستطيع أن تتخذ قراراً فى أمر مصيرى، ويحال بينها وبين عاصمتها الطبيعية والتاريخية، ويقال لها اعترفى بإسرائيل دولة لليهود فقط واعترفى بها دولة ترفض عودة من شردتهم وأذلتهم طوال ما مضى من سنين، وأقرّى جدار الفصل العنصرى الذى رفضته محكمة العدل الدولية بأغلبية أربعة عشر من قضاتها فى مواجهة قاض واحد صوّت لمصلحة بقاء هذا الجدار العنصرى الذميم، ويقال لها أيضاً لا تتذكرى ولا تحاولى أن تذكرى كل القرارات الصادرة من مؤسسات التنظيم الدولى منذ قرار التقسيم وحتى الآن، وبعد هذا كله ستعتبرك إسرائيل دولة. ستترككم إسرائيل تقيمون دولتكم. يا سلام. كثر الله خيركم. هذه هى إسرائيل التى عبّر عنها نتنياهو أصدق تعبير. ونتنياهو فى هذا مخلص تماماً لأسلافه من غلاة العنصريين الصهيونيين: مناحيم بيجن وجولدا مائير وبن جوريون وشارون وكل مراجعة لأقوال هؤلاء وأفكارهم تعبر عن نفس معانى العنصرية والتعصب ورفض الوجود العربى رفضاً مطلقاً. قالت جولدا مائير قولاً متداولاً حين تساءلت: «من هم الفلسطينيون؟» أو قولها «العربى الجيد هو العربى الميت». وقال بن جوريون - وكلهم من غلاة الصهيونيين. من الأفضل لإسرائيل ألا يبقى فى إسرائيل إلا أقل عدد ممكن على أرض الدولة اليهودية أو ألا يبقى أحد منهم على الإطلاق على هذه الأرض التى هى أرض بنى إسرائيل وحدهم. وهكذا نرى أن نتنياهو لم يأت بشىء جديد، وإنما هو يعبر عن «الصهيونية الصريحة الفجة» التى لا ترى الغير ولا تعتد به ولا ترى إلا ذاتها. ومثله فى ذلك وأكثر منه وقاحة وزير خارجيته. هؤلاء هم الصهاينة وليس كل اليهود فى العالم صهاينة. حدث عقب تخرجى فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة أن كان لى صديق يكبرنى فى السن، وكنا معاً ننتمى للحزب الوطنى - الوطنى - على حد تعبير المرحوم فتحى رضوان وكان يعمل فى مكتب مزراحى باشا وأحمد باشا صفوت - الذى انضم إلى المكتب بعد أن أحيل إلى التقاعد فى سن الستين آنذاك وأقنعنى ذلك الصديق - عصمت سيف الدولة يرحمه الله - أن أنضم إلى المكتب متمرناً على المحاماة، إلى أن يتم تعيينى فى النيابة العامة كما كان متوقعاً. وحدث ذلك فعلاً وكانت مدة بقائى فى هذا المكتب أسبوعاً واحداً بالضبط، إذ بعد هذا الأسبوع صدر قرار تعيين أوائل دفعتنا فى النيابة العامة. فى هذا الأسبوع سمعت هذا الرجل - مزراحى باشا - يقول إن إنشاء دولة إسرائيل هو نكبة على يهود العالم، وعلى يهود العالم العربى بصفة خاصة. كان الرجل متشائماً بنشأة إسرائيل، وكان يرى أنها ستكون مصدر قلاقل وتوترات فى المنطقة. وقد حرم على نفسه وعلى أولاده من بعده حتى زيارة إسرائيل. وتوفى ابنه الذى تخرج فى كلية طب قصر العينى فى الولايات المتحدة الأمريكية، وعاشت ابنته بقية حياتها فى باريس. ومازال قصرهم فى المعادى، حيث تستأجره سفارة دولة كبرى من دول أمريكا اللاتينية. وهناك كثيرون من اليهود يرون رأى مزراحى. والباحثة اليهودية جاكلين روز، فى كتابها «القضية الصهيونية»، تعبر عن هذا التوجه أوضح تعبير. تقول جاكلين روز عن سر اهتمامها بهذه القضية: «أنا امرأة يهودية أشعر بالفزع مما يرتكبه الشعب اليهودى باسمى، وأنا - جاكلين روز - أومن أن خلق إسرائيل سنة 1948 أدى إلى مظلمة تاريخية بحق الفلسطينيين».. وتقول روز: «لقد تردى الوضع تردياً مطرداً.. وتتضاءل إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، أى إمكانية إيجاد حل يقوم على أساس دولتين.. وقد تكثفت سياسة تدمير البيوت والاغتيالات ومنع التجول والتدمير الشامل للبنية التحتية للمناطق المحتلة. ويجرى الحديث من جديد بصراحة عن طرد السكان الفلسطينيين إلى الأقطار العربية المجاورة، وهو الخيار الذى تحدث عنه هرتزل منذ عام 1895». هكذا قالت الباحثة اليهودية جاكلين روز فى كتابها «القضية الصهيونية»، وهكذا يقول بعض عقلاء اليهود، ولكنهم للأسف المر قلة قليلة فى مواجهة التيار اليمينى المتطرف الذى يزداد كل يوم تجذراً وتطرفاً فى دولة إسرائيل. وقد جاءت ردود الفعل الفلسطينية غاضبة رافضة لما قاله نتنياهو، سواء فى ذلك السلطة الوطنية ومنظمة حماس، على حد سواء. واتسم الموقف العربى كله بالرفض الواضح لما طرحه نتنياهو. ولعل حديث الرئيس محمد حسنى مبارك فى هذا الشأن - ومصر تعتبر من دول الاعتدال - كان أكثر وضوحاً وأكثر مباشرة من كثير مما قيل فى هذا الصدد. قال الرئيس مبارك بوضوح: لابد من وقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وتحقيق السلام وفق قرارات الشرعية الدولية التى أصبح واضحاً أن إسرائيل ترفضها جميعاً ولا تريد الانصياع لها. كذلك فقد قال الرئيس إن المناداة بيهودية إسرائيل هى إجهاض للسلام، كذلك فإن رفض حق العودة مخالف للشرعية الدولية. وأظن أن قوى الاعتدال كلها على الساحة العربية تأخذ هذا الموقف الذى لا تستطيع أن تنزل عنه. إن إسرائيل وسياساتها التوسعية والعنصرية تضع المنطقة كلها فى أتون مضطرب إذا انفجر فإنه لن يفبقى ولن يذر وستكون إسرائيل - على المدى الطويل - واحدة من ضحاياه. ويبقى أخيراً أن نقول للإخوة الفلسطينيين: هل يجوز وأنتم فى مواجهة هذا العدو الباغى المتغطرس أن تظلوا على خلافاتكم وعلى تناحركم. عيب وحرام عليكم هذا الشعب الفلسطينى البائس الذى تحمل أكثر مما يطاق. أفيقوا أيها الإخوة، فإن وحدتكم ليس لها بديل إلا الدمار والعياذ بالله.
د. يحيي الجمل
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق