Facebook

رؤية مستقبلية لمشروع الشرق الأوسط الكبير1

عندما تبلغ أمة ما هذا المستوى من القوة فإنه من غير المستبعد أن تفقد حكمتها وعدالتها وإتزانها لتصبح خطرا" على البشرية فتفقد قوتها. لكنها قد تستعيدها لو هي عادت إلى هذه الفضائل"
جون آدامز 1778
من عادة التاريخ أن يقوم المنتصر بإعادة ترتيب الجغرافيا. من هذه العادة تغيرت خارطة العالم عبر معاهدة فرساي عقب الحرب العالمية الأولى. وتم تقاسم أوروبا والعالم عقب الحرب العالمية الثانية. وعليه فإن الطموح الأميركي لتغيير الجغرافيا ،وتحديداً في منطقتنا، هو طموح ينسجم مع المنطق التاريخي. وهو كان قد بدأ مع سقوط جدار برلين وتعامل معه العالم ( اوروبا وتنازلاتها السياسية والإقتصادية في حرب كوسوفو وغيرها) ودول المنطقة بصورة براغماتية واقعية. وإستمر هذا التعامل لغاية إصرار جورج ووكر بوش على تحويل أميركا إلى دولة تحصل على ما تريده بالقوة وليس بالطلب. مما يعني تحويل الحلفاء الأميركيين الى مجرد زوائد إستراتيجية. وهو امر ينطبق على كافة الحلفاء بدءاً بأوروبا وصولاً الى أصدقاء أميركا من العرب. ووصلت فلسفة القوة البوشية الى قمتها عبر الحرب على العراق التي تذكر بالمقولة الصينية المذكورة أعلاه.

الشرق الأوسط الكبير وفقدان الخصوصية

درجت مسؤولة برامج التنمية في الأمم المتحدة على رواية الحكاية التالية لموظفيها الجدد: (( كان هنالك قرد شجاع وذي حمية. ورأى هذا القرد سمكة تسبح بعكس التيار فأثارت شفقته ودبت فيه الحمية فخاطر بالتعلق في غصن شجرة وإحتال كي يطال الماء ويخرج السمكة من الماء وهو يظن أنه ينقذها)).

أما عن عبر هذه الحكاية فتشرحها المسؤولة كما يلي: (( إن الحماس والنية الحسنة والرغبة الصادقة كلها لا تكفي إذا كنا لا نأخذ في الحسبان البيئة الملائمة والمناسبة للتنمية. وهذا يعني أنه ليس بمقدورنا تصميم الحلول فهذه قد تنجح في مجتمع وتفشل في آخر. فالحل الذي يلائم القرد لا يلائم السمكة. وما إعتبره القرد بطولة كان جريمة بحق السمكة.)).

المؤسف أن نفوذ هذه المسؤولة محدود بحيث يعجز عن وقاية الشعوب النامية عموماً وشعوب الشرق الأوسط خصوصاً من جرائم القرد الأميركي. والمؤسف أيضاً أن عقولنا الأسيرة لا تعرف هذه الحكاية ولا تستوعب بالتالي عبرها.

بالإنتقال الى تطبيق حكاية القرد على مشروع أمركة الشرق الأوسط نجد أن إحتلال العراق قد شكل حدثاً مفصلياً في تاريخ المنطقة. فالشرق الأوسط لم يعد بإمكانه إستعادة معادلة توازنه السابقة لتلك الحرب. فهذه المعادلة كانت تستند الى ملحقات معاهدة فرساي التي أعقبت الحرب العالمية الأولى. والتي أجرت قائمة من الجراحات الجغرافية الوحشية. ونقول وحشية لأن تقسيمات تلك المعاهدة تسببت في سلسلة طويلة من الحروب بدأت بالحرب العالمية الثانية ( جاءت محاولة إنتقام ألمانية على ظلم فرساي) ولم تنتهي حتى الآن. بل أن هذه التقسيمات تعد بجملة حروب أوروبية وشرق أوسطية جديدة. وهكذا فإن فهم الحقائق الجيوسياسية وتحدياتها في الشرق الاوسط ، بعد الحرب على العراق , لا بد لها من تركيز بحوثها الاكاديمية السياسية على محاور ثلاثة هي:

1. السياسات القوية اقليمياً.

2. المؤسسات الاقليمية.

3. القوى الخارجية والانماط الاقليمية.

في ما يلي سنحاول ان استعراض كل نقطة على حدة وتحديد ما يبدو منها إشكالياً بحيث لا يمكن التغاضي عنه.

الرغبة الأميركية في إلغاء أية قوة إقليمية

بالنظر الى التقسيم الهيكلي للسلطة في النظام الاقليمي, فإن سيطرة أميركا على المنطقة ستؤدي في المستقبل المنظور الى منع ظهور أو بقاء اي طرف مهيمن اقليمياً او مناطقياً. وأمام معوقات هذه السيطرة الأميركية فإن الأميركيين باشروا باللجوء الى تبني العمليات المخابراتية القذرة ( السوداء). يدفعهم الى ذلك عجزهم عن تورط عسكري أكبر في المنطقة. ( تحريك الأقليات في سوريا وايران خصوصاً. وفي هذا الإطار يمكن تصنيف أحداث القامشلي ومبالغات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في دول المنطقة عموماً. مع الإشارة الى تزامن هذه التحركات لتعويض ضعفها. حيث التزامن يزيد الإرباك ويعطي حجماً أكبر للظواهر). وهم يسعون بجد للحد من التلهي الإسرائيلي في الإنتفاضة لتحرير إسرائيل من أعبائها وتجهيزها لتنفيذ عمليات قذرة ضد الدول المعنية بالصراع معها أو المشاركة فيها. وفي هذا الإطار يمكن تصنيف إتفاقية الكويز مع مصر. والتعجيل الأميركي للتفاوض مع الفلسطينيين بعد وفاة عرفات. وتأمل السياسة الأميركية بذلك أن تدفع بالدول القوية المحتملة للتفكير في الإنخراط في وضعية الوجود الاميركي. ( وهنا لا تكتفي الولايات المتحدة بتبادل المصالح بل هي تهرب الى الأمام بطلبات ضاغطة لإثبات الإنخراط. كمثل الورقة اللبنانية والمعارضة المتأمركة وإغلاق مكاب المنظمات الفلسطينية ...) اما الدول الاصغر والاضعف فهي سوف تستغل الفرصة للتعامل مع الولايات المتحدة مباشرة. وربما على قدم المساواة مع القوى الوسطى في المنطقة. ( وهذه نقطة رهان المعارضة اللبنانية المتأمركة ضد سوريا). ففي العقود الماضية, كانت الدول الاصغر تفكر ملياً في رغبات القوى الاقليمية واعتباراتها قبل اتخاذ اية خطوة مهمة في السياسة المحلية او الخارجية. أم بعد إحتلال العراق فإن كل الصغار يتطاولون على كل الكبار.

مثال ذلك المقدمات التي تتمثل بخطوات مثل اعلان حاكم البحرين نفسه ملكاً, ومن ثم عقده لإتفاقية التجارة مع أميركا متفرداً عن السعودية. او اتخاذ سلطان عمان قراراً باقامة انتخابات عامة, او انشاء دبي منطقة "اعلام حرة" حيث يمكن للمستثمرين أياً كانوا ان يتمتعوا بالحرية الاعلامية..الخ. فكل هذه الخطوات ما كانت لتتحقق لو أُخذت في الاعتبار الحساسيات الاقليمية مجتمعة. إذ أن هذه الدول الصغيرة باتت تنظر الى رد فعل واشنطن وليس الى اي عاصمة اقليمية قبل الاقدام على اي خطوة. وهذا يبرر إهتمام القيادات الاقليمية بأن تراقب عن كثب تطورات السياسية الداخلية للدول المجاورة.

والامر سيان بالنسبة الى مصر التي يبدو دورها يتضاءل اكثر فأكثر. فالقاهرة لن يسمح لها بأي دور ريادي في أمور الخليج الامنية مثلاً. وهي تفضل عوضاً عن ذلك ان تكون مفيدة في جوارها القريب. أن اي ان تكون وسيطاً بين الاسرائيليين والفلسطينيين او حتى بين الفصائل الفلسطينية المختلفة. كما يمكن لمصر أن تلعب دوراً رئيساً في المغرب العربي عبر ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير. اما عن التأثير السوري في المنطقة ،وفي لبنان تحديداً، فهو تعرض لتحديات تشبه تحديات البحرين والإمارات وقطر للسعودية. مثال ذلك تنامي الدعوة للخروج السوري من لبنان. وتشجيع الولايات المتحدة لتلك الدعوة عبر قانون مراجعة سوريا (وليس محاسبتها) وتهافت فرنسا على إستصجار القرار 1559 وعبر قائمة من السياسيين اللبنانيين المرتبطين بالسياسة الاميركية او المراهنين عليها. وهؤلاء يعتبرون أن السيطرة السورية على لبنان , مسألة وقت لا اكثر, وذلك بسبب الضغوط الاميركية والفرنسية من جهة, ولإعتبارهم أن الاسباب التي تضفي شرعية للوجود السوري في لبنان كالحرب الاهلية والمواجهة مع اسرائيل, لم تعد مقبولة محلياً ودولياً. لكن هؤلاء يهملون خلفية المشهد السياسي الأميركي. ومن مناظره رفض وزير الخارجية باول استقبال ميشال عون رغم الحاحه. وأيضاً إدلاء عون بشهادته في غرفة خلفية في الكونغرس بما ينتقص من اهمية شهادته. فالولايات المتحدة تريد مساومة سوريا على الورقة اللبنانية لكنها لاتريد اسقاط هذه الورقة التي قد تضطر اميركا للعبها في حال إضطرارها للخروج من المنطقة. لكن حاجة أميركا الى المصداقية أمام الأقليات التي تحركها قد تدفعها لتصعيد الضغوط على سوريا بتهديدات مباشرة للأمن السوري.

واذا إستمر غياب عنصر الهيمنة الاقليمية والمحلية, سيتوجب على الباحث الاكاديمي السياسي ان يسأل عن نتائج التعاون الاقليمي في ظل التبعات السلبية التي يتركها السعي الى الهمينة على التعاون السياسي والاقتصادي في المنطقة. وهذا السعي ليس المسؤول الوحيد عن فشل محاولات عدة لمأسسة العلاقات العربية وتأطير التعاون الاقتصادي, لكنه من دون شك عنصر مهم جداً في هذا الفشل.

توجّهـات مؤسساتيــة جديــدة

في ظل السعي للهيمنة الإقليمية بدت جامعة الدول العربية غير معنّية بالاحداث الجارية, وعلى رغم ذلك, بقيت على قيد الحياة. ثم أتت الحرب على العراق ، والفترة اللاحقة للحرب , لتقلّصا أكثر فأكثر شرعية الجامعة والاهمية التي توليها لها الدول الاعضاء. حتى باتت إستمراريتها جزءاً من الفولكلور السياسي العربي. وكان من الطبيعي أن يعزز عجز الجامعة توقعات ظهور مؤسسات اقليمية جديدة. بحيث يتجلّى لنا جيداً انبعاث منظمات اقليمية جديدة أو منظمات فرعية ينحصر هدفها في المصلحة المشتركة العملانية بدلاً من القومية وتضع نصب عينيها أهدافاً تقتصر على المكان والفعالية والوقت بدلاً من " المهمة الابدية العقائدية " التي أصبحت جالبة للتهم وللسخرية الأميركية. لكنها كسبت مواقع جديدة تتعزز بتنامي العداء الاميركي للمنطقة وردود فعلها على هذا العداء.

هذا ويمثل جيران العراق مثالاً على ذلك, فقد قام ممثلوهم الذين يضمون الدول العربية وغير العربية (ايران وتركيا) المحاذية للعراق, اضافة الى مصر, بالجلوس الى الطاولة مرات عدة ناشدين هدفاً محدوداً لكن محسوساً. وهو التباحث في مسألة تنسيق السياسات في ما يتعلق بالحرب الدائرة في العراق أولاً. ولاحقاً بنتائجها الاقليمية ووضع العراق الجديد في ظل الاحتلال الاميركي. وهنا يظهر سؤال واحد ينبغي عرضه على بساط البحث, وهو احتمال أن يتطوّر تجمع مماثل ليصبح نواة بنية فرعية أكثر استمرارية تابعة لمنظمة اقليمية للامن والتعاون على غرار لجنة الامن والتعاون في اوروبا/ ومنظمة الامن والتعاون الاوروبية مع احتمال مشاركة الفاعلين الدوليين الذين يشكلون رباعية الشرق الاوسط ( الولايات المتحدة, الاتحاد الاوروبي, روسيا, الامم المتحدة). وهو ما وضعت له الأسس في مؤتمر شرم الشيخ لدول الجوار العراقي.

كما أنه من المرجّح أن تطرأ تغيرات ايضاً تمسّ مجلس التعاون الخليجي, وهو توقع تؤكده خلافات قمة المجلس بسبب إتفاقية تجارة البحرين – أميركا وجملة أسباب اخرى غير معلنة. فاليمن والعراق يدقّان ابواب المجلس لدخوله. بل أهم من ذلك أنّه ينبغي اعادة النظر في هذه المنظمة التي هدفت اساساً الى تعزيز النظام الملكي الخليجي ضد التهديدات التي تشكلها ايران والعراق. والتي فقدت مبرر وجودها بعد احتلال العراق واحتواء ايران بتواجد اميركي على حدودها. كما أنّ تجمّعاً فرعياً توحّده المصالح المشتركة قد يتشكّل من تلك الدول العربية التي تتشارك في مصالح رئيسة متعلقة بالصراع العربي - الاسرائيلي وهذا مثال آخر.

حالياً, تتشكّل نواتان لمثل هذا التجمع هما:

أولاً: ما يسمّى باللجنة التابعة لجامعة الدول العربية (التي تتألف بشكل رئيسي من مصر والمغرب والسعودية وسورية) التي أبصرت النور لمتابعة تطبيق خطة السلام العربية التي تم اعتمادها في القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002. والتي يمكن تطويرها للسعي من أجل تحديث هيكلية الجامعة وتطويرها.

ثانياً: مجموعة الدول التي اختارتها الولايات المتحدة (مصر, الاردن, المغرب, السعودية, البحرين, السلطة الفلسطينية) وقد اجتمع ممثلوها بالرئيس الاميركي جورج بوش في قمة شرم الشيخ التي عقدت في حزيران (يوينو) 2003.

هذا ولا يعتقد أن تفضيَ حداثة اطر العمل هذه الى شيء افضل مّما يوجد أصلاً. وفي الواقع, ينبغي أن يركّز البحث في توجيه السياسة الى الفرص والعوائق التي تقف امام هذه التجمعات وتحول دون تطوّرها الى عناصر راسخة لهيكلية أمنية اقليمية وأداة تسهم في الوقاية من الازمات وحلّها, والى صلة وصل بين القوى العالمية المحرّكة كما الى تطوير المؤسسات الاقليمية. وهنا يأتي تدخل القوى الخارجية لإبقاء كل مشاريع منظمات التعاون الإقليمي تحت السيطرة الخارجية والأميركية تحديداً. والخلاص من هذه السيطرة يقتضي العمل على إجراء تعديلات في صلاحيات وإستراتيجيات المؤسسات الإقليمية. وإيكالها أدوار فاعلة في مشروع إصلاح منبثق عن واقع دول المنطقة وظروفها الخاصة. حيث نرى ضرورة تفريع منظمة مصالحة تابعة للجامعة العربية. يكون هدفها التوسط لحل الخلافات البينية بين السلطة والمعارضات في كل دولة عربية على حدة. وذلك بغية الوقاية من التوظيف المخابراتي الأجنبي لهذه المعارضات على غرار ما حصل للمعارضات العراقية.

أما من حيث موضوعية طرح أميركا لمشروع الشرق الأوسط الكبير فلدى مراجعتنا لنص المشروع نجد أنه يقوم على مخالفات متشابكة للمنطق. وهي مخالفات تستدعي تعديلات لاحقة على المشروع. بل أن هذه التعديلات بدأت بالتبدي واضحة لدى متابعي السياسة الخارجية الأميركية. ولنستعرض أولاً المخالفات المنطقية التي تضمنها المشروع:

1- إستناده الى تقارير التنمية العربية: وهي نتاج عقول عربية أسيرة بتوجيهات أميركية خالصة. وهي تذكر بحكاية القرد والسمكة. حيث تتحول سعادة الإنسان الى أرقام. وحيث توضع الأرقام إستناداً الى عوامل غير متجانسة. مثال ذلك أن تتساوى علامات إستعمال الإنترنت مع متوسط الأعمار ومع تأمين مياه الشرب. وحيث يتم تجاهل عوامل مثل نسبة الإنتحار ونسبة إدمان الكحول والمخدرات وكأنها خارج إطار مؤشرات السعادة البشرية.

2- دخوله في إطار دمقرطة الشرق الأوسط: وهو مشروع يستند بدوره الى تقارير التنمية العربية ( راجع نقدنا المفصل للمشروع ملحق مع هذه الورقة). حيث نشر الديمقراطية الأميركية يمر بشن حروب تصل ضحاياها الى مئات الآلاف لتبقى الديمقراطية الموعودة من نصيب الناجين من هذه الحروب. ولو عدنا الى النموذج العراقي لوجدنا أن أوج هذه الديمقراطية يتجلى في إصرار بوش على إجراء إنتخابات لا يمكن له مجرد الإدعاء بديمقراطيتها. وإنما هي تحدد لها هدفاً مسبقاً هو إنتاج وتصنيع قرضاي عراقي.

3- تجاهل الخصوصيات الحضارية: ولنا هنا عودة أخرى الى القرد والسمكة. حيث توجد مسافة خفية بين الحرية وبين الكرامة. وحيث شعوب المنطقة تفضل الكرامة على الحرية لوكانت خياراً. وذلك بدليل المقاومة العراقية الشرسة في وجه الإحتلال. فالنظام الشمولي يقمع حريات معاديه السياسيين لكنه يحتفظ للشعوب بكرامتها. وهو عكس ما يفعله المحتل إذ ينتهك كرامة الشعوب ويحاول تعويضها بقناع من الحرية الزائفة. فهل دفع الشعب العراقي مئة ألف قتيل وثلاثة أضعاف هذا العدد من المعوقين والجرحى كي يحصل على نعمة الإنتخابات؟. وهل تم تهديم البنى التحتية العراقية في البلد من أجل دعم الشركات الأميركية المفلسة؟. وهل تم نشر الفوضى في العراق لغاية خطر إندلاع صراع أهلي فيه من أجل العودة الى حكم العشائر (الياور) وحكم البعث السابق (علاوي) وهو كان حاكماً؟.

4- تفجير التناقضات الداخلية: يبدو الطموح الأميركي في نشر الديمقراطية والتأسيس للشرق الأوسط الكبير مرتبطاً بصورة عضوية في تفجير التناقضات الداخلية في البلدان المستهدفة. وذلك دون خجل من توظيف المخابرات الأميركية في عمليات قذرة تستهدف هذه التفجيرات.

5- تهديد التوازنات الإقليمية: وهو ما أشرنا له أعلاه من إصرار أميركي على إلغاء المؤسسات الإقليمية وإصابة القوى الأساسية بالشلل وتشجيع الصغار على تجاوز حدود فعاليتهم الإقليمية. وذلك وصولاً الى نشر الفوضى الإستراتيجية بغية إعادة تركيب المنطقة وفق تصورات القرد الأميركي. وهنا يطرح السؤال حول مستقبل المنطقة وشعوبها في حال إنعدام صلاحية التصورات الأميركية وعدم قابليتها للحباة في هذه المنطقة من العالم؟.

6- تجاهل التناقضانت الإقليمية: يحاول الأميركيون تطبيق مشروعهم في منطقة عابقة بالتراث وبالتالي بتاريخ من الأحقاد البينية. بحيث يصبح من الحماقة التفكير في جمع هذه الأحقاد التاريخية في تصور موحد. فالتاريخ لم ينتهي وهو لم يأتي بالمصادفة. إذ تتوزع دول وشعوب المنطقة وفق نسيج حضاري يضم ملامح التاريخ المشترك لكنه يحتوي أيضاً على تاريخ الخلافات بين المكونات الحضارية للمنطقة.

7- أن أميركا إنتصرت في حرب باردة طالت الجوانب الثقافية والإيديولوجية والإقتصادية دون أن تكون عسكرية بحال من الأحوال. ولو قبل الإتحاد السوفياتي التحول الى فاشية شبيهة لكانت لديه قوة عسكرية كافية للإستمرار وإن كانت غير كافية للنصر. وعليه فإنه من الخطورة بمكان أن تبدأ الحروب العسكرية الأميركية بعد الإنتصار الفكري النظري الخالص.

8- تناقض المنطلقات السياسية الأميركية الراهنة مع جملة ثوابت إستراتيجية أميركية سابقة. حتى يمكن القول بوجود إنقلاب على هذه الثوابت يقوم به صقور إدارة بوش. ولعل في مقدمة هذه الثوابت الرفض الأميركي لخوض الحروب مفتوحة النهايات. فلا حرب أفغانستان إنتهت ولا الحرب العراقية تنبيء بنهاية قريبة.

9- تحول الفكر السياسي الأميركي من الليبرالية والواقعية المطلقة الى مبدأ الكرامة الصوفية. ومحور الصوفية البوشية الإعتقاد بحتمية النصر الأميركي مهما كانت الظروف. ومن مظاهر هذه الصوفية طروحات النهايات: التاريخ والإيديولوجيا والأنثروبولوجيا وغيرها من النهايات. وهذه الصوفية السياسية هي محرك الحرب على العراق. وهي حرب إحتاجت الى التفاؤل الصوفي المتطرف لخوضها.

10- إن سوابق القوة الأميركية لا تدعم بحال هذا التفاؤل الصوفي. فقد فشلت هذه القوة في كوريا وفيتنام وغيرهما. وهي حملت وزر قنبلتين نوويتين في اليابان بثمن تحريك المارد الصيني.

11- إن المراجعة التاريخية لمحاولات تغيير الجغرافيا غير مشجعة. فالعديد من حروب القرن العشرين إنطلقت من ظلم معاهدة فرساي. بما في ذلك الحرب العالمية الثانية والحروب العربية الإسرائيلية...الخ.

12- أن معارضة الأمركة المتحولة الى الفاشية هي معارضة عالمية. بدليل إضطرار بوش لخوض حرب العراق بدون موافقة مجلس الأمن الدولي وحتى حلف الأطلسي.

13- الإعلان الأميركي الصريح عن رفض هيكلية الأمم المتحدة. وذلك عبر تجاوزها والدعوة لإعادة هيكليتها. مع تحويلها الى وظيفة كاتب العقود على غرار إستصدار القرار 1559 كتكريس لعقد أميركي – فرنسي بعودة فرنسا الى الساحة اللبنانية.

14- الخطأ القاتل بتحويل دلالة الشرق الأوسط الى الشرق المسلم عبر إعلان الصدام مع الإسلام (هنتنغتون وغيره) وإستخدام مصطلح الحرب الصليبية. والأهم بطرح الشرق الوسط الكبير بشعوب إسلامية وشراكة يهودية.

15- أن العسكريتاريا والفاشية تحتاج الى مساندة شعوب مستعدة للتضحية بأبنائها ورخائها. وهي تضحيات يستحيل طلبها من الشعب الاميركي مهما بلغت درجة تخويفه.

Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق