Facebook

سيكولوجية السياسة الإسرائيلية "2



بعد جولات طويلة من المفاوضات العربية-الاسرائيلية لا بد لنا من تقويم رجعي لمجريات هذه المفاوضات. مع ضرورة التعرف والتحليل الرجعي لعناصر المهارة التفاوضية الموظفة في الجولات التفاوضية متعددة المستويات ومتنوعة أساليب الضغط. فالمهارة التفاوضية باتت تعتمد في جزء منها على فرع سيكولوجي ناشيء يسمى بـ:"سيكولوجية التفاوض".
ومنه تتفرع "سيكولوجية حل النزاعات". وهذا الفرع لا يشكل اختصاصاً قائماً بذاته بل هو يعمل على توظيف وتسخير كافة الميادين و المعارف السيكولوجية المتاحة في مجاله. وخصوصاً لجهة دعم المهارة التفاوضية. مما يعني امتداده من السياسي الى كافة الأوضاع التي تتطلب التفاوض.
من هنا نجد أن بإمكان هذا الفرع أن يساعدنا على تدعيم قدراتنا التفاوضية. لكن الأهم هو كونه يساعدناعلى اكتشاف أساليب اسرائيل التفاوضية وأيضاً اختلاف هذه الأساليب بين مفاوض اسرائيلي وآخر.

في ما يلي سنركز على الاسلوب التفاوضي الاسرائيلي الأساسي متجاهلين الفروق الفردية بين مفاوض وآخر. فقد أثبتت المفاوضات الطويلة أن الفروق الفردية لا تخرج عن كونها فروقات تكتيكية في حين تبقى الأهداف الاستراتيجية على حالها من العدائية دون أية تغييرات تذكر. بل غالباً ما يكون تغيير المفاوض الاسرائيلي مناسبة للعودة الى الوراء عن طريق التنكر والانكار للخطوات السابقة. وهذا ما يدفعنا الى تحري جرعة الاحتيال في سلوك المفاوض الاسرائيلي. لذلك نرى الحاجة لتقديم تعريف علمي لشخصية المحتال كخطوة لعقد المقارنة بين السلوك الاحتيالي وبين السلوك الاسرائيلي.

1 ـ سيكولوجية المحتال:

كان القانون الروماني القديم يعتبر الاحتيال (أو استعمال الخديعة والحيلة مع شخص لحمله على التنازل عن مكاسبه لمصلحة المحتال) نوعاً من المهارة، وهو كان يقسم الاحتيال الى نوعين:1- احتيال جائز: وهو الذي يمارس ضد الأجنبي (أوالعدو) و2- احتيال غير جائز: وهو الذي يقع على الأشخاص المواطنين. فالقانون الروماني لم يكن يعترف للأجنبي بأي حق. أما عن الملامح السيكولوجية لشخصية المحتال فيمكـن تصنيفها كما يأتي:

أ ـ صاحب رغبة شديدة بالربح (جشع) مع عدوانية متطورة لكنها تتجنب استخدام العنف لتحقيق رغبة الربح(ربما خوفاً من القانون).

ب ـ انعدام المبادئ الأخلاقية. مما يعني استعداد المحتال لاعتماد كافة السبل اللاأخلاقية لتحقيق أهدافه.

ج ـ يملك قدرة فائقة على إقناع ضحاياه.

د ـ يستعين بطرف ثالث (يحالفه أو يستغله) في إقناع الضحايا.

هـ ـ يسعى جاهداً لمعرفة أحوال ضحاياه وظروفهم بما يسهل له الإيقاع بهم.

و ـ التغيير المستمر في أساليبه الاحتيالية(تعدد الوجوه والأدوار).

ز ـ يقتضي تسويق الاحتيال جرأة ووقاحة من نوع خاص. فبيع الأوهام يقتضي الجرأة والحصول على أعلى ثمن لها يقتضي الوقاحة.

ح ـ القدرة على تمثيل الأدوار الاحتيالية.

ط ـ حسن اختيار الضحية من بين الضحايا المرشحين واستغلال ظروفها.

ك ـ انعدام مشاعر الذنب (مرتبطة بانعدام الضمير الأخلاقي)، التي تتيح للمحتال جرأة عدم الوفاء بالتزاماته ووقاحة إعطاء وعود جديدة بقصد استمرارية الابتزاز.

ل ـ الطموح المرضي ، الذي يجعل المحتال يطالب وبطمـع

بتحقيق مكاسب لا يستحقها باستغلاله للآخرين.

م ـ مهارة توظيف الآخرين لدعم قدرته على الاقناع وموقعه الاحتيالي لغاية تحريك أطراف عديدة للتسابق من أجل الحصول على مايعد به من مكاسب وهمية.

ط ـ الخوف من المستقبل، وهو من نقاط الضعف النادرة لدى المحتال. وهي كفيلة أن تسوغ له استغلال الآخرين، ولأن تزيد من عدوانيته تجاههم بوصفهم مهددين له ومثيرين لخوفه من المستقبل ومن الفقر خصوصاً.

وفي حالة اسرائيل تضاف الى هذه الملامح قناعات من نوع:1- شعب الله المختار مع ما ينطوي عليه من عدوانية تجاه الآخر و2-احتقار الأغيار و3- مبادئ الحقوق اليهودية عامة. أما موقف الولايات المتحدة في المفاوضات فإنه يستجيب لموقف الطرف الثالث الذي يستعين به المحتال لتدعيم مزاعمه، وحمل الضحية على تصديقه. فالكذب وحده لا يكفي بل هو يحتاج غالباً الى تأييد ادعاءات المحتال عبر طرف ثالث. ولا يهم هنا أن يكون الطرف الثالث حسن أو سيء النية. بل ان المهم في أن يكون هذا الطرف الثالث مستقلاً عن المحتال. بمعنى أن يكون تصديقه على ادعاءات المحتال صادراً عن رأيه الشخصي المستقل، وأن يكون هذا التدخل قد تم بناء على سعي المحتال وتخطيطه.

2 ـ المحتال من وجهة نظر التحليل النفسي:

تذكر هيلين دويتش Helene Deutsch (2) في مقال لها بعنـوان " المحتال، إسهام في سيكولوجية الأنا لدى واحد من السيكوباثيين" أن العالم مليء بشخصيات "كأن" Aslf والمحتالين والمدعين ومنذ أصبحت مهتمة بالمحتال وهو يتبعني أينما ذهبت، فأنا أجده بين أصدقائي ومعارفي، كما أجده في نفسي إن المحتال المريض يحاول تقليل الفروق بين الأنا المثالي المتضخم بطريقة مرضية، والجزء الآخر من أناه المحتقر الأدنى والمحمل بالذنب بشكل خاص".

إنه يتصرف كما لو كان أناه المثالي متطابقاً معه ، ويتوقع من

كل فرد آخر أن يعترف بذلك. فإذا كان الصوت الداخلي لأناه المحتقر من ناحية، واستجابات العالم الخارجي من ناحية أخرى، تذكره بعدم واقعية أناه المثالي، فإنه يتعلق بالموقف النرجسي، ويحاول بيأس من خلال الادعاء، وتحت ستار اسم شخص آخـر، أن يحافظ على أناه المثالي وأن يفرضه على العالم.

وهناك صراع مماثل رغم طبيعته المعتدلة ـ ينشأ لدى الشخصية السوية فالأنا المثالي لدى الفرد لايمكن إشباعه تماماً من الداخل، لذلك نوجه احتياجاتنا نحو العالم الخارجي، مدعين أننا بالفعل ما نود أن نكونه. وكثيراً ما نواجه استجابات بارانوية لدى الشخصية السوية، لأن البيئة رفضت أن تقبل خداعاً من هذا النوع.

أما ليونيل فنكلشتين Lionel Finkelstein (3) فيرى أن المحتال شخص ينتحل اسماً أو هوية، بغرض خداع الآخرين. إنه نوع من الكذاب المريض الذي يأمل أن يكسب من خداعه.

وعلى العكس من المتباهي أو المدعي الذي يفشل في خداع الناس ويتركهم متأثرين بادعائه، ينجح المحتال لفترة على الأقل في إبهار ضحيته وحملها على تصديق خداعاته. إن لعب الدور لديه يختلف عن الأشكال الأكثر سواء من الادعاء. والأدوار عنده هي أشكال من البراعة أو اللعب. الذي يتضمن سلوكاً تكراريا قهرياً ينشأ عن صراعات داخلية مرضية غير محلولة.

إن الصفة الجبرية لهذا السلوك تماثل تلك الموجودة في الأشكال الأخرى من السلوك الاندفاعي الذي قد يسمى تفعيلاً. إلا أن الأفعال الاحتيالية ليست تفعيلاً بالمعنى الدقيق لإعادة تمثيل الأحداث بما يخدم منع الاستدعاء المؤلم للأحداث المكبوتة منذ الطفولة.

إن المحتال قد يكون أو لايكون نصاباً (يحتال على الناس ليسلب أموالهم بعد أن يكسب ثقتهم)، أو مخادعاً غشاشاً، أو سيكوباثياً متورطاً في أفعال مضادة للمجتمع أو أفعال إجرامية، علاوة على ذلك، ينتحل عديد من الناس دور الاحتيال في أوقات معينة من حياتهم فقد بتبنى المسافرون إلى مدن بعيدة عن منازلهم أسماء وهمية ، كما إن حياة الخلاعة للمثليين جنسياً

تكون مليئة بالأزياء الغريبة، والأسماء الوهمية، والخداعات الأخرى. ولكن المحتالين الحقيقيين يحيون حياة تجعلهم لا يحضرون للتحليل إلا إذا وقعوا في مشاكل فضائيحية. فإذا أتوا بحثاً عن المساعدة سرعان ما يبدو أن شخصياتهم تجعلهم يستعصون على التحلييل فضلاً عن العلاج. إن عدم الأمانة، والسطحية، وعدم تحمل الإحباط، والميل نحو الفعل، والميول المرضية الكامنة العميقة لديهم تميل إلى إحباط أي محاولات تبذل لمساعدتهم.

وترى فيليس جرين إكر (4) Phyllis أن المحتال ليس مجرد كذاب ولكنه نمط خاص جداً من الكذابين يفرض على الآخرين تلفيقات عن إنجازاته ومركزه الاجتماعي، وممتلكاته الدنيوية، وقد يفعل ذلك من خلال تحريف هويته الرسمية بتقديم نفسه باسم زائف مصطنع، أو فقرات أخرى من الهوية الشخصية وسواء كانت مستعارة منتحلة من شخص آخر واقعي، أو مصاغة وفقاً لمفهوم متخيل عن نفسه. ونرى لديه تزييفات مماثلة لإنجازاته، وانتحال على نطاق واسع أو عبر ادعاءات غير قابلة للتصديق. ويبدو أن الخداع يتضمن الأمل في حصول المحتال على شيء مادي أو أية فائدة ملموسة.

إن التعارض بين الهويات الأساسية والهويات المنتحلة المدعـاة قد لا يكون مبالغاً وتبعاً لذلك فهو لا يخضع للتفسير السطحي القائل بأن الاحتيال يتم بغرض الكسب المباشر. فاستعراض القليل من أمثلة الاحتيال يكفي كي يبين لنا إلى أي مدى يكون العديد من النصابين المحتالين غير ناضجين على الرغم من مهارتهم، وإلى أي مدى يكون تخطيطهم خاطئاً، وإلى أي مدى في الواقع ينقصهم عنصر الحصافة.

علاوة على ذلك يتضمن الموقف الاحتيالي صفة المسرحية الاستعراضية مع الاعتماد الكلي على استجابة الضحايا للخداع. وفي بعض الأمثلة يبدو النصاب ناجحاً فقط لأن الآخرين ، مثلهم في ذلك كمثل الجاني لديهم ميل شديد لتصديق الاحتيال، وأن أي نجاح لمثل هذا الاحتيال يعتمد في الواقع على عوامل اجتماعية وفردية قوية وتقبل خاص للانخداع والاحتيال. إلى هذا

الحد يكون هؤلاء الذين يفرض عليهم الاحتيال ليسوا مجرد ضحايا ولكنهم شركاء يتواطأون بوعي أو بدون قصد.

مما سبق تتضح لنا النقاط التالية:

1 ـ تتفق هيلين دويتش مع ليونيل فنكلشتين في أن السلوك الاحتيالي يمتد على متصل من السواء إلى اللاسواء حيث توجد بين الأسوياء أنواع من السلوك تعد من قبيل الاحتيال والادعاء، ولكنها تأخذ في حالة اللاسواء طابعاً مرضياً خاصاً يتميز بالصفاقة.

2 ـ يقترب تعريف فنكلشتين وجرين إكر من التعريف القانوني للنصاب حيث يؤكدان أن المحتال يأمل أن يكسب بعض الفائدة من خداعه ولكنهما يؤكدان أيضاً أن هذا ليس الدافع الأساسي للاحتيال.

3 ـ يذكر كل من فنكلشتين وجرين إكر سمات لشخصية المحتال مثل عدم الأمانة والسطحية، وعدم تحمل الإحباط، والميل نحو الفعل، وعدم النضج، والتخطيط الخاطئ، ونقص الحصافة، والاستعراضية والاعتماد على استجابة المشاهدين.

4ـ تؤكد جرين إكر على أهمية الضحية في إنجاح الاحتيال حيث يكون لديهم ميل للتصديق.

5ـ تقتصر دلالة التعريفات السابقة على نوع واحد من المحتالين وهو منتحل الشخصية الذي يقوم باستعارة اسم أو صفة أو هوية شخص آخر، سواء كان هذا الشخص واقعياً أم غير واقعي.

وبالرغم من كثرة البحوث والدراسات التحليلية المهتمة بالمحتال فإن تحليل الاحتيال على مستوى جماعي يدفعنا للعودة الى فرويد. حيث نجد أنه يفند الصفات الاحتيالية في الشخصية اليهودية(راجع الفصل السابق-سيكولوجية الخداع). حيث يذكر فرويد الادعاءات الكاذبة والمتكررة في التاريخ اليهودي. ويشير الى احتيال اليهود بادعاء نسبتهم الى الآباء الأوائل حتىيخففوا من ردود الفعل التي يظهرها السكان المحليين ضدهم بوصفهم غـزاة ومستعمرين. كما أشار فرويد الى الطابع السايكوباتي

البارانويا بالشخصية اليهودية - راجع أقوال فرويد في الفصـل السابق.

تعريف المحتال: بناء على ما سبق يعرف القانون المحتال بأنه "كل من يتوصل إلى الاستيلاء على خيرات مملوكة للغير، سـواء كان ذلك بالاحتيال إو باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب، أو واقعة مزورة، أو خلق الأمل بحصول ربح وهمي، أو تسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال، أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح، أو سند مخالصة مزور، وإما بالتصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكاً له ولا له حق التصرف فيه، وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة".(5)

3 ـ واي رايفر - جولة احتيال

أذا أخذنا هذا الاتفاق كمثال فإننا نلاحظ وجود طرف ثالث(أميركي) يمارس ضغوطات حادة على المتفاوضين، بحيث توصلت هذه الضغوط الى التسليم الفلسطيني بدفع الثمن المطلوب، والى القبول الاسرائيلي بالالتزام بتثبيت حجم التنازلات عند الحدود التي أعلنتها اسرائيل نفسها.

لقد كان ذلك الثمن باهظاً ومحرجاً للفلسطينين لدرجة استدعت حضور الملك حسين، ومع ذلك لم ينفذ نتنياهو ذلك الاتفاق، وهاهو باراك يفضل التريث والمماطلة في تنفيذه. وعدم الوفاء هذا يندرج في باب الاحتيال، حيث من المناسب أن نعرض لسيكولوجية المحتال قبل تطبيق مبادئها على هذا المثال.

أ ـ استراتيجية الاحتيال في واي ريفر:

في البداية لا بد من الاشارة الى وضعية الطرف الثالث الذي تمثله الولايات المتحدة حيث جهد هذا الطرف وبسعي اسرائيلي حثيث لإبعاد الأطراف الأخرى المشرفة على المفاوضات. كما أن تدخل الولايات المتحدة يتم بتدبير اسرائيلي. وليس أدل على ذلك من طلب باراك تقليص تدخل الولايات المتحدة في الفترة المقبلة، وهو طلب علني عبر مؤتمر صحفي.

ان استجابة الولايات المتحدة لهذا الطلب، يكرس سوء نية أميركي في عمليات الاحتيال الاسرائيلي. فالأطراف العربية لا تستطيع أن تطلب مثل هذا الطلب وأن يلقى الاستجابة. وفي عودة الى واي ريفر، نجد أن الرئيس كلينتون قد مارس ضغوطاً غير عادية على الفلسطينيين لدرجة احراجهم أمام الرأي العام العربي. حيث كان استدعاء الملك حسين (المنازع في حينه) نوعاً من التغطية على هذا الاحراج، الذي يتلخص بقبول فلسطيني لكافة الشروط الاسرائيلية المعلنة.

في المقابل احتاج كلينتون الى بذل جهود مماثلة لإقناع نتنياهو بالتوقيع على اتفاق يستجيب لكافة شروطه. فماذا كانت النتيجة؟

النتيجة كانت اصرار المفاوض الاسرائيلي على ربط بند قيام الدولة الفلسطينية بعبارة "بموافقة جميع الأطراف!" وهذه العبارة تعني بحد ذاتها ربط تنفيذ الاتفاق بمفاوضات أخرى. بمعنى أنها تفقد الاتفاق قيمته وتحول التنازلات الفلسطينية الى مجانية. ومع ذلك وقع الفلسطينيون فكانت النتيجة رفض اسرائيل تطبيق أي خطوة من خطوات هذا الاتفاق! للتبسيط نعطي مثالاً (مع الاحتفاظ بالفوارق بين المثال والواقع) أن يكون أحد الأشخاص موجوداً في قطعة أرض(بوضع اليد) ويأتي صاحب الأرض ليطالب بأرضه فيضع الشخص شروطه للخروج من هذه الأرض. ويوافق صاحب الأرض على هذه الشروط ويدفع له الثمن المطلوب. لكن الشخص يرفض المغادرة ويبدأ بفـرض شروط جديدة مستغلاً تورط صاحب الأرض بدفع الثمن وعدم قابلية استرداده. فإذا ما قبل الشروط الجديدة راح المحتل يفـرض شروطاً أخرى وهكذا دواليك أليست هذه القصة نموذجا للعمليات الاحتيالية؟ ولكن ماذا نستنتج من "واي ريفر" ومن هذه القصة التي تبسطه؟ من الطبيعي بعدما تقدم أن نستنتج ما يأتي:

1 ـ ان شروط اسرائيل المعلنة ليست حقيقية، وهي مجرد فخ لاستدراج المفاوض العربي. فإذا ما قبل بها على الرغم من قساوتها وعدوانيتها فإنه لن يحصل سوى على مشروع مفاوضات جديدة . ومن البراهين المؤكدة لذلك ما تمثله مراقبـة

المسار التفاوضي الفلسطيني في مراحله المتعددة.

2 ـ تسعى اسرائيل للحفاظ على وضعية الساعية للسلام. وذلك عبر وضعها شروطاً في غاية الاحراج للمفاوض العربي، فإذا ما قبل بها فإن شروطاً أكثر احراجاً تنتظره.

3 ـ أن دور الولايات المتحدة كطرف ثالث ليس دوراً حيادياً، وهو خاضع لإشارات المفاوض الاسرائيلي. وبالتالي فإن حجم الضغوطات الأميركية على الأطراف ليس متوازياً، وبالتالي فإنه غير عادل.

4 ـ لقد سدت الولايات المتحدة فراغ غياب الاتحاد السوفياتي بتدخل مباشر في المنطقة الأمر الذي يحرم اسرائيل من استخدام العنف . لذلك نجد أنها توظف عدوانيتها بالجشع التفاوضي معتمدة سياسة الابتزاز المرحلي.

5 ـ تملك اسرائيل قدرة اعلامية مسيطرة وتوظفها في اقناع الرأي العام العالمي، والحصول على موافقته ودعمه لخروجها على أخلاقيات التفاوض، وفي طليعتها الالتزام بالمبادئ، حيث تملصت اسرائيل من كل هذه الالتزامات.

6 ـ من الصعب إيجاد منافس لقدرة اسرائيل على تمثيل الأدوار الاحتيالية. فقد تنصل نتنياهو مثلاً من بنود واي ريفر بحجة معارضة الرأي العام الاسرائيلي لها(وفي هذا منتهى الديمقراطية الليبرالية التي يجب ألا تغضب أحداً!؟). وبدوره يعدنا باراك بعرض أية نتائج مفاوضات على الاستفتاء العام تأكيداً لهذه الديمقراطية.

7 ـ أما عن حسن اختيار الضحية فقد بدأ بمصر (بظروفها الخاصة وفي طليعتها عجز خليفة زعيم مثل عبد الناصر عن ملء فراغه) مروراً بالأقطار العربية الأخرى، مع تلازم حسن الاختيار الاسرائيلي بالصبر المؤدي الى حسن التوقيت.

8 ـ عندما نتكلم عن اسرائيل فإننا لانتكلم عن طموح مرضي فقط، بل عن جنون عظمة (بارانويا) غير محدود، ومكرس في الأدبيات الاسرائيلية.

9 ـ نأتي الى مهارة استخدام الأطراف ودفعها للتسابق على وضعية الضحية فنجد هذه المهارة تتجسد في قدرة اسرائيل على

فصل المسارات العربية، والاستفراد بكل طرف عربـي علـى

حدة، بعد تجريده من أعماقه الاستراتيجية.

10 ـ الخوف من المستقبل، وهو عنصر بارز في السلوك الاسرائيلي الراهن حيث تسعى الولايات المتحدة جاهدة لخفض انفاقها المخصص أساساً لمواجهة الشيوعية. وحيث السلام مخرج لتخليص الولايات المتحدة من التزاماتها المالية تجاه اسرائيل. وهذا ما يثير رعب اسرائيل من المستقبل. وهو يدفعها للسؤال:" ماذا لو تصاعد تناقض المصالح الأميركية مع تلك الاسرائيلية؟".

إن ما ذكرناه يشكل تشخيصاً سيكولوجياً لا يقبل الشك باعتماد اسرائيل لمبادئ الاحتيال بجرأتها ووقاحتها. وعليه فإن اسرائيل هي النموذج المعاصر الفاضح للقانون الروماني، الذي ينزع عن الآخر أي حق، ويعتبر الاحتيال عليه احتيالاً جائزاً وليس جرماً. ولعل قمة الوقاحة الاحتياليةالاسرائيلية كامنة موقتاً، وظاهرة لاحقاً تحت شعار " أن اسرائيل تملك القوة الكافية لفرض شروطها فلماذا التفاوض؟" وهذا الطرح ليس من بنات أفكارنا، فهو الطرح المعلن للاسرائيليين المتطرفين الذين وجدوا في نتنياهو"حمامة سلام" والذين قتلوا رابين لمجرد ملامسته خطوطهم الحمراء. إنهم أولئك الذين يهددون باراك بالاغتيال فنحولوا المحتال الى بطل. ويبقى السؤال: هل تريد اسرائيل السلام بأثمان خيالية؟ أم أنها لا تريده أصلاً؟!.

الهوامش والمراجع

1ـ محمد أحمد النابلسي: منشورة في جريدة "الكفاح العربي" بتاريخ 11 /8 /1999

Deutsch,H:” The imposter contribution to ego

psychology of a “ psychopath “- in the psychoanalytic quarterly , vol XXIV, 1955

Finkelstein, L:” The imposter : Aspects of his Development “psychoanlytic quarterly XLIII, 1974 Greenacre,Ph: “The imposter”:Psychoanalytic

Quarterly vol.XXVIII,1958

5ـ رزق سند ابراهيم ليلة: سيكولوجية النصاب، دار النهضة العربية ب .ت

Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق