Facebook

الضفة الغربية: قصة وقصاصات - الحلقة الثانية: الاستيطان اليهودي (2 )



المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية:

معظم هذه المستوطنات تقع على ثلاثة محاور رئيسية هي:

المحور الشرقي (غور الأردن).

المحور الغربي (المحاذي لخط الهدنة).

محور ارئيل (عابر السامرة).

بالإضافة إلى تكتل العديد من المستوطنات في مناطق مثل القدس والخليل وبيت لحم ونابلس ورام الله، وسوف نشير إلى هذه المحاور والكتل.

* المحور الشرقي (غور الأردن):

أقيمت مستوطنات هذا المحور بناء على خطة (أَلوُن) التي تقضي بالسيطرة الإسرائيلية على منطقة الغور.

وضم هذا المحور 27 مستوطنة (حتى عام 2003م)، تبدأ من مستوطنة (ميحولا) في أقصى الشمال في منطقة طوباس إلى مستوطنة (متسبية شاليم) على الشاطئ الغربي للبحر الميت في محافظة بيت لحم.

ويلاحظ على هذه المستوطنات الآتي:

1- قربها من نهر الأردن الذي يمثل الحد الشرقي للضفة الغربية، إذ تتراوح المسافة بين هذه المستوطنات ونهر الأردن ما بين 1,5و6 كيلومترات.

2- تمركز هذه المستوطنات عند أقدام الجبال، بالقرب من السفوح الشرقية للمرتفعات الوسطى، حيث نابلس والقدس والخليل خلفها، والسهل الخصيب أمامها.

3- سيطرة هذه المستوطنات على مساحات واسعة من الأراضي بين مناطق زراعية ومناطق أمنية، تجعل منها سلسلة متشابكة من البؤر الاستيطانية في هذه المنطقة المهمة اقتصادياً وإستراتيجياً، حيث تمثل هذه المستوطنات خط الدفاع الأول من الشرق، كونها تمثل قواعد عسكرية متقدمة.

هذه الحالة تجعل هذا المحور يشكل حاجزاً أو سداً يفصل بين التجمعات السكانية الفلسطينية في الداخل وبين امتدادها العربي شرق النهر، وبالتالي المحيط العربي الأوسع، وهو من أهم الأهداف لإقامة هذه المستوطنات، بالإضافة إلى منع أو إعاقة أي عملية تسلل لأي قوة عسكرية قادمة من الشرق.

* المحور الغربي (خط الهدنة).

وتنتشر مستوطنات هذا المحور في المنطقة المحاذية لخط الهدنة، ولا تبعد معظم هذه المستوطنات بأكثر من 3 كيلومترات من خط الهدنة، وضم هذا المحور 15 مستوطنة (حتى عام 2003م)، عدا المستوطنات التي تحيط بمدينة القدس.

ويلاحظ على موقع هذه المستوطنات الآتي:-

1- محاذاتها لخط الهدنة، إذ لا تبتعد أكثر من 3 كيلومترات .

2- تقارب بعض هذه المستوطنات يشكل كتلاً استيطانية، كما هو الحال في مستوطنات (مكابيم أ، ب) و(كَفَار روث)، (منورة)، (شلتا)، (متتياهو)، (حشمونئيم)، (كَريات سيفر)، وذلك إلى الغرب من مجموعة من القرى والبلدات الفلسطينية في محافظة رام الله.

3- تشكل مستوطنات تصوريغال، تصوفيم، الفيه منشيه، يرحاف، حزاماً استيطانياً يحيط بمدينة قلقيلية، ويعيق التواصل الجغرافي مع باقي المناطق الفلسطينية.

4- يشكل انتشار مستوطنات هذا المحور حاجزاً بين التجمعات السكانية الفلسطينية في الشرق والتجمعات السكانية الإسرائيلية في الغرب.

* محور أرئيل (عابر السامرة)

يمتد هذا المحور على طول الطريق الذي يبدأ من بلدة كَفْر قاسم القريبة من خط الهدنة غرباً، ويتجه إلى الشرق مخترقاً منطقة سلفيت ليتقاطع مع الطريق الرئيسي (رام الله - نابلس) بالقرب من بلدة زعترة، ثم يواصل امتداده شرقاً ليلتقي مع الطريق الرئيسي في منطقة الغور الذي يمتد على طول الغور مخترقاً مدينة أريحا. وقد كثفت إسرائيل من مستوطناتها على طول هذا المحور والمناطق القريبة حيث أقامت 17 مستوطنة، منها مستوطنة ارئيل وهي أكبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي أقرت الحكومة الإسرائيلية جعلها مدينة.

وتكمن خطورة هذا المحور في عدة أسباب هي:

1- أنه يستطيع تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين، قسم شمالي ويضم محافظات جنين وطولكرم ونابلس وقلقيلية، ومنطقتي طوباس وسلفيت، وقسم جنوبي يضم محافظات رام الله والقدس وأريحا وبيت لحم والخليل.

2- يمكن هذا المحور إسرائيل والمستوطنات الواقعة عليه بسرعة وسهولة الوصول إلى منطقة الغور كما يمكنها بسرعة التحرك عسكرياً على طول هذا المحور عند نشوب أية أزمة مع الدول العربية.

الكتل والأحزمة الاستيطانية (حتى 2003م):

رأينا عند التعرض للمحاور الاستيطانية التي ضمت 79 مستوطنة (حتى 2003م) كيف أمكنها فصل الضفة الغربية إلى جزأين شمالي وجنوبي، وعزل السكان الفلسطينيين عن شرق الأردن وعن الأراضي الفلسطينية غرب خط الهدنة تاركة التجمعات السكانية الفلسطينية محاصرة في جزر محاطة بشبكة من المستوطنات، ليس هذا فحسب، بل عمدت إسرائيل إلى مزاحمة هذه التجمعات، والعمل على خنقها، فلا تكاد بلدة فلسطينية إلا وجاورتها مستوطنة أو أكثر، متخذة موقعهاً إما على موقع إستراتيجي يشرف على هذه البلدة أو على طريق رئيسي يصل بين هذه البلدات. إلا أن الأخطر من هذا وجود عدد من الكتل الاستيطانية الواضحة الأهداف، أخذت شكل الأحزمة حول المدن الفلسطينية لتطويقها، ومنع التواصل فيما بينها، كما هو الحال في القدس والخليل وبيت لحم ورام الله، وسوف نتناول هذه الكتل والأحزمة.

ملاحظة: حديث بعثة الجامعة العربية في الصين حول تقسيم الضفة الغربية إلى جزأين كان في 2004م. أما الآن فقد أصبحت الضفة الغربية مقسمة إلى ثلاثة أقسام.

* حزام الخليل:

أقامت إسرائيل العديد من المستوطنات في محافظة الخليل من خلال مصادرتها للأراضي من أصحابها تحت دعاوى دينية باطلة، الأمر الذي جعل هذه المستوطنات تشكل حزاماً شرقياً حول مدينة الخليل، وتقسم المدينة إلى قسمين شرقي وغربي، والمستوطنات التي أقامتها إسرائيل من الشمال إلى الجنوب: (رامات مامرية)، (سومرة)، (كَريات أربع)، (الحي اليهودي)، (هداسا الدبويا)، (بيت رومانو)، (تل الرميدة)، (هارمنوح)، جعلت سكان مدينة الخليل يعيشون في جحيم إذ يقوم المستوطنون بالاعتداءات اليومية على المواطنين الفلسطينيين.

* الكتلة الاستيطانية في محافظة بيت لحم:

أقامت إسرائيل كتلة من المستوطنات إلى الجنوب من مدينة بيت لحم وعلى الطريق الرئيسي الخليل- بيت لحم، حيث لا تكاد تبعد المستوطنة عن الأخرى أكثر من كيلو متر واحد والمستوطنات هي:

(نفي دانيال)، (اليعازر)، (روش تسوريم)، (بيت عين تسوريف)، (الون شيفوت)، (كفار عتصيون افرات)، (مجدال عوز)، (مسئوات يتسحاق)، وهذه الكتلة الكبيرة من المستوطنات تستطيع أن تفصل تماماً بين مدينة الخليل في الجنوب ومدينة بيت لحم في الشمال.

* الكتلة الاستيطانية في محافظة رام الله:

تعتبر مستوطنات هذه الكتلة جزءاً من مستوطنات المحور الغربي الذي سبق الإشارة إليه ومستوطنات هذه الكتلة هي: (مكابيم أ، ب)، (كفارروث)، (منورة)، (شلتا)، (متتياهو)، (حشمونئيم)، (كريات سيفر). وهذه المستوطنات تتوسط مجموعة من البلدات الفلسطينية وهي المدية، نعلين، دير قديس، حزمة، عين حارث، بلعين، أم صفا، بيت سيرا. وهناك حزاماً استيطانياً حول مدينة رام الله يضم مستوطنات (طلمون)، (ياديائير)، (بيت حورون)، (جبعات زئيف)، (بيت ايل)، (بسجوت)، (كوخاف يعقوب)، من (الشرق)، وتمتد على الجنوب حيث مستوطنات (عطروت)، (جفعوت)، (جفعات حدشاه أ، ب). والواضح أن الهدف من تداخل المستوطنات الإسرائيلية مع البلدات الفلسطينية هو عزل هذه التجمعات السكانية الفلسطينية من جهة، واستخدامها كخطوط دفاع عن التجمعات السكانية الإسرائيلية القريبة داخل الخط الأخضر.

* حزام قلقيلية:

تمتاز قلقيلية بقربها الشديد من التجمعات السكانية داخل خط الهدنة، لأن المسافة بين المدينة وساحل البحر حوالي 15 كيلو متر، ولخطورة هذا الموقع سارعت إسرائيل بتطويق المدينة بعدد من المستوطنات، وهي تصور يغال، تصوفيم، ألفيه منشية، يرحاف، وتعتبر هذه المستوطنات مهمة من الناحية الأمنية الإسرائيلية.

المستوطنات في القدس:

احتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967م وقد أجرت إسرائيل منذ احتلالها للمدينة المقدسة تغييرات كثيرة في طبيعة المدينة وتركيبتها السكانية، فصادرت أكثر من 18 ألف دونم، وأقامت تسع عشرة مستوطنة تزيد مساحاتها على 13 ألف دونم، تضم حوالي 57 ألف وحدة سكنية، ويقيم فيها أكثر من 152 ألف مستوطن.

أهم المستوطنات التي أقيمت في القدس: (معاليه أدوميم)، (النبي يعقوب)، (راموت)، (جيلو)، (تلبيوت الشرقية)،(معلوت دفنا)، و(الجامعة العبرية).

أهداف المستوطنات:

1- خلق حاجز لمنع التواصل الجغرافي بين الفلسطينيين وإخوانهم في المحيط العربي.

2- خلق جدار أمنى بين السكان الفلسطينيين والسكان الإسرائيليين داخل خط الهدنة.

3- تجزئة الأراضي الفلسطينية وإعاقة التواصل الجغرافي.

الآثار التي تركتها المستوطنات الإسرائيلية:

لقد أصبحت المستوطنات الإسرائيلية من أبرز مظاهر التشويه والتدمير للبيئة الفلسطينية، بل وأخطرها على الإطلاق، فالاستيطان يعني السيطرة على الأرض والموارد، وهو بهذا يشكل ذروة الاحتلال وجوهر الفلسفة التي قامت عليها دولة إسرائيل.

أ- تأثير الاستيطان على الزراعة:

شكل الاستيطان الإسرائيلي ومصادرة الأراضي العنصر الرئيسي في الفلسفة الصهيونية، وقد أثرت على الزراعة في فلسطين تمهيداً لمصادرة الأرض والسيطرة على المصادر الطبيعية. فقامت السلطات الإسرائيلية بضرب قطاع الزراعة بتخفيض الأسعار والسيطرة على المصادر المائية والقضاء على الأصناف البلدية من الإنتاج النباتي من الأشجار والخضروات والحبوب، كما تم إضعاف البنية التحتية للزراعة خاصة في مسألة شق الشوارع الزراعية وإمكانية وصول الفلاح الفلسطيني إلى أرضه.

وقد قامت المستوطنات وشوارعها الالتفافية المتعددة الأغراض على حساب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وأغلقت مساحات أخرى من الأراضي بحجج أمنية، وأدى ذلك إلى خسائر لا حصر لها نتيجة فقدان المزارع لأرضه وعرقلة وصوله إليها. وفي نفس الوقت قامت بإغراق الأسواق العربية بالمنتجات الزراعية الإسرائيلية ذات المواسم المبكرة وبأسعار مدعومة من قبل الحكومة بغية القضاء على إنتاج الفلاح الفلسطيني.

ولا ننسى في هذا المجال سياسة قلع الأشجار التي بدأت مباشرة بعد عام 1967م ولا تزال مستمرة حتى الآن، فقد اقتلع حوالي نصف مليون شجرة فلسطينية (حتى 2003م)، وشكلت شجرة الزيتون 70% منها، وأدى ذلك إلى خسائر مادية على الزراعة في المدى البعيد. وبمنهجية علمية ذات أبعاد سياسية قامت المستوطنات بتهريب المبيدات السامة والممنوعة دولياً (الفيلودور) إلى التجار العرب دون رقابة، وانعكس ذلك على جودة المحصول وصحة المواطن.

ب- تأثير الاستيطان على الوضع الاجتماعي:

أثر الاستيطان الإسرائيلي على الوضع الاجتماعي الفلسطيني، فوجود السكان العنصريين الإسرائيليين المدججين بالسلاح في المستوطنات بالقرب من الأماكن السكنية الفلسطينية والاحتكاك بين الطرفين أدى إلى انتشار مشاعر التطرف لدى الجانبين، فالمستوطنات أقيمت على أراضي القرى والمدن الفلسطينية، والأراضي الزراعية التي صودرت هي المستقبل والمصدر الأساسي للدخل. وجاء العنصر الغريب ليقيم في هذه المستوطنات المنظمة والأكثر تطوراً وعمراناً مقابل منازل البؤس والفقر التي يسكنها الفلسطينيون مما عزز مشاعر الحقد والغبن بين الطرفين.

كما أن مصادرة الأراضي أدت إلى تجميع البدو ونقلهم إجبارياً من البداوة إلى حياة المدن وما يتبع ذلك من صدمة حضارية، مما أدى إلى وجود فجوات اجتماعية أثرت على سلوك وعادات البدو وعلاقاتهم العائلية..كما أدت إلى تحول نسبة كبيرة من المزارعين من نمط الحياة الزراعية إلى نمط الحياة العمالية، وانعكس ذلك على العادات الريفية ودور المرأة في المجتمع الريفي إلى جانب ظهور حالات التوجه نحو السكن في المدن مما يؤثر سلباً على التطور الديمغرافي في فلسطين.

ج- التأثير على التنمية الفلسطينية:

- السيطرة على موارد الأرض والمياه وباقي الموارد الفلسطينية.

- قطع التواصل والاتصال الجغرافي والعمراني والقروي الفلسطيني وشرذمته في وحدات تتصل بواسطة مناطق تسيطر عليها المستوطنات.

- تكوين أُطر ونُظم إدارية وبلدية - مزدوجة وثنائية - للنظم الفلسطينية، الأمر الذي يسبب ازدواجية، وذلك في مقابل إحالة النظم والقوانين الإدارية الإسرائيلية على جزء من الأراضي الفلسطينية.

- تخطيط وتنفيذ بنى تحتية مرتبطة بإسرائيل، ومنع الفلسطينيين من السيطرة على هذه البنى بهدف استغلالها.

- تعميق تبعية المجتمع الفلسطيني - وخصوصا القروي - من خلال توفير فرص العمل في قطاع البناء والعمالة الرخيصة والصناعة التي تتطور في المستوطنات، وبذلك يلتحق اقتصاد هذه القرى بالمستوطنات، الأمر الذي يحول دون استقلالها الاقتصادي.

وفي 27 أكتوبر 2009م اتهمت منظمة العفو الدولية إسرائيل بحرمان الفلسطينيين من المياه في حين تسمح للمستوطنين في الضفة الغربية بالحصول على كميات لا محدودة من الموارد المائية.

وقالت المنظمة - في تقرير لها - إن إسرائيل تحدّ من وصول المياه إلى الأراضي الفلسطينية من خلال فرض سيطرة تامة على الموارد المائية المشتركة ومواصلة تطبيق السياسات التمييزية.

وكتبت المنظمة في تقريرها أن إسرائيل لا تسمح للفلسطينيين سوى باستخدام القليل من الموارد المائية المشتركة الموجودة خصوصاً في الضفة الغربية المحتلة، في حين تتلقى المستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة كميات غير محدودة تقريباً..وبحسب التقرير، يستهلك الإسرائيليون كميات من المياه تزيد أربع مرات على تلك التي يستهلكها الفلسطينيون.

ويبدو هذا التفاوت أكبر بكثير في بعض مناطق الضفة الغربية، حيث تستخدم بعض المستوطنات كميات مياه أكبر بـ20 مرة لكل فرد، من تلك التي يستهلكها فلسطينيو البلدات المجاورة الذين يحصلون يومياً على 20 لتراً فقط من المياه..وأضاف التقرير أن استهلاك المياه لأحواض السباحة وري المساحات العشبية والأراضي الزراعية في المستوطنات يتناقض تماماً مع الوضع في البلدات الفلسطينية المجاورة التي بالكاد يستطيع سكانها تأمين حاجاتهم اليومية من المياه.

وبينما تدعي وزارة الخارجية الإسرائيلية أن كيانها يتقاسم "بالتساوي" الموارد المائية مع الفلسطينيين، قالت منظمة العفو الدولية إنه لا يسمح للفلسطينيين بحفر آبار جديدة أو إصلاح أخرى قديمة من دون ترخيص من السلطات الإسرائيلية، إضافة إلى ذلك هناك عدة طرقات في الضفة الغربية مغلقة أو حركة السير محدودة فيها ما يرغم شاحنات الصهاريج على تغيير وجهتها وقطع مسافات طويلة لتقديم المياه إلى القرى غير المرتبطة بشبكة توزيع الموارد المائية..وتقدر المنظمة عدد الفلسطينيين المحرومين من المياه في الضفة الغربية بـ180 ألفاً إلى 200 ألف.

د- التأثير الأمني والإستراتيجي:

إن أبرز الأهداف الاستيطانية هو منع التوصل إلى تسوية إقليمية فلسطينية إسرائيلية تسمح بإقامة كيان فلسطيني ذي ولاية جغرافية واحدة متواصلة، كما أن وجود هذه المستوطنات يهدد الكيان الفلسطيني الذي لا يبشر بالأمان ما دام الاستقرار مهدداً بتوسيع الاستيطان وتقطيعه له؛ لأن السيطرة الإسرائيلية على الطرق والمعابر التي تربط بين المناطق الفلسطينية تجعلها تحت رحمة المستوطنين الذين باستطاعتهم إغلاقها متى شاءوا. بالإضافة إلى أن وجود هذه المستوطنات قرب المدن الفلسطينية يجعلها مدناً حدودية تستطيع إسرائيل متى شاءت إغلاقها أو ضربها كما حدث في انتفاضة الأقصى الأخيرة عندما ضربت نابلس ورام الله وبيت جالا والخليل، وهذا يعني تهديدا أمنيا على كيان الدولة الفلسطينية وبالتالي تهديد جوهر السيادة الفلسطينية، حسب تقرير بعثة الجامعة العربية في الصين. كما أن تمتع هذه المستوطنات بالحماية الأمنية يتطلب وجوداً عسكريا إسرائيليا لحمايتها.

وللأسف أصبحت المراحل الثلاث الأولى جزءاً من الماضي وأمراً واقعاً فرضته إسرائيل على الجميع. وأصبح الحديث عنها كالحديث عن التاريخ من باب الذكرى فقط، وليس لغرض استرداد الحق..ولم يتبق إلا المرحلة الرابعة التي لا تزال - في بعض تفاصيلها - محلاً للجدل وحكاية المفاوضات السياسية.

ويلاحظ من وقائع الأحداث الجارية أن هذه المرحلة هي أيضاً قابلة للطي والدخول في أدراج التاريخ، لكن تعقيدات القضية وتشابكها مع قضايا أخرى معقدة كالقدس واللاجئين والدولة الفلسطينية تعطيها مدى زمنياً أطول قياساً بالمراحل الثلاث الأولى. إضافة إلى أن التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية وكذلك الساحة العربية والإسلامية والعالمية أيضاً ستجعل هذه المرحلة أكثر تعقيداً، لن يكون - على الأرجح - في صالح إسرائيل على المدى البعيد.

فجبهة الرفض الفلسطينية شبت عن الطوق واشتد عودها وفرضت نفسها بقوة يستحيل تجاوزها. وكذلك الحال في العالم الإسلامي وبالذات المستوى الشعبي. ولم تعد أساليب تضليل الرأي العام العالمي تؤتي أكلها كما كان في السابق، خصوصاً في الغرب، فلم تعد إسرائيل تحظى بنفس النظرة (المقدسة) السابقة في وعي الشعوب الغربية التي بدأت - ولو ببطؤ شديد - تعي ما يحدث في فلسطين، وتدرك ما تفعله إسرائيل.

وبناء على تلك التطورات والتعقيدات تلجا إسرائيل إلى التلاعب الماكر بقضايا الفلسطينيين كقضية المستوطنات، وتتخذ من أسلوب المراوغة والخداع ركيزة لها في الوصول إلى أهدافها بأقل الخسائر مع دعم سياسي غربي كبير..وكانت قضية المستوطنات مغيبة عن المشهد السياسي الفلسطيني إلى أن جاءت اتفاقيات أوسلو عام 1993م بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. عندما بدأت المفاوضات حول إنشاء حكم ذاتي للسطة الفلسطينية.

وظلت قضية المستوطنات محصورة في دائرة المفاوضات حول الحكم الذاتي الفلسطيني، وفيما بعد حول الدولة الفلسطينية. حيث أصبحت إسرائيل مطالبة بإزالة المستوطنات كشروط لوجود الدولة الفلسطينية، وهذا ما ترفضه إسرائيل رفضاً قاطعاًً..وهنا يأتي المكر الصهيوني، ففي الوقت الذي تعلن موافقتها على الدولة الفلسطينية وتجري المفاوضات على الورق، نجدها على أرض الواقع تعمل على تسريع بناء المزيد من المستوطنات في الضفة.

ولا تقل أضرار في الضفة الغربية عن أضرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بكل تفاصيله. فهي أورام سرطانية سريعة الانتشار شديدة التدمير في جسم موبوء بالاحتلال. ويتمثل الضرر الأبرز في عمليات طرد الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم ومساكنهم لصالح المستوطنين اليهود. وعزل القرى والمدن الفلسطينية عن بعضها حتى تحولت الضفة إلى جزر مبعثرة في محيط صهيوني يمنع أي تواصل جغرافي بين المناطق الفلسطينية..والعجيب أن المفاوضين الفلسطينيين لا زالوا يتحدثون عن دولة فلسطينية، فالدولة التي يفاوضون حولها هي من أغرب الدول وأعجبها شكلاً ومضموناً.

يشرح الدكتور محسن محمد صالح - في حوار مع (شؤون الأوسط) - هذه الحالة بقوله: إن الضفة الغربية مقسمة إلى ثلاثة أجزاء كبيرة، وهذه الأجزاء مقسمة إلى 64جزءاً أصغر، وهناك حوالي 160 مستوطنة إسرائيلية على الأقل ومائة بؤرة استيطانية أخرى. وهذه المستوطنات مرتبطة مع بعضها بطرق التفافية ومرتبطة بالكيان الإسرائيلي بحيث أصبحت كل أوصال الضفة مقطعة وهذه الطرق بين المستوطنات لا يستخدمها إلا اليهود وهي من أندر الحالات في العالم بحيث أن اتباع دين معين وجنسية معينة هم فقط من يحق لهم استخدام هذه الشوارع.

وقال: هذا التقطيع متعمد، خصوصاً وأن المستوطنات ليست ذات طبيعة سكانية فقط، وإنما هي أيضاً ذات طبيعة إستراتيجية وعسكرية، واقتصادية..وهناك حوالي 650 حاجزاً إسرائيلياً في كل الضفة.. والقدس الشرقية محاطة بـ 11 حياً استيطانياً إسرائيلياً، وتوجد حوالي 16 مستوطنة إسرائيلية محيطة بالقدس وعملية التهويد في القدس الشرقية هائلة، حيث يسكن 200 ألف مستوطن إسرائيلي..وخلص إلى القول إن كل هذه الحقائق على الأرض تجعل أي مفاوض فلسطيني - يريد أن يتكلم على دولة - يصاب بإحباط.

لكن الإسرائيليين عندما يتكلمون في المفاوضات يقولون إن الحقائق التي نشأت على الأرض يفترض احترامها وعدم تجاهلها. وهذا ما قاله الرئيس الأمريكية السابق جورج بوش بأنه يفترض أن تحترم الحقائق التي وجدت على الأرض؛ بمعنى - والكلام للدكتور محسن - أن تتم مكافأة الإسرائيليين على عملية السرقة والاغتصاب..إضافة إلى ما ذكره الدكتور محسن جاءت الإدارة الأمريكية الحالية لتواصل ما بدأ به بوش ولكن بأسلوب مراوغ أشد ضرراً من صراحة بوش.

المستوطنات في القانون الدولي:

الأصل أن الحديث عن القانون الدولي لا يسمن ولا يغني من جوع، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. فالجميع يعرف أن تأثيره شبه معدوم لدى إسرائيل، وضرره شبه معلوم لدى الفلسطينيين. ولكن - مع هذا - سنذكره هنا من باب العلم بالشيء..وقبل ذلك أحب أن أنبه على أن المجتمع الدولي – نظرياً – المقصود به دول العالم أجمع . ولكن من الناحية العملية ليس إلا الدول الكبرى (الغربية منها بالذات)؛ كونها المهيمنة على الشأن العالمي، هذا أولاً.

ثانيا: الدول الكبرى لا تعنيها إلا مصالحها فقط، وإن أدى ذلك إلى الإضرار ببقية المجتمع الدولي.

ثالثاً: إسرائيل جزء لا يتجزأ من مصالح الدول الكبرى.

وبالتالي إذا كانت الدول الكبرى هي المهيمنة عالمياً ومصالحها هي المهم أولاً، فإن القانون الدولي سيكون أداة بيد الدول الكبرى تحقق به مصالحها، وسلاحاً تشهره في وجه من يقف في طريقها، وألعوبة تلهي به الآخرين، ومطية نحو أهدافها. وقد تدوس عليه إن عرقل تحركها، لكنه سرعان ما ينهض متشبثاً بردائها. وفي احتلال العراق عبرة لمن اغتر.

ومع ذلك قَلّ من يعتبر، فبعد حوالي 62 عاماً لا تزال فلسطين ضحية معلقة في مشنقة القانون الدولي، فلا ظلمٌ ارتفع ولا حقٌ رجع. ولن يكون ثمة جديد في الأمر إذا بقي الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ومدعوماً من الغرب الذي طوع القانون الدولي لصالح الاحتلال المعروف عنه عقيدته في نقض العهود ورفض القرارات.

وفيما يلي سرد لبعض ما جاء في (الفانون الدولي) حول المستوطنات الصهيونية:

* اتفاقية لاهاي- 1907م

- المادة 46: الدولة المحتلة لا يجوز لها أن تصادر الأملاك الخاصة.

- المادة 55: الدولة المحتلة تعتبر بمثابة مدير للأراضي في البلد المحتل، وعليها أن تعامل ممتلكات البلد معاملة الأملاك الخاصة.

* معاهدة جنيف الرابعة- 1949م

- المادة 49: لا يحق لسلطة الاحتلال نقل مواطنيها إلى الأراضي التي احتلتها، أو القيام بأي إجراء يؤدي إلى التغيير الديمغرافي فيها.

- المادة 53: لا يحق لقوات الاحتلال تدمير الملكية الشخصية الفردية أو الجماعية أو ملكية الأفراد أو الدولة أو التابعة لأي سلطة في البلد المحتل.

وقد أدان مجلس الأمن الدولي في خمسة قرارات والجمعية العامة للأمم المتحدة في خمسة عشر قراراً سياسة إسرائيل في الاستيطان، واستنكرت عدم التزامها بالقوانين الدولية.

وقد صدرت مجموعة من القرارات الشرعية الدولية لإنكار أي صفة قانونية للاستيطان أو الضم، وتطالب بإلغائه وتفكيك المستوطنات بما في ذلك الاستيطان بالقدس. ومنذ عام 1967م وحتى اليوم صدرت قرارات بهذا الخصوص أهمها:

* قرارات مجلس الأمن:

- القرار رقم 446 لسنة 1979م الذي أكد أن الاستيطان ونقل السكان الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية غير شرعي.

- القرار رقم 452 لسنة 1979م ويقضي بوقف الاستيطان حتى في القدس وبعدم الاعتراف بضمها.

- القرار رقم 465 لسنة 1980م الذي دعا إلى تفكيك المستوطنات.

- القرار رقم 478 لسنة 1980م.

* قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة:

صدرت عن الأمم المتحدة قرارات كثيرة أدانت الاستيطان الإسرائيلي، ومن أهمها:

- القرار رقم 2851 لسنة 1977م.

- القرار رقم 42/160 لسنة 1987م.

- القرار رقم 44/48 لسنة 1989م.

- القرار رقم 45/74 لسنة 1990م.

- القرار رقم 46/47 لسنة 1991م.

- القرار رقم 46 لسنة 1991م.

لماذا الاستيطان؟

بعد كل ما سبق من حديث عن المستوطنات الصهيونية يظل هذا التساؤل ملازماً لهذه القضية. ويظل الجواب عنه ملازماً لجواب عن سؤال أكبر: لماذا الاحتلال الإسرائيلي؟.

وكلما فهمنا جواب السؤال الأساسي بشكل أوضح كلمنا اتضح جواب التساؤلات الفرعية؛ لأن قضية الاستيطان جزء رئيس من الكيان الاحتلالي، ودعامة يستند إليها وجوده. وبالتالي يستحيل أن تقوم إسرائيلي بإزالة المستوطنات من الضفة الغربية ما لم تكن هناك قوة تجبرها على ذلك كالذي حدث في غزة عام 2004م بفعل المقاومة.

وهذا ما تخشى إسرائيل من تكراره في الضفة الغربية، وتحاول تجنب تجربة غزة. وأهم وسيلة في ذلك هي المستوطنات، خصوصاً وأن فكرة احتلال الضفة بالكامل وضمها للدولة الإسرائيلية تظل مستبعدة في ظل الظروف الحالية. فوجود حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة يهدد الوجود الإسرائيلي في حال إحتلال الضفة، حيث سيصبحون أغلبية سكانية تبطل - تلقائياً – مفهوم (الدولة اليهودية) النقية..وفي حال عدم احتلال الضفة أيضاً يظل خطر هؤلاء الفلسطينيين على إسرائيل قائماً.

وهنا تأتي أهمية المستوطنات التي ستحقق عدة أهداف:

الاستيلاء على أكبر قد ممكن من أراضي الضفة. في نفس الوقت تشريد أكبر عدد ممكن من سكان الضفة إلى خارج فلسطين بعد الاستيلاء على أراضيهم. وتقطيع أوصال الضفة، لمنع حصول أي محاولة فلسطينية لرص بالصفوف. وإزاء ذلك تحرص إسرائيل على غرس مزيد من الانقسام والصراع بين الفلسطينيين.

وبتلك الوسائل وغيرها تسعى إسرائيل إلى التغلب على هاجس الخوف الكامن في النفسية اليهودية. وكلما زاد خوفها وقلقها زادت وحشيتها وهمجيتها، لتعطى نفسها إحساساً مسكراً بالأمن. تماماً كما يفعل مدمن المخدرات أو شارب الخمر، فكلما زاد همومه وقلقه وضيقه زاد لجوؤه للمخدرات أو للخمر ليدخل في عالم من أوهام السعادة.

وهْم الأمن

مر معنا معاناة الفلسطينيين ومآسيهم جراء المستوطنات وجدار الفصل العنصري، وهي جزء من مآسي كل الفلسطينيين والمسلمين.

وعرفنا أهداف إسرائيل من ذلك.. ولكن هناك إشكالية في فهم الصراع مع إسرائيل، وهي الاكتفاء بالنظر إلى الآثار الإجرامية التي يحدثها البطش الإسرائيلي؛ فتتشكل صورة في أذهاننا تربط بين تلك المآسي والجبروت الإسرائيلي، وبما أن المسلمين في حال ضعف وترهل وانهزام داخلي فإن الشعور المسيطر سيكون الحزن والخوف. أي الحزن لتلك المآسي والخوف من إسرائيل، فتكون النتيجة زيادة في الانهزامية وقعوداً عن المواجهة، وهذا ما تريده إسرائيل بممارساتها.

أي أن لها هدفين رئيسيين من بطشها، هما: تحقيق أطماعها وإضعاف أعدائها..بينما - في حقيقة الأمر - هناك وجه آخر لهذا الصراع، إنه الوجه الداخلي لإسرائيل الذي تحرص على إخفائه؛ لأن فيه نقاط الضعف ومكامن الزوال والتفكك، إذ نحسبهم (جميعاً) بينما قلوبهم (شتى) كما ذكر ذلك القرآن الكريم. ومشكلتنا أننا وقعنا في الوجه الأول من الصورة (نحسبهم جميعاً) وأهملنا معرفة الوجه الآخر (قلوبهم شتى).

ولهذا نحتاج إلى معرفة نقاط الضعف الإسرائيلية لإحداث توازن في رؤيتنا للصراع بدل النظر إلى نقاط القوة فقط..وفي السطور التالية مساهمة بسيطة في سبيل معرفة نقاط الضعف الإسرائيلي التي تخفيها إسرائيل بستار البطش والتنكيل..فكل الذي تفعله إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني مرده الخوف والضعف؛ لسببين:

الأول: هو أن الذلة صفة ملازمة للنفسية اليهودية منذ القدم، قال تعالى :<<ضربت عليهم الذلة والمسكنة>>، وقال تعالى: <<لا يقاتلونكم إلا من وراء جدر>>. والجدران التي تلجأ إليها إسرائيل وتحتمي بها متعددة: فالدول الغربية جدار، والمكر والخداع جدار، وهوس التسلح جدار، وطرد الفلسطينيين وقتلهم جدار، والمستوطنات جدار، وجدار الفصل العنصري جدار، وعقدة (الهلوكوست) جدار أيضاً، وتهمة (معاداة السامية) جدار.

والجداران الأخيران مغروسان في الغرب لصد أي محاولة ضد إسرائيل، وقد نقل محمد حسنين هيكل - في حوار مع قناة الجزيرة (16/10/2009م) - عن كتاب بريطاني جديد ومهم القول إن موضوع الهلوكوست لم يبدأ إلا بعد حرب 1967م؛ لأن إسرائيل أرعبها أن اليهود في العالم شاهدوها قوية قادرة على الاعتماد على نفسها، وأنها بالغت في استعمال القوة أكثر من اللازم فلم تعد محتاجة لعطف اليهود. فقامت إسرائيل باصطناع التكبير والتهويل في مسألة (الهولوكوست)؛ لكي تقنع اليهود في العالم بأن استعمالها الزائد للقوة مبرر.. حتى لا تتكرر تجربة (الهولوكوست).

وبهذه الجدران وغيرها تحاول إسرائيل التحصن لتمنح نفسها الشعور بالأمن، فقط الشعور؛ لأن الأمن الحقيقي لن تستطيع توفيره..أيضاً بهذه الجدران تحاول إسرائيل إخفاء حقيقة ضعفها عن الآخرين، فتبدو دائماً في مظهر القوة إضافة إلى نهجها الدائم في إرهاب أعدائها وإضعافهم لإشغالهم بما هم فيه عما هو في حقيقتها.

السبب الثاني: انطلاقها من الباطل لمحاربة الحق، يقول الدكتور ياكواف رابكن – في كتابه السابق ذكره– إن المبدأ الذي كان يستند إليه معظم قادة "الشتات اليهودي في الدفاع عن إسرائيل هو "وطني، سواء كان على حق أو باطل".

وبما أن الحق معدوم في هذه الحالة فإن الأطماع الباطلة لا تتحقق إلا بوسائل الباطل، ومعلوم أن استحضار الباطل لا يكون إلا في مواجهة الحق؛ لأن الجمع بينهما يستحيل، والعقيدة التوراتية وفّرت لإسرائيل ذرائع الباطل أكثر مما أشعرتها بأوهام وجود الحق..ومن هنا تظل إسرائيل في حالتي الضعف والخوف، إدراكاً منها بأن الباطل زاهق مهما طال به الوقت..لكن نهجها العدواني يدفعها لمواصلة الخوض في هذا الباطل عتواً واستكباراً. ومن كان حاله كذلك تنعدم فيه الثقة بالنفس.

ينقل الكاتب البريطاني دافيد هير عن مفكر إسرائيلي – لم يسمه – رؤيته للحالة التي وصلت إليها إسرائيل. فقد أوجز حالة التناقض الذي تتسم به إسرائيل، فهي أمام العالم قوية وعدوانية، لكنها تبدو من الداخل ضعيفة وهشة..وذكر أن إسرائيل ليست لديها ثقة فعلية في بقائها. حيث قال: "إن الإسرائيليين لديهم إحساس واه جداً بالمستقبل".

وقال – مخاطباً الكاتب البريطاني – : "أي دولة أخرى يمكن أن يقال عنها ذلك؟. عندما أكون في بريطانيا فإني ألاحظ أنكم تخططون للعام 2038م، وتقولون سوف يكون هناك هذا الخط للسكك الحديدية أو ذلك المطار. ولكن ليس هناك إسرائيلي يخطط لهذا المدى - سلفاً - دون أن يحس بشعور في قلبه يسأل: هل سنكون موجودين في ذلك الوقت على الإطلاق".

وأضاف قائلاً: "إننا نبدو أقوياء جداً من الخارج، ولدينا مثل هذا الجيش الضخم، وكل تلك الأسلحة النووية، ونحن نتوسع بثقة تامة. ومع ذلك فالإحساس مختلف من الداخل. إننا نشعر أن بقاءنا ليس مضموناً، من الممكن القول بأننا استوردنا المرض اليهودي من الشتات.. الإحساس بأننا بلا جذور، قادرون على التكيف وعلى تدبر أمرنا. ولكن عاجزون عن الاستقرار. بعد ستين عاماً لم تصبح إسرائيل وطناً بعد".

وقد جاء في الحلقة الأولى حديث الروائي الإسرائيلي دافيد جروسمان عن الحالة الإسرائيلية، مختصراً الوضع بقوله: "إننا نعيش لننجو لا لنحيا".

ويقول الرئيس الوزراء البريطاني الراحل بنيامين دزرائيلي (1804م -1881م) (وهو اليهودي الوحيد الذي تولى هذا المنصب): "يمكنك أن تعرف الحكومة الضعيفة من حرصها على اللجوء إلى الإجراءات العنيفة"..وفي معرض تعليقه عن المستوطنات وجدار الفصل العنصري يقول دافيد هير: رؤساء الوزارة الإسرائيليون يأتون (للسلطة) كصقور ويعدون بإجراءات أمنية صارمة وحشد عسكري. ولكنهم يتركون مناصبه، وهم مقتنعون بأنه لا يمكن بقاء الاحتلال. وإن تكلفة احتلال شعب آخر إلى الأبد لا يمكن تحملها".

هذا بعض ما أردت ذكره عن الوجه الآخر لإسرائيل، والتفاصيل في ذلك كثيرة، لكن المجال هنا لا يتسع لذكرها وإشباع الموضوع من كافة جوانبها..فالذي أريد توضيحه فقط هو أن جدار الفصل العنصري والمستوطنات الصهيونية وغير ذلك من وسائل البطش الصهيوني لا يكفي النظر فقط إليها أو التعامل معها من زاوية مجريات أحداثها وانعكاساتها على الفلسطينيين.

بل تحتاج أيضاً إلى النظر في دوافعها الكامنة في العقلية والنفسية اليهودية والصهيونية، وهذا هو نهج القرآن عندما يتحدث عن الأعداء، حيث يذكر السلوكيات الخارجية ويحلل النفسيات الداخلية رابطاً بين الحالتين. والهدف من ذلك فهم حقيقة ما هم عليه ليكون التعامل وفق ما نفهم لا ما ننظر. مع ضرورة معالجة نقاط ضعفنا وإزالة أسباب تراجعنا واسترجاع وسائل القوة والتمكين الروحية والمادية، وبدون ذلك لن نطول (بلح الشام، ولا عنب اليمن) – كما قال المثل العربي- فلا نستفيد مِن معرفة نقاط ضعف العدو ولا نُفيد مَن يعاني الظلم والاضطهاد.

____________________________

المصادر:

- المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (الجزء الأول)- محمد حسنين هيكل- الطبعة التاسعة 200م.

- المناهضة اليهودية للصهيونية- الدكتور ياكوف م. رابكن- ترجمة الدكتورة دعد قنّاب عائدة- مركز دراسات الوحدة العربية- الطبعة الأولى 2006م.

- حوار مع الدكتور محسن حمد صالح مدير مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (بيروت)- مجلة (شؤون الأوسط)- العدد 132- ربيع 2009م.

- (الجدار حوار من طرف واحد) دافيد هير- مجلة (الكتب وجهات نظر)- العدد 126- يونيو 2009م.

- الموقع الإلكتروني لـ(بعثة الجامعة العربية في الصين).

- إسلام أو لاين. - الجزيرة نت. - العربية نت.

Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق