Facebook

الضفة الغربية: قصة وقصاصات -الحلقة الثانية: الاستيطان اليهودي (1)

تمهيد:

من عجائب القضية الفلسطينية وغرائبها قصة الدولة الفلسطينية التي تدور حولها المفاوضات منذ سنوات طويلة، والغرابة هنا من ناحيتين: (أطراف المفاوضات وقضية المفاوضات).

أما أطراف المفاوضات فهي:

(إسرائيل) الطرف الغاصب الذي جاءت به عقيدته لاغتصاب أراضي الآخرين بعد طردهم أو قتلهم، وإقامة كيان ديني عنصري محل أصحاب الأرض..ومع أن أهدافه ومطامعه لن تتوقف عند المستوى الذي وصل إليه كيانه إلا أنه يفاوض على إقامة دولة لأعدائه (أصحاب الأرض بجوار دولته. لكن الغرابة ستزول بمجرد النظر إلى الواقع العملي المناقض لجوهر (المفاوضات)، فأي دولة هذه سيوافق عليها الاحتلال.

الطرف الثاني: (السلطة الفلسطينية)، فالسلطة تجري وراء المفاوضات مع أن دائرة تحركاتها ضيقة جداً إلى درجة الاختناق وخياراتها محدودة جداً إلى درجة الانعدام. فهي أسيرة التحكم الإسرائيلي الغربي إلى درجة العبودية.

وإضافة إلى أنها لا تمثل الفلسطينيين كلهم بل بعضاً منهم، وموقف الرافضين أقوى من الراضين. والعرب الذين يدورون أيضاً حول المفاوضات تحكمهم الانقسامات واختلافات المصالح الخاصة، وتقلبات المزاج، فأي دولة يطلبها عاجز أو ضعيف.

الطرف الثالث: (المجتمع الدولي) الذي يتحدث عن دولة الفلسطينيين، مع أن سيفه عليهم وقلبه وعقله مع إسرائيل. وهذا الطرف أشبه بالخمر، ضرره على قضايا المسلمين أكبر من نفعه إن كان فيه نفع.

أما المفاوضات فهي مأساة بذاتها منذ أوسلو 1993م، وهي أقرب لواقع الحرب منها إلى خزعبلات "السلام". فكلما تفاوض العرب والسلطة الفلسطينية مع إسرائيل والغرب كلما اندحروا إلى الخلف وبان ضعفهم أكثر وزاد خسرانهم، والضحية القضية الفلسطينية أرضاً وإنساناً.

وفي المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية المَثل الأردأ، حيث منحتها المفاوضات زيادة وسرعة في الانتشار؛ لأن المفاوض إذا لم يقم على أرض صلبه تمكنه من الثبات وكان مفتقراً لوسائل القوة سيكون متسولاً أكثر من كونه مطالباً، وبالتالي لن يعطيه الخصم إلا بالقدر الذي سيهينه أكثر.

وهذا ما يحصل حالياً مع السلطة الفلسطينية التي لا تمتلك من مقومات البقاء سوى قليل من السند الخارجي، فهي تصر على قيام دول فلسطينية، وإسرائيل – في الظاهر – لم تعترض، لكن الضعف الشديد الذي يعانيه المفاوض الفلسطيني أغرى الإسرائيليين في وضع شروط ومواصفات للدولة الفلسطينية تلغي مفهوم الدولة من أساسه. إضافة إلى ذلك ذلك تبذل إسرائيل جهوداً حثيثة على أرض الواقع تجعل من وجود دولة فلسطينية ضرباً من المستحيل. فقد جعلت المستوطناتُ من الضفة الغربية قطعاً مبعثرة وقصاصات ورق محروقة في مهب ريح عاصف.

ومع هذا يصر المفاوض الفلسطيني على لبس نظارته السوداء التي تحجب عنه حقيقة إسرائيل، وشعاره الدائم (فاوض ثم فاوض حتى ضياع آخر قطعة في أرضك)، خصوصاً وأن حبل الدعم الخارجي طرفه الأول في الغرب والطرف الآخر في عنق المفاوض الفلسطيني ماراً بإسرائيل.

يقول الدكتور محسن محمد صالح - في حوار مع مجلة (شؤون الأوسط) -: "إن الجانب الفلسطيني الذي يتبنى مشروع التسوية لا يملك أدوات تهديد إستراتيجي للجانب الإسرائيلي؛ بمعنى أنه إذا فشلت المفاوضات ما الذي سيفعله الجانب الفلسطيني الملتزم باتفاقية أوسلو وبخريجة الطريق وبـ(أنابوليس). خصوصاً وأن أحد أهم البنود الأساسية هي ضرب المقاومة واجتثاثها والسيطرة عليها.. فإذا كان البديل الإستراتيجي هو المقاومة نفسها، وإذا كان المفاوض الفلسطيني يقوم بنفسه باجتثاث هذا البديل؛ أي يكسر مجاديفه بيده فسيبقى عارياً أمام الإسرائيلي في المفاوضات، وسيبقى ضعيفاً".

وفي واقع الأمر كان لاتفاقيات (السلام) والمفاوضات مع إسرائيل انعكاس سلبي على فلسطين أو على الأقل لم توقف تدهور القضية من ثلاث نواحي:

الأولى: إسرائيل لا تعرف إلا القوة، ولا ترتدع إلا بالقوة، وفي ظل اتفاقيات (السلام) والمفاوضات تجد إسرائيل حرية وفرصة أكبر للتحرك وتحقيق أهدافها.

الثانية: إسرائيل لا تؤمن – عملياً وتطبيقياً – بأي عهود أو مواثيق أو اتفاقيات " أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم".

الثالثة: ضعف المفاوض الفلسطيني والعربي يمنعه من وضع شروطه وتثبيت مطالبه وتحقيق أهدافه، وبالتالي يخرج بنتائج ظاهرها فيها الرحمة وباطنها العذاب، والمستوطنات ليست استثناء من ذلك:

قبل اتفاقية السلام في كامب ديفد عام 1979م كان عدد المستوطنين في الضفة وغزة 20 ألفاً، وبعد اتفاقيات أوسلو 1993م وصل العدد إلى 110 آلاف صهيوني..وعندما تم تعيين توني بلير مبعوثاً عن اللجنة الرباعية الدولية إلى الشرق الأوسط في يونيو 2007م كانت هناك في الضفة 521 نقطة تفتيش إسرائيلية، والآن هناك 699 نقطة تفتيش..وحالياً وصل عدد المستوطنات الصهيونية في الضفة إلى حدود الـ 200 مستوطنة يسكنها 304569 يهودياً بنهاية يونيو 2009م، حسب التقديرات الإسرائيلية الرسمية.

أي أن يهود المستوطنات يشكلون أكثر من (10%) من سكان الضفة، بمعنى أن هؤلاء اليهود قد طردوا وشردوا عشر سكان الضفة، والعدّاد الصهيوني لا زال يعمل..وعندما بدأت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد أوباما مشوارها مع القضية الفلسطينية كان الحديث يدور حول (ضرورة ) (وقف) بناء المستوطنات في الضفة الغربية لإنجاح مفاوضات التسوية، بينما الإسرائيليون يفاوضون وفي الوقت نفسه يبنون..ثم تغير المسار منحرفاً باتجاه العرب، حيث طالبت أمريكا الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل مقابل وقف المستوطنات. أي أن التطبيع لم يعد ثمنه (السلام) – رغم أنه وهْمٌ- بل ثمنه أقل من ذلك بكثير إنه وفق بناء المستوطنات.

بعد ذلك تغير الحديث من مسألة (وقف) إلى مسألة (تجميد)، وأي تجميد؟.

إنه تجميد مؤقت لمدة عام لإعطاء فرصة لاستئناف المفاوضات، ثم نقصت المدة إلى 6 أشهر..وآخر المستجدات كان في 28/10/2009م عندما قال جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية إن تجميد المستوطنات لم يعد شرطاً في المفاوضات، معللاً ذلك – أمام لجنة الشؤون الخارجية الفرعية في مجلس النواب الأمريكي - أن تجميد المستوطنات موجود في (خارطة الطريق) وإسرائيل ملتزمة بهذه الخارطة، ومن ثم لا داعي لوضع هذه المسألة كشرط.

وهذا ما أكدت عليه وزيرة الخارجية الأمريكية – بعد ذلك بثلاثة أيام - عندما طلبت من محمود عباس العودة إلى طاولة المفاوضات دون التزام إسرائيلي بتجميد الاستيطان في الضفة أو القدس الشرقية..ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أكدت – أثناء لقائها بعباس في أبو ظبي- أن موقف بلادها الجديد يؤيد أهمية المستوطنات "لحماية أمن إسرائيل".

ويعد هذا الموقف الجديد انقلاباً عن المواقف الأمريكية السابقة التي أعلنت عنها أكثر من مرة بعدم شرعية الاستيطان، وضرورة تجميده..ويمكن أن يفهم من هذا التحول الجديد أن قضية المستوطنات في طريقها إلى الزوال من على طاولة المفاوضات وإذا حصل ذلك فإن الحديث عن دولة فلسطينية في الضفة وغزة، ستتلاشى أهميته، حيث يستحيل قيام دولة على أشلاء جغرافية مبعثرة لا تستطيع إداراتها. خصوصاً إذا علمنا أن مسألة (إزالة) المستوطنات غير قابلة للنقاش أو التفاوض أو الجدل؛ لأنها أصبحت جزءاً من الواقع الذي فرضته إسرائيل على كل أطراف التفاوض من بينهم المفاوضون الفلسطينيون.

إضافة إلى أن الجدل والنقاش لا يشمل كافة المستوطنات، بل بعضها في مناطق ونقاط استيطان ووحدات سكنية معينة من ناحية الكم أو الكيف وتجميداً أو توقيفاً. أي أن القضية تظل مبعثرة بتبعثر المستوطنات. وبالتالي تظل الضفة غارقة في المأساة مشبعة بالآلام.. ومقطعة الأوصال.

والآن لنأخذ جولة سريعة مع المستوطنات الصهيونية في فكر وتاريخ الاحتلال الإسرائيلي لنشاهد الصورة عن قرب، ليس بالضرورة كافة تفاصيلها، بل ما يكفي لإعطاء رؤية أولية في ما يحدث وما قد حدث. والمهتم بالأمر سيهتم بالبحث عن التفاصيل.

الاستيطان في الفكر الصهيوني:

ليس مبالِغاً من يقول إن (الاستيطان) هو العمود الفقري للكيان الإسرائيلي قبل وبعد ظهوره. فمن دون الهجرات اليهودية ما كان لإسرائيل أن تظهر على شلك دولة. فالمهاجرون اليهود كانوا شعباً وجيشاً في نفس الوقت منذ 1948م..وعن أهمية الاستيطان في الفكر الصهيوني كتب عضو الكنيست الإسرائيلي السابق يشعيا بن فورت في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بتاريخ 14/7/1972م قائلاً: "إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة أراضي وتسييجها".

نفهم من هذه العبارة قوة العلاقة التلازمية بين الصهيونية والاستيطان والدولة اليهودية..كما أن عملية الاستيطان الصهيوني لا تتم إلا بطرد أصحاب الأرض الشرعيين ومصادرة أراضيهم. فالعلاقة هنا بين الاستيطان واغتصاب الأرض أيضاً تلازمية؛ لأن الحق والباطل لا يجمع يجتمعان.

ولهذا كان الوجود اليهودي في فلسطين قائماً على ثنائية (التخلية والتحلية)، أي إخلاء الأرض من أصحابها والحلول محلهم بشتى الوسائل. وتحولت مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" من دعاية تضليلية صهيونية إلى واقع عملي توارتي..وكان الدبلوماسي البريطاني إدوارد لودفيج ميدفورد قد وضح هذه الثنائية قبل ظهور إسرائيل بأكثر من نصف قرن، عندما وجه نداءً باسم اليهود - (مع أنه غير يهودي) - يدعو لإنشاء كومنولث بريطاني في الشام، حيث يقول – كما جاء في كتاب محمد حسنين هيكل (المفاوضات السرية بين إسرائيل والعرب)-: "إن فلسطين إذا ما أخذنا في الاعتبار مساحتها تبدو صغيرة ولا تتسع لكل اليهود. وقد تنشأ مشاكل بسبب هجرة مستوطنين كثيرين. لذلك يستحسن قبل القيام بتوسيع نطاق الاستيطان في فلسطين أن يتم إعداد البلاد كلها لاستقبال شعبها الجديد. ويمكن إقناع الحكومة العثمانية بتهجير كل السكان المحمديين وتوطينهم في المناطق الشاسعة الخالية من شمال العراق، حيث يستطيعون امتلاك أرض أفضل من تلك الأرض التي سوف يتركونها وراءهم".

ونقل الدكتور ياكوف رابكن - في كتابه (مناهضة اليهودية للصهيونية)- إجماع المؤرخين على أن الصهيونية كانت قد صيغت من قبل طوباويين يحنون إلى الزراعة الاستيطانية (الكولونيالية) على مثال المستوطنين الأوروبيين في جنوب أفريقيا وأوروبيي الجزائر. وكانت المنظمات العسكرية وشبه العسكرية المجهزة بشكل جيد.. والتي دحرت الجيوش العربية قد تلقنت أو انتحلت مهمة تنظيف المناطق المحتلة من سكانها الفلسطينيين. وأُعطيت المنازل والقرى العربية التي أُفرغت هكذا من سكانها للمهاجرين اليهود القادمين من البلدان العربية قبل سواهم..

ومنذ أن أصبحت كياناً استيطانياً كبيراً - في معظم أراضي فلسطين - وإلى اليوم، لا زالت إسرائيل تعطي الأولوية لقضية الاستيطان والمستوطنات المنتشرة في بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السورية، لتكون أشبه بجرذان تقضم ما تبقى من الأراضي وتنخر في أساسيات الوجود الفلسطيني.

فكرة وتاريخ الاستيطان اليهودي:

يقال إن فكرة الاستيطان اليهودي في فلسطين بدأت تلوح في الأفق بعد ظهور حركة الإصلاح الديني (البروتستانتي) في أوروبا في القرن السادس عشر، حيث بدأ أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد بترويج القول إن اليهود ليسوا جزءاً من النسيج الحضاري الغربي.. وإنما هم "شعب الله المختار"، وطنهم "المقدس" فلسطين يجب أن يعودوا إليه.

وبحسب ما ذكرته دراسة نشر ملخصها موقع (إسلام أو لاين) كانت أولى الدعوات لتحقيق هذه الفكرة ما قام به التاجر الدنمركي أو ليغربولي – عام 1695م- الذي أعد خطة لتوطين اليهود في فلسطين، وقام بتسليمها إلى ملوك أوروبا في ذلك الوقت.

وفي عام 1880م صدر كتاب بعنوان (أرض جلعاد) لأحد زعماء الحركة الصهيونية، يدعى لورنس أوليفانت الذي كان عضواً في البرلمان البريطاني. وفي الكتاب يقترح أوليفانت إنشاء مستوطنة يهودية شرق الأردن شمال البحر الميت، وتكون تحت السيادة العثمانية لكن بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود لفلسطين وما جاورها عن عن طريق إقامة مستعمرات جديدة ومساعدة الموجود منها.

وقد حاول العديد من زعماء اليهود - في القرن التاسع- القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين من بينهم مونتفيوري الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عاماً مقابل 10% -20% من إنتاجها. لكن المحاولة فشلت بسبب رفض مصر التي كانت تحكم بلاد الشام آنذاك.

وكان الاتحاد الإسرائيلي العالمي (الأليانس) - الذي تأسس عام 1860م - قد استأجر 2600 دونم لمدة 99 عاماً، أقيمت عليها مدرسة زراعية بدعم من البارون اليهودي روتشيلد لتدريب اليهود المهاجرين على الزراعة.

ويعتبر العام 1881م - في نظر المؤرخ اليهودي والتر لاكور – بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية..وذكر محمد حسنين هيكل- في كتابه – أن أول هجرة جماعية يهودية إلى فلسطين كانت سنة 1882م، وقامت بتنظيم الهجرة البارون اليهودي أدموند روتشيلد. وبهذه العملية فإن تعداد اليهود في فلسطين ارتفع من ثمانية آلاف إلى 24 ألفاً. وكانت بريطانيا قد احتلت مصر في نفس العام.

وفي نفس الوقت كانت أسرة روتشيلد قد بدأت في جمع تبرعات ومساهمات طائلة لشراء أراض في فلسطين. وكانت الواجهة الظاهرة لهذه العملية مؤسسة للاستثمار في الأرض الزراعية في المشرق.

ويقول هيكل: إن مما يلفت النظر بشدة في السنوات التالية مباشرة للاحتلال البريطاني لمصر حجم الزيادة التي طرأت على حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتسارع إنشاء المستوطنات، وخلال عشر سنوات من احتلال بريطانيا لمصر تم إنشاء المستوطنات التالية:

اسم المستوطنة

المساحة (بالفدان)

كاترا

500

ريشون ليزيون

1180

روش بينا

3800

زيشرون جاكوب

1850

مرادي الشانين

1180

إيكرون

1275

كاستينا

550

روهوبوت

1300

أرتوف

460

أم الديشمال

253

الشويحة

851

معاليه

910

مشمار هايردن

230

عين زيتون

509

ميتولا

1350

بن شيمن

210

ملهامي

1350

عية

2750

الخضيرة

1750

كيفار سابه

460

إضافة إلى ذلك فقد ظهرت عشرات المستوطنات الأصغر حجماً. وكان من بينها مستوطنة (بن يهودا) (350 فداناً)، وكان موقعها في شرق الأردن، أي أن خطة الاستيطان اليهودي كانت تشمل الأردن غرباً وشرقاً..وتوالت - فيما بعد - عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل، كالشراء أو الاستئجار لمدة طويلة..وقد لعبت المؤسسات اليهودية - اليت أنشئت لهذا الغرض - دوراً مؤثراً، ومن بين هذه المؤسسات:

منظمة (بيكا) التي أسسها روتشيلد، والوكالة اليهودية التي انبثقت من المؤتمر الصهيوني العالمي الأول عام 1897م، والصندوق القومي اليهودي (الكيرن كايمت)، وصندوق التأسيس اليهودي (الكيرن هايسود) والشركة الإنجليزية الفلسطينية.

ونشطت هذه المؤسسات بعد الحرب العالمية الأولى خصوصاً بعد تمكن المنظمة الصهيونية العالمية من استصدار وعد بلفور الشهير عام 1917م الذي يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ثم وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، حيث لعبت حكومة الانتداب دوراً كبيراً في تمكين اليهود من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وذلك باتخاذها العديد من الإجراءات، منها فتح الأراضي الأميرية وجعلها أراضي ملكية وسن قانون أملاك الغائبين.

مراحل الاستيطان :

هناك رحلتان كبيرتان مر بهما الاستيطان اليهودي في فلسطين، وهما مرحلة ما قبل إعلان (دولة إسرائيل)، ومرحلة ما بعد الإعلان.

والاختلاف في المرحلتين متعدد الجوانب سواء على المستوى الداخلي الفلسطيني أو المستويين الإقليمي والدولي. فقد تغيرت المواقف والوسائل والتوجهات، خصوصاً بعد أن أصبحت إسرائيل عضواً معترفاً به في الأمم المتحدة عام 1949م..وقد مرت مرحلتا الاستيطان الكبيرتان بمراحل جزئية، قسمها البعض إلى 4 مراحل (حسب ما جاء في تقرير بعثة الجامعة العربية العربية في الصين 2004م):

المرحلة الأولى: بدأت منذ انعقاد مؤتمر لندن عام 1840م بعد هزيمة محمد علي باشا، واستمرت حتى عام 1882م، وكانت هذه المرحلة البدايات الأولى للنشاط الاستيطاني اليهودي. إلا أن مشاريع هذه المرحلة لم تلق النجاح المطلوب بسبب عزوف اليهود أنفسهم عن الهجرة إلى فلسطين، والتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو الانخراط في مجتمعاتهم. ومن أبرز نشطاء هذه المرحلة اللورد شافتسبوري، واللورد بالمرستون، ومونتفيوري.

المرحلة الثانية: بدأت عام 1882م، واستمرت حتى بداية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920م، وفي هذه المرحلة بدأ الاستيطان الفعلي في فلسطين، وشهدت الموجات الأولى والثانية من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، خصوصاً من أوروبا الشرقية وروسيا. ومن أبرز نشطاء هذه المرحلة لورنس أوليفانت، وروتشليد، وهرتزل، وفي هذه المرحلة بدأت المؤتمرات الصهيونية العالمية وأسست المنظمة الصهيونية العالمية.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الانتداب البريطاني على فلسطين، وفي هذه المرحلة تم تكثيف عمليات استملاك اليهود للأراضي الفلسطينية، وتدفق الهجرة اليهودية، حيث شهدت هذه المرحلة الموجات الثالثة والرابعة والخامسة.

المرحلة الرابعة: وبدأت منذ إعلان قيام الكيان الإسرائيلي وحتى عام 1967م، وفيها تمكنت إسرائيل من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتوافد المهاجرين اليهود.

مراحل الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية (1967م -2000م

مرت عملية الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية بعدة مراحل هي:

- مرحلة 1967م - 1974م:

كانت حكومة حزب العمل برئاسة ليفي أشكول وبعدها غولدامائير قد أقامت تسع مستوطنات في (غوش عتصيون) وغور الأردن، وهي تعادل 82% من المستوطنات التي أقيمت آنذاك، وعددها 11 مستوطنة.

- مرحلة 1974م - 1977م:

في هذه الفترة كانت الحكومة العمالية برئاسة رابين قد استثمرت نتائج حرب أكتوبر في تصعيد السياسة الاستيطانية، فأقامت تسع مستوطنات جديدة. وارتفع عدد المستوطنين إلى 2876 مستوطناً يمثلون 0,3% من مجموع السكان بالضفة الغربية. وفي (غوش عتصيون) وغور الأردن أقيمت ست مستوطنات، كما أقيمت مستوطنات في منطقة القدس الكبرى ومستوطنة في منطقة الضفة الغربية. ولا ننسى في هذه الفترة بأن الاستيطان في مدينة القدس قد تركز بإقامة الحي اليهودي ومستوطنات (التلة) الفرنسية، و(نفي يعقوب)، و(تل بيوت) الشرقية، و(جيلو)، و(راموت) و(رمات أشكول)، و(معلوت دفنا).

- مرحلة 1977م - 1981م:

شهدت هذه الفترة انقلاباً تاريخياً حيث جاء إلى الحكم أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً بقيادة مناحيم بيغن، فبدأ برسم سياسة جديدة خاصة بعد اتفاق السلام مع مصر. ففي هذه الفترة تمت إقامة 35 مستوطنة جديدة. وازداد عدد المستوطنين إلى 13234 مستوطناً، وبلغت نسبة الزيادة 241%.

وللمرة الأولى أقيمت مستوطنة واحدة في قطاع غزة، كما شهدت القدس في هذه الفترة أكبر حركة مصادرات للأراضي الفلسطينية في المنطقة الشمالية الشرقية، في حين استمرت عمليات البناء وزيادة عدد المستوطنين.

- مرحلة 1981م-1986م:

شهدت هذه الفترة تحركاً يمينياً قاده عتاة الليكود ممثلين بـ(بيغن) و(شامير)، فأقيمت 43 مستوطنة. وارتفع عدد المستوطنين إلى 28400 مستوطن بزيادة بلغت 115%.

وشكل المستوطنون ما نسبته 2,2% من مجموع عدد السكان العرب البالغ آنذاك 1294700 نسمة.

وقد أقيم 53% من هذه المستوطنات في مناطق مكتظة بالسكان في نابلس ورام الله، و32,5% من هذه المستوطنات أقيم في قطاع غزة وجبل الخليل، و14% في غور الأردن، ومستوطنة واحدة أقيمت في منطقة غوش عتصيون الموسعة.

- مرحلة 1986م - 1988م:

تشكلت في هذه الفترة حكومة ائتلافية من الحزبين الكبيرين، وأقيمت 27 مستوطنة تشكل 20% من مجموع المستوطنات اليوم، وارتفع عدد المستوطنين إلى 69500 مستوطن بزيادة 14%، وارتفع عدد المستوطنين إلى 4,4% من مجموع السكان العرب. وشهدت منطقة القدس إقامة مستوطنات جديدة أهمها (بسكات زئيف) الشمالية والجنوبية. في حين شهدت منطقة الضفة الغربية إقامة 59% من هذه المستوطنات في منطقة نابلس ورام الله بالقرب من المناطق العربية الكثيفة السكان، فأصبحت نسبة المستوطنين إلى العرب 29,6% في قطاع غزة وجبل الخليل. أما غور الأردن فقد حصل على 11% مع غوش عتصيون.

- مرحلة 1988م - 1990م:

استمرت الحكومة الائتلافية الوطنية الإسرائيلية في سياسة الاستيطان، فأقيمت في هذه الفترة خمس مستوطنات. وارتفع عدد المستوطنين إلى 81200 نسمة، وبلغت نسبتهم 2% من مجموع السكان في الضفة الغربية. وتوزع بناء المستوطنات في هذه الفترة إلى ما يلي: 3 مستوطنات في منطقة رام الله، وواحدة في جبل الخليل، وواحدة أيضا في غوش عتصيون.

- مرحلة 1990م-1992م:

اشتدت الحركة الاستيطانية في هذه الفترة بعد أن رأس الحكومة الإسرائيلية الليكودي إسحاق شامير الذي كان يجسد الفكر الصهيوني الاستيطاني، فقد أقيمت سبع مستوطنات. وارتفع عدد المستوطنين إلى 107 آلاف مستوطن، فصارت نسبتهم 5,3% من المجموع العام لسكان الضفة الغربية. وقد توزعت إقامة المستوطنات في جميع أرجاء الضفة الغربية ما عدا منطقتي رام الله وغور الأردن.

- مرحلة 1992م - 2000م:

استمرت الحكومات الإسرائيلية العمالية والليكودية في سياسة توسيع الاستيطان وفتح الشوارع الالتفافية وإصدار الأوامر العسكرية القاضية بوضع اليد على الأراضي الفلسطينية. واستمر التوسع الاستيطاني في مناطق محددة أكثر من مناطق أخرى، وذلك بغية تنفيذ الرؤية الإسرائيلية للمرحلة النهائية للحدود والمستوطنات.

واستناداً إلى تقارير (حركة السلام الآن)، فقد تزايد عدد المستوطنين منذ عام 1992م من 107 آلاف مستوطن إلى 145 ألف مستوطن في نهاية عهد حكومة العمل برئاسة بيريز. كما تم بناء أو استكمال بناء عشرة آلاف وحدة سكنية، وأقيمت ضمن مفهوم (القدس الكبرى) أربعة آلاف وحدة سكنية جديدة.

ولا زالت عمليات بناء المستوطنات مستمرة بوتيرة متسارعة إلى اليوم، وشهد هذا العام (2009م) زيادة ملحوظة في عمليات البناء والتوسع.

المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة (قبل الانسحاب الإسرائيلي في 2004م):

بناء على دراسات قام بها (معهد الأبحاث التطبيقية-أريج) من خلال صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة في منتصف شهر مايو من العام 2003م لقطاع غزة وتحليلها في وحدة نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد التابعة للمعهد, فقد تبين ما يلي:-

تبلغ المساحة الكلية لقطاع غزة 362,7 كيلومتر مربعا، كانت إسرائيل تسيطر على 116,5 كيلومتر مربّعا منها، أي ما نسبته 32,13% من مساحة قطاع غزة. وتشمل مناطق السيطرة الإسرائيلية عدة مساحات متداخلة بما فيها مساحة منطقة المستعمرات والتي تشمل المناطق الصفراء ومساحة المستعمرات. وكان عدد المستعمرات الإسرائيلية في قطاع غزة 26 مستعمرة ويقطنها حوالي 6429 مستعمر إسرائيلي وتبلغ مساحتها بحسب تحليل صور الأقمار الصناعية 27,74 كيلومتر مربعا أي ما يقارب 7,64% من مساحة قطاع غزة الكلية بينما كانت في العام 2001م تساوي 26,6 كيلومتر مربّعا. وكانت توجد معظم المستعمرات في الجزء الجنوبي الغربي والشمالي لقطاع غزة والمجاور لساحل البحر الأبيض المتوسط. كما كانت تبلغ مساحة المناطق المسماة بالمناطق الصفراء 15,8 كيلومتر مربعاً, المناطق الأمنية 58,03 كيلومتر مربعاً، المواقع العسكرية 2,42 كيلومتر مربعا، أما المناطق المجرفة لأغراض توسعية إسرائيلية فكانت تبلغ مساحتها 8,43 كيلومتر مربعا.

يبلغ عدد القرى والمدن الفلسطينية في قطاع غزة 42 ويقطنها أكثر من 1,3 مليون مواطن فلسطيني من ضمنها 8 مخيّمات للاجئين الفلسطينيين. وتبلغ الكثافة السكانية الفلسطينية بحسب مناطق السيطرة 5400 شخص/ كيلومتر مربع أي أكبر بمقدار 100 مرة بالمقارنة مع الكثافة السكانية الإسرائيلية في المناطق التي كانت تسيطر عليها إسرائيل في قطاع غزة حيث كانت تبلغ 55 شخص/ كيلومتر مربع.

لقد شهد قطاع غزة منذ العام 2001م توسعاً لا يستهان به في مساحة المستعمرات الإسرائيلية، ففي محافظة شمال غزة (جباليا) كانت المستعمرات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية تشكل ما مساحته 2736,5 دونماً في العام 2001م بينما اتسعت رقعة هذه المساحة لتصبح 3055,7 دونماً في العام 2003م أي بزيادة مقدارها 319,2 دونماً وبنسبة مئوية مقدارها 11,6%.

وكانت إسرائيل قد قامت بتوزيع المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة بنفس الإستراتيجية التي وزعت في الضفة الغربية، حيث تركزت مستوطناتها على الحدود المصرية الفلسطينية في الجنوب، وبالقرب من خط الهدنة في الشمال، كما تشرف مجموعة المستوطنات على شاطئ قطاع غزة في المنطقة الجنوبية والوسط، أما في الجانب الشرقي فقد نشرت مجموعة من المستوطنات داخل خط الهدنة، وذلك لضيق المسافة الواصلة بين شاطئ البحر وخط الهدنة، والكثافة السكانية الشديدة في قطاع غزة.

لقد جاء توزيع المستوطنات في قطاع غزة في ثلاثة محاور وهي:

* المحور الغربي:

وضم كتلتين رئيسيتين من المستوطنات، كتلة الشمال وكتلة الجنوب.

* المحور الأوسط:

وكان يضم مستوطنات (ايرز)، (كَفار داروم)، (موارج)

* المحور الشرقي:

وهو إلى الشرق من خط الهدنة أي خارج حدود قطاع غزة إلا أنه غير بعيد عن خط الحدود، وكان يضم مستوطنات (أشدود)، (نير عام)، (جبعات)، (نيزمنت)، (مفلسايم)، (كفار عزة)، (مساعد)، (نحال عوز)، (عين هاشلوشاه)، (نيريم)، (كيسوفيم)، (كيرم شالوم).

إن توزيع هذه المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، يمكن إسرائيل من السيطرة على شاطئ قطاع غزة عن طريق محور المستوطنات الغربي كما يمكنها من السيطرة على الطريق الرئيسي، طريق صلاح الدي(رقم 4) الذي يربط شمال قطاع غزة بجنوبه عن طريق مستوطنات المحور الأوسط (إيرز)، و(كفار داروم)، و(موراج)، والموقع العسكري بالقرب من مستوطنة (نتساريم). وباستخدام الطرق العرضية يمكن لإسرائيل أيضاً تجزئة قطاع غزة إلى أربعة أجزاء، محافظة غزة والشمال، دير البلح، وخانيونس، رفح.

Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق