Facebook

النشاط الرقمي Digital Activism

http://voicetothevoiceless.com/DigitalActivismPoster.jpg

عرف النشاط الرقمي (Digital Activism) على انه الحراك السياسي والحقوقي والاجتماعي الذي يستخدم شبكة الإنترنت ووسائل الاعلام الحديث وخدماته المتوافرة غالباً بصورة مجانية وسهلة الاستعمال من قبل النشطاء الحاليين والمستقبليين. وهذه الوسائل هي المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي والتويتر بالاضافة الى قوائم العناوين الالكترونية وارقام الموبايلات المستهدفة بالدعوات للنشاطات ولتوقيع العرائض ونشر القضايا التي تهم الجهة الناشطة.

وهذه الوسائل مجتمعة تساعد على جلب المناصرين والحصول على دعمهم للقضايا المطروحة اصافة لمشاركتهم في تعريف الرأي العام الاوسع بهذه القضايا وتسويقها لديه. وصولاً الى تشكيل جماعات افتراضية لخدمة هذه القضايا والضغط على صناع القرار والتأثير في السياسات الحكومية أو في الانتخابات والإستفتاءات وبخاصة منها المتعلقة بالقضايا المستهدفة من قبل الناشطين الرقميين.

خطورة توظيفات النشاط الرقمي

غالبية الجمهور الأعم تقع ضحية شذوذ المثلث المكون من الاضلاع الثلاث: الاحصاء والمعلوماتية والسلطة. ولتبسيط وضعية الضحية هذه لناخذ المثال التالي:

شاب سليم الصحة والحواس وردود الفعل يقود سيارته الكاملة التجهيز في ظروف جوية مناسبة، وفي طريق مستقيم، بسرعة 100 كلم في الساعة متخطيا الحدود القانونية للسرعة. في حين يقود شخص عجوز مضطرب الحواس وردود الفعل سيارته ناقصة التجهيز في ظروف جوية سيئة بسرعة 80 كلم في الساعة وهي السرعة المصرح بها.

الاحصاءات تصنف الأول مخالفاً وخطراً على نفسه والآخرين وتصنف الثاني في إطار العاديين غير الخطرين. وبناء على هذه الاحصاءات تحدد السلطة قوانين السير. بـينما الواقع هو العكس. ففي مثالنا لا يشكل الشاب أي خطر في حين ان العجوز هو الخطر بعينه.

هذا مجرد مثال بسيط على خطورة الانحرافات الاحصائية وامكانية دفعها باصحاب القرار لاتخاذ التدابـير الخاطئة. وصحيح ان اصحاب القرار لا يتعاملون مع الاحصاءات ومع المعلوماتية عامة بصورة مباشرة، لكن مستشاريهم يفعلون ذلك. وهم بالتالي يقدمون لأصحاب القرار استشارات مفخخة باحتمالات الانحراف الاحصائي.

واليوم إذ تتصدر المعلوماتية واجهة الاهتمام العالمي مع قدوم عصر المعلومات فانه من الضروري ان تناقش شذوذ المثلث ذي الاضلاع الثلاثة: الاحصاء والمعلوماتية والسلطة.

الرياضيات ومثلث الشواذ: الرياضيات هي الأم الشرعية لأطراف المثلث جميعها وهي تتمتع بتأثير وبهيمنة تعود إلى العصور القديمة. فها هو فيتاغورس واتباعه يؤكدون أن كل شيء هو رقم. وعندما طلب أحدهم من اوريتوس ان يـبرهن له ان الانسان هو «رقم» طلب اوريتوس منه ان يتمدد وبدأ يضع الحص حول محيط جسده فأتسع له 666 حصاة فقال له ان رقمك هو «666» وبذلك قدم اوريتوس مقدمة لأمثلته تحويل الانسان إلى رقم.

ان الطابع التجريدي للموديلات الرياضية جعل الناس يحاولون تنظيم أفكارهم هم عن طريق ربطها بأخذ هذه الموديلات وتعديلها على هذا الاساس. ففي أي حوار عادي نجد ان الرأي الراجح هو ذلك الذي يستطيع صاحبه أن يربطه بموديل رياضي. ولقد تحولت الاحصاءات اليوم إلى موديلات رياضية جاهزة وواسعة الانتشار بفضل ثورة الاتصالات. الا ان أخطر ما في هذه الموديلات هو جهوزيتها بأشكال وبنتائج متناقضة بحيث بات غير المتخصص مضطرا للخضوع والاقتناع بالمنطق ذاته وبشذوذاته ونقائضه. ولعل أبسط الأمثلة على هذا الشذوذ وهو تجارب استفتاءات الرأي.

ففي موضوع معين يظهر الاحصاء ان 97% من الجمهور يعارض هذا الموضوع لكن احصاء أن 97÷ من الجمهور يعارض هذا الموضوع لكن احصاء آخر يعمد إلى تقسيم العينات إلى اربع مجموعات تضم الأولى الرافضين (97 شخصا) وتضم كلا من المجموعات الباقية شخصا واحدا. وتأتي النتيجة ان 75% يؤيدون الموضوع. ولنتخيل مدى خطورة هذا الاقلاب اذا ما قبله اصحاب القرار واعتمدوه. ولنتصور معا مدى ارتباك الفرد العادي أمام هذه النتائج المتناقضة، خصوصا بعد ان تعلم بوجود احتمالات كبـيرة للغش في انتفاء العينة وهكذا دواليك.

السلطة والرياضيات: في البدء كانت السياسة حوارا. إذ كانوا يجتمعون ويتحدثون ويقتنعون أو لا يقتنعون. كان الاقتناع واجباً وكان مهمة عسيرة لسياسي تلك الأيام. وعندما دخلت عملية التعداد )الشكل البدائي للاحصاء( الى السياسة دخلت معها عمليات الغش واحتمالاته. وتنامت هذه الأخيرة مع تحول التعداد إلى احصاء وهي تضخمت عندما تحول الاحصا إلى بحوث تستند إلى المعلوماتية. ففي البداية كان الرياضيون يقترحون الموديلات الرياضية ) ويضمنوها على سبـيل التسلية بعض المزاح والافخاخ ( ثم يأتي الفيلسوف ليحولها إلى آراء سياسية. هكذا فعل الفيلسوف روسو مثلا. الذي قيل عنه ان يتكلم كفيلسوف ويفكر كرياضي.

وتجدر الاشارة إلى ان هيمنة الرياضيات تمتد إلى سائر الميادين الانسانية ولا تقف عند حدود السياسية منها. فعندما سئل داروين عن المصدر الفكري لنظريته قال انه استوحاها من المالتوسية القائمة على خطين بيانيـين يقيس الاول النمو والثاني التكاثر السكاني مما يجعل من الاوبئة والحروب ضرورات لتجنب المجاعات. وهنا يقول داروين بانه استنتج من هذا الموديل الرياضي )منحنيات بـيانية( ان التنافس على البقاء هو الذي يمتص الزيادات السكانية. واستطاع داروين بذلك ان يدعم فرضيته بان الانسان هو سليل القرود. واستسلم معاصروه لهذا الدعم الرياضي للفرضية ) بناء على نمط التفكير العلمي السائد في حينه (. لكن أحدا لم يناقش داروين بأنه يطرح المشكلة من الخارج في حين ان المشكلة الحقيقية هم من الداخل. اي كيف يتم الانتقال من حلقة الى اخرى في سلم داروين.

ان الانتصارات التي ما زالت الموديلات الرياضية تحققها لا تعود إلى حقيقتها وواقعيتها بقدر ما تعود إلى فاعليتها. فانتفاء الموديل الرياضي من شأنه أن يوصلنا إلى النتائج التي نحددها سلفا. وهذا التحديد المسبق يتحول تدريجيا إلى سرطان مميت مع تقدم الاتصال والمعلوماتية. من اين يأتي هذا الخطر؟.

الجواب هو ان السياسة في عالم اليوم تقوم على المتوسطات (وهي ارقام) وعلى تخطي الخصوصيات (وهي واقع). وبمعنى آخر فان هنالك عملية تحويل للفرد إلى متوسط (أي ايجاد ذلك الجسم الاسطوري الذي يشبه كل الأجسام. لكنه لا يشبه احداً). وهكذا تجري عمليات التخطيط السياسي بناء على ارقام متوسطات الدخل والتعليم ومياه الشرب. ومعدل الاعمار ومتوسط وفيات الاطفال… الخ. ويأتي المشرعون ليضعوا القوانين استناداً إلى هذه المعطيات الاحصائية.

ولكن أين الخطأ في ذلك؟. انه ليس خطأ بل هو دعابة قاتلة تنعكس في جملة اخطاء. اولها ان هذه التخطيطات تستبعد (س) و(ي) من الاشخاص (بسبب بعدهم عن المتوسط صعودا أو نزولاً) وتحولهم إلى هامشيين وإلى غير اسوياء (حتى مجانين أو مجرمين لو اردت) وهذا يشكل مخالفة خطرة للمنطق، اذ تم استخدام هؤلاء الاشخاص في قياس كل المتوسطات فهل يجوز بعد ذلك استبعادهم أو تجاهلهم؟.

الوجه الأخطر في القضية هو العولمة (ومعها النظام العالمي). فالتشريع لم يعد يؤذي (س) و(ي) من الاشخاص بل هو بات مؤذيا لــ: (س) و(ي) من الدول ومن الشعوب. ويمعنى آخر فان الشذوذ واللامنطقية يتحولان إلى ظواهرعالمية.

شذوذ المعلوماتية: نحتاج إلى مثال بسيط ومقنع تماشيا مع مبدأ تحمل مشقة الاقناع بالحوار وعدم استسهال اللجوء إلى الموديلات الرياضية. ومثالنا يتلخص بتقارير التنمية البشرية الهادفة إلى تصنيف الدول والشعوب (حيث التصنيف يكون عادة خطوة على طريق استخلاص المتوسطات) وقد اعتمدت هذه الدراسة العالمية. في تصنيفها لشعوب العالم. على المتغييرات الآتية: 1 ـ متوسط الاعمار و2 ـ مستوى التغذية و3ـ توافر مياه الشرب و4 ـ توافر لقاحات الاطفال و5 ـ مستوى الاقبال على التعليم و6 ـ متوسط الدخل و7 ـ معدل التضخم المالي و6 ـ تسخير اقنية الاتصال و9 ـ مستوى الحرية السياسية و10 ـ الحقوق المدنية.

في الواقع ان هذه الدراسة تعتمد على مبدأ الغش الذي أشرنا اليه في مثال الاستفتاء. حيث العوامل العشرة للدراسة تكون ايجابـية في الدول الغنية وسلبـية في الدول الفقيرة. وحيث السعادة والتقدم والرقي والحريات موضوعات تريد الدراسة حصرها بالدول الغنية. لذلك فان هذه الدراسة الاحصائية تهمل عشرات العوامل لكي تثبت نتائج موضوعة لها سلفا. وللوصول الى هذه النتيجة تهمل الدراسة عوامل مثل الانتحار وادمان الكحول والمخدرات والهروب إلى الجنس وشذوذاته كلها عوامل تشير إلى البؤس. لكنه البؤس المنتشر في الدول الغنية والذي تريد الدراسة تجاهله.

وهذه الدراسة هي نموذج للاهداف الجيو اقتصادية الاميركية التي تريد ان يحصل 3% من سكان العالم على 75% من ثرواته وان يتنازع 97% من هؤلاء السكان على الباقي منها. حيث تدفع الدول الفقيرة لتوظيف خاطيء لمواردها الاقتصادية الضئيلة بدل توظيفها في خطط تنموية تلائم ظروفها.

فـوضى المعلوماتية والنشاطات الرقمية

بداية هذه الفوضى تنطلق من السلطة الافتراضية التي تعطيها المعلوماتية. وأدنى مراتب هذه السلطة ملكية قوائم تصنيفية للعناوين الالكترونية وارقام الموبايلات بما يتيح ايصال الرواية الى الفئات المعنية بها بدل ارسالها بصورة عشوائية تقلل من احتمالات نجاحها.

وفي خطوة اولى لاستغلال هذه السلطة الافتراضية يلجأ اصحابها لعرضها على المعلنين فتكون النتيجة إعتداء على خصوصية اصحاب الارقام والعناوين بما لا يعاقب عليه القانون. وتبدأ الاعلانات باقتحام الخصوصيات بشكل مزعج ومربك في آن معاً.

وهذا المثال على بساطته يكشف احد اخطر جوانب النشاط المعلوماتي وهو السرية التي تتيح للشخص اظهار عدوانية لا يعاقب عليها كخطوة على طريق تفجير غرائزيته بصورتها البدائية غير الخاضعة للقيود والمراجعات القيمية والاجتماعية والقانونية.

هذه الغرائزية تفتح الابواب عريضة امام السيكولوجيا حيث الرقمية تعني الغاء الذاتية بما يتيح للسيكولوجيا إحتكار تحديد الفئات المتضررة من شذوذ مثلث الاحصاء والمعلوماتية والسلطة. وكذلك تحيد سبل تعامل هذه الفئات لتلافي هذا الضرر وبالتالي تحديد الفئات الاكثر ميلاً للانخراط في النشاطات الرقمية. اضافة لقدرتها على تصنيف مدى سلمية او عدوانية هذه التحركات ومعها احتمالات استغلالها من قبل جهات اجنبية. وبخاصة الجهات المتقدمة رقمياً وصاحبة السيطرة على شركات الإنترنت العملاقة مثل غوغل وتويتر.

تصنيف الفئات المنخرطة في النشاط الرقمي

يتحدث عالم النفس الانثروبولوجي ليوبولد سوندي عما يسميه ب “التشابه بين القاتل والقتيل” وعليه فهو يعتبر ان المجرم والقديس هما من طبيعة واحدة. وعلى هذا الاساس يدعو سوندي للبحث عن المتطرفين في مكان واحد حيث التطرف هو الاصل وتظاهرات التطرف هي الفروع. مع لفت النظر الى تعاقب القديسين والمجرمين في العائلة الواحدة.

الترجمة العملية لهذه النظرية تعني البحث عن فئات التطرف الديني والسياسي والغرائزي في مجمل التحركات التي تشكل اخلالاً بالنظام. بدءاً من اطلاق الشائعات والمشاركة في ترويجها لغاية المشاركة الفعلية بتحركات تخل بالنظام بشكل صريح. وبينهما النشاطات الرقمية المرتبطة بهذه التحركات والمشجعة لها عبر الشبكة. سواء من خلال توزيع العرائض او من خلال المدونات المختصة بمشاط محدد من هذا النوع.

وهنا تبرز بشكل يدعو للتنبه والمتابعة النشاطات الرقمية المزيجة. والجامعة بين الديني والسياسي والغرائزي حتى لو كان هذا الجمع غير متطرف في ظاهره. وللاختصار نعطي مثال تمرير القاعدة لرسائلها الميدانية عبر مواقع جنسية.

انطلاقاً من هذه المعطيات يمكن الحديث عن تصنيف الفئات المنخرطة في النشاط الرقمي. لكن هذا التصنيف مرتبط بالعوامل الثقافية الخاصة بكل بلد على حدة والمتعلقة بتعريفات التطرف. فما يعتبر تطرفاً في بلد يعتبر طبيعياً في بلد آخر. ولنأخذ مثالاً تعريف الارهاب الذي كاد الغرب ان يعممه على كل المسلمين دون استثناء في فترة ما بعد حوادث 11 سبتمبر. وهو لا يزال يترك بصماته فيما يسمى بالاسلاموفوبيا.

وهكذا فان الخصوصية الثقافية والسياسية في بلد ما هي التي توجه تصنيف مستويات خطورة وسلمية النشاطات الرقمية في هذا البلد. لكن هذه الخصوصية لا تحول دون وضع الخطوط العريضة لهذا التصنيف استناداً الى التصنيفات العالمية لانحرافات الغرائز الاساسية. وهي الفئات التالية:

الفئات المعادية للمجتمع: وهو عداء يجعل هذه الفئات حاضرة في اي نشاط معاد للمجتمع على اخنلاف تظاهراته وممارساته. وهي اكثر الفئات عرضة للتحول الى فئات معارضة سياسياً للنظام.

الفئات المتطرفة عرقياً: وهي تدعو للنقاء العرقي ومنها مثالاً الميليشيات الاميركية البيضاء المعادية للحكومة الامسركسة والتي نفذت تفجير مكاتب الاف بي اي في اوكلاهوما العام 1996.

فئات الأقليات الدينية: وهي ميالة لمعاداة السائد في النظام والمجتمع ومنها مثالاً ظاهرة التجمعات الدينية المستحدثة في الغرب ونشاطات الاقليات الدينية والتقاءها فيما بينها لمواجهة الاكثرية الدينية المسيطرة. ولقاء الاقليات الدينية يمكنه اخفاء مفاجآت شديدة الخطورة على المجتمعات.

الفئات المتطرفة دينياً: وهي ميالة لتكفير النظام والمجتمع ومنها مثالاً الجماعات الجهادية الاسلامية والحركات اليهودية المتطرفة اضافة للتنظيمات السرية المسيحية المتطرفة. وهذا التطرف يجد له مكاناً في كافة الاديان المعروفة.

الفئات المنحرفة جنسياً: واكثرها عدوانية وقابلية للاختراق الخارجي فئات المثليين وفئات الهوس بالاطفال. بالاضافة لقائمة الانحرافات الاخرى.

الاختراقات المخابراتية للانشطة الرقمية

انطلاقاً من الهوية الاميركية لشركات الإنترنت العملاقة ،مثل غوغل وتويتر، تحولت فرضية استغلال المخابرات الاميركية للنشاطات السياسية الشعبية الى واقعة مبرهنة. حيث المعلومات التي توفرها المدونات والوسائط والتطبيقات والخدمات الانترنتية المتنوعة باتت تشكل قاعدة معلومات في خدمة صانعي القرار الاميركي. كما باتت تشكل بنك معلومات شديد الغنى والتنوع حول الأزمات الاكثر الحاحاً في مجتمع معين كما الفئات الجاهزة للتحرك لدعم او زعزعة استقرار ذلك المجتمع.

وهذه الواقعة المعلوماتية هي سبب خلاف الصين مع شركة غوغل الاميركية كما انها وراء ما عرف بأزمة البلاكبيري في الامارات ودول اخرى. كما ان هذه الواقعة هي سبب الحساسية العالمية تجاه السياسة التي عنونتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بـ«حرية الإنترنت»، ووضعتها في أعلى سلم أولويات السياسة الخارجية لإدارة الرئيس باراك أوباما خلال خطابها بداية هذه السنة، والتي لن تطبّق في فراغ. فهي ستُبنى أولاً على قاعدة السياسة الخارجية العامة والعريقة للولايات المتحدة، تطبق أهدافها وتعمل على حماية مصالحها الحيوية. ومن هنا المساعي التي تبذلها أميركا والحكومات الغربية عموماً كي تكون طرفاً فاعلاً، بل رئيسياً، في مجال الدفاع عن حرية مستخدمي الإنترنت.

ونظراً لمبالغة الدوائر السياسية بواشنطن باستخدام الإنترنت للوصول إلى المعلومة وإيصالها باتت الدول تنظر الى النشاط الرقمي والى تداولات شبكة الانترنت عموماً على انها تهديدات مباشرة لأمنها. خاصة مع إقتران المبالغة الاستخبارية الاميركية باساءة استخدام الانترنت مع تقديمها الدعم والتمويل للعديد من وجوه النشاط الرقمي في البلدان الاخرى. وبخاصة تلك الناشطة في مجال الحقوق والحريات والأقليات وغيرها من النشاطات السياسية الشعبية المسهلة لعمليات اختراق المجتمعات. وادراك الحكومات لواقعية وكثافة هذا التهديد المعلوماتي يشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل النشاط الرقمي في تلك البلدان دونما تفريق بين النشاطات الصحية الموضوعية وبين تلك المشبوهة. ولعل الاكثر تعرضاً للتهديد المحلي اولئك الناشطون الذين يقبلون دعم واشنطن وتمويلها.

وبهذا يتحول التدخل الاميركي الداعي للحرية في مجالات النشاط السياسي الشعبي على الشبكة وميدان حرية التعبير على الإنترنت، مضرّ بتلك الحرية وبمستقبل النشاط الاجتماعي الرقمي ذاته. حتى بات العديد من المدونين يعتقدون (من الصين إلى المغرب العربي، مروراً بإيران وروسيا) بأنّ مساعي التسييس الجامح للمدونات والنشاط التدويني ومحاولات الركوب على بعض نجاحاته لتحقيق أهداف جيوسياسية، هي «قبلة الموت» التي تهدد شرعيتهم في الميدان.

النشـاط الرقمي العربي والاهتمام الاميركي

بالنظر الى تشابك المصالح الاميركية والغربية في الدول العربية فان المؤسسات الحكومية الأميركية والمنظمات غير الحكومية التي تمولها وكذلك من مراكز البحوث والجامعات وشركات الإنترنت العملاقة، توجه عناية واهتماماً بالغين بالحراك السياسي العربي عبر الانترنت.

حيث تمكنت مراكز البحوث الاميركية من فهم وترجمة ورسم خرائط للمدونات العربية وموقعها على الإنترنت وذلك بمساعدة العديد من النشطاء والمدونين العرب والإيرانيين. وهي معلومات قدمت عناصر ثمينة مساعدة في تحليل محتوى المدونات العربية والإيرانية. ونتيجة هذا التعاون بين النشطاء والمدونين العرب والإيرانيين من جهة، ومراكز البحوث الجامعية الأميركية من جهة أخرى تمكن الباحثان جون كيلي وبروس ألتينك مديرا مبادرة «الإنترنت والديموقراطية» التابعة لمركز بيركمان للانترنت والمجتمع. من تصميم خريطتا المدونات الإيرانية والعربية.

هذا ويشير التحليل النوعي للدراسات الصادرة عن المبادرة وخريطة المدونات العربية والإيرانية والمصطلحات المستعملة فيها، الى التركيز الانتقائي المفرط لفهم واستكشاف الموقع الذي يحتله «المتطرفون» و«الإرهابيون» و«الإسلاميون» و«المحافظون» و«العلمانيون» في فضاء المدونات العربية والإيرانية.

رصد النشاط الرقمي العربي

اما لجهة الرصد الاميركي لمدونات الشرق الاوسط فتتولاها منظمات متخصصة منها منظمة «أصوات عالمية»، وهي أهم منظمة تُعنى بتتبع ما ينشر على المدونات العالمية وترجمة محتواها إلى أكثر من عشرين لغة. حيث يصرج مديرها التنفيذي إيفان سيغل لمشاركة منظمته في مؤتمر نظمه معهد السلام الأميركي في 8 يناير 2009، إلى جانب قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس وغيره من المسؤولين الأمنيين والعسكريين. وكان من بين مهمات المؤتمر، التعرف على دور وسائل الإعلام الاجتماعي والإلكتروني وكيف يمكن استغلال هذا الدور من أجل إيجاد «حلول غير عسكرية» للتحديات التي تواجهها السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط الكبير.

واكدت توصيات المؤتمر على ضرورة تنمية وصقل شبكات المدونين العرب والإيرانيين وعدم اهمال الصغيرة منها كونها تنمو بسرعة غير متوقعة. وبناء على هذه التوصيات أصدر مجلس الشيوخ الاميركي قانون «ضحايا الرقابة الإيرانية» ( Victims of Iranian Censorship Act) الذي خصص 20 مليون دولار لمساعدة النشطاء الإيرانيين على مكافحة وتجاوز الرقابة على الإنترنت وتدريبهم على تقنيات تبادل ونشر المعلومات على الشبكة.

علّق حينها روب فاريس وهو مدير الأبحاث في مركز بيركمان للانترنت والمجتمع «ها قد دخلتم جبهة الحرب الإلكترونية إلى جانب الأخيار». وهذا يبرز هيمنة مخيلة «الحرب الباردة» على عقول هؤلاء الباحثين والساسة، ومن ثم إسقاطها على حقل الحراك السياسي على الإنترنت الذي يراد منه أن يكون جبهة حرب جديدة تضاريسها إلكترونية ومعلوماتية موجّهة ضد الأنظمة التي لا تساير السياسات التوسعية الأميركية. وكذلك يفضح أيضاً مدى اختراق دوائر صنع القرار السياسي الأميركي وأجهزتها الاستخبارية والعسكرية لمراكز البحوث الأكاديمية وتوظيفها لنتاجها المعرفي خدمة لمصالح أميركا الحيوية في العالم.

مبادرات الدعم الاميركية للناشطين العرب

لعل مبادرة «المنشقون الإلكترونيون» cyberdissidents.org. المثال الاكثر دلالة على تحوبل الانترنت الى ميدان لحرب باردة جديدة. إذ يتم تسويق المبادرة على أنّها حليفة قوى الإصلاح والديموقراطية الناشطة على الشبكة العنكبوتية الشرق أوسطية. معربة عن اعتقادها أنّ للغرب واجباً أخلاقياً في الدفاع عن هؤلاء المعارضين الشجعان الذين هم أكبر حليف لنا». وقد وصفت السفيرة الأميركية السابقة لدى الاتحاد الأوروبي، كريستين سيلفربيرغ هذه المبادرة بأنّها «المنظمة الرائدة في العالم المكرسة أساساً للدفاع عن المعارضين الديموقراطيين المستخدمين للإنترنت.

وعلى الرغم من الضجيج والتغطية الإعلامية التي حظيت بها هذه المبادرة ولا سيما في واشنطن فقد التزم الجميع الصمت حيال من يقف وراءها. فالمبادرة هي من صنع ساسة إسرائيليين وصهاينة وأميركيين لهم خبرة عريقة في مجال مكافحة الإرهاب ولهم صلة وثيقة بالأجهزة الأمنية والاستخبارية في كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهم إلى الآن أعضاء في مجلس إدارتها.

بل ان المشروع ذاته هو مبادرة من مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات التابعة لمعهد أسّسه المحافظون الجدد في واشنطن بعد يومين فقط من هجمات 11 أيلول 2001. و من بين أعضاء إدارة مبادرة «المنشقون الإلكترونيون» التي تستهدف «الدفاع» عن المدونين العرب والإيرانيين نجد ناتان شارانسكي الذي شغل عدّة مناصب وزارية في حكومات الليكود الإسرائيلية. أما مدير مبادرة CyberDissidents.org فهو ديفيد كييس المساعد السابق لسفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة والذي تقلد مناصب رفيعة في شعبة الاستراتيجيا التابعة للجيش الاسرائيلي.


د محمد احمد النابلسي

رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية

Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق