
فهل يستطيع مبارك أن يبقى حتى سبتمبر؟
الأمر غير مرجح، ذلك أن الدعوة التي توحد حولها جميع المصريين وإصرارهم على عدم العودة إلى بيوتهم قبل تحقيق أهدافهم، ونزول ما يقارب المليون مصري أو أكثر إلى الشارع بعد أن تحدث مبارك مرددين "مش هانمشي هو يمشي"، كل ذلك يعدّ إقبالا مذهلا بعدما لم تكن تجذب المظاهرات المناهضة للحكومة أكثر من بضعة مئات قبل اندلاع هذه الاحتجاجات في 25 يناير/ كانون الثاني. ولم يبد المحتجون أي مظهر من مظاهر الاستسلام حتى بعد حصولهم في أسبوع على تنازلات أكبر من تلك التي كان مبارك على استعداد لتقديمها على مدى 30 عاما. وتصيب أعداد المحتجين الدولة بشلل، وتجعل من الصعب الدفاع عن موقف مبارك. ولكن أحد العناصر الجديدة التي تضيف إلى الفوضى كان الظهور المفاجئ بعد ساعات من كلمة مبارك لمظاهرات صغيرة مؤيدة له سارع التلفزيون المصري للتركيز عليها، ما يشير إلى أن الموالين المتشددين غير مستعدين للتنازل بسهولة ومن المحتمل أنهم غير مستعدين للتنازل بدون قتال. من هنا، فإن طريقة الجيش في التعامل مع هذا الواقع سيكون حاسما.
الجيش تعهد بأنه لن يستعمل القوة ضد المتظاهرين وقال إنه يعترف "بمطالبهم المشروعة". لذلك، فإن أمام الجيش اختيارات محدودة لأن الشرطة بأساليبها الفظة فقدت السيطرة على الحشود. فإما عليه أن يتخلى عن الرئيس وهو من أفراد الجيش، أو أن يبدد شعبيته لدى الشارع، وهو ما لا يريده في الوقت الراهن، إذ يرغب على ما يبدو في إبقاء الشارع في صفه.
ماذا سيحدث إذا أجبر مبارك على التنحي؟ سيناريوهات محتملان: الأول، هو أن يتسلم الجيش المسؤولية إما من خلال تنصيب عمر سليمان الذي عينه مبارك نائبا للرئيس في الأيام القليلة الماضية، أو عبر تعيين قائد آخر إذا ثبت أن سليمان غير مقبول. أما الفرضية الثانية، فهي تشكيل حكومة انتقالية قد تضم تعاونا وثيقا مع الجيش في البداية، إلى أن يتم ترتيب الانتخابات أو أن تتولى حكومة مدنية السلطة.
أما السؤال الأهم الذي يطرح اليوم، فهو في إمكانية احتفاظ الجيش للسلطة. وهنا، يصر معظم المتظاهرون على أن سليمان الذي تم تعيينه على عجل نائبا للرئيس بمجرد أن خرجت الاحتجاجات عن السيطرة أو أي شخص آخر مقرب من مبارك لن يكون مقبولا، وهو ما تظهره هتافات المحتجين "حسني مبارك. عمر سليمان. كله عميل الأمريكان".
في المقابل، لا يبدو المشهد لدى جماعات المعارضة التي كانت تصطف تدريجيا وهي تشم رائحة النصر واضحا بعد. وعلى الرغم من أنهم لن يقبلوا ببقاء سليمان رئيسا، فإن البعض يدرج اسمه ضمن أولئك الذين قد يشكلون مجلسا للأوصياء في فترة تحول أولية يتم العمل فيها على إعداد لانتخابات حرة.
لذلك، قد يعمل الجيش على ترشيح شخصية عسكرية أخرى للرئاسة، إذ كثيرا ما يبرز بشكل مفاجئ اسم سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري. ولكن تلك قد تكون حيلة صعبة التحقق إذا كان الجيش المصري يريد أن يكون في صف الولايات المتحدة، ويستمر في الحصول على مساعدات عسكرية أميركية قدرها 1.3 مليار دولار. ووفقا لأحد السيناريوهات فإن مصر قد تحذو حذو السودان في عام 1985 عندما أدى الاضطراب العام إلى حدوث انقلاب وتسلم زعيم عسكري لقيادة السودان مؤقتا حتى إجراء الانتخابات في العام التالي.
وفي حال لم يتسلم الجيش السلطة، لا تبدو الأمور واضحة بعد، إذ أن المعارضة لطالما جرى تفتيتها وإجبارها على القبول بتسويات مذلة في عهد مبارك. ومن بين الأفراد ذوي التأثير الذين ظهروا بسرعة هم المعارض محمد البرادعي أو المفكر المصري أحمد زويل، وكلاهما حائز على جائزة نوبل. غير أن أساسهما السياسي المشترك قد لا يتجاوز كثيرا هدفهما المشترك الخاص بالإطاحة بمبارك، إذ من المرجح أن ينقسمان عندما يتعلق الأمر بتفاصيل صياغة سياسة الحكومة. أما المجموعة الوحيدة التي لديها شبكة قومية منسقة تمتد إلى التنظيمات القاعدية للمجتمع المصري، فهي جماعة "الإخوان المسلمين". ويقدر المحللون أن نسبة التأييد الذي تتمتع به الجماعة في صفوف المصريين بين 20 في المئة و40 في المئة. وفي الواقع فإن أحدا لا يعلم صحة هذه التقديرات لأنه لا توجد انتخابات حرة أو استطلاعات للرأي يمكن التعويل عليها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق