النيـوليبيـراليـة Neo Liberalism
ليست النيوليبرالية بديلا للفكر الليبرالي بل هي تطوير له على النحو الذي يخدم مصالح فريق من الراسماليين على الصعيد العالمي. فانطلاقاً من الدور المتعاظم للدول في بناء الاقتصادات القومية (وفق الفكر الليبرالي الكلاسيكي الذي يحث على ضبط الدول للاقتصاد للتحكم في التضخم والأزمات المالية التي تعصف في كل حين بالاقتصاد الرأسمالي) تتحدث النيوليبرالية عن دور جديد لاقتصاد السوق يهدف إلى تدمير دور المؤسسات السياسية في تدبير الشؤون الاقتصادية مع المناداة بالتحكم المطلق في الاقتصاد العالمي كما القومي من طرف الشركات المتعددة الجنسيات. وبهذا تشكل النيوليبرالية بنية كاملة من الاعتقادات المرتكزة على رؤية يمينية غير محافظة وعلى أفكار الحرية الفردية والديمقراطية السياسية، والأسواق الحرة ذاتية التنظيم والمقاولة التجارية. وقد شارك في ارصان مباديء النيوليبرالية كل من المدارس والتيارات الفكرية التالية:
- المدرسة النمساوية للاقتصاد في فيينا مطلع القرن العشرين.
- المدرسة اللندنية للاقتصاد في ثلاثينيات القرن العشرين.
- معهد العلاقات الاقتصادية ـ لندن.
- مركز الدراسات السياسية ـ لندن.
- معهد آدم سميث ـ لندن.
- مدرسة والتربرثان وفرانز بوهم الاقتصادية في فريبورغ.
- معهد هوفر بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا.
على أن العاصمة الفكرية لليبرالية الجديدة هي بدون شك مدرسة شيكاغو للاقتصاد السياسي. والتي أسسها فرانك، هـ، نايت الناقد المعروف لليبرالية القرن العشرين. وبخاصة معارضته لـ “سياسة التوزيع الجديد” بصفته متحمساً لمبدأ الفرد الخلاق المبادر والحر.
أما الزعيم الروحي لليبرالية الجديدة فهو فريديريك فون هايك صاحب كتاب “الطريق إلى العبودية”2 (1956). وهو تدرب في المدرسة النمساوية للاقتصاد، وأصبح أستاذا في مدرسة لندن للاقتصاد (1931-1950) ثم شيكاغو (1950 – 1961) وأخيرا في مدرسة فريبورغ (ألمانيا الغربية حتى وفاته). وهو أيضا مستشار جمعية Mont Pèlerin Society التي تأسست عام 1941 في فندق بسويسرا والتي يلتقي فيها كبار منظري النيوليبرالية”، وتستند فلسفة فون هايك الى فرضيتين:
الفرضية الأولى: ان نمو الحضارة يأتي من حرية أعضائها الافراد في السعي والكفاح من أجل تحقيق أهدافهم في سياق حماية حقوق الملكية الخاصة. فالمؤسسات الاجتماعية وبالدرجة الأولى السوق.
الفرضية الثانية: على الحكومات أن تكون ديمقراطية مع حدود ثابتة لمجال تدخلها وسلطاتها الاكراهية. ويمكن للضرائب الاقتصادية المخططة أن تعالج بعض التعقيدات المحدودة فقط أما التخطيط الاقتصادي الجماعي فيقود إلى نظام استبدادي شمولي.
وتتحدد النيوليبرالية في اربعة أفكار أساسية هي:
1 – تحليل مالي للتضخم ،مطور من قبل فريدمان، يخلص إلى أن الأسواق توازن ذاتها في المدى الطويل، وأن تدخل الدولة ضار إن لم يكن مهلكا.
2 – نظرية التوقعات العقلانية التي ترى بأن الاستخدام العقلاني الأمثل لأدوات الانتاج يضعف دور الاستراتيجيات التدخلية التي تمارسها الحكومات، بحيث يحول تدخل الدولة مضيعة للوقت وهدرا للمال. بل أنه يشكل خطرا مباشرا… وبهذا تكون الحكومات سبب الركود والكساد.
3 – نظرية العرض التي تعتبر إحياء لقانون “سي say “3 (العرض يخلق الطلب) التي اقترحها أرثر لافير ومفادها أن تقليص الضرائب، ولا سيما على الاغنياء، يعوض نفسه من خلال زيادة الانتاج وما يتبع ذلك من عائدات ضريبية.
4 – نظرية الاختيار العام والتي بمقتضاها يصبح السياسيون مماثلين لقوى السوق، إذ يكسبون الاصوات بتقديم بضائع لناخبيهم.
وتتفق المبادئ الأربعة على أن التضخم الناشئ عن تدخل الدولة في الاقتصاد، يشكل سبب أزمة اجتماعية شاملة لا يمكن معالجتها بسياسات كينزية، بل بوسائل نيوليبرالية (اي باعتماد سياسة السوق).
هكذا يتم تمجيد نظرية السوق التي تستنكر بشدة تدخل الدولة في الاقتصاد بدعوى أن تخطيط السوق أكثر جدوى من تخطيط الدولة. وفي السياق يقول الرئيس ريغان: “إن ملايين الافراد الذين يصنعون قراراتهم في ارض السوق يقسمون الموارد دوما بصورة افضل من اية عملية تخطيط حكومية مركزية”.
اما عن أهداف النيوليبرالية ومؤسسيها فهي لا تتمثل بالقضاء على دور الدولة ما دام الرأسمال العالمي بحاجة إليها في الدفاع عن مصالحه. لكن الهاجس الأكبر للنيوليبرالية يبقى السعي توطيد سيطرتها على الاسواق العالمية بخلق شبكات تبادل تجاري حر ومناطق محررة من اية سيطرة دولاتية ومعفية من أية جبايات قومية ومحلية تستحوذ على جزء من أرباح الشركات. إنها تسعى إلى حرية الاستثمار المطلقة بدون اية قيود سياسية، فاقتصاد السوق سيصبح سيد الموقف “الآمر والناهي” وما على الدول إلا الاستجابة لمتطلبات الشركات المتعددة الجنسية، ولعل اتفاق AMI خير مثال على ذلك.
نقــاد النيـوليبيـراليـة
ينظر نقاد النيـوليبيـراليـة الى مآلاتها التي تمخضت عن أنظمة حكم عالمية تحولت الى مصدر للكوارث المحيقة بالانسانية. حيث تحول هذه الانظمة الى ما يشبه المؤسسة العالمية المتحكمة بالاقتصاد العالمي عبر فروعها الثلاث أو ما يسميه ريتشارد بيت Richard Peet بـ “الثالوث غير المقدس” وهـو: صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية. وتدعي هذه المؤسسة ان فروعها تقوم بالوظائف التالية: توفير الاستقرار عن طريق (صندوق النقد الدولي)، والتقويم الهيكلي بواسطة (البنك العالمي)، وأخيراً تحرير التجارة عبـر (منظمة التجارة العالمية).
حيث ينظر نقاد النيـوليبيـراليـة الى منظمة التجارة العالمية على انها الذراع التوسعي لهذا الكيان المؤسسي العالمي المتسلط. فهي منظمة لا ديمقراطية تستحوذ بشكل حثيث على صلاحيات وسلطات معولمة هائلة تجعلها ذات خطورة مستقبلية فائقة.
هذه الخطورة المتوقعة تفسر الرؤية المعارضة للعولمة الاقتصادية بنسختها المعتمدة. وتمتد معارضة نقاد النيـوليبيـراليـة للعولمة كي تشمل نقدهم للطريقة التي تكون بموجبها الاقتصاد العالمي القائم، مع الاعتراض على الطريقة التي ينظم ويدار بها حاليا. وبوجه خاص، السياسات التي مارستها المؤسسات الحاكمة وطبيعة الاقتصادات الناتجة عن ذلك وآثارها على الشعوب والثقافات والبيئات…”. ويؤكدون “أن كثيرا من الحركات الاجتماعية التي تبرز كمقاومة للعولمة، إنما تقاوم في الحقيقة نوعا من العولمة أفرزته أفكار وسياسات ومؤسسات نيوليبرالية”، هكذا تقف الحركات الاجتماعية ـ في وجه السياسات النيوليبرالية ـ كحركات مقاومة للعولمة تتوخى بناء بدائل عن النيوليبرالية.
وربما كان المضارب جورج سوروس احد اهم منتقدي النيوليبيرالية بل هو عملياً الاكثر صراحة في ممارسته لمعارضتها. لغاية تصريحه في مؤتمر صحفي أعقب انفجار الازمة المالية العالمية بضرورة ادخال تعديلات جذرية وآليات رقابية على المؤسسات المالية الدولية وأيضاً على بيوت الخبرة وتصنيف الشركات. والأهم انه استبق إقتراحات العودة للتغطية الذهبية للعملات بتوقعه قيام جهات وربما افراد باصدار عملات خاصة تتمتع بالتغطية الذهبية ما يكسبها التقدم على العملات التقليدية والدولار خاصة.
مقالة تعريفية متماسكة الى حد كبير، وشكراً على المعلومات المختصرة.
ردحذف