بقلم ـ موسى راغب
من جانب آخر .. هل المواقف القومية التي اتخذها بشار ضد الغزو الأمريكي للعراق ، واحتضانه للمقاومة الفلسطينية في الوقت الذي سُدَّت فيه كل الأبواب العربية امامها ، وكذلك رفضه السير في ركاب من هرولوا نحو إسرائيل وسعوا لمرضاة أمريكا ، ودعمه المطلق لحزب الله اللبناني .. هل هذه المواقف (التي كانت بلا شك على حساب جانب هام من التنمية في سوريا) .. زادت من حدة غضب هؤلاء الغاضبين ؟.
أم لهذه الأسباب مجتمعة .. يصر هؤلاء على محاولة تدمير هذا النظام وليس فقط الإساءة إليه؟!!!.
بداية ، من حق هؤلاء أن يعارضوا نظام بشار ، إذا كانت لديهم من الأسباب المنطقية ما يبرر غضبهم عليه ومعارضتهم له. لكن أن ينكروا على النظام مواقفه القومية التي لا يستطيع أي عربي أن ينكرها ، فهذا إنكار لمأثرةٍ ليس من العدل تجاهلها.
ليس من شك أن الإجابة على هذه التساؤلات ، تقتضي- في نظرنا- الفصل بين تقويم الدور الذي لعبته الظروف الداخلية في سوريا لنحو خمسة عقود خلت (منذ عام 1963)، وبين الدور الذي لعبته وما زالت تلعبه القوى الخارجية المعادية والعدوة للنظام السوري ، بسبب المواقف القومية التي التزم بها جميع من اعتلوا سدة الحكم في بلاد الشام.
بالنسبة للظروف الداخلية التي مرت بها سوريا، يمكن- إجرائيا- الفصل بين الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاش الشعب السوري في ظلها ، وبين حالة الحرب مع إسرائيل- التي ظلت طوال تلك الفترة وما زالت- تعيق تنفيذ برامج إنمائية وأصلاحية تغطي المجالات السابقة ، وتلبي طموحات الإنسان السوري في تحقيق مستوى معيشة أفضل.
هنا لا بد من الاعتراف بأنه لا يجوز أن نبرر القصور في تنفيذ بعض البرامج الإصلاحية الحيوية ، بحالة الحرب التي كانت وما زالت قائمة مع إسرائيل ، وأن يبقى شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة" عائقاً دون تحقيق الإصلاح المنشود، وسيفاً مسلطاً على رقاب العباد الذين يطالبون به .
من الناحية السياسية :
ليس من شك أن الوضع السياسي في سوريا هو المحور الرئيس بالنسبة لما يجري حاليا من تظاهرات احتجاجية ضد النظام. فلا خلاف على أن بقاء قانون الطوارئ لمدة تقارب الخمسة عقود (منذ 1963) ، قد أعاق وضع برامج إصلاح سياسية حيوية لا شك أن الشعب السوري جدير بها.
وبرغم ما قد يقوله أرباب النظام عن عدم صدقية هذا القول (بالمطلق)، غير أن كمَّاً كبيراً من الشواهد يدل على أن هذا القانون كان ومازال ستاراً حديدياً يحتمي به كل من ارتكب جرائم وانحرافات بحق الشعب السوري، وبخاصة من الناحيتين الأمنية والاقتصادية.
فمن الناحية الأمنية ، ليس من الصعب على المراقب ان يرصد القبضة الحديدية التي طالما استخدمها النظام السوري في عهد الراحل حافظ الأسد ، في كبت الحريات وتكميم الأفواه وإشاعة الخوف بين المواطنين ، والتي يبدو أنها استمرت في عهد خلفه بشار ، ولكن بنوعية مختلفة وبصورة أقل حدة.
الرئيس السوري بشار الاسد |
من الناحية الاقتصادية :
قد لا يكون الضرر الذي وقع في الأوضاع الاقتصادية ، يساوي ما أحدثه هذا القانون من أضرار فادحة في عملية تكييف الأجواء السياسية في سوريا ، والتي تتطلب مواكبة تلك الأجواء مع إرادة الشعب السوري في التغيير نحو الأفضل من ناحية ، ومع متطلبات حالة الحرب القائمة مع إسرائيل من ناحية أخرى .
فأقل ما يحتسب من إنجازات لنظام الرئيس الراحل حافظ الأسد ، بناء سد الفرات في ارض الجزيرة ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي- إن لم أكن مخطئاً- من محصول القمح الذي يعد عصب حاجة الشعوب من الغذاء . كما أن ديون سوريا الخارجية ، لم تصل في ذلك الوقت- ولا حتى في عهد خلفه بشار- إلى ذلك الحد الذي وصلت إليه ديون معظم الدول العربية ، الغنية منها والفقيرة على حد سواء.
ومع ذلك فإن من العدل القول ، بأن الحالة الاقتصادية التي مرت بها سوريا وما زالت تمر بها ً ، ليست بتلك التي يستحقها الشعب السوري الذي عُرف عنه أنه شعب مبدع ومثابر. ولا شك أن السبب في ذلك يعود إلى انتشار الفساد الذي يصعب القضاء عليه بالسرعة المطلوبة ، في ظل قانون الطوارئ الذي تحتمي به تلك النخبة الفاسدة ، إضافة لما يشيعه بقاء هذا القانون من أجواء الكبت والخوف لدى كل من يحاول الاعتراض عليه!!.
أما عن الحالة الاجتماعية :
فهي لا تنفصل عن الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة في سوريا. ودون الدخول في تفاصيل، فإن أقل ما يقال فيها ، أن حالة الاستقرار التي تبدو سائدة في البلاد ، ليست اكثر من حالة سكون اصطناعي فرضتها أجواء الخوف وكبت الحريات نتيجة سريان قانون الطوارئ (أو ما يقابله من أوضاع) ، كما هو سائد في كل البلدان العربية دون استثناء.
كذلك فإن حالة التواصل المبنية على الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم ، تكاد تكون معدومة. فالتفاعل (الأيجابي) بين الطرفين ، هو الأساس الضروري الذي يدفع المجتمع للتغيير نحو الأفضل .. وهذا ما يفتقر إليه النظام في سوريا وكل البلدان العربية. بل أكاد أجزم أن غياب هذا التفاعل ، هو الذي يُغَيِّب عنصر المشاركة لدى المواطنين في تسيير شئونهم .. وبذلك يكون هذا التغييب ، هو السبب الرئيس فيما تشهده البلدان العربية من ثورات على أنظمتها وحكامها .
وعودة للتساؤلات التي طرحناها في بداية هذا المقال ، وفي ضوء ما سبق : نجد أن الإجابة عليها هي- بالضرورة- أسيرة لحقائق ثلاثة لا مجال لإنكارها ، وهي :
مظاهرات مؤيدة للرئيس السورى |
2- الوعود التي قطعها النظام السوري بشأن إجراء إصلاحات جذرية في كل المجالات وبخاصة في الميدان السياسي ، لم يجر تنفيذها على النحو الذي يرضى عنه الشعب السوري بكل أطيافه . فوتيرة الإصلاح التي شهدتها سوريا خلال العشر سنوات الماضية (وهي فترة حكم بشار الأسد) ، لم تفلح- بالقدر المطلوب- في إقناع الشعب السوري بأن النظام جاد في تنفيذ وعوده.
3- تكميم الأفواه وكبت الحريات ، أوجد ضغوطاً نفسيه ووضعية كبيرة لدى أبناء الشعب السوري ، ما يهدد بوقوع انفجار على نطاق اوسع مما هو عليه الآن في الشارع السوري .. ما لم يتدارك النظام هذا الوضع ، ويعمل بسرعة ومثابرة على تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها ، سواء قبل وقوع الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد أو بعدها.
وعلى ذلك:
فإن غضب قطاعات لا يستهان بها من الشعب السوري على النظام القائم حاليا ، لا يمكن أن يُرَدُّ للطائفية التي يحاول بعض المغرضين الترويج لها ، باعتبارها السبب الرئيس فيما يعانية الشعب السوري من فساد وكبت للحريات ، وإنما يعود للبطء الشديد في تنفيذ عملية الإصلاح ذاتها . قد يكون صحيحاً أن الغالبية من أرباب هذا الفساد هم من المحسوبين على رأس النظام ، لكن هذا لا ينسحب- بالضرورة- على مجمل الطائفة التي ينتمي إليها .
في المقابل ، لا نعتقد بأن هناك من السوريين من يحاول تصفية حسابات مع الراحل حافظ الأسد ، ممثلاً في شخص ابنه الرئيس بشار أو دونه ، وذلك انطلاقاً من حقيقة أن الهدف الغائي الذي عادة ما تضعه الشعوب عندما تختلف مع حكامها أو تثور عليهم ، ينحصر في تحقيق التغيير نحو الأفضل ، وليس تصفية حسابات أكل الدهر عليها وشرب.
فالشعب السوري الذي حافظ- في كل العهود- على الثوابت القومية لأمته، وتحمل المآسي والآلام نتيجة الالتزام الأخلاقي والمادي نحو عروبته، لا يمكن أن يسعى- في ثورته على حكامه- لارتكاب حماقات من هذا القبيل .
وإذا كان هناك من سبب جوهري يفسر حالة الغضب وعدم الاستقرار التي يعيشها الشعب السوري في ظل النظام القائم ، فهو البطء الشديد في تنفيذ وعود الإصلاح التي وعد بها بشار شعبه عندما اعتلى سدة الحكم منذ أكثر من عشر سنوات. كما أن استمرار قانون الطوارئ يظل العامل الحاسم في إثارة غضب الشارع السوري ، الأمر الذ يمكن- على المدى القريب جداً- ان يسفر عن نتائج لا تحمد عقباها ، ما لم يقم النظام بإلغاء هذا القانون في أسرع وقت .
هنا لا بد أن نبين بوضوح ، أن خطاب بشار الأسد في البرلمان السوري ، لم يكن على مستوى الطموحات التي كان السوريون (وكذلك المستبشرون خيراً من أبناء هذه الأمة) ، من استمرار بشار على رأس النظام . فهذا الرجل ما زال يحظى بالاحترام والتقدير بسبب مواقفة من قضايا الأمة العربية وبخاصة القضية الفلسطينية، والتزامه بالمحافظة على الثوابت القومية للأمة العربية .
فهو الرئيس العربي الوحيد الذي تحدى أمريكا ، حين عارض غزوها للعراق وأعلن اصطفافه بجانب الشعب العراقي كما ذكرنا ، ما وضعه وسوريا في قائمة الأعداء لدى أمريكا. كما لا يضير من معاودة التأكيد على أن سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي فتح ذراعية للمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ، وتحمل الكثير من الأذى على يد إسرائيل وحلفائها الغربيين بسبب مواقفها العروبية الخالصة .
كذلك لا بد من تحذير الغاضبين من الشعب السوري على النظام ، بأن يكونوا على حذر شديد من الأعلام المعادي ، والذي لن يألوا جهداً في إشعال الفتنة بين أبناء الشعب السوري ، بهدف إجهاض الموقف القومي المشرف الذي تقفه سوريا من قضايا أمتها العربية ، وبخاصة القضية الفلسطينية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق