Facebook

الـرهانات الاقليمية والدولية في مصــر



http://www.salahsoltan.com/images/stories/egypt2011.jpg
كان من المستحيل تجاوز العواطف إزاء الثورة المصرية لان مصر هي القلب الذي يحتضن مشاعر الكرامة القومية وذاكرتها كما يحتضن نصف الشارع العربي ليتخذ موقع الموجه الاساسي لاتجاهات الشارع العربي وبوصلته الموجهة. لذلك لم تكن لدى هذا الشارع خيارات بديلة لخيار الاندفاع العاطفي لتأييد الحراك المصري. وكانت هذه الاجواء العربية الداعمة لثوار مصر مناسبة كي تستعيد العروبة ألقها وكي تستيقظ بالمناسبة ذكريات الزمن العربي الجميل.
العواطف لم تكن قابلة لاي تعقيل بوجود رئيس مثل حسني مبارك على رأس السلطة في مصر. الذي قاد مصر نحو الهامشية المطلقة فالغى دورها العربي والافريقي واخرجها من المعادلات الاقليمية وكاد يورطها في الجهود الامريكية لمكافحة الارهاب في دول عربية. بما يعنيه ذلك من تحويل الجنود المصريين الى مرتزقة على غرار بلاكووتر وعرض الجيش المصري كمقاتل لقاء أجر. هذا مع عقد علاقات صداقة وصلت لغاية التحالف مع اسرائيل بذريعة ان مصر قدمت اكثر من طاقتها في مواجهة اسرائيل وان الفقر المصري ناتج عن هذا النوع من التضحيات المصرية.
مبارك لم يطرح هذه المباديء على صعيد نظري بل هو تخطى ذلك الى الممارسة اذ بعث بضباط مصريين للمشاركة في تدريب ميليشيات لبنانية بتمويل خليجي تحضيراً لحرب اهلية لبنانية جديدة. وبعض هؤلاء الضباط إعتقل في لبنان ليطلق سراحه بعد ثبوت التهمة على مبارك. حيث تحولت مصر من المأوى العربي الى بؤرة نفجير الدول الممانعة. فقد تعهد مبارك العمليات القذرة مدفوعة الاجر. اذ اقحم الجمهور المصري في حرب كروية ضد الجزائر ليتبين لاحقاً انه قبض ثمن تلك الحرب وفق وثائق ويكيليكس. وليتضح ان صفقاته القذرة جمعت له ثروة قدرت بـ 70 مليار دولار فيما يعيش المصري العادي في ظل مبارك باقل كثيراً من مستويات الفقر المدقع.
بعد هذا الانجراف العاطفي جاءت النتائج كي تمنعنا من التفكير باستعادة الزمن الجميل وكي نكتفي بالخوف على مستقبل مصر والمصريين. بل كي نقف عاجزين مرة اخرى امام الـرهانات الاقليمية والدولية في مصــر. هذه الرهانات التي تتخذ من مصر انطلاقة للتعميم على العديد من الدول العربية. وبالتالي فان هذه الرهانات لا تقتصر على مصر لوحدها بل ربما على كامل الوطن العربي.

عـوامل الخطر المصرية
فيما قدم ثوار ميدان التحرير صوراً مثالية للوحدة الوطنية عبر ممارساتهم التي الغت صفة غير المتجانسة عن الجماعات المشاركة والحاضرة في الميدان. الا ان بدايات الثورة المضادة المبكرة وضعتنا امام صدامات أحيت كل الفتن المصرية دفعة واحدة. من القبطية الى النوبية الى الشيعية والصوفية والبهائية وصولاً الى الغلبة العددية التي اوصلت اكثرية لزجة في الانتخابات الحالية. وهي لزوجة تشبه مثيلتها في انتخابات ثورة الارز اللبنانية. رغم اننا إستشطنا غضباً لتشبيه ثورة مصر بثورة ارز قامت بدعم مبارك واشباهه ومموليه. وهو ما ايدنا فيه قائمة من السياسيين والمفكرين المصريين الذي اقشعرت ابدان بعضهم لهذا التشبيه.
من حيث التوصيف تحتفظ الثورة المصرية بخصوصيتها وتألقها سواء من حيث سلميتها او من حيث إفرازانتها وحتى حيثيات الشخصيات التي اوصلتهم الثورة الى الواجهة السياسية المصرية. فهؤلاء الواصلون وبغض النظر عن توزعهم وظروف وصولهم فانهم سياسيون عارفون واصحاب خبرة وكفاءة سياسية مدعومة بقواعد شعبية. وهي صفات مفتقدة لدى معظم الواصلين عبر كرنفال ثورة الارز برعاية السفير الامريكي فيلتمان.
أما من حيث التصنيف فان الانتخابات المصرية اوصلت تنظيمات اسلامية منافسة عبر قبولها القواعد الديمقراطية على عكس التنظيمات التي تكفر الدولة وترفض الوصول الى الحكم عن طريق الانتخابات. وحول هذا الرفض والقبول تقوم الرهانات الاقليمية والدولية في مصر ما بعد الثورة. وعلى صعيد متصل فان فوز الاسلاميين بهذه الصورة الكاسحة أحدث ضرراً في التركيبة المصرية إذ أدى الى إحباط الفئات المصرية الاخرى وإستنفارها خوفاً على مستقبل العيش المشترك في مصر. ما خلق اجواء شبيهة باجواء لبنان كمثل الشائعات حول استعداد المسيحيين للهجرة هرباً من سيطرة الاسلاميين وشائعات كثيرة مشابهة.
مما تقدم تتظهر عوامل الخطر في مصر على الصعد التالية:
1 – الصعيد الطائفي: الاقباط خصوصاً حيث يلعب اقباط المهجر دوراً مخرباً مطابقاً لدور اللوبي اللبناني الصهيوني مع التنسيق بين الطرفين وبينهما وبين مراكز امريكية موالية لاسرائيل بما يسيء اساءات بالغة للمواطن المسيحي الوطني.
2 – الصعيد المذهبي: حيث طرحت اشكاليات تتعلق بالشيعة وعلاقتهم بآل البيت في مصر كما طرحت اشكاليات تتعلق بالطائفة البهائية.
3 – الصراعات السنية: حيث تواجه الاخوان والسلفيون والصوفيون في الانتخابات وكانت منافستهم شرسة انتخابياً.
4 – الاحزاب العلمانية: التي خرجت متضررة بصورة بالغة من الانتخابات رغم تاريخها النضالي الطويل وقاعدتها الشعبية الواسعة ولكن غير المنظمة.
5 – الاحزاب اليمنية: وفي مقدمها حزب الوفد الذي يمثل الطبقة البورجوازية الوطنية التقليدية.
6 – حزب مبارك: ويمتاز اتباعه بمعرفة الخبايا والاسرار السياسية واحتكاره للسلطة على مدى عقود اضافة لملكية الثروات والشركات المؤثرة على توازن الاقتصاد المصري.
هكذا فان الانتخابات تلقي اعباءً صعبة على كاهل الاخوان المصريين كونهم عاجزون عن ارضاء هذا الطيف المصري الواسع الباقي خارج السلطة. عداك عن انعدام الثقة بين هذا الطيف وبين الاخوان ما يجعل فوزهم في الانتخابات انتصاراً صعباً يطرح الشكوك حول قدرتهم على تحقيق ادارة مقبولة ومتوازنة للبلد.


مـراكز القوى المصرية
بنية النظام المصري الباقية على حالها منذ ثورة يوليو ولغاية احداث تعديلات دستورية منتظرة. هذه البنية التي تفرز توزيعاً خاصاً لمفاتيح السلطة على اطراف خفية درجت تسميتها بـ “مراكز القوى” وهي مراكز أثبتت حضورها وتأثيرها في سلطة نظام مبارك خلال اهتزازه. وبرز فيها الجيش المصري كمعارض قوي لبعض سياسات مبارك وبخاصة العسكرية منها. حتى ذهب محللون لغاية اعتبار سقوط نظام مبارك نتيجة لانقلاب عسكري غير معلن.
مصر ما بعد الثورة لا تزال تحتفظ بالهيكلية المعروفة للنظام وبالتالي فهي تحمل في طياتها مراكز القوة في النظام السابق مضافاً اليها مراكز القوى الجديدة التي افرزتها الثورة. حيث يبرز تنظيم الاخوان المسلمين كواحد من اقوى هذه المراكز واكثرها فعالية بدليل نتائج الانتخابات التشريعية. لكن هذا الفوز الانتخابي لا يلغي مراكز القوى الثورية البديلة التي نزلت الى ميدان التحريري حاشدة مئات الآلاف في وجه تحرك رمزي اخواني. وعدم قدرة هذه المراكز على اثبات وجودها انتخابياً لا يعني بحال ضعف بنيتها أو شعبيتها. ولسنا بوارد تحليل عوامل الفوز الاخواني وبخاصة لجهة التنظيم الانتخابي المرتبط ببنية الحركة الاخوانية.
الأهم ان مصر ما بعد الثورة فضحت الاحلاف الخارجية المؤثرة في المشهد السياسي المصري. وهو تأثير حاسم لغاية نجاحه بالتحكم في نتائج الانتخابات. حيث أبرزت الانتخابات وجود حلفين رئيسيين مختلفين ولكن غير متضادين.
1 – الحلف السعودي الامريكي: وهو يهدف الى التقليل من سرعة التغييرات السياسية والاجتماعية المصرية عقب الثورة. مع العمل على اعادة الاعتبار بصورة او باخرى الى الرئيس المخلوع وحاشيته واخراجهم من حالة السجن بافضل الصور الممكنة. كما يسعى هذا الحلف وبمساعدة المجلس العسكري الى الابقاء على أذرع النظام السابق في الادارات المصرية. وهنا تجدر الاشارة الى ان هذا الحلف هو الذي اقترح تسليم القيادة في مصر للمجلس العسكري بذريعة تجنب الفوضى والفراغ.
2 – الحلف القطـري التركي: وهو داعم للاخوان المسلمين وكامن خلف فوزهم في الانتخابات. حيث اخوانية الحكومة التركية تقترن بمشاعر السيطرة القطرية على الحركة العالمية للاخوان المسلمين عبر استضافة مرشدها العام يوسف القرضاوي ومساعدتها لكبار رجال الاعمال والسياسييين المنتمين للحركة. ويختلف هذا الحلف عن سابقه في نقطة اساسية تتمثل في سعيه للانتقام من الرئيس مبارك بدل محاولة انقاذه.
في المقابل يرفض محللون مصريون هذا التصنيف باعتبارهم الحلفان وجهين لعملة واحدة تتمثل بعرب امريكا العاملين وفق توجيهاتها. وهذا الرفض ينطوي على التسليم بوقوع مصر مجدداً في الحضن الامريكي كما كانت ايام مبارك ولكن بطبعة جديدة هي طبعة الاخوان المسلمين. ما يعني ترقب ثورة مصرية جديدة يقول هؤلاء ان طلائعها بدأت في التظاهرات الاخيرة بميدان التحرير. كما يؤكدون ان عمادها هو اليسار المصري الجديد الجامع بين مختلف المكونات المتناقضة مع الاخوان المذكورة اعلاه.
الا ان هذا التحليل لا ينسحب بحال على الاطراف الداخلية المتعاونة مع الحلفين حيث تصاعدت المواجهة بين المجلس العسكري والاخوان حول المجلس الاستشاري (المعين من المجلس العيكري) وتضارب صلاحياته مع البرلمان (الاخواني وفق النتائج الاولية) حتى وصلت لحدود التحذير من تكرار السيناريو الجزائري في مصر. وكان الخلاف قد اندلع بين المركزين على خلفية تصريحات لأحد قادة الجيش قال فيها ان البرلمان المقبل غير ممثل للشعب، وتشكيل مجلس استشاري ينازع البرلمان صلاحية تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور التي كفلها إعلان دستوري أقر باستفتاء في آذار/مارس الماضي.”
وبناء على الاستفتاء “أعلن الجيش تشكيل مجلس استشاري من 30 عضواً، مؤكداً أن أولى مهامه ستكون وضع مشروع قانون لتشكيل جمعية تأسيسية تتولى إعداد الدستور الجديد، متجاهلاً انسحاب الإخوان من هذا المجلس الذي اعتبروه تهميشاً للبرلمان وانتقاصاً من صلاحياته وإعلانهم رفضهم قيام أي كيان غير منتخب بالتدخل في وضع الدستور.”وستبدأ اعمال المجلس الاستشاري بمناقشة مشروعي قانوني انتخاب رئيس الجمهورية والإجراءات الخاصة بتشكيل الجمعية التأسيسية لإعداد دستور جديد.”
وكان عضو المجلس العسكري اللواء مختار الملا قال خلال لقاء مع صحافيين غربيين، إن المجلس الاستشاري وحكومة كمال الجنزوري اللذين عينهما الجيش سيمنحان حق الاعتراض على تشكيل اللجنة التأسيسية التي يعلنها البرلمان، ما أثار مخاوف من صدام بين العسكر والإخوان على غرار التجربة الجزائرية في مطلع تسعينات القرن الماضي.

الأولــوية الاقتصادية
بغض النظر عن كل التوصيفات التي تضفى على الثورة المصرية ونتائجها وانتخاباتها فان الواقع الاقتصادي الكارثي يفرض نفسه على مصر. اذ ان مبارك حول الاقتصاد المصري الى اقتصاد معونات مشروطة سياسياً. مع الاعتماد على السياحة كمصدر دخل رئيسي لهذا الاقتصاد. وهكذا عاد وزير المالية المصري للتباحث مع البنك الدولي حول قرض خاص يمترتبات آثار الثورة على الاقتصاد المصري بعد ان رفضت مصر هذا القرض حين عرضه البنك الدولي طوعاً للمساعدة. وكان الرفض خشية مواجهة اتهامات الثوار وكانوا لا يزالون في الميدان.
هذه المفارقة تعكس الالتباس في المواقف الناشيء بين الجمهور وبين المسؤولين الجدد في مصر اياً كان اتجاههم السياسي او ميولهم الاصلاحية. حيث لا تزال البورصة المصرية تحاذي حافة الهاوية بحيث تتوازى احتمالات انهيارها مع احتمالات تخطيها للازمة. وهو ما يعيد للاقتصاد أغلبيته على السياسة منذراً بتكرار سياسات مبارك عبر الخضوع للقروض المشروطة التي اخضع لها مبارك.
عند هذا الحد تتزاحم الاسئلة المحرمة لتطرح نفسها بالحاح غير معهود في السياسة المصرية. وهذه الاسئلة رغم تنوع ميادينها تصب جميعها في خانة الرهانات المستقبلية في مصر والمنطقة العربية واهم تلك الاسئلة:
1 – الثـروة الاخـوانية: كان النظام المباركي يتهم الاخوان المسلمين بتلقي الدعم من تنظيم دولي للاخوان المسلمين يتحكم بثروات طائلة توازي في حجمها اقتصادات الدول. وها هم الاخوان امام الامتحان فهل لديهم بالفعل اموال يمكنهم توظيفها لاحتكار الاقتصاد المصري والنأي به عن شروط المعونات السابقة ايام مبارك؟.
2 – بدائل التمويل: اذا ما استثنينا التنظيم الدولي الاخواني فان الازمة الاقتصادية العالمية الراهنة تجعل بدائل التمويل متعذرة بما قد يجبر اي نظام جديد للعودة الى سلوك النظام السابق تحت ضغط المعونات المشروطة الموروثة عن مبارك.
3 – مفاجآت التمويل: يقول احد اكبر المستشارين الاقتصاديين للرئيس مبارك ان بدائل التمويل للمصادر المباركية متوافرة وبصورة عجائبية تتخطى المنتظر. مضيفاً ان مبارك لم يكن يجروء على اعتماد هذه البدائل بسبب اضطراره لمراعاة قطبي التمويل الاساسيين وذلك لضمان استمرارية حكمه والاهم لمساعدته في توريث الحكم لابنه جمال. ويتابع ان هذه البدائل التمويلية تقتضي قراراً سياسياً يرتبط بنوعية النظام الذي سوف يستلم الحكم. ومن هنا فانه من المبكر البحث في هذه البدائل ما لم يستقر نظام حكم راسخ في مصر ما بعد مبارك.
هكذا تبقى الرهانات الاقليمية والدولية في مصر متركزة حول العامل الاقتصادي تحت ضغط الحاجات التمويلية المصرية والاخطار المهددة للاقتصاد المصري. خاصة وان زمن المعجزات قد ولى وكذلك ودعنا زمن الجنون مع سقوط النظام الليبي حيث كان العقيد القذافي مرشحاً لخطوة غير متوقعة كعادته لدعم الاقتصاد المصري وتخليص مصر من هذه الضغوط… نتساءل هل كانت غرابة اطوار القذافي من اسباب اصرار الاطلسي على ازاحته وقتله؟!….

الأولــوية الأمنيـة
كشف استطلاع للرأي نشرت نتائجه الأحد 10/12/2011 أن الملف الاقتصادي يحتل المرتبة الأولي في اهتمامات المواطن المصري فيما يحل الملف الأمني في المرتبة الثانية.‏ وذكرت صحيفة الأهــرام المصرية التي أجرت الاستطلاع أن 45,8% من المواطنين يرون أن الوضع الاقتصادي أصبح أسوأ بكثير مما كان عليه قبل عام بينما يعتقد 41,4% من المستطلع آرائهم أن الوضع أصبح أسوأ فقط. وتراجعت نسبة المنزعجين من الأوضاع في مصر من 55,9% في نوفمبر إلى 42,7% في ديسمبر وظل الخوف من الفوضى أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث لمصر في نظر 72,8% في ديسمبر.
الملفت في هذا الاستطلاع هو تعاظم العامل الذاتي على صعيد الأمن الاجتماعي هذه الذاتية التي تكرسها صيغة “الخوف من الفوضى” بما يعكس تعمق الفوارق بين عوامل الامن الاجتماعي والامن القومي. هذه العوامل التي تتقارب الى حد التطابق في المجتمعات المستقرة فيما تتباعد مع تراجع الإستقرار. فالصيغة المشار اليها تعكس القلق على الامن الذاتي للمواطن المصري ومصيره في حال انتشار الفوضى.
ان ما وصفه الاستطلاع بعيارة تقدم الملف الاقتصادي على الملف الامني يعكس رؤى عينة من عوام المصريين بما لاينطبق مع واقع التحديات الامنية التي تواجهها مصر بعد الثورة. هذه التحديات التي لا يمكن لهذا السياق مجرد تعريفها ما يجعلنا نكتفي بمجرد تعدادها وفي الطليعة نذكر الامن على الحدود مع اسرائيل وعلاقته بتطورات الموقف السياسي للسلطة الجديدة. تليه في الاهمية مجموعة الاخطار الامنية الناجمة عن تغييرات التوازن الجيو سياسي في المحيط المصري الاقليمي (تقسيم السودان وتغيير النظام الليبي واحتمالات حرب اهلية في البلدين اضافة لاوضاع قطاع غزة ومتغيرات التوازنات في عموم شمال افريقيا وفي دول حوض النيل).
بالانتقال من الجيوسياسي الى المخابراتي فانه من الطبيعي ان تجذب مصر في حالتها الراهنة مختلف أجهزة المخابرات العربية والاقليمية كل بلد لحماية وتعزيز مصالحها في مصر وعبرها في المنطقة. ما يعني طبيعة تواجد مخابرات الدول الكبرى والدول الاقليمية المعنية في الداخل المصري مع التنسيق الاستخباري بين الدول الصديقة فيما بينها. وهي تدخلات تتصاعد خطورتها مع انشغال اجهزة المخابرات المصرية في الشأن الداخلي ومحاولة لملمة الاذرع المخابراتية للنظام السابق بالحدود الدنيا من الخسائر والفضائح. ما يجعل فعالية التجسس المصري المضاد في ادنى مستوياتها.
وبالانتقال من الصعيد المخابرات الى مستوى التواصل المخابراتي مع الداخل المصري حيث لم يعد خافياً عمل المخابرات الامريكية على استيعاب واقع ما بعد الثورة وتطويعه لصالحها مستخدمة لهذا الهدف كافة أذرعها الاستخبارية في الداخل المصري كما في المنطقة. حيث تبرز من هذه الاذرع تلك المشاركة في الثورة والداعمة لها والتي تكشفت عن تدخلات امريكية إستغلت اجواء النظام السابق المسايرة للسياسات الامريكية.
نكتفي بهذا القدر تجنباً للإنسياق في نفاصيل وتسميات لا تزال مثيرة للجدل وغير قابلة للتحول الى علنية الا بعد فوات الأوان.
بناء على ما تقدم فان الاولوية الامنية تشكل احد اهم الارباكات التي يواجهها المجلس العسكري الحالي والتي ستواجه الرئيس والحكومة القادمتين اي كانت التوجهات السياسية. والاحتمالات الامنية المصرية مفتوحة راهناً على قائمة من السيناريوهات المحتملة ومنها التالية: الانقلاب العسكري على يد عجائز الجيش المصري يقابله الانقلاب العسكري لصغار الضباط يليهما سيناريو الحكم الاسلامي بالاضافة الى باقي السيناريوهات واغلبها مؤدية للفوضى.

دور مصر الإقليمي
لا يمكن لأي حاكم او حكومة مصرية قادمة تجاهل حالة التراجع والانحدار الذي اصاب الدور الاقليمي المصري على يد حسني مبارك المتنازل طوعاً عن هذا الدور لاعتباره اياه مكلفاً يحمل مصر أعباءً لا مدعاة لها. وكان مسؤولون في سلطة مبارك يسوقون هذه الرؤية وفق اسلوب تبسيطي يقنع عامة الشعب بها. وبعيداً عن “الضرب في الميت” فان استرجاع مكامن خلل الدور المصري واجبة الاصلاح يفرض نفسه لرسم استراتيجية استعادة هذا الدور وتحديد أولويات هذه الاستراتيجية.
1 – أزمة المياه: بداية فان سلوك النظام السابق أدى لتهديد مصادر المياه عبر التراجع عن اتفاقية سابقة لتحديد حصة مصر من مياه النيل, حيث اشتكت دول منابع النيل من اسلوب التعامل الفوقي من قبل النظام المصري وردت عليها بتفاهم ادى الى تعديل اتفاقية تقاسم مياه النيل بما يصيب الزراعة المصرية بمقتل عداك عن باقي تبعات أزمة المياه.
2 – أزمات دول الجوار: وقف النظام المصري متجاهلاً أبسط قواعد الجيوبوليتيك مراقباً متغيرات فائقة الخطورة على تخومه الجغرافية. حيث ترك السودان لمواجهة قدره فتم تقسيمه تحت تهديد محاكمة رئيسه. وحيث التزمت مصر باتفاقية اغلاق المعابر الى قطاع غزة مشاركة في الحصار الاسرائيلي للقطاع لغاية اختناقه. اضافة الى عدم ودية العلاقات المصرية مع باقي دول الجوار. وتكلل فقدان المودة هذا بما عرف بـ “الحرب الكروية بين مصر والجزائر” حيث سخر الاعلام المصري للمشاركة في هذه الحرب التي خلفت احقاداً بين الشعبين المصري والجزائري. ومصر ما بعد مبارك تواجه واقع السودان المقسم ومستمر التهديد بحرب اهلية ونظام ليبي غير مستقر وقطاع غزة كخاصرة رخوة عرضة لتقلبات المزاج الاسرائيلي ودولة عباس. هذا بالاضافة الى استحالة متابعة سياسة الصداقة المباركية الاسرائيلية.
3 – الأزمات المصطنعة: والعديد منها كان بايحاءات خارجية مدفوعة الثمن وفق خطط مبارك الاقتصادية. ومنها الخوف المصري من ايران ودعوتها للتحالف مع اسرائيل في مواجهة الدولة الفارسية. وهي موضوعياً أزمة مصطنعة لا تحتاجها مصر ما بعد مبارك الوريثة لازمات اكثر جدية وتهديداً. ثم تأتي الازمة مع روسيا التي اقام معها مبارك علاقات استراتيجية تستوجب الدراسة والمراجعة على ضوء التوجهات السياسية الجديدة في مصر. ومع رغبتنا في عدم القاء التهم جزافاً لا يمكننا تجاهل سيرورة التزام مبارك تنفيذ اجندة سلسلة من الازمات لقاء منح سعودية. حيث ذكرت ويكليكس بوقوف السعودية خلف الازمة مع الجزائر ومع ايران. وبالنظر الى تغاضي السعودية عن تجاوزات الحجم القطري يمكن الظن بان الازمة المصرية مع قطر كانت بدورها ايحاء سعودياً. خاصة وان بداية الازمة ترافقت مع محاولة انقلاب نظمتها السعودية ضد امير قطر. وهي أزمة تحولت الى عداوة شخصية بين مبارك وحمد لغاية سعي الاخير للانتقام من مبارك واستغلال الثورة المصرية كوسيلة لهذا الانتقام. هذا بالاضافة للتورط المصري في الازمة اللبنانية واعلانه العداء لحزب الله اللبناني بما يتناغم الى حد التطابق مع المواقف السعودية. وعليه فقد ورثت مصر عن مبارك ازمات مع ايران وروسيا وقطر ولبنان والجزائر بالاضافة لمشاكله مع دول منابع النيل الافريقية.
4 – الأزمات العسكرية: حيث الدعوة المصرية المستجدة لمراجعة اتفاقية السلام مع اسرائيل وطمأنة المجلس العسكري لاسرائيل بالالتزام بها. وقبلها الازمة بين قيادات الجيش المصري والرئيس مبارك حول توسيع حقل عمليات الجيش المصري ليشارك في مكافحة الارهاب لقاء تعهد امريكي بتحديث الجيش المصري. وحول الازمة نقلت ويكيليكس برقية بعنوان “عجائز الجيش المصري يرفضون تحديثه”. وفي حينه سربت قيادات الجيش رفضها لتحويل الجيش المصري الى جيش مرتزق وفق ارادة مبارك. حيث يعتقد ان موقف الجيش المصري من احتجاجات ميدان التحرير كانت على خلفية هذه الازمة. ويذهب بعضهم الى القول بضلوع العسكر المصري بالثورة بسبب هذا الخلاف مع مبارك واعتبارها تالياً بمنزلة إنقلاب عسكري. يضاف الى ذلك تدخل الجيش المصري في الازمة اللبنانية عبر التزامه تدريب ميليشيات لبنانية وايفاده ضباط مخابرات للاشراف الميداني على هذه الميليشيات (تم ضبطهم واعتقالهم في فتدق ببيروت ثم اقفل الملف تلافياً لتفجره). وهو تدخل تزامن مع تورط مصري اعلامي رسمي في خلافات الداخل اللبناني. هذا ويختصر ضابط كبير متقاعد ورطات مبارك العسكرية بالقول: “لقد اعجبته لعبة ارسال جنود مصريين الى حرب تحرير الكويت فبات يبحث عن امكنة اخرى لممارسة هذه اللعبـة“. وفي السياق يذكر الضابط بتصريح مبارك حول استعداده لارسال مئة الف جندي مصري الى الخليج لمواجهة ايران. ويتابع الضابط ان هذا الامر تجاوز مجرد التصريح الى ما هو ابعد من ذلك بكثير مما لم يحن بعد اوان فضحه.
5 – الأحقاد الشخصية: كثيرا ما تخطى مبارك وضعه كرئيس اكبر دولة عربية الى سجال وسب علني احياناً على طريقة زجالي السياسة في لبنان. وبذلك راكم قائمة من الاحقاد الشخصية المتبادلة اضيف اليها لاحقاً معارضي توريث ابنه جمال للحكم سواء في الداخل او في الخارج. ومن قائمة الاحقاد الشخصية التي تتحمل مصر ما بعد مبارك تصفيتها تأتي اسماء حكام قطر في الدرجة الاولى تليهم اسماء رؤساء دول الجزائر وسوريا والاردن وتركيا وبعض امراء آل سعود وبخاصة الأمير تركي بن عبد العزيز. وفي لبنان يتصدر امين حزب الله القائمة وتليه شخصيات قوى 8 آذار في لبنان التي نالها الكثير من شتائم مبارك واتهاماته مع استقباله لمجرم الحرب الاهلية اللبنانية سمير جعجع نيابة عن آخرين باتوا يستقبلونه علانية اليوم.

القضايا الوطنية المصرية
برزت ثروة مبارك وثروات فريقه كاولى بوادر الفضائح المباركية قبل التنحي. وموضوع استرداد ثروات الفساد منظور حالياً في القضاء المصري, ثم جاءت تفجيرات خطوط الغاز لاسرائيل كي يطرح موضوع مراجعة اتفاقية الغاز مع اسرائيل ومعها الدعوة لالغاء كامب دايفيد او مراجعتها على ضوء التجاوزات الاسرائيلية على اقل تقدير. وهي بدورها قضايا منظورة ومتابعة من قبل السلطات المصرية الحالية. لكن هذه القضايا لا تمثل سوى قمة جبل الجليد حيث تطرح قائمة من القضايا الوطنية المصرية التي لا يمكن لاي حاكم او حكومة مصرية ادعاء وطنية تمثيلها للشعب المصري ان هي تجاهلت هذه القضايا واهمها التالية:
1 – اسقاط طائرة الضباط المصريين في امريكا: هـي طائرة البوينج بي767-300 التابعة لشركة مصر للطيران رحلة رقم 990، التي سقطت قبالة ساحل ماساتشوستس الأمريكي في 31 أكتوبر عام 1999، وعلى متنها 33 عسكريا عائدين إلى مصر بعد دورات تدريبية متقدمة فى العلوم العسكرية بالولايات المتحدة، و3 علماء مصريين فى مجال الذرة كانوا يدرسون هناك، ولم ينجُ في الحادث أي من الركاب أو طاقمها المكون من أحمد الحبشي وجميل البطوطي وعادل أنور.
وتحدثت التقارير وقتها عن إصابة الطائرة بصاروخ وتورط المخابرات الأمريكية الإسرائيلية، ولم يبدو أن السلطات المصرية وقتها تعاملت بشكل واضح مع هذه التقارير، ولف القضية الغموض بتواطوء مع مبارك على خلفية صفقة التوريث بحسب شهادات عديدة متقاطعة. واعيد احياء القضية التي لم تجد واشنطن دواعي لاستخلاص تقرير التحقيقات حولها عندما قام عدد من أهالي القتلى وأحد الشهود بعد ثورة 25 يناير وقدموا بلاغات إلى النائب العام تتهم نظام مبارك بالمسئولية عن دماء الضحايا.
ومن المؤكد إن تحطم الطائرة المصرية كان حادثا متعمدا، ولم تسقط بسبب اتجاه مساعد الطيار جميل البطوطي للانتحار. فشهادة أحد الطيارين الألمان الذي كان على خط ملاحي قريب من الطائرة المصرية وقت وقوع الكارثة، شاهد جسماً غريباً يمر بالقرب منه قبل وقوع الكارثة بثوان، ويتجه إلى الطائرة المصرية، مما أدى إلى سقوطها في مياه المحيط وانفجارها لتتحول إلى أجزاء متناثرة… انظر شهادة رجل الاعمال عصام المغربي
2 – مراجعة التنازلات السيادية: وفي مقدمها التساهل مع تجاوزات اسرائيل لاتفاقية كامب دايفيد وهو تساهل يتحول الى عادة وعرف وفق العقل السياسي الاسرائيلي – اليهودي. بحيث تصبح اية مراجعة للتجاوزات الاسرائيلية للاتفاقية وكانها عدوان او محاولة لتغيير الاتفاقية بما يثير الحساسية الاسرائيلية. ثم تأتي تساهلات مبارك في ملفات عديدة تمس بالسيادة المصرية.وهي في غالبيتها تنازلات مرتبطة بالمعونات او بالحفاظ عليها بقبول شروط اضافية أو برشاوى تذهب لجيوب بعض المسؤولين مقابل تنازلات معينة.
3 – عـروبة مصـر: كانت استقالة مصر من عروبتها أواخر عهد مبارك مجرد حالة تثاؤب إستدرجت مصر خلالها الى فخ المعونات المشروطة والتورط المدفوع الثمن في بعض وجوه كراهية العرب والعروبة. لكنها حالة عابرة تعود بعدها مصر الى عروبتها والى مركزية دورها العربي. خاصة بعد نتائج سياسة النأي عن العروبة المعتمدة من قبل مبارك والعائدة على مصر بكوارث فقد التوجه وفقد الانتماء وكراهية الذات وغيرها…. وعلى غرار قيادة مصر للوطن العربي في اتجاهات “دول عدم الانحياز” ثم في الخطو نحو الاشتراكية القومية تتوجه مصر اليوم نحو الاسلاموية التي تعكس قناعات ضمنية للشارع العربي في زمن باتت فيه العروبة سبة وسبب ملاحقة وتشهير اعلامي. وهو ميل أكده الشارع التونسي قبل المصري كما تؤكده توجهات الشارع في اكثر من بلد عربي. ولكن هل يعني ذلك معاداة او رفض النبض القومي الذي تمثله بعض الاقطار العربية وفي طليعتها سوريا؟. خاصة وان الاخيرة عبرت عن قناعات الشارع العربي الضمنية على طريقتها. فهي حالفت الاسلامويين دون الالتفات الى تناقضاتهم ودعمت المقاومات العربية ضد اسرائيل دون الالتفات الى طابعها الاسلاموي. وهكذا فان مصر الاسلاموية تحتاج الى مواقف وسطية تمكنها من الجمع بين دعم المقاومات العربية واللقاء مع سوريا عند هذا المفصل وبين التخلص من الحساسية تجاه التوجهات القومية العربية. فهل تنجح مصر الخارجة من الثورة الداخلة في تفجير اصطناعي لتناقضاتها الداخلية في هذا الجمع وبقيادة اخوانية؟…..

الإســــــــــــتـنــتــاجـات
تكشفت النوايا السعودية لاستغلال حالة مصر المتردية اقتصادياً بسبب سياسات مبارك التبعية المعتمدة على المعونات من خلال الاقتراح السعودي بتوسيع الاتحاد الخليجي ليتحول الى نادي الممالك العربية بضم مملكتي المغرب والاردن الى الاتحاد الخليجي ومن ثم ضم مصر الى الاتحاد لتأمين الغلبة الديموغرافية العربية بما يسد ثغرات نادي الممالك لجهة الموارد البشرية كما لجهة الثقل السكاني القادر على عزل الدول العربية الممانعة لامريكا والرافضة لسياسات السعودية الخارجية.
هذا الطرح يتصدر استنتاجاتنا ليس لانه قابل للتحقيق لكنه ورغم استحالته يبرز ويلخص التحديات التي تعترض مصر الدولة ما بعد المباركية. اذ يقدم الطرح السعودي خطوط العمل العريضة للخروج بمصر من وضعيتها المراوحة الحالية:
1 – تفعيل الاقتصاد المصري وتأهيله للخلاص من وضعية اقتصاد المعونات ما يقتضي توسيع رقعة العلاقات الخارجية المصرية والانفتاح على الاقتصادات العالمية الصاعدة للتحرر من أسر الاقتصادات التقليدية. وهي خطوة تشبه خطوة كسر احتكار السلاح ايام عبد الناصر. ومعادلتها الراهنة الاستعداد الصيني المقبل للاستثمار في مصر بما يشكل فرصة ملائمة للاقتصاد المصري للخلاص من المعونات المشروطة سياسياً.
2 - تأمين منافذ بديلة للعمالة المصرية بهدف تحريرها من الاشتراطات السياسية. مثال ذلك التهديد السعودي بطرد العمالة المصرية في المملكة إثر سقوط نظام مبارك. حيث مشاريع اعادة اعمار ليبيا بعد تدمير بنيتها التحتية بالقصف الاطلسي اولى المنافذ المتاحة للعمالة المصرية.
3 – التأسيس للهجرة المعاكسة لجهة تأمين الهيكليات اللازمة لاستعادة العقول المصرية المهاجرة. حيث يمكن الاهتداء بتجربة النمور الآسيوية التي بنت تقدمها استناداً لهذه الهجرة المعاكسة وهي تجربة تقتضي المتابعة والدراسة المقارنة.
4 – تطبيع العلاقات المصرية – العربية وهو مقدمة ضرورية لاستعادة دور مصر الاقليمي بعد طلاق ناجز مارسه مبارك مع الشارع العربي لغاية اخراج مصر من قيادتها التقليدية لهذا الشارع. حيث تخلص مبارك مما اعتقده أعباء غير مبررة تتحملها مصر من خلال هذا الدور. فكان اعلانه بان مصر قدمت الكثير للعرب وللشارع العربي دون مقابل وفق رأيه. وهو استعاض عن هذه المسؤوليات المكلفة بعلاقات مع العرب الاغنياء معاكسة لتوجهات الشارع العربي. وهي رفاهية لا يمكن لمصر ذات الثمانين مليون مواطن الفقراء في غالبيتهم اعتمادها. واذا كان اكتفاء دول الخليج بمواردها يتيح لها رفاهية اللامبالاة بالشارع العربي وتعويض هذه اللامبالاة عند الحاجة ببعض العطايا المالية فان مصر عاجزة عن اعتماد هذه الرفاهية. حيث الانصراف السياسي المصري عن العرب الفقراء وغير النفطيين يساوي طلاق النظام الحاكم مع شعبه الفقير وصولا الى شيزوفرانيا تفجرت واضحة بعد الثورة المصرية. وفي السياق ذاته فان الدور المصري في العالم الاسلامي هو دور جامع الازهر واعتماد اسلام آخر يعني خروج مصر من دورها في العالم الاسلامي ومعه قسم كبير من العالم العربي.
5 – تفعيل الدور المصري الجيو سياسي حيث من غير الواقعي دعوة مصر للخروج من اتفاقية كامب دايفيد التي دخلت في توازنات المنطقة بحيث بات التراجع عنها شأناً يتجاوز الاستقرار المصري الى استقرار كامل المنطقة. إلا ان المنطق ذاته يعطي لمصر حق مراجعة التجاوزات الاسرائيلية لهذه المعاهدة ووضع شروط جديدة لضبطها بعيداً عن التنازلات المعتادة من مبارك. فاذا ما نظرنا للمتغيرات الجيو سياسية المحاذية لمصر لوجدنا تهديدات كبيرة في هذا المحيط. حيث الحروب الاهلية تتهدد ليبيا والسودان وربما قطاع غزة من جديد بالاضافة الى حالة الترصد الاسرائيلية بعد فقد الصديق مبارك. دون اهمال جهوزية مشاريع تهديد الاستقرار المصري في حال تفجر هذه الازمات على الحدود المصرية. ومن المشاريع المعلنة بهذا الخصوص المشروع الداعي لتقسيم مصر الى ثلاث دةل: اسلامية وقبطية ونوبية. الذي تطرقت له مصادر مصرية مسؤولة في مناسبات مختلفة.
6 – العـودة لاحتضان الشارع العربي حيث ارتبط الدور المصري المركزي باحتضان مصر لآمال وتطلعات الشارع العربي الذي تشمل امتداداته الدول العربية كافة بدون استثناءات. إذ تشير مراجعة التجربة الناصرية الى مفارقات شعبية كبيرة مع الحكام. بدليل الانتشار الناصري في حينه في كل الدول العربية بدون استثناء. وعودة مصر لهذا الاحتضان يجمع بين اهداف تطبيع علاقاتها العربية وقيادتها للشارع العربي الذي ابدى تلهفه لهذه الحضانة عبر تعاطفه مع تحرك الخروج من المباركية. وهذه الاستعادة للحضور المصري عربياً تشكل المدخل الآمن لتفعيل الدور المصري الجيوسياسي فيعيد لمصر ألقها المفقود ويفتح امامها مجدداً أبواب قيادة التغيير العربي الآمن.
7 – مصالحة المقاومات العربية حيث خسرت مصر الكثير من خلال موقف نظامها من حصار قطاع غزة بالتضامن مع اسرائيل. والتجربة المصرية تشير لارتباط الدور الاقليمي والعربي لهذا البلد بالمقاومات الشعبية من المقاومة الجزائرية وحتى الفلسطينية. اذ لا تمكن مصالحة الشارع العربي مع نبذ مقاوماته دون التوقف عند حساسيات صغيرة من نوع اخوانية حركة حماس وشراكتها للاخوان المصريين او تلقي المقاومة اللبنانية الدعم الايراني. اذ ان موقع مصر الطبيعي يكون الى جانب المقاومات ولا يكون متحفظاً عليها. مع التذكير بان حركات مثل حماس وحزب الله لم تتحولا نحو ايران لو هما وجدتا دعماً عربياً. اضافة الى ان ايران تبقى دولة اسلامية وبعيدة آلاف الكيلومترات عن مصر بما يلغي هيستيريا الخوف من ايران التي اطلقها مبارك مستبدلاً بهذه الهيستريا قدرة مصر الوازنة للوساطة بين ايران ومحيطها العربي الخليجي. وهي العلاج الموضوعي للفوبيا العربية من ايران.

 بقلم: د محمد احمد النابلسي
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق