Facebook

نزار قبانى












أماتَ أبوكَ ؟
ضلالٌ . أنا لا يموتُ أبي
ففي البيتِ منهُ
روائحُ ربٍّ .. وذِكرى نبي
هُنا ركنُهُ .. تلكَ أشياؤهُ
تَفَتَّقُ عن ألفِ غُصنٍ صبي
جريدتُهُ . تَبغُهُ . مُتَّكاهُ
كأنَّ أبي ـ بعدُ ـ لم يذهَبِ ..

*

وصحنُ الرّمـادِ ... وفنجانُـهُ
على حالهِ .. بعـدُ لم يُشـرَبِ

ونظّارتاهُ ... أيسـلو الزجـاجُ
عيوناً أشـفَّ مـنَ المغـربِ

بقاياهُ، في الحُجُراتِ الفِسـاحِ
بقايـا النسـورِ على الملعـبِ

أجولُ الزوايا عليـه ، فحيـثُ
أمُـرُّ .. أمُـرُّ علـى مُعْشِـبِ

أشـدُّ يـديـهِ .. أميـلُ عليـهِ
أصلّـي على صـدرهِ المُتعَـبِ

أبي ... لم يزلْ بينَنا ، والحديث
حديثُ الكؤوسِ على المَشـرَبِ

يسـامرُنا . فالدوالي الحُبالـى
تَوالَـدُ مِـن ثغـرِهِ الطيّـبِ ..

أبـي خَبَـراً كـانَ من جنّـةٍ
ومعنى من الأرحبِ الأرحبِ ..

وَعَيْنا أبـي .. ملجـأٌ للنجـومِ
فهلْ يذكرُ الشـرقُ عينَيْ أبي ؟

بذاكـرةِ الصّيـفِ من والـدي
كـرومٌ ، وذاكـرةُ الكوكـبِ ..

*

أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيـبٍ
وراءكَ يمشـي ، فلا تتعـبِ ..

على اسمكِ نمضي ، فمن طيّبٍ
شـهيِّ المجانـي ، إلى أطيَبِ

حملتُكَ في صحوِ عينيَّ .. حتّى
تهيّـأَ للـنـاسِ أنّـي أبـي ..

أشيلُكَ حتّـى بنبـرةِ صوتي
فكيفَ ذهبتَ .. ولا زلتَ بي؟

*

إذا فُلَّـةُ الـدارِ أعطـتْ لَدَينا
ففي البيـتِ ألفُ فـمٍ مُذهَـبِ

فَـتَحـْنـا لتَـمّـوزَ أبوابَنـا
ففي الصيفِ لا بُـدَّ يأتي أبي ..








قصيدة الحزن



علَّمَني حُبُّكِ أن أحزن
وأنا مُحتَاجٌ منذُ عصور
لامرأةٍ تَجعَلَني أحزن
لامرأةٍ أبكي بينَ ذراعيها
مثلَ العُصفُور..
لامرأةٍ تَجمعُ أجزائي
كشظايا البللورِ المكسور

علَّمني حُبّكِ.. سيِّدتي
أسوأَ عادات
علّمني أفتحُ فنجاني
في الليلةِ آلافَ المرّات
وأجرّبُ طبَّ العطّارينَ..
وأطرقُ بابَ العرّافات
علّمني.. أخرجُ من بيتي
لأمشِّط أرصفةَ الطُرقات
وأطاردَ وجهكِ..
في الأمطارِ، وفي أضواءِ السيّارات
وأطاردَ طيفكِ..
حتّى.. حتّى..
في أوراقِ الإعلانات

علّمني حُبّكِ
كيفَ أهيمُ على وَجهي ساعات
بَحثاً عن شِعرٍ غَجَريٍّ
تحسُدُهُ كُلُّ الغَجريّات
بحثاً عن وجهٍ.. عن صوتٍ..
هوَ كُلُّ الأوجهِ والأصوات

أدخلني حبُّكِ سيِّدتي
مُدُنَ الأحزان
وأنا من قبلكِ لم أدخل
مُدُنَ الأحزان..
لم أعرِف أبداً أن الدمعَ هو الإنسان
أن الإنسانَ بلا حزنٍ..
ذكرى إنسان

علّمني حبكِ..
أن أتصرَّفَ كالصّبيان
أن أرسمَ وجهك..
بالطبشورِ على الحيطان
وعلى أشرعةِ الصَّيادين
على الأجراسِ..
على الصُّلبان
علّمني حبكِ..
كيف الحبُّ يغيّرُ خارطةَ الأزمان
علّمني.. أنِّي حينَ أُحِبُّ
تكُفُّ الأرضُ عن الدوران..

علّمني حُبك أشياءً
ما كانت أبداً في الحُسبان
فقرأتُ أقاصيصَ الأطفالِ..
دخلتُ قصورَ ملوكِ الجان
وحلمتُ بأن تتزوجني
بنتُ السلطان
تلكَ العيناها.. أصفى من ماء الخُلجان
تلك الشفتاها.. أشهى من زهرِ الرُّمان
وحلمتُ بأني أخطِفُها
مثلَ الفُرسان..
علَّمني حُبُّكِ، يا سيِّدتي، ما الهذيان
علّمني.. كيفَ يمرُّ العُمر
ولا تأتي بنتُ السلطان..

علّمني حُبُّكِ أن أحزن
وأنا مُحتَاجٌ منذُ عصور
لامرأةٍ تَجعَلَني أحزن
لامرأةٍ أبكي بينَ ذراعيها
مثلَ العُصفُور..
لامرأةٍ تَجمعُ أجزائي
كشظايا البللورِ المكسور









نهر الأحزان


عيناكِ كنهري أحـزانِ
نهري موسيقى.. حملاني
لوراءِ، وراءِ الأزمـانِ

نهرَي موسيقى قد ضاعا
سيّدتي.. ثمَّ أضاعـاني

الدمعُ الأسودُ فوقهما
يتساقطُ أنغامَ بيـانِ

عيناكِ وتبغي وكحولي
والقدحُ العاشرُ أعماني

وأنا في المقعدِ محتـرقٌ
نيراني تأكـلُ نيـراني

أأقول أحبّكِ يا قمري؟
آهٍ لـو كانَ بإمكـاني

فأنا لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ وأحـزاني

سفني في المرفأ باكيـةٌ
تتمزّقُ فوقَ الخلجـانِ

ومصيري الأصفرُ حطّمني
حطّـمَ في صدري إيماني

أأسافرُ دونكِ ليلكـتي؟
يا ظـلَّ الله بأجفـاني

يا صيفي الأخضرَ ياشمسي
يا أجمـلَ.. أجمـلَ ألواني

هل أرحلُ عنكِ وقصّتنا
أحلى من عودةِ نيسانِ؟

أحلى من زهرةِ غاردينيا
في عُتمةِ شعـرٍ إسبـاني

يا حبّي الأوحدَ.. لا تبكي
فدموعُكِ تحفرُ وجـداني

إني لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ ..و أحزاني

أأقـولُ أحبكِ يا قمـري؟
آهٍ لـو كـان بإمكـاني

فأنـا إنسـانٌ مفقـودٌ
لا أعرفُ في الأرضِ مكاني

ضيّعـني دربي.. ضيّعَـني
إسمي.. ضيَّعَـني عنـواني

تاريخـي! ما ليَ تاريـخٌ
إنـي نسيـانُ النسيـانِ

إنـي مرسـاةٌ لا ترسـو
جـرحٌ بملامـحِ إنسـانِ

ماذا أعطيـكِ؟ أجيبيـني
قلقـي؟ إلحادي؟ غثيـاني

ماذا أعطيـكِ سـوى قدرٍ
يرقـصُ في كفِّ الشيطانِ

أنا ألـفُ أحبّكِ.. فابتعدي
عنّي.. عن نـاري ودُخاني

فأنا لا أمـلكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ... وأحـزاني



();

Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment