ام حسن : رفضت أن أعمل خادمة في البيوت
نموذج فريد قلما تصادفه بهذا الزمان فهي امرأة من زمن بعيد وجميل، وأم مثالية لكنها ليست كأمهات كثيرات تلقين بأطفالهن في الشوارع دون أن يعبأن بمصيرهم ولا يهمهن إلا مصالحهن الشخصية، وقد اختارت منذ البداية الطريق الصعب الذي يضمن الكرامة، فضحت براحتها وأجمل أيام عمرها من أجل حماية مستقبل وتربية صغارها.
ولم تلجأ إلى الحلول السهلة التي يفضلها الكثيرون الذين يمرون بظروفها، فلم تمد يدها لتسأل الناس أو تنضم لطوابير المتسولين ، بل قررت أن تقتحم مجال العمل الشاق، وياله من عمل يظنه البعض مهينا وتراه هي وسام شرف على صدرها.
إنها الحاجة أم حسن " 48 عاما" الحاصلة على دبلوم تجارة وتقطن بمحافظة الجيزة ـ جنوب العاصمة القاهرة ـ وهي نموذج يستحق التقدير حيث تلفت انتباه كل من يمر بمزلقان أرض اللواء وتعمل ماسحة للأحذية وهي مهنة لم تعتدها للنساء بل كانت قاصرة على الرجال فقط.
والتقينا بالحاجة أم حسن للتعرف على طبيعة عملها والظروف التي جعلتها تلجأ إلى هذه المهنة دون غيرها من الأعمال التي ربما تناسب النساء.
في البداية سألناها عن الظروف التي دفعت بها لهذا العمل الشاق فقالت أم حسن: "توفى زوجي منذ أكثر من عشر سنوات وكنت في ريعان شبابي وترك لي خمسة أطفال، كان أكبرهم يبلغ من العمر في ذلك الوقت 13 عاما وأصغرهم طفل رضيع".
وعندما وجدت نفسي بدون عائل يحمينا وبلا دخل نعيش منه ـ حيث كان زوجي عاملا باليومية ـ بدأت التفكير في العمل لكي أتكفل بتربية أولادي وتكملة تعليمهم وحتى لا أمد يدي لأحد، ورفضت أن اعمل في أي وظيفة مريحة أتقاضى منها أجرا ضئيلا لا يكفيني أنا وأولادي الخمسة.
وأضافت قائلة: "رفضت أيضا أن أعمل خادمة في البيوت حتى لا يخجل أبنائي في يوم من الأيام من عملي ، وكلما كنت أفكر في مشروع معين أجد نفسي عاجزة عن تنفيذه حيث إنه يحتاج لرأس مال لكي أبدأ ، وأنا وقتها كنت لا امتلك أية أموال".
وفى يوم من الأيام كنت واقفة في شرفة منزلي نظرت إلى الشارع، فوجدت رجلا يحمل صندوقا صغير ويعمل ماسح للأحذية، فلفت انتباهي أن الأدوات التي يستخدمها ذلك الرجل بسيطة وغير مكلفة، فلم أتردد لحظة بالتفكير، وقلت لنفسي لماذا لا اعمل مثله؟
فالشغل ليس عيبا فما كان بي إلا أن نزلت إلى الشارع وسألت ماسح الأحذية من أين اشترى ذلك الصندوق وتلك الأدوات فقال لي من رمسيس وسألته عن تكلفتهم الإجمالية فقال لي: "تقريبا 50 جنيه" ففرحت جدا لأن التكلفة بسيطة وعزمت على أن أكون مثله وبالفعل اشتريت احتياجات المهنة وعزمت على بدء العمل فبدأت أن أفكر في مكان يكون مزدحم بالناس ، فخطر ببالي محطة ناهيا ببولاق الدكرور".
واستطردت: "وبالفعل أخذت مستلزمات الشغل ، وذات صباح ذهبت إلى محطة ناهيا ففوجئت بصف كبير من الرجال ماسحي الأحذية يجلسون في ذلك المكان، فتوكلت على الله وجلست بعيدا عنهم قليلا ولكن لم يقترب مني احد لكي امسح له حذائه ، فلم أيأس وذهبت يوما ثانيا ثم يوما ثالثا وبقى الحال كما هو.
ام حسن : العمل ليس عيبا
فما كان مني إلا أن أبحث عن مكان أخر، فذهبت إلى منطقة أرض اللواء وجلست بجوار كشك بائع جرائد وولد يعمل أيضا بمسح الأحذية وتعرضت منهما لمضايقات كثيرة وقاموا بإخطار أحد رجال المحافظة وكان تبعهم وما كان منه أن طردني من المكان وأهانني.
وأوضحت أم حسن قائلة : "قررت في المرة الثالثة دون يأس أن اجلس عند مزلقان أرض اللواء من الخارج على الرصيف الجانبي وبالفعل من وقتها حتى الآن وأنا أجلس هناك يوميا وتعرفت على كل الناس والحمد لله الجميع يحبونني جدا وتعاونوا معي كثيرا حتى وقفت على رجلي وتمكنت من المهنة".
وأوضحت أنها عانت كثيرا في البداية، حيت كانت تضطر إلى حمل طفلها الرضيع وتضعه على حجرها وهى تمسح أحذية الزبائن خوفا من أن تضعه بجوارها على الرصيف وزادت المشكلة عندما كبر الطفل قليلا وبدأ يحبو فاضطرت أن تربطه بحبل في الصندوق الخشبي الذي تعمل به خوفا عليه من خطر السيارات أو أن تفقده ، وعندما كان يعنفها احد بسبب ذلك كانت تقول لهم لا احد يخاف عليه مثلي فأنا أربطه بجواري خوفا من أن تدهسه سيارة.
وعن الأدوات التي تحتاجها بعملها اليومي قالت: "الصندوق الخشب الصغير والورنيش والفرشاة والصبغة فقط ثم الرزق على الله".
وردا على سؤال بشأن المكسب الذي تحققه من ذلك العمل وهل يكفيها هي وأبنائها أم لا قالت : الحمد لله يكفينا فأجرة مسح الحذاء جنيه واحد أو حسب تقدير الزبون وطبيعي انه في البداية عندما كنت غير متمكنة من صنعتي كان العائد قليلا، لكن الآن والحمد لله الأمور أحسن كثيرا، هذا بالإضافة إلى أنني لم اكتف بمسح الأحذية فقط ، حيث تعلمت أن أملأ الولاعات لتساعدني في زيادة الدخل وبعد ذلك توسعت أكثر فأصبحت أبيع بعض الأشياء مثل المناديل ـ الكبريت ـ أربطة الأحذية ـ الأمشاط ـ الإبر والدبابيس وأهو كله أكل عيش ـ على حد تعبير أم حسن.
وردا على سؤال عن المضايقات التي تتعرض لها أثناء مزاولة عملها ، قالت :" في بداية عملي كنت أجد الناس مستغربة جدا وهناك من يلقى كلمات سخرية مثل هي المهنة دية كمان كانت ناقصة الستات ، ما تبعدوا عننا بقى، وآخرون ينظرون لي متعجبين".
وعن حبها للعمل ومدى إحراجها أو خجلها من تلك المهنة ، أكدت أنها فخورة جدا بذلك وغير محرجة منه على الإطلاق ، وأنها تحب ذلك العمل جدا ليس لمجرد أنها مضطرة فتعمله رغما عنها من أجل أولادها.
وأشارت إلى أنها تبدأ العمل يوميا من الساعة الخامسة صباحا حيث تستيقظ من النوم تصلى الفجر ثم تغادر منزلها متوجهة إلى مكان عملها وتنهي عملها في الساعة الرابعة عصرا، فهي منظمة لأوقات عملها حتى تستطع أن تراعي أولادها وتأخذ قسطا من الراحة لكي تستطع مواصلة العمل في اليوم التالي، ويوم الجمعة تعتبره عطلة أسبوعية لها ، حيث تعتبر نفسها موظفها لها مواعيد حضور وانصراف ويم عطلة أسبوعية.
ومن الإنجازات التي حققتها الحاجة أم حسن خلال رحلة كفاحها حتى الآن أن أبنائها الخمسة الابن الأكبر آخر سنة بكلية الهندسة والبنت بكالوريوس تمريض وابن دبلوم سياحة وفنادق ومقبل على دخول الجامعة وابن مقبل على الصف الثالث الإعدادي والابن الأصغر مقبل على الصف الخامس الابتدائي.
وعن مدى إحراج أو مضايقة أبنائها من طبيعة عملها قالت: "بالعكس هم يفتخرون جدا بعملي هذا لأني لا افعل شيئا عيبا أو غلط ولو كانوا محرجون فإذن كل تعبي راح بلا فائدة وعمري راح هدرا فمن يتمنون أن يحملونني عندما يكبروا على أكتافهم ويأتون بمن يخدمني ، لكنني لا أتمني من الله إلا أن استطيع أن اعمل حتى آخر يوم في حياتي ولا احتاج لأبنائي أنا فعلت كل ذلك بحب دون انتظار لأي شيء منهم".
وأكدت أم حسن في ختام حديثها أنها رغم مرضها بالسكر والضغط لا تكل ولا تتعب من كثرة العمل وان غاية سعادتها وتعبها يزول بنهاية كل عام دراسي عندما تجني ثمار تعبها وتجد أبنائها من الناجحين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق