يبدو أن توقيت الإعلان عن مقتل زعيم حركة طالبان باكستان بيت الله محسود غير بعيد عن التقارير الصحفية التي تؤكد إخفاق أوباما في تنفيذ وعوده الانتخابية وتراجع شعبيته لأدنى مستوياتها ، فالرئيس الأمريكي كان في حاجة ماسة لتحقيق إنجاز ما يغطي على إخفاقاته ، وبالنظر إلى أنه جعل أفغانستان وباكستان الجبهة المركزية في الحرب على ما يسمى بالإرهاب ، فإنه باعتقاده أن حدثا كاغتيال محسود من شأنه أن يرفع شعبيته كثيرا ، لأنه من ناحية يؤكد للأمريكيين أن استراتيجيته التي تقوم على زيادة القوات بأفغانستان وزيادة الدعم العسكري والمالي لباكستان بدأت تؤتي ثمارها .صورة يعتقد أنها لمحسود
كما أن اغتيال محسود من شأنه أن يضعف طالبان باكستان ولو مؤقتا وهو أمر من شأنه أن يساعد الحكومة الباكستانية على أن تلتقط أنفاسها بعد أن استنزفتها هجمات طالبان خلال السنوات الأخيرة وبالتالي التفرغ لمراقبة الحدود مع أفغانستان وتضييق الخناق على حركة طالبان الأفغانية ، ويبقى الأمر الأهم من وجهة نظر أوباما وهو أن اغتيال محسود إن تأكد صحته من شأنه أن يجدد آمال الأمريكيين بقرب اعتقال زعيم القاعدة أسامة بن لادن كما من شأنه أن يساعد الناتو على استئناف طرق الإمدادات إلى أفغانستان عبر باكستان والتي نجحت هجمات طالبان باكستان في الحد منها بشكل كبير في الشهور الأخيرة ، الأمر الذي ضيق الخناق على قوات الناتو والقوات الأمريكية وزاد من قوة طالبان أفغانستان .
ورغم أن كل ما سبق يؤكد أن اغتيال محسود يعتبر بمثابة طوق النجاة لأوباما ، إلا أن الواقع عكس ذلك ، وذلك لأن التقارير مازالت متضاربة حول مقتل محسود من عدمه ، كما أن مقتله لن يحل مشكلة أمريكا في أفغانستان على المدى الطويل ، ولن يحسم الأمور تماما لصالح الحكومة الباكستانية ، فمعروف أن واشنطن تنفذ بشكل شبه يومي قصفا جويا لمناطق القبائل في وزيرستان يوقع العديد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين .
ومع أن هذا القصف يتم بعلم ومباركة الحكومة الباكستانية ، إلا أنها تنفي في العلن معرفتها به ، كما تلتزم واشنطن الصمت تجاه مسئوليتها عن مثل هذا القصف "المجهول " لتجنب إحراج حليفها الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أمام شعبه ، وفي حال تأكد مقتل محسود في غارة أمريكية فإن موجة غضب ستسود الشعب الباكستاني حتى وإن كان مختلفا مع أسلوب محسود ، وهنا ستجد الحكومة الباكستانية نفسها في مأزق كبير وسيكون لزاما عليها تقديم توضيح لشعبها حول أسباب التزامها الصمت تجاه الانتهاكات الأمريكية للسيادة الباكستانية .
هذا بالإضافة إلى أن اغتيال محسود لايعني أن طالبان باكستان أصابها الضعف بالضرورة ، فالحركة تضم حوالي 20 ألف مقاتل وهناك مجلس شورى الحركة الذي يتخذ القرارات المصيرية وهناك العديد من معاوني محسود الذين يمكن أن يتولى أحد منهم موقعه القيادي ، وبالتالي فإن اغتيال محسود لن يقضي على الحركة وإنما قد يدفعها للانتقام لاغتيال زعيمها عبر تصعيد الهجمات على امدادات الناتو أو شن المزيد من الهجمات على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الحكومية ، وحتى إن جاءت الحركة بوجه أكثر اعتدالا من محسود ، فإنه ثبت أن اتفاقيات الحكومة مع الحركة كانت سرعان ما تنهار لأن القصف الأمريكي لمنطقة وزيرستان لم يتوقف يوما .
وأخيرا ، فإن اغتيال محسود لايعني بالضرورة قرب اعتقال بن لادن ، فعشرات من قادة القاعدة وطالبان قتلوا واعتقلوا منذ 2001 ومع ذلك فشلت أمريكا في تحديد مكان اختباء زعيم القاعدة .
والخلاصة أن محسود يشكل صداعا مزمنا لأوباما سواء كان حيا أو ميتا وأية نجاحات مؤقتة لن تضمن له الانتصار في الحرب على ما يسمى بالإرهاب .
أنباء متضاربة
وكانت الاستخبارت الباكستانية أكدت مقتل محسود في قصف أمريكي لمنزل صهره في جنوب وزيرستان في 5 أغسطس ، واستندت في تأكيد هذا الأمر إلى مراقبتها لهواتف أتباعه حيث تناقلوا نبأ وفاته ودفنه.بعض عناصر طالبان باكستان
كما صرح وزير الداخلية الباكستاني رحمن مالك بأن الغارة على بيت والد زوجة بيت الله محسود قد أدت إلى مقتله مع شقيقه و7 من حرسه الخاص وزوجته.
وفي السياق ذاته ، أعلن وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي أنه تسلم تقارير استخبارية تفيد بأن محسود قد قتل في غارة صاروخية وأن موفدين حكوميين توجهوا إلى المنطقة للتيقن من صحة هذه الأنباء ، قائلا :" إنه من أجل أن نكون متيقنين مائة في المائة نحن ذاهبون إلى الموقع للتأكد".
ومن جانبه ، صرح المتحدث باسم البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة لا تستطيع تأكيد الأنباء القائلة إن زعيم حركة طالبان باكستان بيت الله محسود قد قتل في هجوم صاروخي نفذته طائرة أمريكية بدون طيار.
وفي المقابل ، نفى الناطق باسم حركة طالبان في باكستان حكيم الله محسود مقتل زعيم الحركة وقال في تصريحات صحفية إن هذه الادعاءات مؤامرة من المخابرات الباكستانية والأمريكية والبريطانية ضدهم ، مؤكدا أن الحركة ستنشر مقطعا صوتيا أو شريط فيديو لمحسود خلال الأيام القليلة المقبلة.
يذكر أن أصابع الاتهام في مقتل رئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة بنظير بوتو تشير إلى محسود الذي يقال إنه يرتبط بعلاقات قوية مع تنظيم القاعدة.
وينفي محسود ضلوعه في اغتيال بوتو التي قتلت في تفجير ضخم في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2007.
وتعتبر واشنطن محسود خطرا جديا على جهدها الحربي في أفغانستان بسبب نفوذه الواسع في باكستان وقد رصدت مكافأة قيمتها خمسة ملايين دولار مقابل أي معلومات تفضي إلى قتله أو القبض عليه.
وكانت الحكومة الباكستانية حاولت في الماضي تحييد محسود أو مهادنته من خلال اتفاقيات من جانب، وحملات عسكرية من جانب آخر، مستفيدة من مليارات الدولارات قدمتها الولايات المتحدة لتحقيق هذا الغرض.
وأبرمت إسلام آباد اتفاق سلام مع طالبان باكستان في فبراير/ شباط من عام 2005 ، إلا أنه سرعان ما انهار ولم تنجح إسلام آباد تماما في وضع حد لنفوذ محسود أو طالبان باكستان، التي تنشط بقوة في منطقة القبائل الباكستانية ذات الطبيعة الجبلية الوعرة، والمحاذية للحدود مع أفغانستان.
ويعتقد أن هذا التنظيم مكون من ما يقرب من 20 ألف مسلح، فيهم سيل متدفق من عشرات الانتحاريين ، وقال مسئولون أمريكيون إنه إذا تأكد مقتل بيت الله محسود فمن المرجح ألا يؤدي إلى شل حركة طالبان في باكستان وقللوا من أثر هذا التطور على الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة من أجل اجتثاث طالبان في أفغانستان المجاورة.
ونقلت جريدة "القدس العربي" عن مسئول أمريكي في مجال مكافحة الإرهاب طلب عدم نشر اسمه قوله : "لسنا واهمين... لديه الآلاف من الأشخاص في شبكته. لا أحد يعتقد أنهم سقطوا وخرجوا للأبد".
مأزق كبير
كما رجح البعض أن لا ترتفع شعبية أوباما بشكل كبير في حال تأكد مقتل محسود ، حيث نقلت صحيفة "الديلي تليجراف" عن جون برينان أحد كبار مستشاري أوباما لشئون مكافحة الإرهاب رفضه "للحرب الشاملة على الإرهاب".أوباما في ورطة
وقال برينان الذي كان ضابط استخبارات في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وكان مقربا من إدارة بوش في المرحلة الأخيرة إن سياسات بوش كانت في الكثير من الأحيان تتناقض مع المبادئ الأمريكية ، مما أدى إلى وضع البلاد في خطر وتسبب بافتعال حرب شاملة على الإرهاب خدمت نظرة تنظيم القاعدة إلى الصراع.
وقال برينان في خطاب ألقاه في واشنطن إن الفرق الرئيسي بين بوش وأوباما هو أن الأول كان يقسم العالم بين من مع الولايات المتحدة ومن ضدها بينما يعتمد الرئيس الحالي خطا حواريا مع العديد من الجهات.
واعتبر برينان أنه يجب معالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ينمو فيها الإرهاب لأن هذه الأسباب في حال استمرت بالوجود فسوف تبقى المنظمات الإرهابية قادرة على التجنيد.
وفي السياق ذاته ، نشرت صحيفة "الاندبندنت" تحليلا طويلا لروبرت كورنويل الذي يكتب عما سماه "محاولة أوباما لإنجاز التوقعات المستحيلة" ، وذلك بمناسبة مرور 200 يوم للرئيس الأمريكي باراك أوباما في الحكم.
وقال الكاتب إنه على الرغم من الاهتمام القليل نسبيا للإعلام في هذا التاريخ مقارنة بالأيام المائة الأولى فان المزاج العام حيال الرئيس الأسود الأول في تاريخ الولايات المتحدة قد تغير.
وتابع قائلا :" شهر عسل أوباما قد انتهى، فبينما كان قد بدا كل شيء ممكن في الربيع الماضي، فإن الواقع يدل على أن توقعات اليوم الأول كما توقعات اليوم المائة لم تكن واقعية، فالرئيس قد يكون يتمتع كاريزما، ولكن حتى لو كان للسياسي ما يجمعه بنجم لموسيقى الروك فهو يبقى سياسيا".
وأضاف كورنويل أن أوباما المرشح كغيره من المرشحين الذين سبقوه دعا ووعد بتغيير الطريقة التي يجري فيها العمل في واشنطن، ولكنه في النهاية اصطدم بواقع نظام سياسي تحكم فيه اللوبيات صاحبة المصالح .
وفصل الكاتب المجالات التي يبني عليها رأيه والتي يعتقد أن أوباما لم يتمكن حتى الآن من إحداث أي خرق فيها كما كان قد وعد خلال حملته ،
ففي المجال الاقتصادي وعلى الرغم من خطة الإنعاش التي بلغت قيمتها 787 مليار دولار، فإن ثمارها لم تكن على مستوى التوقعات لأن المشكلة الآن هي في كيفية رد هذا الدين الكبير دون رفع الضرائب أو تخفيض الميزانية في مجالات قد لا ترضي الكثيرين.
أما على صعيد السياسة الخارجية، يقول كورنويل إن هناك تغييرا واضحا قد طرأ عليها مع تسلم أوباما، وبخاصة حيال كوريا الشمالية وتحويل الأنظار من العراق إلى أفغانستان واعتماد سياسة نقدية حيال إسرائيل ، إلا أنه يضيف بأن ذلك لا يكفي قبل أن تعطي إيران إشارات بأنها مستعدة للتخلي عن ذراعها الحديدية.
وعلى مستوى المناخ، وصف كورنويل سياسة أوباما بالإيجابية مقارنة بما كانت عليه في فترة حكم بوش، لكنه أكد أنه لم يتم إنجاز أي شيء حتى الآن ولا يمكن الجزم في هذا المجال قبل أن يصوت الكونجرس على ما يعرف بقانون الانبعاثات، ففي حال نجح أوباما بالحصول على موافقة السلطة التشريعية على هذا القانون قبل نهاية العام فيكون قد حقق انجازا.
وفي مجال الرعاية الصحية التي تعتبر من اكثر الملفات الشائكة فعلى الرغم من أهميته، فقد تراجع إلى المرتبة الثانية مقارنة بأولوية معالجة الأزمة الاقتصادية وهناك الكثير من الشكوك حيال إمكان تحقيق خرق جدي في إصلاح نظام الرعاية الصحية بسبب التعديلات التي قد تدخل عليه من أجل تقبله من قبل الجمهوريين في الكونجرس والديمقراطيين الذين يعارضون صيغته الحالية، وهو ما يفرغ مشروع القانون من محتواه.
وفي النهاية وفيما يتعلق بطريقة العمل في واشنطن والتي وعد أوباما بتغييرها ، يقول كورنويل إنه على الرغم من الابتعاد عن الطريقة التي كانت تدار فيها الأمور خلال فترة حكم بوش ، إلا أنه من غير المتوقع أن يتمكن أوباما من تغيير الثقافة السياسية في واشنطن وبخاصة الطريقة التي يعمل بها الكونجرس.
وكان استطلاع جديد للرأي العام الأمريكي كشف في 6 أغسطس استمرار تراجع شعبية الرئيس باراك أوباما بعد مرور 200 يوم على توليه السلطة بسبب الجدل المتزايد حول سياساته الاقتصادية ومساعيه لتبني قانون للرعاية الصحية مثير للجدل.
وقال الاستطلاع الذى أجرته جامعة كوينيبياك إن نسبة التأييد للرئيس أوباما بين أبناء الشعب الأمريكي قد تراجعت من 57 بالمائة في شهر يوليو/تموز الماضي إلى 50 بالمائة فقط حاليا ، مما يمثل أدنى معدل شعبية للرئيس منذ تنصيبه في شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
وأضاف أن ثمة ارتفاعا قد طرأ على نسبة غير الراضين عن أداء أوباما ، حيث قفزت من 33 بالمائة الشهر الماضي إلى 42 بالمائة حاليا.
النتائج السابقة تعكس بوضوح مشاعر عدم الارتياح للطريقة التي يعالج بها أوباما الاقتصاد الذي يعاني من انكماش كبير دفع إدارته إلى إطلاق خطط تحفيز اقتصادية ، فضلا عن قضية الرعاية الصحية التي تواجه عملية إصلاح شاملة في الكونجرس ، وفي ضوء هذا فإن اغتيال محسود إن تأكد صحته لن يحدث فرقا كبيرا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق