قصف جوي رهيب وهجمات مكثفة لقوات الكوماندوز على المواقع الاستراتيجية العراقية
الاشتباك مع الجيش العراقي تحت حماية القوات الأميركية.
إذا كانت الحملة الجوية تمثل المرحلة الأولى من الغزو الأميركي للعراق فإن ذروة هذا الغزو سوف تتمثل كما يقول الخبراء، في هجوم بري واسع النطاق يشارك فيه عشرات الألوف من مشاة البحرية الأميركية والقوات الخاصة والكوماندوز00 وستكون نقطة انطلاق هذه القوات في الأراضي المجاورة للعراق00
وثيقة سرية
وقد وردت التفاصيل الدقيقة للغزو الأميركي للعراق والإطاحة بالرئيس صدام حسين في وثيقة سرية تسلمها الرئيس الأميركي جورج بوش في بداية سبتمبر. وأعدت هذه الوثيقة رئاسة هيئة الأركان الأميركية المشتركة لتقدم للبيت الأبيض كل خيارات العمل العسكري ضد العراق00
ورغم ذلك اعترف المسؤولون الأميركيون بأن الكثير من الجهد ما زال مطلوباً لوضع الصورة النهائية لغزو العراق من الناحيتين العسكرية والسياسية00
وتقوم العملية العسكرية في الأساس على قوات الكوماندوز والعمليات الخاصة التي تلقت تدريبات متقدمة على عمليات الاشتباك المتلاحم والقتال في بيئة معادية، وستكون مهمة هذه القوات في الأساس هي مهاجمة المواقع العراقية التي تشتبه أمريكا في أنها مخصصة لإنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية00
وتوضح الوثيقة السرية التي تسلمها الرئيس بوش أن هذه القوات الخاصة سوف تتسلل إلى داخل الأراضي العراقية قبل بداية الهجوم المباشرة00 وسوف ترافق كل وحدة منها مجموعة من المنشقين والمعارضين العراقيين الذين يجري تدريبهم الآن في مناطق معينة بأوروبا00 وستكون مهمة هذه المجموعات هي إرشاد رجال المارينز والقوات الخاصة الأميركية داخل أراضي العراق بالإضافة إلى العمل كضباط اتصال يجيدون اللغة العربية مع السكان المحليين في المناطق التي ستخترقها القوات الأميركية.
وقد تلقى الرئيس بوش أيضاً ثلاثة تقارير أخرى من الجنرال تومي فرانكس رئيس القيادة المركزية الأميركية وقائد القوات الأميركية في الخليج كلها تدور حول تفاصيل الهجوم العسكري المتوقع ضد العراق00
ومن بين الخيارات التي طرحها الجنرال فرانكس عملية عسكرية يشارك فيها 250 ألف جندي ولكنها تبدأ بقوة قوامها مائة ألف جندي فقط بحيث يكون هناك قوات احتياط عددها 150 ألف جندي للتدخل في أي لحظة تستدعي العمليات العسكرية ذلك00
وتقول مصادر أميركية أتيحت لها فرصة الاطلاع على مضمون الوثيقة السرية لهيئة الأركان المشتركة أنها تحدد عدد القوات المشاركة في الهجوم والطائرات القاذفة والمقاتلة وحاملات الطائرات التي سيكون لها دور في عملية غزو العراق00
وتشير هذه الخطة بوضوح إلى ضرورة الاشتباك مع القوات العراقية بشكل مباشر على الأرض ولكن بشرط توافر الغطاء الجوي المكثف للقوات الأميركية00 ولهذا السبب، تركز الوثيقة السرية بشكل خاص على القاذفة الأميركية الشبح بي- 52، ولهذا السبب طلبت الولايات المتحدة من بريطانيا الموافقة على تمركز هذه الطائرات في قاعدة دييجو جارسيا البريطانية بالمحيط الهندي حتى تكون قريبة من منطقة العمليات.
ويفضل جنرالات البنتاجون (وزارة الدفاع الأميركية) أن تبدأ عملية غزو العراق في شهر يناير أو فبراير عام 2003 والسبب في ذلك هو الرغبة في أن تستفيد قوات الغزو من نهار الشتاء القصير وانخفاض درجات الحرارة بحيث يكون تأثير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية أقل فاعلية من أوقات النهار والحرارة المرتفعة00
ولهذا السبب قرر مستشارو بوش للأمن القومي ضرورة استغلال الثلث الأخير من العام الحالي في تهيئة الساحة السياسية والدبلوماسية بحيث تبدأ العمليات العسكرية في نهاية العام الحالي أو بداية العام الجديد ومنذ شهر يوليو الماضي، شارك الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة ونائبه الجنرال بيتربيس في سلسلة من اللقاءات والاجتماعات السرية بالبيت الأبيض حضرها أيضاً ديك تشيني نائب الرئيس ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع وكولين باول وزير الخارجية.
وقد اعتبرت هذه الاجتماعات على أعلى درجة من الحساسة والسرية لدرجة أن كلمة العراق لم تظهر أبداً في الجدول الخاص بمواعيد عقدها.
وبدلاً من ذلك، كانت تتم الإشارة إلى هذه الاجتماعات تحت عنوان "لقاءات استراتيجية إقليمية". وكانت ترأس هذه الاجتماعات كونداليزا رايس مستشار الرئيس بوش للأمن القومي والتي توصف بأنها صاحبة فكرة الضربات الوقائية ضد الدول المتهمة بحيازة أسلحة الدمار الشامل00
ضربة شرسة
وهكذا فمن المؤكد أن خطط عزو العراق موجودة بالفعل على مكتب الرئيس الأميركي وهي بكل تأكيد أكثر من خطة وسوف يتعين على الرئيس جورج بوش ومستشاريه اختيار واحدة منها للتنفيذ00 وفي كل الأحوال هناك اتفاق بين البيت الأبيض والبنتاجون والخارجية الأميركية أن تكون الضربة الأميركية القادمة ضد العراق حادة ومكثفة وشرسة وأن تختلف تماماً عن الحرب التي شنها جورج بوش الأب ضد العراق من أجل تحرير الكويت عام 199100 وفي دوائر المراقبين بالعاصمة الأميركية يتم وصف الهجوم القادم على العراق بأنه أعنف عملية عسكرية تقوم بها دولة ضد دولة أخرى دون أي مبرر في العصر الحديث00 وقد اعترف المتحدث باسم البيت الأبيض آري فلايشر بأن القادة العسكريين الأميركيين قدموا خططهم التفصيلية والمنوعة حول خيارات الحرب إلى الرئيس. وبالفعل تسربت بعض هذه السيناريوهات إلى وسائل الإعلام ومن بينها خطة لشن هجوم ساحق على مدينة تكريت العراقية مسقط رأس الرئيس صدام والتي يتواجد بها أشد الناس ولاءً للرئيس العراقي ويقال أيضاً أن بها مواقع للأسلحة البيولوجية العراقية. ولا شك أن المنافسة بين الصحف الأميركية هي المسؤولة عن تسريب هذه المعلومات الخطيرة خاصة بين صحيفتي "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" ولكن في نفس الوقت فإن تسريب المعلومات حول العمليات العسكرية لا يتم بالصدفة00 ولا شك أن هذا التسريب، الذي يشارك فيه في بعض الأحيان مسؤولون كبار على مستوى دونالد رامسفيلد وزير الدفاع، يخدم أيضاً أغراض الإدارة الأميركية للتأثير على الرئيس صدام وإقناعه بأنه ما لم يخضع تماماً لإرادة واشنطن فإن أحداً لن يحميه من الهجوم الأميركي حتى ولو كان مجلس الأمن أو الأمم المتحدة ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن قرار الكونغرس بتفويض الرئيس بوش سلطة إعلان الحرب سوف يكون هاماً في هذا السياق.
3 أهداف الحرب
إن حرب الخليج القادمة سوف تبدأ لتحقيق ثلاثة أهداف معلنة بصرف النظر عما إذا كانت حقيقة أو مجرد شعارات. الهدف الأول هو الإطاحة بنظام الرئيس صدام وتدمير أسلحة الدمار الشامل التي تقول أميركا أنه يمتلكها وإقامة نظام "ديموقراطي" في العراق00 وحتى تنجح مثل هذه العملية فإن العنصر الحاسم فيها سيكون بلا شك هو القوات الجوية ويؤكد الخبراء أن الغارات الجوية القادمة ضد العراق سوف تكون أكثر شراسة بكثير من تلك التي حدثت في كوسوفا أو أفغانستان وسيكون هدفها تدمير المواقع الرئاسية والقواعد العسكرية والحرس الجمهوري العراقي وبعض المواقع والأهداف الاستراتيجية الأخرى00 بعد ذلك سوف تنطلق قوات الكوماندوز لنسف منصات صواريخ سكود العراقية والتي يخشى البعض من استخدامها ضد إسرائيل بهدف إشعال الموقف في منطقة الشرق الأوسط برمتها خاصة بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون أن إسرائيل سترد بمنتهى الشراسة والعنف على أي هجوم عراقي الأمر الذي قد يؤدي إلى تورط أطراف عربية أخرى في الحرب.
ويحذر السيناتور جوزيف بايدن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي من أنه في حالة شن هجوم إسرائيلي على العراق فإن بلدان العالم الإسلامي وخاصة حلفاء أميركا لن تقف مكتوفة الأيدي، ويؤكد السيناتور بايدن أن هذا الوضع ينطبق على دول غير عربية مثل تركيا وماليزيا وأندونيسيا ولذلك فهو يقول صراحة "إن أي سفارة أميركية في الشرق الأوسط ستكون عرضة للإحراق والتدمير من جانب الجماهير الغاضبة".
ومن أجل الحد من مثل هذا الخطر لأقصى درجة ممكنة يرى وزير الدفاع رامسفيلد أن تتم العملية ضد العراق بشكل غير تقليدي يتميز "بالإبداع " حتى لو أدى ذلك إلى تحقيق نجاحات تكتيكية وليست استراتيجية للولايات المتحدة00 ويشير رامسفيلد إلى فكرة الهجوم الخاطف المفاجئ أي شن هجوم سريع ضد أهداف عراقية قليلة محددة بينها بغداد وتكريت بحيث تكون النتيجة هي سقوط صدام وانهيار المقاومة في جميع أنحاء العراق.
الحشد العسكري
ولا شك أن الحشد العسكري الأميركي في المنطقة لا يمكن ألاّ يلفت نظر العراقيين وبالتالي يصبح تحقيق عنصر المفاجأة صعباً للغاية00 ويقول جنرال أميركي شارك في حرب الخليج الأخيرة أن أي هجوم على العراق يجب أن تشارك فيه ثلاث فرق عسكرية على الأقل اثنتان منها من المدرعات والثالثة من مشاة البحرية ويجب ألاّ يقل عدد أفرادها عن خمسين ألف جندي بالإضافة إلى فرقة أخرى مماثلة تكون بمثابة قوات احتياط تندفع إلى العمليات إذا دعت الضرورة لذلك.
وقد وصلت بالفعل وحدات من القوات الأميركية إلى منطقة الخليج وهناك وحدات أخرى تصل تباعاً بحجة إجراء مناورات وتدريبات مشتركة في دول المنطقة. ويعتقد بعض المراقبين أن أميركا لديها بالفعل الآن 30 ألف جندي في منطقة الخليج والشرق الأوسط. وبالإضافة إلى ذلك تم بالفعل شحن كميات ضخمة من الأسلحة والمعدات إلى الدول المحيطة ب العراق التي ربما تعلن معارضتها للهجوم الأميركي ولكنها في واقع الأمر تبدي تعاوناً ملحوظاً مع الجهود الأميركية للإطاحة بالرئيس صدام حسين. وسوف تنطلق من هذه الدول وحدات المارينز والكوماندوز الأميركية في اللحظة المناسبة إلى داخل العراق لتدمير مواقع صواريخ سكود وغيرها من الأهداف العراقية الهامة ويجري الآن وضع اللمسات الأخيرة لخطط الغزو الأميركي للعراق جنباً إلى جنب الجهود الدبلوماسية الأميركية والبريطانية لإقناع روسيا وفرنسا والصين بعدم عرقلة صدور قرار جديد من مجلس الأمن يضمن خضوع العراق الكامل.
إنذار العراق
ولا شك أن الولايات المتحدة تسعى لأن يتضمن مثل هذا القرار إنذاراً صريحاً للعراق بأن البديل الوحيد للخضوع الكامل هو استخدام القوة. وقد أعلن الرئيس صدام أنه سيرفض أي قرار جديد من الأمم المتحدة بعد أن وافق على عودة المفتشين الدوليين بلا شروط. أما الرئيس بوش فهو يصر أيضاً على أن الولايات المتحدة سوف تمضي وحدها إذا دعت الضرورة من أجل ضمان الخضوع العراقي الكامل. وقد أعلن وزير الخارجية كولين باول أن الولايات المتحدة لن تقبل عودة المفتشين للعراق وفقاً للاتفاقات المعمول بها الآن مع بغداد.
وهناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين السياسيين على أن جميع فرص التوصل إلى حل وسط قد اختفت تماماً ولم يعد لها وجود. بل ويؤكد البعض أن العد التنازلي لبدء الحرب قد بدأ بالفعل وتبقى في النهاية حقيقة أن القوات الأميركية في موقع أفضل بكثير مما كانت عليه عام 1991 على عكس الوضع بالنسبة للقوات العراقية. ورغم ذلك تبقى حقيقة أن المعركة ربما تكون مختلفة هذه المرة لعدة أسباب : السبب الأول هو احتمال أن يلجأ الرئيس صدام إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل التي لديه خاصة وهو يقود معركة حياة أو موت، والسبب الثاني أن المعركة هذه المرة ستكون على الأرض وربما في داخل المدن العراقية. ورغم أن صقور الإدارة الأميركية يؤكدون أن الجيش العراقي سوف يستسلم بسرعة وأن المواطنين العراقيين سيرحبوت بقوات الغزو التي ستحررهم من صدام إلاّ أن جنرالات أميركا يضعون في اعتبارهم أيضاً إمكانية أن يقاوم الجيش والشعب في العراق بشراسة ضد القوات الأجنبية التي تغزو بلادهم.
وفي هذه الحالة فإن الولايات المتحدة قد تجد نفسها في مستنقع دموي مروع وتواجه حملة انتقادات عالمية بالإضافة إلى غضبة عارمة في العالم العربي تشكل تهديداً رهيباً سواء لمصالحها في الشرق الأوسط أو لمخططاتها المستقبلية بالنسبة لهذه المنطقة الهامة جداً من العالم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق