Facebook

الضرر الذي سبّبه الجواسيس الاسرائيليين "الأصدقاء"

ذي كريستشيان سينس مونيتور The Christian Science Monitor الاثنين، 22 مايو 1989).

كان اعتقال جوناثان بولارد وإدانته "باتآمر للقيام بأعمال التجسس" لإسرائيل على الولايات المتحدة حدثاً مشحوناً بالعاطفة والمرارة في كلا البلدين. وحتى عندما تمّ الحكم عليه بالسجن مدى الحياة في آذار 1987 فإن العواطف لم تهدأ. صحيح أنه غاب عن الأنظار منذ ذلك الحين، لكن القضايا التي أثيرت بسبب تجسسه لا تزال تتفاعل.

لقد ساء كثرة من الإسرائيليين قيام حكومتهم بتزويد المحققين الأميركيين ببعض الأدلة التي أقنعت بولارد بأن يعترف بأنه مذنب. وفي الوقت ذاته شعر كثرة من اليهود الأميركيين أن الحكومة الإسرائيلية قد خيّبت أملهم فيها عندما أدين مسؤول إسرائيلي خلال الأشهر التالية بسبب تورطه في المؤامرة، وأعلن أن أربعة مسؤولين آخرين شاركوا فيها، ونُشرت تقارير عن ضلوع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي فيها.

وفي البداية حارت أجهزة المخابرات الأميركية العسكرية منها والمدنية في أمر اعتقال بولارد. ولكن منذ اعتقاله أخذ يتزايد شعورها بالغضب على إسرائيل وعدم الثقة بها، وذلك لأن تحقيقاتها الداخلية كشفت عن حجم العملية والضرر البالغ الذي ألحقته بأمن أميركا القومي، وعن عمليات إسرائيلية مشابهة للتجسس لم تكن معروفة.

وباختصار فإن قضية بولارد كان ولا يزال لها تأثير سلبي قوي على العلاقات العملية بين هذين البلدين اللذين عقدا تحالفاً أمنياً وثيقاً.

ولا عجب إذن في أن هناك محاولات جادة "لإعادة النظر" في القضية، وكسب العطف والتأييد لبولارد وزوجته التي كانت قد اعترفت بأنها مذنبة ولكن باقترافها جرماً أخف من جرم زوجها وهو "تسلّم ممتلكات حكومية" مسروقة.

فتألفت هيئتان إحداهما في نيويورك والأخرى في إسرائيل للعمل على إعادة الاعتبار للزوجين وجمع المال لدفع أجور المحامين وغيرها من تكاليف الدفاع عنهما. ويعمل كل من الدكتور مورس بولارد والد جوناثان ومحاميهما المشهور على الدفاع عنه على شاشات التلفزيون.

وألّف والد زوجته برنارد هندرسون كتاباً عنوانه "قصة جاسوس" يُخفّف من شأن الجرائم التي اقتُرفت، ويطالب بإخلاء سبيل الزوجين لاعتبارات إنسانية.

وقام وولف بليتزر، مراسل "الجيروزاليم بوست" بواشنطن، بتأليف كتاب آخر عنوانه "ساحة الأكاذيب" للغرض نفسه. وتحت هذا العنوان يجد القارئ عنواناً أصغر يقول بأن المؤلف هو الوحيد الذي مُنح حق الاتصال بالزوجين. والطريقة التي يستخدمها بليتزر هي تمكين جوناثان بولارد من انتقاء بعض مقاطع الاتهام وتجاهل أو تحريف المقاطع الأخرى.

والوتر الرئيسي الذي يضرب عليه الذين يطالبون بإعادة النظر في القضية هي أن الوثائق السرية التي سرقها بولارد وباعها لوحدة مخابرات خاصة تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية ذات أهمية أساسية لبقاء إسرائيل. ويقول بليتزر بالاستناد إلى محامي بولارد إن المواد المسروقة تحتوي على معلومات عمّا لدى الدول العربية من أنظمة أسلحة وأجهزة مخابرات وقدرات عسكرية، كما تحتوي على تحليل لنوايا الزعماء العرب السياسية وعلى تفاصيل عن الأسلحة السوفييتية التي ستقدّم لأعداء إسرائيل.

ومؤخراً جرت مقابلة مع والد بولارد عُرضت على شاشة التلفزيون خلال برنامج محطة إي. بي. سي. المعروف باسم "نايتلاين". وقال خلالها بأنه يستطيع فهم شعور ابنه عندما علم بأن الولايات المتحدة لا تُطلع إسرائيل على ما جمعته مخابراتها من معلومات عن "مصانع الغاز في سوريا وعن الهجمات المنتظرة التي ستقوم بها منظمة التحرير من لبنان".

فالمدافعون عن بولارد يحاولون أن يُظهروه في صورة شاب يهودي أميركي لامع تمزّقه هواجس القلق على بقاء إسرائيل من ناحية، وواجبه بوصفه ضابط مخابرات أميركي في حفظ أسرار الأمن في بلاده من جهة أخرى. ولا تخلو هذه الصورة من شيء من المنطق وحتى من الحقيقة. ولكن ليس هذا هو السبب الذي حُكم من أجله بالسجن المؤبد على بولارد. فالقضية أكبر بكثير.

ذلك أنه بعد اعتقال بولارد في نوفمبر 1985 بوقت قصير تأكد لمحققي وزارة الدفاع ومكتب التحقيق الفدرالي أن غالبية ما سرقه من وثائق لا علاقة له البتّة بمصالح الأمن الأساسية لإسرائيل. وقد أقلق هذا الحكومة الأميركية أكثر مما أقلقها ذلك العدد الهائل من الوثائق المسروقة التي تبلغ نحو 850.000 صفحة، أو حتى درجة السرية المصنّفة تبعاً لها. فأكثر من نصفها كان مصنّفاً بأنه سري من الدرجة الأولى.

فالمشكلة التي واجهت المحققين كانت في أساسها تتلخّص في أنهم تأكدوا من القوائم المخبأة في طاولة بولارد أنه كان يعمل وفقاً لطلبات وإرشادات محدّدة، أي أن العملاء الإسرائيليين كانوا قد توصّلوا إلى معرفة الوثائق التي يريدونها بعناوينها وأرقامها. فتبادر إلى أذهانهم للوهلة الأولى أن هناك عميلاً مجهولاً كان يوجّه بولارد نحو الوثائق المطلوبة. لكن المحققين تمكّنوا باستخدام جهاز كشف الكذب من حمل بولارد على الاعتراف بما شك فيه المسؤولون في وزارة الدفاع منذ البداية، فقال بأن إحدى الوثائق الأولى التي طُلب منه أن يسرقها هي الدليل الضخم لمعرفة الوثائق العسكرية السرية الذي يتجدّد كل ثلاثة أشهر. ففي هذا الدليل قوائم بأسماء عشرات الآلاف من الوثائق مع نبذة قصيرة عن محتويات كل منها. وعليه فإنه لم يعد هناك مجال لافتراض وجود عميل مجهول.

وهكذا فإن ما حصل عليه الإسرائيليون منه كان بالضبط ما أرادوه. فما الذي حصلوا عليه؟ جاءت الصدمة الأولى التي أصابت محققي مكتب التحقيق الفدرالي عندما حلّلوا خمساً وعشرين وثيقة مسروقة وجدوها في حقيبة كانت آن بولارد (زوجة بولارد) قد أخرجتها من شقتهما بناء على تعليماته لها بعد أن قامت وزارة الدفاع بالتحقيق معه. وتبيّن أن عدداً كبيراً منها من النوع السري للغاية، وكلّلها تقريباً تتعلّق بالقدرات والأسلحة الأميركية. والسؤال الآن هو لماذا كان الإسرائيليون يريدون هذه المعلومات؟

إن الإجابة على هذا السؤال كما يُفهم من كبار مسؤولي وزارة الدفاع والعاملين بمكافحة التجسس في مكتب التحقيقات الفدرالي الذين راجعوا التعليمات التي تلقّاها بولارد من العملاء وسجّلها لا تزال هدفاً رئيسياً للتحقيق. وقد تبين من سجلات التعليمات هذه والسجلات الكمبيوتر في قسم المخابرات بوزارة الدفاع حيث تمكّن بولارد من الحصول على أكثر الوثائق المسروقة أن أكثر الوثائق التي سلّمها بولارد للعملاء لا تتصل إطلاقاً بالشرق الأوسط، فهي تشتمل على تفاصيل متعلّقة بالمخابرات والقدرات والاتصالات العسكرية الأميركية والروسية. كما تشتمل حسب ما جاء في لائحة الاتهام على تفصيلات عن مواضع السفن ومحطات الطيران الأميركية وأساليب القتال، وطرق تدريب الجند في الجيش الأميركي. ولم تكن هناك أهمية لأكثر هذه المعلومات إلاّ لدى بلد واحد وهو الاتحاد السوفييتي.

وتزايد قلق الأميركيين خلال التحقيق مع بولارد عندما كشف سوفييتي كان قد هرب إلى الولايات المتحدة أن هناك بالإضافة إلى الجاسوسين السوفييتيين اللذين قُبض عليهما في إسرائيل وسُجنا (وهما شبتاي كلمانوفيتش وماركوس كلينبرغ) جاسوس ثالث بإسرائيل لم يُقبض عليه. وأضاف أن هذا يحتل مركزاً مهماً في وزارة الدفاع الإسرائيلية وأنه لا يزال يزاول التجسس. ومن المحتمل أن تكون الأسرار التي أرسلها بولارد إلى إسرائيل قد وجدت طريقها إلى الاتحاد السوفييتي سواء أكان هذا هو الهدف أم لم يكن.

وهناك نغمة أخرى يضرب عليها المدافعون عن بولارد وهي أن الحكم الذي صدر عليه كان قاسياً جداً لأن الوثائق المسروقة بغض النظر عن حجمها وأهميتها أرسلت إلى دولة حليفة. كما أنهم يشكّكون في وقوع ضرر كبير نتيجة لذلك. وتناسى هؤلاء أنه من المؤكد أن المذكرة التي أعدّها كاسبر وينبرغر وزير الدفاع عن الضرر الذي ألحقه بولارد بالولايات المتحدة وتقع في 46 صفحة هي التي حملت القاضي أوبري روبنسون على الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

وفي الأشهر التي أعقبت سجن بولارد حمل مناصروه على وينبرغر بسبب دوره في إصدار الحكم. وقد وصف المستر درشوفيتز مذكرة وينبرغر بأنها "مستنقع قذر". وقال أيضاً في مقال صحفي "إن وزارة الدفاع لا تستطيع أن تنتظر من الشعب الأميركي بأن يقبل مبالغاتها المفضوحة على علاّتها، وخاصة عندما تضرب بالمنطق عرض الحائط".

أما بليتزر فكان أكثر تحفظاً في كتابه. إذ اعترف بأن بولارد ألحق بالفعل ضرراً بالأمن القومي الأميركي، إلاّ أنه أضاف تحذيراً غريباً للقارئ عندما يقول بأنه تمّ احتواء قسم كبير من الضرر "بسبب فضح العملية" من جهة، وتعاون مسؤولي المخابرات الأميركية والإسرائيلية- وإن لم يكن تعاونهم كاملاً- على إصلاح الضرر.

والملاحظ أن هناك أمرين يشترك فيهما جميع الذين دافعوا عن بولارد : الأول تفاؤلهم الذي لا مبرر له، والثاني إساءة فهم شديدة لضرورات أي جهاز أمني. فالمعلومات التي أرسلها بولارد للإسرائيليين تشمل المواد التالية :

- معلومات عن الأنظمة الفنية للمخابرات والأخبار التي جُمعت بواسطتها.

- دراسات تحليلية مفصّلة تشتمل على حسابات ورسوم بيانية وصور للأقمار الصناعية وأسماء الذين قاموا بها.

- معلومات عن أشخاص أغفلت أسماؤهم ولكن يمكن لمحلّل قدير في المخابرات أن يعرفها.

- ثلاث فئات من المراسلات اليومية طوال سبعة عشر شهراً.

اعترف بولارد بأنه لم يقتطع أي جزء من الوثائق التي سلّمها لعملاء إسرائيل. والواقع أن الوثائق التي وُجدت في شقته كانت كاملة. وكذلك كان الأمر بالنسبة للوثائق التي أعادها الإسرائيليون وعددها 163 وثيقة. ومعنى هذا أن الوثائق اشتملت على جميع التفاصيل عن مصادر الأخبار وطرق جمعها. وحتى لو أن بولارد حاول أن يقتطع أجزاء من الوثائق لما استطاع، وذلك لعدم قدرته على ذلك، خاصة وأنها تقع في آلاف الصفحات وتتناول مئات الموضوعات.

ولنأخذ مثلاً على ذلك الوثائق المسروقة التي تشتمل على صور عسكرية التقطتها الأقمار الصناعية الأميركية. فلو نشرت صورة من تلك الصور في مجلة عسكرية فكلّ ما يمكن لأجهزة التجسس الأجنبية أن تستخلصه منها هو أن وكالة الأمن القومية مهتمّة بموضوع الصورة بالإضافة إلى تكوين فكرة عن قوة الكاميرات المثبتة في الأقمار الصناعية. أمّا إذا استطاعت تلك الأجهزة الحصول على الصور الأصلية أو حتى على نسخ جيدة من تلك الصور، فإنها تستطيع أن تحصل على المعلومات الفنية التي يسجلها جهاز القياس في القمر الصناعي مثل موضع ذلك القمر الزمن وعلوّه. وعند وقوع هذه المعلومات في يد أجنبية يتعيّن على وكالة الأمن القومية أن تقوم بعملية باهظة التكاليف، وهي تغيير موضع القمر أو حتى مساره كلّه، وذلك لأن انكشاف المعلومات يحرم صاحبها من عنصر المفاجأة.

وهذا هو ما قصده وينبرغز عندما أشار إلى ضياع "مكاسب قومية استغرق الحصول عليه سنوات من الجهد المتواصل وتسخير الموارد الوطنية". ولقد قامت ثلاث جهات منفصلة في وزارة الدفاع بتخمين الأضرار الناجمة عن سرقة الوثائق، لكنها لم تستطع أو لم تشأ كشف مقدارها بالدولارات. لكن كلا منها تحدّثت عن "عدة بلايين من الدولارات" كتقدير إجمالي، وقالت بأن غالبية الأضرار لحقت بوكالة الأمن القومي.

هذا عدا شبكات التجسس التي انكشفت والمخاطر الشديدة التي يتعرض لها الجواسيس الذين كشف عن هوياتهم ومواضعهم ونشاطاتهم.

والواقع أنه لا فرق بين وصول الوثائق إلى إسرائيل أو إلى بلد آخر كتشيكوسلوفاكيا. فلا يمكن لأي جهاز أمن قومي في العصر الحديث أن يعرض حياة العديدين للخطر وأن يغامر ببلايين الدولارات في عمليات لا يسيطر على سريتها. فمتى ذهبت السرية ذهب كل شيء. وحتى لو افترضنا أن بولارد بعث بالبريد نصف تلك الوثائق لمقر المخابرات الروسية (الكي. جي.بي.) بموسكو وأودع النصف الآخر لدى صديق له في بثيسدا بولاية ماريلاند فإن ذلك لا يغيّر شيئاً من قيمة الأضرار التي ألحقها بالأمن القومي.

وفي هذه الحالة سلمت المواد إلى دولة أجنبية كانت الولايات المتحدة تعتقد أن السوفييت تغلغلوا في أجهزة مخابراتها. وعندما سئل المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (السي. آي. إي ريتشار هلمز مؤخرا عمّا إذا كان على الولايات المتحدة أن تفرّق بين أولئك الذين يبيعون الأسرار "للأصدقاء" وبين الذين يبيعونها "للأعداء" كان جوابه أنه لا فرق بين هؤلاء وأولئك "لسبب بسيط وهو أننا لا نعرف شيئا عن أجهزة الأمن في تلك الدول".

والواقع أن تعليق هملز يؤكد على أمر هام آخر بالوثائق التي وصلت إلى إسرائيل عبر بولارد وهو إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي كان يمكن لها أن تستخدم ذلك القدر الكبير من الوثائق.

كان رفائيل إيتان مدير الـ "ليكيم" أي الوحدة في وزارة الدفاع التي أدارت عملية بولارد هو مستشار إسحاق شامير وشيمون بيريز حول شؤون المخابرات ومكافحة الإرهاب. ويذكر بليتزر في كتابه أنه عندما تولّى بيريز رئاسة الوزراء في سبتمبر 1981 (أي بعد تجنيد بولارد لسرقة الوثائق بوقت قصير) "طلب من إيتان أن يتخلى عن مسؤوليته في مكافحة الإرهاب". لكن ما لا يذكره بليتزر هو أن إيتان ظل يمارس عمله في المخابرات بمكتب رئيس الوزراء إلى أن تم القبض على بولارد.

ومصدر معلوماتي هذه هو توماس بكرنج الذي كان إذ ذاك سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل. وعندما ذكر تورّط إيتان بعملية بولارد سألته وزارة الخارجية الأميركية عن علاقة إيتان برئيس الوزارة، فأجاب بما ذكرناه في برقية "سرية" (رقم 17246 بتاريخ 26 نوفمبر 1984) لوزير الخارجية. وقد سمح لي بالاطلاع على هذه البرقية بناء على قانون حرية المعلومات.

وربما كان الجانب الأشد إحراجاً لإسرائيل من قضية بولارد، والسبب الرئيسي الذي من أجله يرغب المتورطون مباشرة فيها أن يطلق سراحه وأن يتم إغلاق القضية نهائياً هو الإطار السياسي الذي تمت فيه العملية. إذ تخشى إسرائيل طرح المزيد من الأسئلة التي تكشف عن تورطها في التجسس على الولايات المتحدة ؟ وهل كان بولارد الوحيد الذي قبض عليه وهو يتجسس أم أنه كان الوحيد الذي قبض عليه وحوكم ؟.

الواقع أن بولارد لم يكن أول من فعل ذلك كما أنه لم يكن أول جاسوس لإسرائيل يقبض عليه أو حتى يقبض عليه ويحاكم. ويفرّق بليتزر بين نوعين من التجسس : أوّلهما ما يسمّيه بالتجسس الودّي أو تجسس الأصدقاء، والاني هو التجسس الخسيس الذي يجند من أجله العملاء ويدفع المال لقاء الحصول على المعلومات. ويتم النوع الأول بوسائل فنية مكشوفة أو عبر الملحقين العسكريين بالسفارات وغيرها، وهذا ما يفعله الجميع. ويضيف بليتزر أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا منذ عشرات السنين تلتزمان باتفاق يقضي بعدم ممارسة إحداهما النوع الثاني ضد الأخرى.

وما يقوله بليتزر كلام فارغ. فالجكومة الإسرائيلية ذاتها كانت أكثر صراحة منه. فبعد اعتقال بولارد بوقت قصير أصدر بيريز رئيس الوزراء بياناً يقول فيه : "إن التجسس على الولايات المتحدة يتنافى كلياً مع سياستنا". لكن من الواضح أن ما يقوله غير صحيح. فالحكومة الإسرائيلية كانت منذ فتح سفارتها في واشنطن عام 1948 تتجسس على واشنطن.

ويمكن للقار أن يكون فكرة عن ذلك من القائمة الواردة في المقال السابق بالرغم من أنها ليست كاملة. فهناك أدلة ثابتة على قيام إسرائيل بعمليات مشابهة لعملية بولارد. لكن لماذا بقيت تلك العمليات بعيدة عن الأضواء ؟ أجاب على هذا السؤال مسؤول كبير في مكتب التحقيقات الفدرالي فقال : "إن 95% من تلك المعلومات لم تصل المحاكم". وأضاف هذا المسؤول أنه هو نفسه أعدّ ملّفين كاملين لعمليتين مشابهتين لعملية بولارد وذلك لإقامة دعوى مماثلة. لكن تم إسقاط الدعوى في كلّ من الحالتين في اللحظة الأخيرة.

ومنالمؤكد أن بولارد لم يكن أول جاسوس لإسرائيل في أميركا. ويحتمل أن لا يكون آخر جاسوس. لكنه كان أكثر الجواسيس نشاطاً وفعالية. ومهما يكن من أمر فإنني أشعر أن كثرة من المسؤولين في المؤسسة العسكرية الأميركية وفي أجهزة المخابرات سوف يسعدهم أن يطلق سراح بولارد وزوجته وأن يسمح لهم بالذهاب إلى إسرائيل. لكن هذا يتوقف على ما يمكن أن تحصل عليه الولايات المتحدة مقابل ذلك. فقد يحدث تبادل ثلاثي للجواسيس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يشمل الجواسيس السوفييت في السجون الإسرائليين. ويمكن القول بصورة عامة إنه ليس هناك شعور بالنقمة على بولارد شخصياً في واشنطن. لكن من المؤكد أن أي جاسوس إسرائيلي آخر سينكشف أمره في الولايات المتحدة حيث سيعامل كجاسوس.


Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق