Facebook

ما هي طبيعة الدبلوماسية الخليجية الصاعدة، وهل هو صعود حقيقي أم صعود مصطنع

حدثت التقارير والدراسات والتحليلات السياسية عن الدور المتعاظم الذي لعبته دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية ـ الكويت ـ قطر ـ البحرين ـ الإمارات العربية المتحدة ـ سلطنة عمان) لجهة التأثير على فعاليات حركات الاحتجاج السياسي الشرق أوسطية، وعلى وجه الخصوص في سوريا والبحرين وليبيا واليمن، إضافة إلى مصر وتونس: فما هي حقيقة الدور الخل
يجي الجديد، وما هي طبيعة الدبلوماسية الخليجية الصاعدة، وهل هو صعود حقيقي أم صعود مصطنع؟


* الدور الخليجي الجديد في الشرق الأوسط: توصيف المعلومات الجارية


تابع جميع خبراء الشؤون الدولية والإقليمية باهتمام بالغ، تحركات دول مجلس التعاون الخليجي إزاء ملفات حركات الاحتجاج السياسي الشرق أوسطية، وهي تحركات أخذت طابعاً تدخلياً صرفاً وذلك على النحو الذي لم يعد مجرد دبلوماسية تقليدية تسعى لتحقيق التهدئة وإجراء المصالحات بين الفرقاء، وإنما جسدت دبلوماسية تدخلية سعت لجهة التعامل مع تطورات الأحداث والوقائع، ومحاولة توجيه وإدارة فعالياتها، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• التدخلات الخليجية الساعية من أجل استهداف الأنظمة: وتمثلت في التدخلات الخليجية الجارية حالياً في ملف حركة الاحتجاجات السياسية السورية، وأيضاً في ملف حركة الاحتجاجات السياسية الليبية، إضافة إلى ملف حركة الاحتجاجات السياسية الإيرانية.
• التدخلات الخليجية الساعية من أجل الإبقاء على الأنظمة: وتمثلت في التدخلات الخليجية الجارية حالياً في ملف حركة الاحتجاجات السياسية البحرينية وأيضاً في ملف حركة الاحتجاجات السياسية اليمنية، وملف حركة الاحتجاجات السياسية الأردنية، والمغربية.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي الستة، قد سعت إلى مساندة بعضها البعض، خلال فترة اندلاع الاحتجاجات في المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، وقطر والكويت، وإضافة لذلك، بالنسبة للاحتجاجات المصرية والتونسية، فقد تميز تدخل دول مجلس التعاون الخليجي بالآتي:
• الاحتجاجات التونسية: سعت دول مجلس التعاون الخليجي لجهة تعزيز موقف نظام الرئيس زين العابدين بن علي، ولكن، بعد انهيار النظام، سعت دول المجلس لجهة العمل ضمن محورين، الأول توفير الملاذ الآمن للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وأسرته ورموز نظامه، والثاني، العمل على دعم القوى السياسية التونسية ذات التوجهات المتطابقة مع توجهات نظام الرئيس زين العابدين بن علي، وذلك على النحو الذي يتيح صعود نظام سياسي تونسي يمضي في نفس توجهات النظام السابق.
• الاحتجاجات المصرية: سعت دول مجلس التعاون الخليجي للقيام بدور فاعل من أجل الحيلولة دون سقوط نظام الرئيس المصري محمد حسني مبارك، إضافة إلى السعي من أجل توفير الملاذ الآمن للرئيس مبارك وأسرته ورموز نظامه، وبعد سقوط النظام، ظلت دول مجلس التعاون الخليجي أكثر حرصاً لجهة العمل ضمن محورين، الأول الحيلولة دون تقديم الرئيس المخلوع حسني مبارك وأفراد أسرته ورموز نظامه للمحاكمة، والثاني، القيام بدعم القوى السياسية المصرية التي يؤدي صعودها إلى قيام نظام يمضي في نفس توجهات النظام السابق.
لم تكتف دول مجلس التعاون الخليجي لجهة القيام باستخدام الوسائل المالية والإعلامية في إنفاذ توجهاتها التدخلية وحسب، وإنما سعت إضافة لذلك لجهة الانخراط في التحالفات الدولية المعلنة والغير معلنة، جنباً إلى جنب مع واشنطن وباريس ولندن، وحلف الناتو، إضافة إلى تركيا، إضافة إلى العمل من أجل استغلال وتوظيف جامعة الدول العربية ومؤسسات العمل العربي المشترك، والسعي لتحريض بعض الدول العربية من أجل الوقوف إلى جانب توجهاتها التدخلية، كما حدث في حالة ملف الاحتجاجات الليبية، ويحدث الآن في ملف الاحتجاجات السورية.


* حقيقة قوة النفوذ الخليجي: المشهد الحقيقي وإشكالية الصورة المقلوبة

بسبب قلة عدد السكان، وتزايد صادرات النفط والغاز، فقد أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي الستة، الأوفر حظاً من بين بقية دول الشرق الأوسط لجهة الحصول على عائدات مالية أتاحت لها بناء الأرصدة المالية الكبيرة، إضافة إلى قدرة استخدام وتوظيف الأموال في مختلف المجالات، ولكن بسبب القيود الأمريكية المفروضة على هذه الدول، يمكن الإشارة إلى أن عملية بناء قدرات الدولة الاستراتيجية قد تميزت بالآتي:
• القدرات الاقتصادية: ظل الاقتصاد الخليجي يعمل كاقتصاد ريعي يعتمد على عائدات النفط، وبرغم توافر الموارد الأخرى، فإن هذه الدول لم تستطع حتى الآن من إقامة أي استثمارات حقيقية في المجالات غير النفطية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، توجد كميات كبيرة من المخزونات المعدنية في المناطق الجبلية والصحراوية، إضافة إلى القدرة على بناء المدن الصناعية على غرار مدن هونغ كونغ وسنغافورة، ولكن، وبسبب سيطرة واشنطن على الأرصدة المالية الخليجية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تظل لفترة طويلة غير قادرة عملياً على بناء القدرات الصناعية والتعدينية.
• القدرات الاجتماعية: تتميز الكتلة الديموغرافية الخليجية، بقلة العدد إضافة إلى تزايد روح الانتماء القبلي ـ العشائري، مع الحضور القوي الفاعل للنزعة الدينية السلفية الإسلامية، وبرغم توافر الخدمات التعليمية، فإن الأغلبية العظمى من النخبة الخليجية تفضل البقاء في البلدان الغربية، إضافة إلى عدم الرغبة في الالتحاق بالوظائف العامة والخاصة، وحالياً تشهد الكتل المجتمعية الخليجية المزيد من الخلافات والانقسامات ذات الطابع العدائي، بين الأقليات الشيعية والأغلبيات السلفية.
• القدرات التكنولوجية: لم تسعى الدول الخليجية إلى تصنيع التكنولوجيا برغم توافر الإمكانيات. وبدلاً عن ذلك سعت إلى استيراد التكنولوجيات المتطورة، بما أدى إلى زيادة معدلات التبعية التكنولوجية، إضافة إلى عدم القدرة على توطين هذه التكنولوجيا، ومن أبرز الأمثلة الدالة على ذلك تقول المعلومات بأن الإنترنت يستخدم بشكل أساسي لأغراض الرفاهية وليس للأغراض العلمية.
• القدرات العسكرية: برغم استيراد دول الخليج للعديد من أنماط الأسلحة والعتاد العسكري الأمريكي والأوروبي الغربي المتطورة، فإن جيوش بلدان التعاون الخليجي ما تزال أكثر تميزاً بعنصر الهشاشة والضعف الهيكلي والوظيفي، إضافة إلى عدم فاعلية القدرات القتالية الأمر الذي أدى بدوره ليس إلى التبعية التسليحية وحسب، وإنما إلى المزيد من الاعتماد الكامل على القوات الأمريكية لجهة القيام بتحمل أعباء الدفاع عن أمن الخليج.
• القدرات الدبلوماسية: سعت دول مجلس التعاون الخليجي الستة إلى نشر واحدة من أكبر شبكات البعثات الدبلوماسية في المسرح الدولي، ولكن برغم ذلك، فإن هذه البعثات ما تزال قليلة الفاعلية، ولم تنجح حتى الآن في بناء التحالفات الإقليمية والدولية بالقدر الفاعل لجهة تحقيق الإنجازات الهامة، وعلى وجه الخصوص في ملفات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وملفات التعاون الاقتصادي الدولي والإقليمي، ولا حتى في تخليص دول التعاون الخليجي من نفق التبعية الدبلوماسية لأمريكا.
• القدرات السياسية: خرج الاستعمار البريطاني من بلدان الخليج في مطلع ستينات القرن الماضي، وطول الخمسين عاماً الماضية، ظلت النخب العائلية التي سلمها البريطانيون مقاليد السلطة، أكثر اهتماماً باحتكار مؤسسات السلطة التشريعية، والتنفيذية والقضائية، إضافة إلى تركيز هذه السلطة في يد الحاكم الفرد ضمن نظام الملكيات المطلقة، الأمر الذي أدى بدوره إلى انغلاق النظام السياسي وعدم انفتاحه على مشاركة المواطنين، بما أسفر بالضرورة عن تزايد أعداد المعارضات الداخلية والخارجية.
على خلفية هذه القدرات، يمكن بسهولة ملاحظة الحقيقة القائلة بأن بلدان مجلس التعاون الخليجي غير مؤهلة في الوقت الحالي لجهة القيام بممارسة أي نفوذ إقليمي أو دولي، وسوف تظل كذلك لفترة طويلة، ولكن ما هو مثير للاهتمام يتمثل في أن هذه الدول تقوم حالياً بالمزيد من الأدوار التدخلية السياسية والأمنية والدبلوماسية ضد سيادة العديد من بلدان الشرق الأوسط، ومن أمثلة ذلك: التدخل الخليجي في سوريا ومصر وليبيا والصومال وتونس واليمن وإيران وأفغانستان وباكستان. إضافة إلى بلدان آسيا الوسطى ومناطق القوقاز الجنوبي التابعة لروسيا، وتقول آخر المعلومات بأن الأطراف الخليجية تنخرط حالياً في عملية تدخل واسعة ضد مناطق شمال غرب الصين وتحديداً مقاطعة سينكيانج التي يقطنها الإيغور المسلمين.


* فك لغز التدخل الخليجي: ما هو مفتاح الشيفرة؟

أشارت العديد من التقارير والدراسات والتحليلات السياسية، إلى أن قيام نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بعملية غزو واحتلال الكويت، قد خلق حالة من الفوبيا في أوساط النخب السياسية العائلية الخليجية، الأمر الذي دفعهم لجهة القيام باستجلاب القوات الأمريكية وإعطاءها كافة التسهيلات والمزايا في مناطق السيادة الخليجية. وبالمقابل وجدت واشنطن ومن ورائها إسرائيل الفرصة سانحة لجهة القيام بالتمركز الفاعل في هذه البلدان، وبسبب التفوق الكبير للقوات الأمريكية على القوات الخليجية في بنود معادلة توازن القوى، فقد أصبحت هذه البلدان واقعة تحت ما يمكن أن نطلق عليه تسمية الاحتلال العسكري الأمريكي غير المعلن لبلدان مجلس التعاون الخليجي.
استندت أمريكا على معطيات هذا الاحتلال العسكري، وسعت لجهة القيام بعمليات الإملاءات القسرية الوحيدة الاتجاه على العواصم الخليجية، وذلك بما أدى إلى نشوء الظواهر الآتية:
• المؤشر الاقتصادي: أصبح المال الخليجي مورداً هاماً لتمويل مخططات ومشاريع الولايات المتحدة الأمريكية، فأنفقت دول الخليج على تمويل قيام القوات الأمريكية لغزو واحتلال العراق، إضافة إلى القيام بتمويل العمليات السرية الأمريكية ضد لبنان، وضد ليبيا وضد إيران. والجارية حالياً ضد سوريا.
• المؤشر الدبلوماسي: لم تعد الدبلوماسية الخليجية قادرة على تجاوز سقف الدبلوماسية الأمريكية، وبرغم أن الدبلوماسية الخليجية قد طرحت في عام 2002م مبادرة السلام الشاملة، فإن بنود هذه المبادرة وجدت التجاهل والإهمال الأمريكي الكامل، إضافة إلى انصياع الدبلوماسية الخليجية لجهة القبول بالمشاركة في مؤتمر سلام أنابوليس الذي خصصته أمريكا من أجل القضاء على مبادرة السلام الشامل.
توجد العديد من المؤشرات الأخرى الإضافية، وتقول التحليلات الجارية، بأن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت تشهد حالياً مرحلة انتقالية جديدة لجهة التحول من مجرد القيام بدور “القاعدة العسكرية للقوات الأمريكية” لجهة القيام بدور “قاعدة انطلاق العدوان الأمريكي” ضد دول منطقة الشرق الأوسط. وقد بدأ العدوان ضد ليبيا وما زال مستمراً، كذلك العدوان الأمني ـ الإعلامي ـ السياسي ضد سوريا الجاري حالياً والذي ما زال مستمراً. إضافة إلى الاحتمالات المتزايدة لجهة القيام بدور منصة انطلاق العدوان المتوقع ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق