Facebook

ريتشارد هيلمز كبير الجواسيس الأميركيين


أسرار كثيرة عن العالم والشرق الأوسط دُفنت معه

في الثاني والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2002 مات ريتشارد ديك هيلمز عن عمر ناهز 89 عاماً عاش معظمه في العمل المخابراتي والتجسسي الأميركي ووصل إلى منصب مدير وكالة المخابرات المركزية ال "سي آي آي" في فترة المواجهات أثناء الحرب الباردة. مجلة "تايمز" تحدثت عنه في 24/10/2002 وقالت إنه كان آخر أفراد المجموعة المحدودة التي قادت ال "سي آي آي" لفترة 25 عاماً، وأنه عمل في المخابرات الأميركية في عهد الأيام الهادئة التي يمكن فيها لضابط في المخابرات الأميركية النجاة من جريمة قتل ثابتة دونما خوف أو فزع من لجنة مراقبة أو تحقيق تابعة للكونغرس.

وكان ريتشارد هيلمز من كبار خبراء التجسس والعمليات القذرة السرية، وأكثر من انشغل كرئيس لل "سي آي آي" بمهام التجسس في أوج الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو. ففي الخمسينات والستينات تسلق هيلمز بشكل متواصل سلم الترقيات حتى أصبح رئيساً للوكالة. ولعل أصعب ما واجهه من مهام كان خلافه مع الرئيس الأميركي نيكسون في أعقاب فضيحة ووترغيت الشهيرة. ففي ذلك الوقت تورطت ال "سي آي آي" في عمليات تجسس داخلية على المعارضين لحرب فيتنام وعلى المرشحين من الحزب الديموقراطي المنافسين لنيكسون في انتخابات الرئاسة الأميركية. وعندما وجد هيلمز نفسه بموجب ما تقوله "التايمز" أمام موقف الانجرار وراء نيكسون في تجسسه على الديموقراطيين، حاول تحدي نيكسون والابتعاد عن هذه المهمة الخطيرة ولذلك أقاله نيكسون لأنه رفض تنفيذ ما يرغب به.

وبعد الكشف عن عملةي "ووترغيت" السرية هذه تعرض هيلمز لمساءلة من لجنة الكونغرس وكاد يتعرض للسجن بعد أن تبيّن أنه قام بدور في هذه الفضيحة، وإذا استعرضنا حياة هيلمز كما جاءت في "التايمز" (24/10/2002) سنجد أمامنا شخصية أميركية فريدة، فقد ولد هيلمز في بنسلفانيا وكانت أسرته غنية فأرسلته إلى مدارس في سويسرا وألمانيا.

وحين بلغ هيلمز الثالثة والعشرين أي في عام 1936 عمل مراسلاً لوكالة أنباء "يونايتد برس" في ألمانيا حيث غطى أنباء الأولمبياد الدولي الذي جرى فيها.

وتوفرت لهيلمز فرصة إجراء مقابلة صحفية مع زعيم النازية الألماني أدولف هتلر في نوريمبورغ. وعند عودته إلى الولايات المتحدة عمل في مهمة إدارية في إحدى المؤسسات الصحفية "سكريبس هوارد" وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939 انضم إلى سلاح البحرية الأميركية.

أحد مؤسسي ال "سي آي إي"

ولأن هيلمز كان على دراية بألمانيا واللغة الألمانية، قام أول جهاز تأسيسي لوكالة المخابرات المركزية "سي آي إي" وكان يدعى "مكتب الخدمات الاستراتيجية" بتوظيفه داخل هذا الجهاز الذي أصبح يطلق عليه فيما بعد اسم "وكالة المخابرات المركزية". وكانت لندن أولى محطات عمله التجسسي ثم تلتها باريس ثم برلين بعد انتهاء الحرب وبداية فترة الحرب الباردة.

وكان هيلمز من أوائل المكلفين بإعداد خطة ونظام للعمل التأسيسي لوكالة المخابرات المركزية. ولذلك كان هيلمز وجيمس جيساس انغيلتون هما مؤسسي ال "سي آي إي" عملياً، وكانا مسؤولين عن أعمالها خلال ربع قرن.

ففي هذه الوكالة تدرج هيلمز في مهامه ومناصبه من نائب مدير التخطيط، ثم مديراً للتخطيط ثم أصبح نائباً لمدير ال "سي آي إي" لمهام العمليات السرية والتجسس. وتولى في هذا المنصب إقامة العلاقات مع الأحزاب والشخصيات المتعاملة والمتعاونة مع المخابرات الأميركية والسياسة الأميركية. ومما لا شك فيه أنه لعب دوراً في العديد من الانقلابات التي وقعت في فترة منصبه هذا. فهو العقل المخطط والمشرف على الانقلاب الإيراني الذي نفذ ضد محمد مصدق وإعادة شاه إيران إلى السلطة في بداية الخمسينات. وكان رئيس المخابرات الأميركية انغيلتون في ذلك الوقت منشغلاً في العمل التجسسي المضاد وأقام علاقات صداقة مع كيم فيلبي العميل البريطاني الذي كان يعمل لصالح السوفيات رغم منصبه الكبير داخل المخابرات البريطانية. وعندما انكشف أمير فيلبي ازدادت مخاوف انغيلتون أول مدير لل "سي آي إي" من اختراق موسكو لهذه الوكالة، وهذا ما جعل ال "سي آي إي" تصاب بالشلل وعدم الفاعلية في الرد التجسسي. وفي عام 1961 نجح هيلمز في تجنب آثار فشل عملية خليج الخنازير السرية التي قامت بها ال "سي آي إي" ضد كوبا ولم تتم إقالته من منصبه في الوكالة رغم أن ذلك الفشل كاد يطيح بمدير الوكالة الآن دالاس ونائبه ريتشارد بيسيل الذي كان المسؤول المباشر عن هيلمز.

عملية خليج الخنازير

فقبل فشل هذه العملية السرية صدرت الأوامر لهيلمز بإنشاء قوة سرية تتولى قلب نظام الحكم في كوبا. لكن هيلمز أدرك احتمالات فشل مثل هذه المهمة فعيّن بدوره وليام هارفي قائداً لهذه القوة السرية التي كلفت باغتيال كاسترو وقلب نظام الحكم. وعند فشل هذه العملية التي أطلق عليها (عملية مونغوز) جرت التضحية بهارفي وإقالته من العمل في ال "سي آي إي" ونجا هيلمز من أي عقوبة.

وفي السبعينات تم الكشف بموجب طلب الكونغرس عن القصص المذهلة للعمليات السرية القذرة التي جرت ضد كوبا وظهرت الكثير من محاولات اغتيال كاسترو وتجنيد المافيا الأميركية، والأميركية اللاتينية في الانقلابات. لكن على الرغم من فشل ال "سي آي إي" في عملية "مونغوز" فقد ظهرت منتصرة لأنها نجحت في الكشف عن أول موقع نصبت فيه صواريخ نووية سوفياتية فوق جزيرة كوبا ولعب هيلمز دوراً جيداً في هذه المهمة.

محاولات اغتيال بالجملة

وكان هيلمز والمكتب الذي يقوده لتنفيذ هذه العمليات هما المسؤولين عن محاولة اغتيال زعيم الكونغو باتريس لومومبا، وأعد هيلمز خطة اغتياله الأولية عن طريق وضع غيروس قاتل في طعامه أو في فرشاة أسنانه. وجرى إرسال (حقنة) وقناع (يرتديه عادة الأطباء على وجههم عند القيام بعملية جراحية) وقفازات لليدين إلى الكونغو بحقيبة ديبلوماسية. لكن هذه العملية فشلت لأن ال "سي آي إي" عجزت عن ترتيب أي إمكانية للوصول إلى لومومبا أو مكان إقامته. وبعد فشل هذه المحاولة وضعت ال "سي آي إي" خطة لإرسال قاتل محترف عميل لها لقتله بأي طريقة أخرى ممكنة. وكان هيلمز ومكتبه للعمليات القذرة هما المسؤولين أيضاً عن محاولة غير ناجحة لاغتيال عبد الكريم قاسم زعيم العراق في نهاية الخمسينات حين أرسلت له ال "سي آي إي" منديلاً ساماً يؤدي إلى شلله التام فكرياً وجسدياً.

ويقول روبرت تماكنمارا وزير الدفاع الأميركي في عهد جونسون وبداية التورط الأميركي في فيتنام إن هيلمز كان لديه حذر شديد تجاه فيتنام وطالب ليندون جونسون (الرئيس الأميركي) بعدم التورط في فيتنام لأن ذلك سيدفع إلى مزيد من التورط العميق.

الصدام مع كيسنجر

ففي عام 1965 عين هيلمز نائباً لمدير ال "سي آي إي" ثم أصبح عام 1966 مديراً عاماً لها. وبعد سنتين أصبح نيكسون رئيساً للولايات المتحدة وحرب فيتنام في أوج مضاعفاتها والخسائر الأميركية البشرية في ازدياد. لكن هيلمز لم يحظَ بثقة الرئيس نيكسون خصوصاً وأن اعتماد نيكسون على هنري كيسنجر كان كبيراً وكيسنجر كان يسعى إلى زيادة نفوذه ودفع خطته هو إلى الإدارة الأميركية وإبعاد الحذر الذي يتبعه هيلمز تجاه فيتنام. ويذكر أن كيسنجر كان يتولى منصب مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون. ووصلت العلاقة بين نيكسون وهيلمز إلى أسوأ مراحلها بعد فضيحة "ووترغيت" الخاصة بالتجسس على مقر الحزب الديموقراطي. وعند ذلك حاول نيكسون توجيه هيلمز ونائبه في ال "سي آي إي" فيرنون وولترز بمنع مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بين آي) من متابعة التحقيق في مسألة "ووترغيت" بحجة إنها مسألة تتعلق بالأمن القومي الأميركي. وهذا الموضوع من اختصاص ال "سي آي إي" لكن هيلمز وولترز رفضا منح نيكسون مثل هذا الغطاء، وعلى الفور استدعى نيكسون هيلمز إلى مكتبه في كامب ديفيد وأقاله من منصبه. ولإخفاء السبب الحقيقي الذي يقف وراء إقالته، أعلن نيكسون أنه قرر تعيين هيلمز سفيراً للولايات المتحدة في إيران وبقي هيلمز في ذلك المنصب حتى عام 1977 واعترف أنه لم يقدم الدلائل كافة على نشاطات ال "السي آي إي" في تشيلي أثناء استجواب الكونغرس له. وقال هيلمز للمحكمة إنه أصبح مثل من "بلع الموسى على الحدّين" " "لقد أقسمت أن لا أفشي أسراراً معينة بحكم منصبي وفي الوقت نفسه لا أريد أن أكذب". لكن القاضي قال له : "إنك تقف الآن أمام محكمة وأنت في وضع العار والخزي". وأصدر القاضي الحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ وبغرامة تبلغ 2000 دولار. فخرج من المحكمة ليجد في مكان آخر 400 زميل له في العمل المخابراتي لأميركي يرحبون به ويتبرعون له بقيمة الغرامة 2000 دولار.

Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق