Facebook

السر لايزال سرّاً .. بقلم : سعد محيو


السر لايزال سرّاً .. بقلم : سعد محيو

ماذا إذا؟
هل حان الوقت كي يُعلن الفلاسفة الماديون والملاحدة، انتصارهم النهائي؟
هذا مايعتقده كلٌ من كريغ فينتور وفرانسيس كريك، اللذين أشرفا على تطوير أول حياة اصطناعية غير موجودة في الطبيعة من مواد كيمائية صرف . فالأول قال إن "البكتيريا التي تم تركيبها ونجحت في التكاثر كمادة حية لتصبح بالبلايين، ستغيّر نظرتنا إلى الوجود ونظرياتنا حول الحياة، وقد تكون لها منافع بيئية واقتصادية كاسحة" . والثاني، الذي سبق له أن رفض التعليم في جامعة كامبردج إذا ما كان فيها كنيسة، كرّس كل نشاطه العلمي لإثبات مادية الوجود عبر هذه التجربة .
حسناً . الانتصار العلمي واضح هنا ولايحتاج إلى إثبات . وكذا الأمر إذا ما ثبت أن هذا النوع الاصطناعي من البكتيريا، أو غيرها من الأنواع التي سيتم تطويرها، ستكون قادرة على تحويل التلوّث إلى طاقة، وعلى امتصاص ثاني أوكسيد الكربون من الجو لصنع الوقود الحيوي وحتى الأدوية .
وكل هذا بالطبع إذا لم "تفلت" البكتيريا الجديدة من المختبر لتتكاثر في الطبيعة بشكل مرَضِي، فتقضي على الحياة على الأرض كما نعرفها .
الآن، وبعد قول كل شيء عن الانجاز، نأتي إلى الإعجاز .
فما عقّب به بعض المُعلقين على هذا الحدث بأنه سيحوّل البشر إلى آلهة إغريق حقيقيين، لا أساس له من الصحة . فلا البشر سيصبحون آلهة، ولا الفكر المادي الالحادي سينتصر .
وهذا لمبرر مُقنع: ففينتور وكريك وبقية العلماء العشرين الذين شاركوا في هذا المشروع الذي كلّف 40 مليون دولار على مدى عشر سنين، لم يستخدموا أربع قوارير من المواد الكيمائية وحسب بل أيضاً (لابل أولاً وأساساً) شيفرة المعلومات الموجودة في الخريطة الجينية الوراثية .
فمن أين جاءت هذه المعلومات؟
إنها حتماً ليس من عنديات العلماء، كما انها حتماً ليست من الأمور العادية في الطبيعة . ففرص تكوّن هذه الخريطة عشوائياً أو بالصدفة يكاد يكون مستحيلاً .
لقد اعترف العالِم فينتر بأن "الحياة هي أساساً عملية معلومات" . بيد أن هذه المعلومات التي تُخلق عبرها المادة ليست هي نفسها مادية، ولاتخضع إلى قوانين الطبيعة . ثم ان كوناً من دون معلومات لايستطيع الوجود، وبالطبع من المستحيل أن يكون فيه علماء كفينتور وكريغ .
هذه نقطة . نقطة أخرى لا تقل أهمية . في الوقت الذي يُصِر فيه العلماء الماديون على عدم وجود عناية إلهية، لايزالون يطلّون على هذا الموضوع من زاوية وثنية قديمة، حين كان القدماء يتخيلون الله تعالى إما صنماً وإما قمراً وإما في أحسن الأحوال متجسداً في صورة رجل جليل له ذقن بيضاء طويلة ويقطن في غرفة في السماء . هذا في حين أن الدين الإسلامي ومتصوفته ثبتّوا فكرة انتشار العناية الإلهية في كل الكون: من أصغر نواة ذرة إلى أضخم المجرات، مروراً بالطبع بكل أشكال الحياة البيولوجية وغير البيولوجية .
لا بل يعتقد العديد من العلماء أن الوعي مبثوث في كل الوجود والموجودات، وهو في نهاية المطاف ليس سوى "معلومات" غير مادية .
ماذا إذاً؟ هل ثمة بعد مبرر لاحتفال الماديين بالنصر؟ لا نعتقد .

الخليج

Share on Google Plus

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق